الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادى والعشرون
فى ذكر الأماكن المباركة التى ينبغى زيارتها الكائنة بمكة المشرفة، وحرمها وقربه
(1).
هذه الأماكن: مساجد، ودور، وجبال، ومقابر.
والمساجد أكثر من غيرها، إلا أن بعضها مشتهر باسم المولد، وبعضها باسم الدور.
وسيأتى ذكر هذين الأمرين قريبا. والمقصود، ذكره هنا: ما اشتهر من ذلك بالمسجد.
فمن ذلك: مسجد بقرب المجزرة الكبيرة من أعلاها، يقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيه المغرب على ما وجدت بخط عبد الرحمن بن أبى حرمى مسند مكة وموثقها.
وفيه: أنه عمر فى رجب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وعمر سنة سبع وأربعين وستمائة.
ومن ذلك: مسجد فوقه، يقال له: مسجد الراية. يقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيه.
وعمره عبد الله بن العباس بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس، ثم عمر فى سنة أربعين وستمائة، وفى سنة إحدى وثمانمائة.
ومن ذلك: مسجد بسوق الليل بقرب المولد النبوى: يقال له المختبى، يزوره الناس فى يوم المواليد.
ومن ذلك: مسجد بأسفل مكة ينسب للصديق رضى الله عنه، يقال: إنه من داره التى هاجر منها.
ومن ذلك: مساجد خارج مكة من أعلاها.
منها: المسجد الذى يقال له مسجد الإجابة فى شعب بقرب ثنية أذاخر، يقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيه.
ومن ذلك: مسجد البيعة، وهى بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار. وهذا المسجد بقرب عقبة منى، بينه وبين العقبة غلوة أو أكثر، وهو على يسار الذاهب إلى منى.
(1) انظر: (شفاء الغرام 260 ـ 287).
وعمر فى سنة أربع وأربعين ومائة، وفى سنة تسع وعشرين وستمائة.
ومن ذلك: مسجد بمنى عند الدار المعروفة بدار النحر، بين الجمرة الأولى والوسطى على يمين الصاعد إلى عرفة، يقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيه الضحى ونحر هديه. وما عرفت من خبر عمارته سوى أنه بنى فى سنة خمس وأربعين وستمائة بعد.
ومن ذلك: مسجد بلحف ثبير بمنى، يقال له: مسجد الكبش ـ وهو الكبش الذى فدى به إسماعيل بن إبراهيم، أو إسحاق بن إبراهيم على الخلاف فى أيهما الذبيح.
وذكر الفاكهى خبرا يقتضى أن هذا الكبش نحر بين الجمرتين بمنى. وهذا يخالف ما سبق. والله أعلم.
ومن ذلك: مسجد الخيف بمنى، وهو مشهور عظيم الفضل، لأن فيه صلى سبعون نبيا، وفيه قبر سبعين نبيا، على ما رويناه مرفوعا فى البزار. والأول من الطبرانى الكبير مرفوعا.
وممن قبر فيه على ما قيل: آدم عليه السلام.
وفى رواية أبى هريرة رضى الله عنه أنه أحد المساجد التى تشد إليها الرحال وإسناد الحديث إليه ضعيف. وجاء عنه ما يقتضى استحباب زيارته كل سبت.
ومصلى النبى صلى الله عليه وسلم فيه أمام المنارة قريبا منها، وعمر مرات. وفى أصله طرف من ذلك.
ومن ذلك: المسجد الذى اعتمرت منه عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها فى حجة الوداع.
وهذا المسجد بالتنعيم. واختلف فيه.
فقيل: إنه المسجد الذى يقال له مسجد الهليلجة بشجرة كانت فيه. وهو المتعارف عند أهل مكة على ما ذكر سليمان بن خليل.
وقيل: إنه المسجد الذى أمامه إلى طريق الوادى، وبقربه بئر.
ورجح هذا القول: المحب الطبرى.
وفى كل منهما أحجار قديمة بسبب عمارته مكتوب فيها ما يدل على أنه مسجد عائشة رضى الله عنها. وفى أصله طرف من خبر عمارتهما.
وبين مسجد الهليلجة والأعلام التى هى حد الحرم من جهة التنعيم فى الأرض ـ لا التى فى الجبل ـ سبعمائة ذراع وأربعة وعشرون ذراعا بالحديد.
ومن ذلك: مسجد يقال له مسجد الفتح بقرب الحموم من وادى مر، يقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيه. والله أعلم.
وأما المواضع المشهورة بالمواليد.
فمنها: مولد النبى صلى الله عليه وسلم بسوق الليل. وهو مشهور.
وذكر السهيلى فى خبر مولد النبى صلى الله عليه وسلم ما يستغرب. وذكرنا ذلك فى أصله.
وأغرب منه ما قيل: إن النبى صلى الله عليه وسلم ولد بالرّدم. وقيل: بعسفان. ذكره مغلطاى فى سيرته.
والمراد بالردم: ردم بنى جمح، لا الردم الذى بأعلى مكة. فإنه لم يكن إلا فى خلافة عمر رضى الله عنه.
ومنها: مولد السيدة فاطمة الزهراء بنت المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو مكان مشهور من دار أمها خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها.
ومنها: مولد على بن أبى طالب رضى الله عنه بالشعب، فوق مولد النبىصلى الله عليه وسلم. وهذا الموضع لم يذكره الأزرقى. وذكره ابن جبير، وعلى بابه حجر مكتوب فيه: إنه مولد على بن أبى طالب رضى الله عنه. وفيه ربى النبى صلى الله عليه وسلم.
ومنها: مولد حمزة عم النبى صلى الله عليه وسلم بأسفل مكة قريبا من باب اليمن.
ومنها: مولد عمر رضى الله عنه بالجبل الذى تسميه أهل مكة التوبى بأسفل مكة.
ولم أر ما يدل بصحة ما قيل فيه، وفى الذى قبله. والله أعلم.
ومنها: مولد جعفر رضى الله عنه فى دار أبى سعيد عند دار العجلة. وبعض الناس ينسب هذا المولد إلى جعفر بن أبى طالب. وعلى بابه حجر مكتوب فيه: إنه مولد جعفر الصادق، ودخله النبى صلى الله عليه وسلم. ولا منافاة بين كونه جعفر الصادق، وبين دخول النبى صلى الله عليه وسلم إليه لإمكان أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم دخله قبل أن يولد فيه جعفر. والله أعلم.
وأما الدور المباركة بمكة.
فمنها: دار أم المؤمنين رضى الله عنها. ويقال لها الآن مولد فاطمة رضى الله عنها. وفيها ثلاث مواضع تقصد بالزيارة متلاصقة.
أحدها: الموضع الذى يقال له: مولد فاطمة.
والموضع الذى يقال له: قبة الوحى.
والموضع الذى يقال له: المختبأ. وبها مواضع أخر على هيئة المسجد.
وهذه الدار أفضل الأماكن بمكة بعد المسجد الحرام، على ما ذكر المحب الطبرى. ولعل ذلك لسكنى النبى صلى الله عليه وسلم فيها سنين كثيرة، من حين تزوج خديجة، وإلى حين هاجر، ولكثرة نزول الوحى عليه فيها.
وفيها: بنى النبى صلى الله عليه وسلم بخديجة.
وفيها: ولدت أولادها منه.
وفيها: ماتت رضى الله عنها.
ومنها: دار تنسب للصديق رضى الله عنه بالزقاق الذى فيه دار خديجة رضى الله عنها. ويعرف الآن بزقاق الحجر، ويقال له فيما مضى: زقاق العطارين. ذكر ذلك الأزرقى.
وفى هذه الدار مسجد عمره المنصور صاحب اليمن قبل سلطنته فى حال نيابته على مكة للمسعود سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
ومقابل هذه الدار حجر ناتئ فى جدار من الدار المقابلة لها يقال: إنه الذى كلم النبى صلى الله عليه وسلم، على ما حكى الميانشى عن كل من لقيه بمكة. وذكر ذلك ابن جبير. فإن صح كلامه للنبى صلى الله عليه وسلم: فلعله الحجر الذى كان يسلم عليه ليالى بعث بمكة.
وقيل: إن الذى كان يسلم عليه فى هذا التاريخ: هو الحجر الأسود. والله أعلم.
ومنها: دار الخيزران عند باب الصفا، وهى دار الأرقم المخزومى.
والمقصود بالزيارة منها: مسجد مشهور فيها، ويقال له: المختبأ لأن فيه كان النبىصلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام مستخفيا. وهناك أسلم جماعة من جملة الصحابة، منهم: عمر الفاروق رضى الله عنه.
ولعل دار الأرقم هذه أفضل الأماكن بمكة بعد دار خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها.
ومنها: دار العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه. وهى الآن رباط للفقراء وبها علم يهرول منه وإليه الساعى.
ومنها: رباط الموفق بأسفل مكة لأنه بلغنى عن الشيخ خليل المالكى: أن الدعاء مستجاب فيه أو عند بابه.
ومنها: معبد الجنيد شيخ الطائفة الصوفية. وهو بلحف الجبل الأحمر، أحد أخشبى مكة:
وأما الجبال المباركة بمكة وحرمها:
فأبو قبيس؛ لأن الركن الأسود كان مستودعا فيه عام الطوفان.
فلما بنى الخليل الكعبة نادى أبو قبيس: الركن منى بمكان كذا وكذا. فجاء به جبريل إلى الخليل، فوضعه موضعه فى الكعبة. ولذلك قيل لأبى قبيس: الأمين.
وفيه على ما يقال: قبر آدم عليه السلام فى غار يقال له: غار الكنز، فيما قال وهب ابن منبه. وهذا الغار غير معروف.
وقد سبق أن قبر آدم بمسجد الخيف.
وقيل: قبره عند مسجد الخيف.
وقيل: فى الهند فى الموضع الذى نزل فيه من الجنة. وصححه ابن كثير.
وفى تاريخ الأزرقى: ما يوهم أنه بيت المقدس، فيتحصل فى موضع قبره خمسة أقوال.
وفى أبى قبيس، على ما قيل: قبر شيث، وأمه حواء، على ما وجدت بخط الذهبى.
وفى أبى قبيس: انشق القمر للنبى صلى الله عليه وسلم، على ما يروى عن ابن مسعود رضى الله عنه، فيما ذكر الفاكهى. ولم أر ما يدل على ما يقال فى موضع الانشقاق بأبى قبيس. والله أعلم.
ويروى من حديث ابن مسعود «أن القمر انشق بمنى» وهذا فى مسلم فى روايته عن منجاب بن الحارث. والله أعلم.
ومن فضائل أبى قبيس: أن الدعاء يستجاب فيه. وهذا فى الفاكهى. وهو أول جبل وضع فى الأرض. وهذا فى الأرزقى عن ابن عباس رضى الله عنهما.
ومن خواصه ـ على ما ذكر القزوينى فى عجائب المخلوقات ـ ما قيل: إن من أكل عليه الرأس المشوى يأمن من أوجاع الرأس.
قال القزوينى: وكثير من الناس يفعل ذلك. انتهى.
وكان بعض مشايخنا يفضل جبل أبى قبيس على جبل حراء، ويحتج فى ذلك: بكونه أقرب إلى الكعبة من حراء.
وفى النفس من ذلك شيء لكثرة مجاورة النبى صلى الله عليه وسلم لحراء، وما نزل فيه من الوحى عليه. ولم يتفق له مثل ذلك فى أبى قبيس، فلا يكون أفضل من حراء. والله أعلم.
ومنها: جبل الخندمة؛ لأن الفاكهى روى بسنده إلى ابن عباس رضى الله عنهما. قال: «ما نظرت مكة قط إلا كان للخندمة عزة. وذلك أن فيها قبر سبعين نبيا» والخندمة معروفة عند الناس بقرب أبى قبيس.
ومنها: جبل حراء بأعلى مكة، لكثرة مجاورة النبى صلى الله عليه وسلم فيه. وما خصه الله به فيه من الكرامة بالرسالة إليه ونزول الوحى فيه عليه. وذلك فى غار مشهور فى هذا الجبل يأثره الخلف عن السلف ويقصدونه بالزيارة، وبين حراء ومكة ثلاث أميال.
قاله صاحب المطالع وغيره.
وقيل: ميل ونصف. قاله البكرى ـ وهو بعيد.
وقيل: أربعة أميال. كذا فى تفسير ابن عطية، والله تعالى أعلم.
ومنها: جبل ثور بأسفل مكة لاختفاء النبى صلى الله عليه وسلم والصديق رضى الله عنه فى غار به. وهذا الغار مشهور عند الناس ويدخلونه من باب المتسع والضيق، وقد وسع بابه الضيق لانحباس بعض الناس فيه، وذلك فى سنة ثمانمائة أو قبلها أو بعدها بيسير.
وما ذكرناه فى تسمية هذا الجبل «بثور» هو المعروف. وسماه البكرى «بأبى ثور» . وذكر أنه على ميلين من مكة، وأن ارتفاعه نحو ميل، وذكر ابن الحاج أنه من مكة على ثلاثة أميال.
ومنها: جبل ثبير بمنى؛ لأنا روينا من حديث أنس رضى الله عنه مرفوعا «أن الله سبحانه وتعالى لما تجلى للجبل تشطى فطارت لطلعته ثلاثة أجبل فوقعت بمكة، وثلاث أجبل فوقعت بالمدينة، فوقع بمكة حراء وثبير وثور، وبالمدينة أحد وورقان ورضوى» أخرجه الأزرقى.
وقال القزوينى: إنه جبل مبارك يقصده الزوار.
ذكر النقاش المفسر: أن الدعاء مستجاب فى ثبير.
ومنها: الجبل الذى يلحقه مسجد الخيف، لأن فيه غارا يقال له: غار المرسلات يأثره الخلف عن السلف. ويدل له حديث ابن مسعود رضى الله عنه «بينا نحن مع النبىصلى الله عليه وسلم فى غار بمنى، إذ نزلت عليه سورة المرسلات ـ الحديث» .
أخرجه البخارى فى باب ما يقتل المحرم من الدواب.
وفى بعض نسخ مسند ابن حنبل من مسند ابن مسعود رضى الله عنه، ما يقتضى أن هذه السورة نزلت بحراء، فإن لم يكن فى ذلك تصحيفا فهو مخالف لما قيل فى هذا الغار. والله أعلم.
وأما مقابر مكة، فمنها: المقبرة المعروفة بالمعلاة، وهى مشهورة كثيرة الفضل والبركة لما حوته من سادات الصحابة والتابعين، وكبار العلماء والصالحين، ولما جاء فيها من الفضل عن النبى صلى الله عليه وسلم لأنا روينا من حديث ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«نعم المقبرة هذه، مقبرة أهل مكة» .
أخرجه الأزرقى. قال: وكان أهل مكة يدفنون موتاهم فى جنبى الوادى يمنه وشامه فى الجاهلية وفى الإسلام، ثم حول الناس قبورهم إلى الشعب الأيسر لما فيه من الرواية. انتهى.
والرواية التى جاءت فيه، ما يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:«نعم الشعب ونعم المقبرة» . انتهى.
ومن فضائل مقبرة المعلاة: ما حكاه بعض الصالحين عن بعض الموتى بالمعلاة أنهم قالوا: ما يقف حال أحد فى هذا المكان، وأنهم غير محتاجين إلى ما يهدى إليهم من قراءة أو نحوها.
ومنها: المقبرة العليا، وهى على ما ذكر الأزرقى عند ثنية أذاخر.
وقال فى موضع آخر: آل أسيد، وآل سفيان بن عبد الأسد بن قنون بالمقبرة العليا بحائط خرمان، انتهى.
وحائط خرمان هو الموضع المعروف بالخرمانية وهو وديان بأعلى المعابدة وثنية أذاخر فوق ذلك.
ومنها: مقبرة المهاجر بالحصحاص، وهى على مقتضى ما ذكر الأزرقى فى تعريفها عند الثنية التى يتوجه منها إلى المعلاة، وتسميها الناس الحجون الأول. والله أعلم.
ومنها: مقبرة بأسفل مكة دون باب الشبيكة، وقريب منه، وهى مشهورة عند الناس لما حوته من أهل الخير الغرباء وغيرهم.
وذكر الفاكهى: أن الأحلاف كانوا يدفنون بأسفل مكة، والمطيبين بأعلا مكة، والظاهر أن المقبرة التى كان يدفن بها الأحلاف هى مقبرة الشبيكة. والله أعلم.
والأحلاف: طوائف من قريش. وكذلك المطيبون، وهم مذكورون فى أصله.
ومن القبور المباركة التى ينبغى زيارتها: قبر ميمونة أم المؤمنين رضى الله عنها بسرف، وهو مشهور عند الناس، يأثره الخلف عن السلف.
وكان بناء النبى صلى الله عليه وسلم، لميمونة فى سرف، وسرف من مكة على أميال. قيل: ستة، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة ـ بتقديم التاء ـ وقيل: بريد. والله تعالى أعلم.
* * *