الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحقيق العنوان، واسم المؤلف، ونسبة الكتاب
الخطوة الثانية من خطوات التحقيق بعد جمع النسخ وهو تحقيق عنوان الكتاب المخطوط، عنوان الكتاب هو المرآة التي يطل القارئ من خلالها على الكتاب، فتعكس صورته أمامه، وتحقيق عنوان الكتاب وتوثيقه ليس بالأمر الهين، فبعض المخطوطات يكون خاليا من العنوان؛ إما لفقد الورقة الأولى منه أو انطماس العنوان، وأحيانا نجد عنوانا واضحا للمخطوطة، ولكن عند قراءة ذلك العنوان نراه مخالفا للمادة العلمية التي بداخل هذا الكتاب، ويكون ذلك إما بداع من دواعي التزييف، وإما لجهل قارئ ما من القراء وقعت في يده هذه النسخة الخالية من العنوان، فاخترع لها عنوانًا من خياله.
فتحقيق العنوان لا يقل أهمية عن تحقيق النص ذاته؛ لأن الكتاب سوف ينشر بعد تحقيقه، سوف ينسب إلى المؤلف، سوف يشتهر به المؤلف، ومن ثم لابد من تحري الدقة في تحقيقه وتوثيقه، ونسبته إلى صاحبه. إذا كانت النسخة التي تحت يد المحقق هي النسخة التي كتبها المؤلف بخطه أو النسخة الأم، وسجل عليها العنوان وتحقق الباحث من ذلك، فليعتمد العنوان المكتوب، وليبدأ في التحقيق.
أما إذا خلا المخطوط من العنوان أو شك الباحث في العنوان بأي شكل من أشكال الشك، فلكي يطمئن إلى صحة العنوان علي اتباع الآتي: إذا كان العنوان مفقودا لضياع الورقة الأولى من المخطوط مثلا، أو كان مثبتا ولكن تطرق إليه شك الباحث، أو كان في العنوان طمس في هذه الحالات الثلاث؛ فإن ذلك
يحتاج إلى إعمال فكره من خلال عدة محاولات، كالرجوع إلى مقدمة المخطوط، فربما أشار المؤلف إلى العنوان في سياق حديثه، يقول مثلا: هذا مؤلف بعنوان كذا ألفته عن كذا، أو يرجع إلى كتب المؤلف الأخرى ربما يكون قد عرض لذكر هذا المؤلف في إحدى كتبه يقول: لنا مؤلف بعنوان كذا، أو: انظر مؤلفنا بعنوان كذا، أو يرجع الباحث إلى الكتب التي ألفت في الموضوع ذاته الذي تدور حوله هذه المخطوطة.
وذكروا أسماء المؤلفين في هذا فيقولون: فلان ألف كتابا بعنوان كذا، فربما وجد من أصحاب هذه الكتب من اقتبس من المخطوط وذكر عنوانه، أو أشار إليه أو انتفع به بأي صورة من صور الانتفاع العلمي، أو بالرجوع إلى كتب التراجم التي تترجم للعلماء فربما وجد ترجمة لهذا المؤلف، ثم أشار المترجم إلى مؤلفاته، فيقول: ألف كتابا بعنوان كذا، فيعرف العنوان من خلال هذه الإشارة، أو يرجع الباحث مثلا إلى كتب الفهارس التي تكلمت عن مجاميع الكتب في أبوابها مثل (فهرست) ابن النديم، ابن خير الإشبيلي (كشف الظنون) وغيرها من الكتب التي تعد فهارس جامعة لهذه الكتب وعناوينها ومؤلفيها.
الخطوة الثالثة بعد تحقيق العنوان: تحقيق اسم المؤلف، وأقصد بهذا التحقيق التحقق والتثبت من صحة الاسم المذكور، وليس من صحة نسبة المخطوط إليه، هذه خطوة تالية، قد يعتري التصحيف والتحريف أسماء المؤلفين المثبتة على المخطوط، فالمصري قد يحرف إلى البصري، والخراز يحرف إلى الخزاز، الحسن يحرف إلى الحسين، تتأكد من أن الاسم صحيح، وهذا يحتاج إلى تحقيق لا يكتفي الباحث بمجرد الاسم الموجود على المخطوط، ويعارض ويجد الاسم مكتوبا لدى محقق آخر، وهو يحقق كتابا آخر من كتبه، ويتهم هذا
المحقق بأنه أخطأ في الاسم، ولكن هو المخطئ؛ لأن المحقق الآخر تحقق وأثبت أن الاسم فيه تحريف أو كان مكتوبا بطريقة صحيحة على مخطوطه، لابد من التحقق من صحة الاسم بالرجوع إلى كتب التراجم، وستعرف من خلالها الاسم الحقيقي ولا تكتفي بمرجع واحد، فقد يكون وقع التصحيف في ذلك المرجع، وإنما عليك الرجوع إلى أكثر من مرجع.
الخطوة الرابعة بعد تحقيق الاسم والتثبت من صحته: التحقق من نسبة الكتاب أو المخطوط إلى المؤلف، فلا يكفي أن يجد المحقق عنوان الكتاب أو المخطوط واسم المؤلف في بداية النسخة الأم أو في جميع النسخ؛ ليحكم بأن هذا المخطوط من مؤلفات هذا المؤلف، بل لابد من التحقق من صحة النسبة من خلال التحقيق العلمي الذي يطمئن الباحث إليه، ويكون ذلك بالرجوع إلىفهارس المجاميع.
أحيانا تجد العنوان لكن لا تجد اسم المؤلف، فيمكن من خلال العنوان أن تصل إلى اسم المؤلف، ترجع إلى فهارس المكتبات أو كتب التراجم التي أخرجت إخراجا حديثا، وفُهرست فيها الكتب فهرسة جيدة فتجد فيها اسم المؤلف، وعنوان المخطوط أو الكتاب. وقد يصادف الباحث مشكلة في هذه القضية التي يجد نفسه فيها أمام مخطوط مجهول الاسم، واشترك معه كثير من المؤلفين في نفس العنوان، ولابد من الحذر حينئذ في إثبات المؤلف المجهول.
كما لابد من مراعاة اعتبارات تحقيق المادة العلمية للنسخة، الربط بينها وبين أسلوب المؤلف وعصره وحياته، وليعلم الباحث أن عدم ذكر الكتاب في كتب التراجم والطبقات لا يعني الشك في نسبته إلى مؤلفه؛ فإن كتب التراجم والطبقات لم تحط إحاطة تامة بكل المؤلفات، وستظل المصادر الأخرى التي
أشرنا إليها متممة لها في هذا المجال، فتحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه ليس بالأمر الهين ولاسيما الكتب التي لم تنل شهرة واسعة، فلابد أن تعرض نسبة مثل هذه الكتب على فهارس المكتبات، والمؤلفات التي تختص بالكشف عن مثل هذه النسبة؛ ليكون الباحث على يقين من صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
وفي تراثنا العربي بعض الكتب التي دار حول نسبتها لأصحابها كلام، واستطاع العلماء أن يحققوا هذه النسبة ويتيقنوا من صحتها من خلال اعتبارات معروفة، كاعتبار القدر العلمي للمؤلف مثلا، استخدام المادة العلمية التي تدور حولها تلك المخطوطة، بالإضافة إلى الاعتبارات التاريخية، وهي من أقوى المقاييس في تصحيح نسبة الكتاب إلى مؤلفه أو نفيه عنه، وخير دليل على ذلك كتاب (تنبيه الملوك والمكايد) الذي نسب على سبيل الخطأ إلى الجاحظ؛ لأن الأخبار التاريخية التي وردت به وقعت في العصر التالي للجاحظ، فكيف ينسب الكتاب له؟! إنها نسبة مزيفة دون شك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.