الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك المظفر شمس الدين يوسف بن الملك المنصور نور الدين
عمر بن على بن رسول
قام بعد أبيه بملك اليمن فى سنة سبع وأربعين وستمائة.
وحجّ سنة تسع وخمسين، وغسل الكعبة بنفسه، وطيّبها، وكساها من داخلها، وهو أول من كسى الكعبة بعد قتل الخليفة المستعصم ببغداد من الملوك، وذلك أن الحاج انقطع من العراق عن مكة من سنة خمس وخمسين وستمائة إلى سنة ست وستين، فلم يرد من هناك حاج فى هذه المدة، وقام المظفر بمصالح الحرم وأهله، وأكثر من الصداقات ونثر على الكعبة الذهب والفضة، وخطب له بمكة، واستمر يخطب بعده لملوك اليمن على منبر مكة إلى يومنا هذا بعد الخطبة لسلطان مصر.
ولم تزل كسوة الكعبة التى كساها المظفر من داخلها باقية إلى أن كساها الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون هذه الكسوة ـ الموجودة اليوم ـ فى سنة إحدى وستين وسبعمائة.
* * *
السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس
البند قدارى الصالحى النجمى
اشتراه السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن نجم الدين أيوب، وعمله أحد المماليك البحرية بقلعة الروضة، فترقى فى خدمته واستفاد من أخلاقه، وتنقّلت به الأحوال حتى ملك مصر بعد قتل الملك المظفر سيف الدين قطز (1)، وتسلم قلعة الجبل ليلة الاثنين تاسع عشر ذى القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة، واستمر ملكه حتى مات بدمشق فى سابع عشر من المحرم سنة ست وسبعين وستمائة، وقد ملك مدة سبع عشرة سنة وشهرين واثنى عشر يوما.
وحجّ سنة سبع وستين وستمائة، ولذلك خبر طويل قد ذكرته فى ترجمته من «كتاب التاريخ الكبير المقفى» ، و «كتاب أخبار ملوك مصر» وملخص ذلك أنه أجلس
(1) انظر: (مورد اللطافة 35 ـ 38، ابن إياس 1/ 96، السلوك 1/ 417 ـ 435، النجوم الزاهرة 7/ 72، فوات الوفيات 2/ 132، الأعلام 5/ 201).
ابنه الملك السعيد محمد بركة خان (1) فى مرتبة الملك وحضر الأمراء فقبلوا الأرض بين يديه، وجلس الأمير عز الدين أيدمر الحلى ـ نائب السلطنة ـ وجلس الأتابك، والصاحب بهاء الدين على بن حنّا وكتاب الإنشاء، والقضاة، والشهود، وحلّف له الأمراء وسائر العساكر فى تاسع صفر منها، وركب فى ثالث عشره فى الموكب كما يركب والده، وجلس فى الإيوان، وقرئت عليه القصص، وقرئ فى العشرين منه تقليد بتفويض السلطنة له فى الإيوان، واستمر جلوسه فيه لقضاء الأشغال، ووقّع، وأطلق وركب فى المواكب.
وأقام السلطان الأمير بدر الدين بيليك الخازندار نائبا عنه عوضا عن الحلى، وسار إلى الشام فى ثانى عشر جمادى الآخرة بحصة من العساكر وترك أكثرها مع ولده الملك السعيد، ونزل بخربة اللصوص ـ خارج دمشق ـ وسار متنكرا إلى القاهرة ليشاهد أحوال ولده، فخفى ذلك على جميع من معه من العسكر حتى عاد إليهم، وفى حكاية ذلك هنا طول ليس من قصد هذا الجزء.
واتفق الاختلاف بين الشريف نحم الدين أبى نمى وبين عمه الشريف بهاء الدين إدريس أميرى مكة، فرتّب السلطان لهما عشرين ألف درهم نقرة فى كل سنة عوضا عما يؤخذ بمكة من المكوس، وأن لا يمنع أحد من دخول الكعبة، وأن يخطب له بمكة والمشاعر، وتضرب السكة باسمه، فأجاباه، وكتب لهما تقليد الإمارة، وسلمت أوقاف الحرم بمصر والشام لنوابهما.
وسلم للشريف قاضى المدينة النبوية وخطيبها ووزيرها ـ عندما حضر برسالة الأمير عز الدين جماز أمير المدينة ـ الجمال التى نهبها الأمير أحمد بن حجى (2) لأشراف المدينة ـ وهى ثلاثة آلاف بعير ـ ليوصلها لأربابها.
وأنعم على الطواشى جمال الدين محسن الصالحى ـ شيخ الخدام بالحجرة الشريفة ـ بمائتى ألف درهم، وأعاده مع القاضى صحبة الركب الشامى وقدم الأمير شرف الدين
(1) انظر: (تاريخ سلاطين المماليك 452، 455، 470، السلوك 2/ 238، أبو الفداء 3/ 12، مورد اللطافة 40، ابن الفرات 7/ 165، ابن إياس 1/ 112، النجوم الزاهرة 7/ 259، ابن الوردى 2/ 227، الأعلام 7/ 52).
(2)
انظر: (الضوء اللامع 1/ 296، المنتخب من شذرات الذهب ـ خ، القلائد الجواهرية 112 النعيمى 1/ 138، التبيان ـ خ، شذرات الذهب 7/ 116، الأعلام 1/ 110).
عيسى بن مهنا (1) إلى الدهليز بالخربة، فأوهم السلطان أنه يريد الحركة إلى العراق، وأمره بالتأهب ليركب إذا وعى وردّه لبلاده، وكان السلطان فى الباطن إنما يريد الحركة للحجاز لكنه ورّى بالعراق.
فلما دخل شوّال أنفق فى العساكر جميعها، وجرّد طائفة مع الأمير أقوش الرومى السلاح دار ليكونوا صحبة الركاب السلطانى، وجرّد طائفة مع الأمير شمس آق سنقر الفارقانى الأستادار إلى دمشق ليقيموا ظاهرها.
وتوجه السلطان للحج ومعه الأمير بدر الدين الخازندار، وقاضى القضاة صدر الدين سليمان الحنفى، وفخر الدين إبراهيم بن لقمان (2) كاتب السر، وتاج الدين بن الأثير، ونحو ثلاثمائة مملوك، وعدة من أجناد الحلقة.
وسار من الغور يوم خامس شوال كأنه يتوجه إلى الكرك كأنه يتصيد، ولم يجسر أحد أن يتحدث بأنه متوجه إلى الحجاز وذلك أن الحاجب جمال الدين بن الداية كتب إلى السلطان يسأله:«إنى أشتهى أن أتوجه صحبة السلطان إلى الحجاز» ، فأمر بقطع لسانه، فلم يتفوه أحد بعدها بذلك، فوصل إلى الكرك أول يوم من ذى القعدة، وكان قد دبر أموره خفية من غير أن يطلع أحد على شيء مما فعله، بحيث أنه جهّز البشماط والدقيق والروايا والقرب والأشربة، وعين العربان المتوجهين معه والمرتبين فى المنازل من غير أن يشعر أحد من الخاصة فضلا عن العامة بذلك، ففرّق فى المجردين معه الشعير، وبعث الثقل فى رابعه، وتبعه فى سادسه، فنزل الشّوبك، ورسم بإخفاء خبره.
واستقل بالمسير فى حادى عشره، وأنفذ البريد إلى قلعة الجبل لمهمات له، فجهزت الكتب مع العربان، وقدم المدينة فى خامس عشريه فلم يقابله الأمير جماز ولا مالك، أميرا المدينة، وفرّا منه، فأعرض عنهما. ورحل فى سابع عشريه وأحرم فدخل مكة فى خامس ذى الحجة، وأعطى خواصه جملة أموال لتفرق فى الناس سرا، وعم أهل الحرمين بالكسوة التى فرّقها، وصار كآحاد الناس لا يحجبه أحد، ولا يحرسه إلا الله تعالى، وبقى منفردا يصلى وحده، ويطوف وحده، ويسعى وحده، فلا يعرفه إلا من يعرفه، وغسل الكعبة بيده بماء الورد، وصار بين جميع الناس على اختلاف طبقاتهم
(1) انظر: (غربال الزمان ـ خ، السلوك 1/ 726، النجوم الزاهرة 7/ 363، تاريخ ابن الفرات 8/ 12، ابن خلدون 5/ 438، صبح الأعشى 4/ 206، الأعلام 5/ 109).
(2)
انظر: (النجوم الزاهرة 6/ 366، 8/ 50، 51، البداية والنهاية 13/ 337، السلوك 1/ 356 7822، 804، مرآة الزمان 8/ 778 ـ 779، الأعلام 1/ 58).
وتباين أجناسهم، وما منهم إلا من يرمى إليه إحرامه فيغسله بيده ويناوله صاحبه، وجلس على باب الكعبة، وأخذ بأيدى الناس ليطلعهم إليها، فتعلق بعض العامة بإحرامه ليطلع فقطعه، وكاد يرمى السلطان عن العتبة إلى الأرض، وهو مستبشر بجميع ذلك وعلّق كسوة الكعبة بيده ـ ومعه خواصه ـ وتردّد إلى من بمكة والمدينة من أهل الخير يلتمس بركتهم، ويسأل دعاءهم، هذا وقاضى القضاة صدر الدين سليمان بن عبد الحق الحنفى معه طول طريقه يستفتيه، ويتفهم منه أمور دينه، ولم يغفل مع ذلك عن تدبير الممالك، وكتّاب الإنشاء تكتب عنه فى المهمات.
وكتب إلى صاحب اليمن ينكر عليه أمورا ويقول: «سطرتها من مكة المشرفة وقد أخذت طريقها فى سبع عشرة خطوة» ـ يعنى بالخطوة المنزلة ـ ويقول: «الملك هو الذى يجاهد فى الله حق جهاده، ويبذل نفسه فى الذبّ عن حوزة الدين، فإن كنت ملكا فاخرج والق التتر» .
وأحسن إلى أميرى مكة، وإلى أمير ينبع، وأمير خليص، وأكابر الحجاز. وكتب منشورين لأميرى مكة، ورتب معهما الأمير شمس الدين مروان نائب أمير جاندار بمكة حسب سؤالهما، ليكون مرجع الأمور إليه، والحل والعقد على يديه، وزاد أميرى مكة مالا وغلالا فى كل سنة لأجل تسبيل الكعبة للناس.
وسار من مكة بعد قضاء النسك فى ثالث عشره، وقدم المدينة النبوية ثانيا فى عشرينه، فبات بها، وسار من غده، فجدّ فى السير ومعه عدة يسيرة، فقدم الكرك بكرة يوم الخميس سلخه من غير أن يعلم أحد بوصوله حتى نزل مشهد جعفر الطيار رضى الله عنه بقرية مؤتة، فتلقاه الناس بها، ودخل المدينة وعليه عباءته التى سار بها، وهو راكب راحلته، فبات بها.
ورحل من الغد بعد ما صلى الجمعة، مستهل المحرم سنة ثمان وستين وستمائة، ومعه مائة فارس، بيد كل فارس منهم فرس وساق إلى دمشق سائر من ببلاد مصر والشام من الأمراء ومن دونهم لا يعرفون شيئا من خبر السلطان، هل هو فى الشام أو الحجاز أو غير ذلك من بلاد الله ولا يجسر أحد من شدة مهابته والخوف منه أن يتكلم بشيء من خبره، ولا يسأل عنه.
فلما قارب دمشق بعث أحد خاصته على البريد بكتب البشارة إلى دمشق بالسلامة بعد قضاء الحج، فلما دخل الأمير جمال الدين التجيبى ـ نائب دمشق ـ جمع الأمراء