الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أسمائه ونسبه وشيء من حاله من حين ولادته
وإلى وفاته وغير ذلك من حال عمله
للمصطفى: صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة تقرب من الثلاثمائة على ما قال ابن دحية، وانتهى بها بعض المتصوفة إلى ألف (1).
وأشهرها: محمد، وأحمد، وبهما سماه الله فى القرآن العظيم، الماحى، الحاشر، العاقب، يكنى: أبا القاسم، وأبا إبراهيم.
ابن: عبد الله بن عبد المطلب، واسمه: شيبة الحمد، وقيل: عامر بن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف، واسمه المغيرة بن قصى، واسمه: زيد، وقال الشافعى: يزيد ـ فيما حكاه الحاكم أبو أحمد بن كلاب ـ واسمه حكيم، وقيل: عروة بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر. وهو جماع قريش فى قول الكلبى، وغيره.
ابن: مالك بن النضر، واسمه قيس، وهو: قريش فى قول ابن إسحاق.
ابن: كنانة بن خزيمة بن مدركة، واسمه: عمرو. وقال ابن إسحاق: عامر بن إلياس، واسمه: حبيب بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، إلى هنا مجمع عليه، وما فوق ذلك: مختلف فيه (2).
وأشهره: ابن أدد ويقال: أد بن أدد بن مقوم، بن ناجور، بن تيرح، بن يعرب، بن يشجب، وقيل: يشجب بن يعرب، بن يشجب، بن نابت، بن إسماعيل، وتفسيره: مطيع
(1) راجع أسماؤه صلى الله عليه وسلم فى: (الوفا 99، وصحيح البخارى، كتاب المناقب باب 17 ما جاء من أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحيح مسلم، كتاب الفضائل باب أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم سنن الترمذى كتاب الأدب باب ما جاء فى أسماء الرسول الله صلى الله عليه وسلم 5/ 135، سنن الدارمى، كتاب الرقاق باب فى أسماء النبى صلى الله عليه وسلم 2، 317، مسند أحمد 4/ 80، 81، 84، دلائل النبوة للبيهقى 1، 152، 153، ، دلائل النبوة لأبى نعيم 26، تفسير ابن كثير 5/ 382، 6/ 425، 8/ 135، إمتاع الأسماع 1/ 30، تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزى 9، طبقات ابن سعد 1/ 55، تاريخ الخميس 1/ 206).
(2)
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه انتسب إلى عدنان ولم يتجاوزه، بل روى من طريق ابن عباس أنه لما بلغ عدنان، قال:«كذب النسابون» . مرتين أو ثلاثا. انظر: (سيرة ابن هشام 1/ 1، 2، دلائل النبوة للبيهقى 1/ 179، 180، تاريخ الطبرى 2/ 272، البداية والنهاية 2/ 272، الروض الأنف 1/ 8، الوفا لابن الجوزى 70).
الله الذبيح، ويلقب: أعراق الثرى، بن إبراهيم خليل الرحمن، ويكنى: أبا الضيفان، وتفسيره: أب راحم، بن تارح، وهو: آزر، بن ناحور بن ساروح، بن راعوا، ويقال: أرغوا، ومعناه: قاسم بن فالح، ويقال: فالع بن عيبر، ويقال عابر، وهو: هود عليه السلام، بن شالح، ومعناه: الرسول، ويقال: الوكيل، بن إرفخشد، ويقال: الفخشيد، ويقال: الفخشد، ومعناه: مصباح مضئ، بن سام، بن نوح، واسمه: عبد الغفار بن لامك، ويقال: لمكان بن متوشلخ بن خنوخ، ويقال: أخنخ، ويقال: أخنوخ، ويقال: أهنخ، وهو: إدريس عليه السلام بن يرد، ويقال: يارد، ويقال: الزايد، ومعناه: الضابط، ابن مهليل، ويقال: مهلابيل، ومعناه: الممدح، بن قينن، ويقال: قينان. ومعناه: المستولى، ابن يانش، ومعناه: الصادق، بن شيث، ويقال: شاث، ومعناه: هبة الله، ويقال: عطية الله، بن آدم أبى البشر، ويقال: أبو محمد لمحمد ابنه عليهما السلام.
أمه عليه السلام: آمنة ابنة وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، ويقال: عبد مناف بن كلاب وزهرة: أمه. فيما قاله ابن قتيبة. والجوهرى. وفى ذلك نظر (1).
ولد صلى الله عليه وسلم بمكة فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف أخى الحجاج بن يوسف، ويقال: بالشعب، ويقال بالروم، ويقال: بعسفان.
قلت: قال السهيلى: ولد بالشعب، وقيل: بالدار التى عند الصفا، وكانت بعد لمحمد ابن يوسف أخى الحجاج، ثم بنتها زبيدة مسجدا حين حجت. انتهى.
والدار التى عند الصفا: هى دار الخيزران، ودار ابن يوسف بسوق الليل، وهى الموضع المعروف بمولده عليه الصلاة والسلام. وهذا الذى قاله السهيلى فى ولادته بالدار التى عند باب الصفا غريب. والله أعلم. انتهى (2).
يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقيل: لثمان، وقيل: لعشر، وقيل: لثنتى عشر. وحكى فيه ابن الجزار الإجماع. وفيه نظر. وقيل: لثمان عشرة. وقيل: لسبع عشرة. وقيل: لثمان بقين منه. وقيل: فى أوله حين طلع الفجر يوم أرسل الله الأبابيل ـ وهى: الجماعات. واحدها: أبول. وقيل: لا واحد لها ـ على أهل الفيل. وقيل: عام الفيل.
وحكى ابن الجزار فيه الإجماع. وفيه نظر. وقيل بعد الفيل بشهر، وقيل: بأربعين
(1) انظر: (سيرة ابن هشام 1/ 144، إمتاع الأسماع 1/ 30).
(2)
انظر: (تاريخ الخميس 1/ 198، إمتاع الأسماع 1/ 31، الوفا 86، دلائل النبوة للبيهقى 1/ 72، سيرة ابن هشام 1/ 171).
يوما، وقيل: بشهرين وستة أيام، وقيل: بخمسين يوما، وقيل: بخمسة وخمسين يوما، وقيل: بعشر سنين، وقيل: بثلاثين عاما، وقيل: بأربعين عاما، وقيل بسبعين، وقيل: لثنتى عشرة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين، من غزوة أصحاب الفيل، وقيل: ولد يوم عاشوراء، وقيل: فى صفر، وقيل: فى ربيع الآخر (1).
لم تجد لحمله ثقلا ولاحما. وفى حديث شداد عكسه.
وجمع بأن: الثقل فى ابتداء العلوق، والخفة عند استمرار الحمل، ليكون فى ذلك خارجا عن المعتاد، مختونا، مسرورا، مقبوضة أصابع يده، مشيرا بالسبابة كالمسبح بها (2).
وقيل: إن جده ختنه صلى الله عليه وسلم يوم سابعه. وقيل: جبريل، وختم حين وضعه بالخاتم. ذكره ابن عابد. وسماه الله محمدا، قالته أمه. وقيل: إن جده سماه فى سابعه (3).
واختلف فى مدة الحمل به صلى الله عليه وسلم. فقيل: تسعة أشهر، وقيل: عشرة، وقيل: ثمانية.
وقيل: سبعة، وقيل: ستة (4).
وتوفى أبوه وهو صلى الله عليه وسلم حمل. وقيل: بعد ولادته بشهرين، وقيل: بأكثر من ذلك (5).
(1) اتفق أن ولادته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لحديث أبى قتادة أن رجلا سأل رسول صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين، فقال:«ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علىّ فيه» . أخرجه مسلم فى صحيحه كتاب الصيام باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، حديث 197. انظر:(تاريخ الخميس 1/ 196، 197، إمتاع الأسماع 1/ 3، الوفا 86، 87، دلائل النبوة 1/ 74، سيرة ابن هشام 1/ 171).
(2)
اختلف فيه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ولد مختونا مسرورا، وروى فى ذلك حديث لا يصح، ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات، وليس فيه حديث ثابت، وليس هذا من خواصه صلى الله عليه وسلم، فإن كثيرا من الناس يولد مختونا. القول الثانى: أنه صلى الله عليه وسلم شق قلبه الملائكة عند ظئره حليمة.
القول الثالث: أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا. ومعنى مختونا: أى مقطوع الختان، ومسرورا أى مقطوع السّرّة من بطن أمه.
انظر: البداية والنهاية 2/ 265، إمتاع الأسماع 1/ 32، تاريخ الخميس 1/ 204، 205، دلائل النبوة للبيهقى 1/ 114، تاريخ ابن عساكر 1/ 282 (تهذيبه)، طبقات ابن سعد 1/ 103، مجمع الزوائد 8224، ميزان الاعتدال 2/ 172، الخصائص الكبرى للسيوطى 1/ 132، الوفا 94).
(3)
انظر: (طبقات ابن سعد 1/ 103، صفة الصفوة 1/ 53، البداية والنهاية 2/ 265، الروض الأنف 1/ 184، سيرة ابن هشام 1/ 147، إمتاع الأسماع 1/ 32).
(4)
كذا فى تاريخ الخميس 1/ 186 نقلا عن المواهب اللدنية. راجع أيضا: (إمتاع الأسماع 1/ 32).
(5)
فى تاريخ الخميس 1/ 186: «فى أسد الغابة لابن الأثير: توفى أبوه عبد الله وأمه حامل به. ـ
وأرضعته صلى الله عليه وسلم: ثويبة عتيقة عمه أبى لهب بلبن ابنها مسروح (1) وأرضعته صلى الله عليه وسلم أيضا: حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية (2). وصحح ابن حبان وغيره: حديثا دل على إسلامها بلبان ابنها عبد الله أخى أنيسة، وجذامة (3). وهى الشيماء القادمة عليه عليه السلام بحنين.
وقيل: بل كانت أمه صلى الله عليه وسلم حليمة أولا عند الحارث بن عبد العزى.
ـ وفى المواهب اللدنية: ولها من حملها شهران، وقيل: قبل ولادته بشهرين. كذا فى سيرة مغلطاى. وقيل: توفى وهو فى المهد. قاله الدولابى. وعن أبى، وعن خيثمة: وهو ابن شهرين، وقيل ابن سبعة أشهر، وقيل: وهو ابن ثمانية وعشرين شهرا. وكذا فى سيرة اليعمرى. والراجح المشهور هو الأول». انظر أيضا: (إمتاع الأسماع 1/ 32، 33، الوفا 85، 86، وقال ابن الجوزى: وقد قيل إن عبد الله توفى بعد ولادة رسول الله، ولا يصح.
(1)
قال أهل السير: أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه آمنة ثلاثة أيام، وقيل سبعة، ثم أرضعته ثويبة الأسلمية جارية أبى لهب أياما قبل قدوم حليمة من قبيلتها، ثم أرضعته حليمة. وروى أنها أرضعت النبى صلى الله عليه وسلم ثمان نسوة غير آمنة ثويبة، وحليمة وخولة بنت المنذر ـ ذكرها أبو الفتح اليعمرى ـ وأم أيمن ـ ذكرها أبو الفتح عن بعضهم والمعروف أنها من الخواص ـ وامرأة سعدية غير حليمة ـ ذكرها ابن القيم فى الهدى ـ وثلاثة نسوة اسم كل واحدة منهن عاتكة: إحداهن: عاتكة بنت هلال بن فالح، وهى أم هاشم بن عبد مناف بن قصى، والثانية: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالح، وهى أم هاشم بن عبد مناف. والثالثة: عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال.
(2)
انظر: (تاريخ الخميس 1/ 22، الوفا 104، إمتاع الأسماع 1/ 33، سيرة ابن هشام 1/ 173، دلائل النبوة 1/ 131).
(3)
هكذا فى الأصل. وفى سيرة ابن هشام «خذامة بكسر الخاء» . وفى إمتاع الأسماع: «حذافة» .
انظر: (سيرة ابن هشام 1/ 149، إمتاع الأسماع 1/ 33).
وذكر أبو نعيم: أن ذلك كان وعمره صلى الله عليه وسلم عشر سنين. وختم بخاتم النبوة بين كتفيه.
وكان ينم مسكا، مثل زر الحجلة (1). ذكره البخارى.
وفى مسلم: جمع عليه خيلان (2)، كأنها الثآليل السود عند بعض طرفيه. ويروى غضروف: وفى كتفه الأيسر. وفى كتاب أبى نعيم: الأيمن. وفى مسلم أيضا: كبيضة حمامة. وفى صفة الخاتم: اختلاف كبير. ذكره مغلطاى.
وماتت أمه صلى الله عليه وسلم، وهو ابن أربع. وقيل: ست. وقيل: سبع وقيل: غير ذلك. قلت: جزم شيخنا العراقى: بأن أمه صلى الله عليه وسلم توفيت وله ست سنين ومائة يوم. وهذا القول لم يذكره مغلطاى. وحكى شيخنا القول بوفاتها: وله صلى الله عليه وسلم أربع سنين. ولم يحك غير ذلك.
وذكر شيخنا أيضا: ما يقتضى: أن أباه توفى، وهو صلى الله عليه وسلم حمل على الصحيح. والله اعلم. وهذا لا يفهم مما ذكره مغلطاى. انتهى. وكانت وفاتها: بالأبواء (3). وقيل: بشعب أبى دب بالحجون (4). وكانت أم أيمن بركة: دايته وحاضنته صلى الله عليه وسلم بعد موت أمه.
ومات جده عبد المطلب كافله، وله ثمان سنين. وقيل: غير ذلك. فكفله أبو طالب، واسمه: عبد مناف. وقيل: اسمه كنيته، فيما ذكره الحاكم. وفيه نظر. بوصية أبيه عبد المطلب، ولكونه شقيق عبد الله (5).
فلما بلغ صلى الله عليه وسلم، اثنتى عشرة سنة. وقيل: تسعا. وقيل اثنتى عشرة سنة وشهرا وعشرة أيام. وقيل: لعشر خلون من ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من الفيل: خرج مع عمه أبى طالب إلى الشام حتى بلغ بصرى، فرآه بحيرا، واسمه: جرجيس. فعرفه بصفته. فقال: وهو آخذ بيده: هذا سيد العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين (6).
(1) زر الحجلة: بالحاء المهملة والجيم. قال النووى: هو واحد الحجال، وهو بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى، هذا هو الصواب. قيل: المراد بالحجلة الطائر المعروف، وزرها بيضها. وأشار إليه الترمذى وأنكره عليه العلماء.
(2)
الخيلان: جمع خال، وهو الشامة على الجسد.
(3)
الأبواء بالفتح ثم السكون وواو وألف ممدودة، قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. انظر: معجم البلدان (أبواء).
(4)
قال ابن سعد: «هنا غلط ليس قبرها بمكة، إنما قبرها بالأبواء. انظر:(طبقات ابن سعد 1/ 74، دلائل النبوة 1/ 189، الوفا 113، 114، تاريخ الخميس 1/ 229، إمتاع الأسماع 1/ 34، سيرة ابن هشام 1/ 155، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 24، تلقيح فهوم أهل الأثر 13).
(5)
انظر: (طبقات ابن سعد 1/ 188، سيرة ابن هشام 1/ 156، البداية والنهاية 2/ 282، إمتاع الأسماع 1/ 34، دلائل النبوة 2/ 20 ـ 22، الوفا 116، تاريخ الخميس 1/ 239).
(6)
انظر: (تاريخ الخميس 1/ 239، إمتاع الأسماع 1/ 35، الوفا 116، 117).
فقيل له: وما علمك بذلك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم به من العقبة، لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ ساجدا، ولا يسجدان إلا لنبى. وإنا نجده فى كتبنا. وسأل أبا طالب أن يرده خوفا عليه من اليهود (1).
وخرج الترمذى وحسنه، والحاكم وصححه: أن فى هذه السفرة: أقبل سبعة من الروم يقصدون قتله صلى الله عليه وسلم. فاستقبلهم بحيرا. فقال: ما جاء بكم؟ فقالوا: إن هذا النبى خارج فى هذا الشهر. فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس. فقال: أرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه. هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا. قال: فبايعوه وأقاموا معه.
ورده أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالا. وفيه: وهمان. الأول: بايعوه على أى شئ. والثانى: أبو بكر رضى الله عنه لم يكن حاضرا، ولا كان فى حال من يملك، ولا ملك بلالا إلا بعد ذلك بنحو ثلاثين عاما.
ولما بلغ صلى الله عليه وسلم عشرين سنة. وقيل: أربع عشرة. حضر مع عمومته حرب الفجار (2). ورمى فيه بأسهم.
وحضر حلف الفضول. وهو حلف عقدته قريش على نصر كل مظلوم بمكة (3).
وكان يرعى غنم أهله بأجياد على قراريط (4).
ثم خرج صلى الله عليه وسلم ثانيا مع ميسرة ـ غلام خديجة ابنة خويلد بن أسد ـ فى تجارة لها. وكانت رضى الله عنها استأجرته على أربع بكرات. ويقال استأجرت معه رجلا آخر من قريش حتى بلغ سوق بصرى. وقيل: سوق حباشة بتهامة. وله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك خمس وعشرون سنة لأربع عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة، فنزل صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة، فقال
(1) انظر خبر بحيرا فى: (صفة الصفوة 1/ 67، سيرة ابن هشام 1/ 165، تاريخ الطبرى 2/ 277، البداية والنهاية 2/ 282، عيون الأثر لابن سيد الناس 1/ 40، دلائل النبوة لأبى نعيم 52، تاريخ الخميس 1/ 240).
(2)
انظر: (البداية والنهاية لابن كثير 2/ 290، الوفا 132، الروض الأنف 1/ 209، تاريخ الخميس 1/ 255).
(3)
انظر: (سيرة ابن هشام 1/ 122، الوفا 133، البداية والنهاية 2/ 291، تاريخ الخميس 261).
(4)
روى البخارى فى كتاب الإجارة (1/ 32): عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث نبيا إلا رعى الغنم.
فقال أصحابه: وأنت؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة». وأخرجه ابن ماجة فى سننه 2149، وابن سعد فى الطبقات 1/ 80، وابن كثير فى البداية 2/ 295، وأبو نعيم فى الدلائل 1/ 55، والبيهقى فى الدلائل 2/ 65).
نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبى، واستشكل. وفى رواية: بعد عيسى (1).
وكان ميسرة رضى الله عنه يرى فى الهاجرة ملكين يظلانه من الشمس.
وتزوجها بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يوما فى عقب صفر وكان سنه ست وعشرين. وقيل: كان سنه صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين سنة. وقيل: ثلاثين.
وقال ابن جريج: وله سبع وثلاثون سنة. وقال البرقى: تسع وعشرون، قد راهق الثلاثين.
وخديجة رضى الله عنها يومئذ ابنة أربعين سنة. وقيل: خمس وأربعين. وقيل: ثلاثين.
وقيل: ثمان وعشرين. وأصدقها صلى الله عليه وسلم اثنى عشر أوقية ونشا. وقيل: عشرين بكرة (2).
ولما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة بنت قريش الكعبة (3).
وفى تاريخ يعقوب: كان بناؤه فى سنة خمس وعشرين من الفيل. ووضع عليه الصلاة والسلام: الركن اليمانى بيده يوم الاثنين.
فلما بلغ عليه السلام أربعين سنة. وقيل: وأربعين يوما. وقيل: وعشرة أيام. وقيل: وشهرين، يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان. وقيل: لسبع. وقيل: لأربع وعشرين ليلة.
وقال ابن عبد البر: يوم الاثنين لثمان من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من الفيل.
وقيل: فى أول ربيع. وفى تاريخ النسائى: على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة وضعفه.
وعن مكحول: بعد ثنتين وأربعين: جاءه جبريل بغار حراء. قالت عائشة رضى الله عنها: «أول ما بدئ به عليه السلام من الوحى: الرؤيا الصادقة.
وقال الواقدى، وابن أبى عاصم، والدولابى فى تاريخه: نزل عليه القرآن، وهو ابن ثلاث وأربعين.
(1) انظر: (طبقات ابن سعد 1/ 83، 101، دلائل النبوة 1/ 54، تاريخ ابن عساكر 1/ 274، الوفا 140، إمتاع الأسماع 1/ 36).
(2)
انظر: (سيرة ابن هشام 1/ 171، عيون الأثر 1/ 47، طبقات ابن سعد 1/ 133، البداية والنهاية 2/ 296، الروض الأنف 1/ 213، إمتاع الأسماع 1/ 37، الوفا 142، تاريخ الخميس 1/ 263).
(3)
انظر: (سيرة ابن هشام 1/ 182، إمتاع الأسماع 1/ 38، الوفا 143).
وفى كتاب العتيقى: ابن خمس وأربعين، لتسع وعشرين من رجب. قاله الحسين، وجمع: بأن ذلك حين حمى الوحى وتتابع. وقيل: إسرافيل عليه السلام وكل به صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين قبل جبريل عليه السلام (1).
وكان ذلك أول فرض الصلاة ركعتين، ثم إن الله تعالى أقرها فى السفر ركعتين كذلك وأتمها فى الحضر.
وقال مقاتل: كانت الصلاة أول فرضها ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشى.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما «أول شيء رأى النبى صلى الله عليه وسلم من النبوة أنه قيل: له استتر ـ وهو غلام ـ فما رؤيت عورته صلى الله عليه وسلم بعد» .
وكان أول من آمن بالله وصدق: خديجة رضى الله عنها.
ثم فتر الوحى فترة حتى شق عليه صلى الله عليه وسلم وأحزنه، فجاءه جبريل بسورة الضحى (2).
وكان أول ذكر آمن بعدها: أبو بكر رضى الله عنه، وقيل: على رضى الله عنه، ثم زيد بن حارثة رضى الله عنه، ثم أسلم عثمان بن عفان رضى الله عنه.
(1) انظر: (سيرة ابن هشام 1/ 216، البداية والنهاية 3/ 4، إمتاع الأسماع 1/ 39، الوفا 147، دلائل النبوة للبيهقى 2/ 248).
(2)
انظر: (صفة الصفوة 1/ 80، البداية والنهاية 3/ 17، تفسير الطبرى 3/ 232، إمتاع الأسماع 1/ 40، الوفا 157).
وذكر مغلطاى: إسلام جماعة من جلة الصحابة رضى الله عنهم. ثم قال: ودخل الناس فى الإسلام أرسالا من الرجال والنساء.
ثم إن الله أمر رسوله بأن يصدع بما جاء به، وكان ذلك بعد ثلاث سنين من النبوة.
فبينا سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه فى نفر يصلون فى شعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون، فعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد يومئذ بلحى بعير، فشجه فكان أول دم هريق فى الإسلام.
فلما نادى النبى صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام لم تبعد منه قومه ولم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم وعابها.
قال العتيقى: وكان ذلك فى سنة أربع، فلما فعل أجمعوا على صلى الله عليه وسلم خلافه وعداوته إلا من عصم الله.
وحدب عليه أبو طالب فخف الأمر وتنابذ القوم، ونادى بعضهم بعضا، وتآمرت قريش على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم. ومنع الله رسوله بعمه أبى طالب، وبنى هاشم، غير أبى لهب وبنى المطلب. فرماه الوليد بن المغيرة: بالسحر، وتبعه قومه على ذلك. فنزل فيه:(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) الآيات [المدثر: 1]. وفى النفر الذين تابعوه على قوله: (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ)[الحجر: 91].
ثم إن قريشا اشتد عليهم الأمر، فكذبوه وآذوه، ورموه بالسحر والشعر والكهانة والجنون، وأغروا به سفهاؤهم، حتى أخذ رجل منهم يوما بمجمع ردائه فقام أبو بكر دونه، وهو يبكى ويقول: أتقتلون رجلا أن يقول: ربى الله؟ (1).
ثم أسلم حمزة بن عبد المطلب عمه رضى الله عنه، وكان أعز فتى فى قريش، وأشد شكيمة، فعزّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكف عنه قريش قليلا.
قال العتيقى: وكان إسلامه رضى الله عنه سنة ست، وسألوه إن كنت تطلب مالا جمعنا لك ما لا تكون به أكثرنا مالا، وإن كنت تريد الشرف فينا فنحن نسوّدك علينا، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا قد غلب عليك بذلنا أموالنا فى طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك.
فقال لهم عليه السلام: ما بى ما تقولون، ولكن الله بعثنى رسولا، وأنزل علىّ كتابه، وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم، فإن تقلبوا
(1) انظر: (تاريخ الخميس 1/ 29، إمتاع الأسماع 1/ 43، الروض الأنف 1/ 84).
منى ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة، وإن تردوه علىّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بينى وبينكم.
واشترى أبو بكر رضى الله عنه بلالا رضى الله عنه فأعتقه، وكان يعذب فى الله.
وقتلت أم عمار بن ياسر: سمية رضى الله عنها فى الله، فهى أول قتيل فى الإسلام.
وقيل: أول قتيل الحارث بن أبى هالة بن خديجة فيما ذكر العسكرى.
ثم أذن النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه فى الهجرة إلى الحبشة فى رجب سنة خمس من النبوة، وعدتهم: اثنى عشر رجلا وأربع نسوة. وقيل: أحد عشر وامرأتان.
وقال الحاكم: بعد موت أبى طالب.
وفى كتاب الاقتصار على صحيح الأخبار: كانوا عشرة رجال وأربع نسوة، وأميرهم: عثمان بن مظعون رضى الله عنه، وأنكر ذلك الزهرى فقال: لم يكن لهم أمير غير ملكها النجاشى، واسمه: أصحمة بن بحرى. وقيل: مكحول بن صصة، فخرج المسلمون وهى أول هجرة فى الإسلام.
فلما رأت قريش استقرارهم فى الحبشة وأمرهم أرسلوا فيهم إلى النجاشى عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبى ربيعة ليردهم إلى قومهم، فأبى ذلك وردهما خائبين وكان حين ذلك مشركا، ثم أسلم سنة سبع، وتوفى فى رجب سنة تسع، وصلى عليه النبىصلى الله عليه وسلم، ورفع إليه سريره حتى رآه. وقيل: لأنه كان عند الكفار الذين لا يصلون عليه، فلذلك صلى عليه.
وأسلم عمر بن الخطاب بعد حمزة رضى الله عنهما بثلاثة أيام، فيما قاله أبو نعيم بدعوة النبى صلى الله عليه وسلم:«اللهم أيد الإسلام بأبى جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب» .
وفى كتاب الحاكم: «اللهم أيد الإسلام بعمر الخطاب» لم يذكر أبا جهل وكان رجلا لا يرام ماوراء ظهره، فامتنع به وبحمزة الصحابة رضى الله عنهم.
وكان ابن مسعود رضى الله عنه يقول: ما كنا نقدر على أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر رضى الله عنه.
فلما رأت قريش عزة النبى صلى الله عليه وسلم وعزة أصحابه فى الحبشة وفشو الإسلام فى القبائل: اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدوا فيه على بنى هاشم وبنى المطلب: أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوا منهم شيئا، ولا يبتاعوا منهم. وكتبوه فى
صحيفة بخط منصور بن عكرمة. وقيل: بغيض بن عامر، فشلت يده. وعلقوا الصحيفة فى جوف الكعبة هلال المحرم سنة سبع، فانحاز الهاشميون غير أبى لهب، والمطلبيون إلى أبى طالب، فدخلوا معه فى شعبه، فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا.
وقال ابن سعد: سنتين حتى جهدوا، وكانوا لا يصل إليهم شيء إلا سرّا.
ثم هاجر المسلمون الثانية إلى أرض الحبشة، وعدتهم: ثلاثة وثمانون رجلا إن كان عمار بن ياسر فيهم، وثمانى عشرة امرأة.
ثم قام رجال فى نقض الصحيفة فأطلع الله عزوجل نبيه على: أن الأرضة أكلت ما فيها من القطيعة والظلم، فلم يدع إلا اسم الله فقط. فلما أنزلت لتمزق، وجدت كما قالصلى الله عليه وسلم. وذلك فى السنة العاشرة.
ولما أتت عليه صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما، مات عمه أبو طالب. وقيل: فى النصف من شوال من السنة العاشرة. وقال ابن الجزار: قبل هجرته بثلاث سنين.
وماتت خديجة رضى الله عنها بعد ذلك بثلاثة أيام. وقيل: بخمسة فى رمضان. وقيل: ماتت قبل الهجرة بخمس، وقيل: بأربع سنين. وقيل: بعد الإسراء. فكان عليه السلام يسمى ذلك العام: عام الحزن، فيما ذكره صاعد.
وبعد أيام تزوج صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة سنة عشر. وقيل: بعد موت خديجة رضى الله عنها بسنة. وقال ابن عقيل: تزوجها بعد عائشة رضى الله عنها.
ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بعد موت خديجة رضى الله عنها بثلاثة أشهر، فى ليال بقين من شوال سنة عشر، ومعه زيد بن حارثة رضى الله عنه، فأقام به شهرا يدعوهم إلى الله تعالى فلم يجيبوه، وأغروا به سفهاءهم، فجعلوا يرمونه بالحجارة، حتى إن رجليه صلى الله عليه وسلم لتدميان وزيد رضى الله عنه يقيه بنفسه، حتى لقد شج فى رأسه، ثم رجع فى جوار المطعم بن عدى، ولم يستجب له إنسان.
فلما نزل صلى الله عليه وسلم نخلة، وهو موضع على ليلة من مكة صرف إليه سبعة من جنّ نصيبين، فاستمعوا له، وهو يقرأ سورة الجن.
وقيل: كان قدوم الجن بعد خمسين سنة وثلاثة أشهر من مولده صلى الله عليه وسلم.
فلما كانت ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، وهو نائم فى بيته، أتاه جبريل وميكائيل عليهما السلام، فقالا: انطلق إلى ما
كنت تسأل. وذلك أنه كان يسأل: أن يرى الجنة والنار. فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتى بالمعراج، فعرجا به إلى السماء السابعة وفرضت عليه الصلوات.
وقيل: كان المعراج قبل الهجرة بثلاث سنين. وقيل: ستة. وكان بعد النبوة بخمسة أعوام. وقيل بعام ونصف عام.
وقال عياض: بعد مبعثه بخمسة عشر شهرا.
وقال الحربى: ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.
وقيل: لسبع عشرة خلت من ربيع الأول.
وقال ابن قتيبة: بعد سنة ونصف من رجوعه من الطائف.
وقال الواقدى: ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بستة أشهر.
وقال ابن فارس: فلما أتت عليه صلى الله عليه وسلم إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر: أسرى به من زمزم إلى القدس.
واختلف فى المعراج والإسراء: هل كانا فى ليلة واحدة، أم لا؟ وهل كانا أو أحدهما: يقظة أو مناما؟ وهل كان المعراج قبل الإسراء؟ وهل كان المعراج مرة أو مرات؟ .
والصحيح: أن االإسراء، كان فى اليقظة بجسده صلى الله عليه وسلم، وأنه مرات متعددة، وأنه رأى ربه عزوجل بعين رأسه صلى الله عليه وسلم. ولما أصبح أخبر قريشا بالإسراء فكذبوه.
(1) أخرجه: البخارى فى صحيحه كتاب المناقب، باب المعراج حديث 3887، وكتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة. وأخرجه مسلم فى صحيحه، كتاب الإعيان حديث 265، والبيهقى فى الدلائل 2/ 373 ـ 377.
وارتد جماعة ممن كان أسلم وسألوه أمارة. فأخبرهم بقدوم العير يوم الأربعاء.
فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كادت الشمس أن تغرب، فدعا الله، فحبس الشمس حتى قدموا، كما وصف.
قال ابن إسحاق: ولم تحبس الشمس إلا له ذلك اليوم، وليوشع بن النون.
قال الواقدى: مكث صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيا، ثم أعلن فى الرابعة، فدعى الناس إلى الإسلام عشر سنين، يوافى الموسم كل عام يتبع الحاج إلى منازلهم بعكاظ، ومجنة، وذى المجاز، يدعوهم إلى أن يمنعوه، حتى يبلغ رسالات ربه، فلم يجد أحدا ينصره ولا يجيبه، إلى أن أراد الله عزوجل إظهار دينه، ساقه الله عزوجل إلى هذا الحى من الأنصار ـ وهو لقب إسلامى لنصرتهم النبى صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يسمون: أولاد قيلة، والأوس، والخزرج ـ فأسلم اثنان، أسعد بن زرارة، وذكوان بن عبد قيس.
فلما كان من العام المقبل فى رجب: أسلم منهم ستة. وقيل: ثمانية. فقال لهم النبىصلى الله عليه وسلم: تمنعون ظهرى حتى أبلغ رسالة ربى. فقالوا: يا رسول الله: إنما كانت بعاث عام الأول يوم من أيامنا، اقتتلنا به، فإن تقدم، ونحن كذا لا يكون لنا عليك اجتماع، فدعنا حتى نرجع إلى عشائرنا لعل الله أن يصلح ذات بيننا، وموعدك الموسم العام المقبل.
فكان أول مسجد قرئ فيه القرآن بالمدينة: مسجد بنى زريق.
فلما كان العام المقبل لقيه اثنى عشر رجلا، وفى الإكليل: أحد عشر. وهى العقبة الأولى، فأسلموا وبايعوا على بيعة النساء وغير ذلك. ولم يفرض يومئذ القتال، ثم انصرفوا إلى المدينة. فأظهر الله الإسلام. وكان أسعد بن زرارة رضى الله عنه يجتمع بالمدينة بمن أسلم.
وكتبت الأوس والخزرج إلى النبى صلى الله عليه وسلم: ابعث إلينا من يقرئنا القرآن، فبعث صلى الله عليه وسلم إليهم مصعب بن عمير.
وقال ابن إسحاق: أرسله معهم، وكان يسمى المقرئ. وهو أول من سمى به.
ثم قدم عليهم عبد الله، ويقال: عامر بن أم مكتوم.
ثم قدم على النبى صلى الله عليه وسلم فى العام المقبل فى ذى الحجة أوسط أيام التشريق منهم سبعون رجلا. وقال ابن سعد: يزيدون رجلا أو رجلين وامرأتان. وقال ابن إسحاق: ثلاثة وسبعون وامرأتان.
وقال الحاكم: خمسة وسبعون نفسا فى نفر من قومهم وهم خمسمائة. فكان أول من ضرب على يده عليه السلام البراء بن معرور رضى الله عنه ويقال: أبو الهيثم رضى الله عنه، ويقال: أسعد بن زرارة، على: أنهم يمنعوه ما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وعلى حرب الأحمر والأسود.
فكانت أول آية نزلت فى الإذن بالقتال: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)[الحج: 39].
وفى الإكليل: (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ)[التوبة: 111]. ونقب عليهم اثنى عشر منهم.
ثم إن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه فى الهجرة إلى المدينة عند إخوانهم الأنصار. وأقام بمكة ينتظر أن يؤذن له فى الخروج.
ثم ذكر مغلطاى هجرة جماعة من جلة الصحابة رضى الله عنهم إلى المدينة، ثم قال: حتى لم يبق معه، عليه السلام، بمكة إلا على بن أبى طالب، والصديق رضى الله عنهما.
كذا قاله ابن إسحاق وغيره. وفيه نظر لما يأتى بعد.
فلما رأت ذلك قريش اجتمعوا ومعهم إبليس فى صورة شيخ نجدى فى دار الندوة، يتشاورون فيما يصنعون فى أمره، عليه السلام، حين خافوه، فأجمعوا على قتله. فأتاه جبريل. فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك. فأمر عليا رضى الله عنه فنام مكانه، وغطى ببرد أخضر. فكان أول من شرى نفسه، ثم خرج صلى الله عليه وسلم عليهم وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلم يره منهم أحد، ونثر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رءوسهم كلهم ترابا كان فى يده.
وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فى الهجرة، وأمره جبريل، عليه السلام، أن يستصحب أبا بكر رضى الله عنه واستأجر عبد الله بن الأريقط دليلا وهو على شركه، وعامر بن فهيرة خادما، وذلك بعد العقبة بشهرين وليال.
وقال الحاكم: بثلاثة أشهر أو قريبا منها. وكان مدة مقامه صلى الله عليه وسلم بمكة من حين النبوة إلى ذلك الوقت بضع عشرة سنة. وفى ذلك يقول صرمة:
ثوى فى قريش بضع عشرة حجة
…
يذكر لو يلقى صديقا مواتيا
وقال عروة: عشرا. وقال ابن عباس خمسة عشر سنة. وفى رواية عنه: ثلاث عشرة سنة. قال الخوارزمى: ينقص يوما واحدا.
ولم يعلم بخروجه عليه السلام إلا على وآل أبى بكر رضى عنهم. فدخل غارا بثور جبل بأسفل مكة، فأقام فيه ثلاثا. وقيل: بضعه عشر يوما. فأمر الله العنكبوت فنسجت على بابه، والراة فنبتت، وحمامتين وحشيتين فعششتا على بابه. قال السهيلى: وحمام الحرم من نسلهما.
ثم خرج منه ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من ربيع الأول على ناقته الجدعاء. قالت أسماء رضى الله عنهما: فمكثنا ثلاث ليال لا ندرى أين وجه النبى صلى الله عليه وسلم حتى أنشد رجل من الجن شعرا سمعه الناس وما يرونه:
جزى الله رب الناس خير جزائه
…
رفيقين حلا خيمتى أم معبد
هما نزلا بالبر ثم تروحا
…
فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بنى كعب مكان فتاتهم
…
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
…
فإنكم إن تسلوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت
…
له بصريح ضرة الشاة مزبد
فغادره رهنا لديها لحالب
…
يدر لها فى مصدر ثم مورد
وكان النبى صلى الله عليه وسلم نزل بقديد على أم معبد عاتكة بنت خالد، فمسح ضرع شاة مجهودة وشرب من لبنها وسقى أصحابه، واستمرت تلك البركة فيها. ولما مر بها قريش سألوها عنه ووصفوه. فقالت: ما أدرى ما تقولون قد ضافنى حالب الحائل. فقالوا: ذاك الذى نريد.
وفى الإكليل قصة أخرى شبيهة بقصة أم معبد. قال الحاكم: فلا أدرى أهى هى أم غيرها؟ .
فلما راحوا من قديد تعرض لهما سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى، فدعا عليه النبىصلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه، فطلب الأمان فأطلق ورد من وراءه.
وأقام على رضى الله عنه بعد مخرجه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام، ثم أدركهم بقباء، وقد نزل صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم ـ وقيل: سعد بن خيثمة ـ يوم الاثنين سابع، وقيل: ثامن عشر ربيع. وكان مدة مقامه هناك مع النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أو ليلتين.
وأمر صلى الله عليه وسلم بالتاريخ، فكتب من حين الهجرة. قال ابن الجزار: ويعرف بعام الأول. وقيل: إن عمر رضى الله عنه أول من أرخ وجعله من المحرم، وقيل: يعلى بن أمية: إذ كان باليمن. وقيل: بل أرخ بوفاته صلى الله عليه وسلم.
وكان نزوله صلى الله عليه وسلم بقباء يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول وهو الرابع من برماه،
والعاشر من أيلول سنة تسعمائة وثلاثة وثلاثين لذى القرنين ويقال: لاثنتى عشرة ليلة خلت منه حين اشتد الضحى، ويقال: لهلال ربيع. ويقال فى أوله. فأقام بها أربع عشر ليلة، ويقال: خمسا، ويقال: أربعا، ويقال: ثلاثا، فيما ذكره الدولابى، ويقال: اثنتين وعشرين ليلة. وأسس به مسجدا، وهو أول مسجد أسس فى الإسلام.
وفى كتاب ابن البرقى: قدمها ليلا، ثم خرج صلى الله عليه وسلم من قباء يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع فى قول ابن الكلبى. وقال ابن الجوزى: لليلتين خلتا منه. وفيهما نظر.
فجمع فى بنى سالم بن عوف ببطن الوادى. ثم قدم المدينة. فبركت ناقتهصلى الله عليه وسلم على باب مسجده ثلاث مرات، وهو يومئذ مربد لسهل وسهيل ابنى عمرو، يتيمين فى حجر أسعد بن زراة. ويقال معاذ بن عفراء، فاشتراه صلى الله عليه وسلم بعشرة دنانير.
ونزل برحله صلى الله عليه وسلم على أبى أيوب لكونه من أخوال عبد المطلب فأقام صلى الله عليه وسلم عنده سبعة أشهر، وقيل: إلى صفر من السنة الثانية. وقال الدولابى: شهرا.
فكان أول كلمة سمعت منه عليه الصلاة والسلام: «أفشو السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (1).
وكان بالمدينة أوثان يعبدها رجال، فأقبل حينئذ قومهم عليها فهدموها. وبعث النبىصلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، وأبا رافع ببعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة، فقدما بفاطمة، وأم كلثوم، وسودة بنت زمعة، وأسامة بن زيد، وأمة بركة، المكناة: أم أيمن رضى الله عنهم.
وخرج عبد الله بن أبى بكر رضى الله عنهما معهم بعيال أبيه. وكان صلى الله عليه وسلم يصلى حيث أدركته الصلاة حتى بنى المسجد باللبن، وسقفه بالجريد، وجعل عمده خشب النخل، وجعل قبلته إلى بيت المقدس، وجعل له ثلاثة أبواب: بابا فى مؤخره، وبابا يقال له: باب الرحمة، والباب الذى يدخل منه.
وكان صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فى المسجد. فلما اتخذ صلى الله عليه وسلم المنبر ثلاث درجات بينه وبين الحائط ممر الشاة: خار عند ذلك الجذع كالبقرة أو الناقة: فنزل صلى الله عليه وسلم واحتضنه حتى سكن، وقال:«لو لم ألتزمه لحن إلى يوم القيامة» (2).
(1) أخرجه الترمذى فى الأطعمة حديث رقم 1854، 1855، 2485، 2510، 2688، وابن ماجة فى سننه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، حديث رقم 1334، 2251، 3252، وأحمد ابن حنبل فى المسند 6809.
(2)
حديث حنين الجزع أخرجه البخارى فى صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة فى ـ