الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقيقة هذه الاستجابة لذلك المؤثر الخارجي قد تكون قوية، وقد تكون ضعيفة، وبالتالي نحكم عليها بأنها صادقة، أو بأنها كاذبة؛ نتيجة لمؤثر صادق أو كاذب.
المنهج الذي ينهض بذلك ويكشف عن الصدق أو الكذب، والقوة أو الضعف هو المنهج النفسي من خلال دراسة نفسية الأديب، وبيان طبيعتها. كما أنه لا يمكن التعرف على أثر العمل الأدبي في نفس المتلقي -كما سبق- إلا من خلال منهج نفسي واضح، وهذان أهم عنصرين في العمل الأدبي: مصدر الإبداع، وعلاقة الأديب به، ثم المتلقي، ومدى استجابته للعمل الفني. مصدران مهمان جدًّا يكشف المنهج النفسي عن جوانب كثيرة منهما، ولا يحق لمنهج آخر أن يحل محله في ذلك. ومن ثم، فنحن في أشد الحاجة إليه.
المآخذ على المنهج النفسي
ويمكننا القول: إن المنهج النفسي يساعد على فهم الأدب وتفسيره، وإدراك بواعثه، وأثره في نفس المتلقي، كما يساعدنا على فهم طبيعة الأديب نفسه. رغم هذه الكلمات التي قلتها عن قيمته إلا أن هناك بعض المآخذ التي يمكن أن تؤخذ عليه، منها:
أولا: الأدباء في نظر واضعي المنهج النفسي شخصيات غير سوية -هذه حقيقة- والأدب عبارة عن حصيلة نفوس شاذة، تشعر بمركب النقص أحيانا، أو تعاني من صراع الرغبة المكبوتة أحيانًا أخرى، وهذا غير صحيح؛ فالواقع يؤكد أن الأدباء من أرقى طبقات المجتمع حسًّا، وأصفاهم نفسًا، وأصحهم فكرًا، وهم قلب أمتهم النابض، ووترهم الحساس، وأن الأدب أرقى أنواع الفنون كلها، فهذا مأخذ.
مأخذ آخر: تفسيرهم للعمل الأدبي على أساس أنه تعويض عن مركب النقص، أو تعبير عن أساطير الأولين -كما اتضح لنا- أو إظهار لتلك الرغبة الاستبطانية الذاتية التي ترجع في جوهرها إلى عقد نفسية متنوعة، كل ذلك التفسير يسلب النص الأدبي قدره، ويخرج بالأعمال الأدبية التي تصور المجتمع عن مسارها، ولم يقل بذلك أحد؛ لأن هذه الأعمال هي أعمال أدبية رائعة جيدة.
ثالثا: المنهج النفسي كما مر بك يهتم بالأديب أولا، وقبل كل شيء؛ لأنه يبحث في النفس، ويتتبع تطورات نفسه، وأشكال غرائزه، ويهمل النص الأدبي ذاته، ويدرس النماذج الأدبية باعتبارها نماذج بشرية، وهذا تحليل للعمل الأدبي من جانب واحد، وإهمال لمواطن الجمال والقوة فيه. ومن ثم، يستوي أمام هذا المنهج العمل الأدبي الجيد والرديء، فكلاهما يصلح شاهدًا في ضوء النظريات النفسية الحديثة.
رابعا: التوسع في استخدام الدراسات النفسية في مجال البحث الأدبي، وإرجاع كل صياغة فنية إلى أصل نفسي دون النظر إلى المقاييس الجمالية والفنية، كل ذلك يقتل الأدب، ويحوله إلى درس في التحليل النفسي، ويفقد المتلقي الإحساس بالمتعة الفنية التي هي غايته.
وجدير بالذكر أيضا، أن علم النفس مهما بلغ من تقدم في نظرياته ومقاييسه، فإنه لم يحط إحاطة كاملة بكل الجوانب الإنسانية، أو النفسية لشخصية ما، وأن فروضه، وتحليلاته، ونتائجه ليست أمورًا مسلمة، لكنها نسبة تحتمل الصدق والكذب.
والسلام عليكم رحمة الله وبركاته.