الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع والثلاثون
فى ذكر شيء من أمطار مكة وسيولها، فى الجاهلية والإسلام، وشيء من أخبار الصواعق بمكة، وذكر شيء من أخبار الرخص والغلاء والوباء بمكة
(1).
أما: أمطار مكة، وسيولها، فى الجاهلية، والإسلام. فذكر الأزرقى شيئا من ذلك:
منها: فى الجاهلية: سيلان.
أحدهما: كان عظيما، ويعرف بسيل فارة، على عهد خزاعة.
والآخر: كسى ما بين الجبلين، ولم يبين زمنه.
ومنها: سيول فى الإسلام، وهى السيل المعروف: بأم نهشل، وهو الذى ذهب بالمقام من موضعه إلى أسفل مكة.
وكان فى زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، بعده عمل الردم الذى بأعلى مكة صونا للمسجد الحرام.
والسيل المعروف: بسيل الحجاف فى يوم التروية سنة ثمانين من الهجرة، ذهب بناس من الحجاج وبمتاعهم، وخرب دورا كبيرة شارعة على الوادى، فهلك فيها أناس كثيرة.
وسيلان عظيمان:
أحدهما: يعرف بالمخبل؛ لأنه أصاب الناس بعده شبه الخبل، وكانا فى سنة أربع وثمانين ومائة.
وسيلان عظيمان كانا فى خلافة المأمون:
أحدهما: يعرف: بسيل ابن حنظلة، فى سنة اثنين ومائتين.
والآخر: فى شوال سنة ثمان ومائتين.
وكل هذه السيول دخلت المسجد الحرام، وحالها أبسط من هذا فى أصله.
وفى تاريخ الأزرقى من سيول مكة فى الجاهلية والإسلام سوى ما ذكرناه.
(1) انظر: (شفاء الغرام 2/ 260 ـ 277).
ومن سيولها فى الإسلام مما كان قبل الأزرقى، ولم يذكره: سيل عظيم كان فى سنة ثمان وثمانين من الهجرة.
ذكره ابن جرير الطبرى.
وسيل يعرف: بأبى شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك؛ لأنه جاء فى سنة عشرين ومائة، عقيب حجه بالناس. وحج أبو شاكر فى التى قبلها.
وسيل اللبيرى فى آخر المحرم سنة ستين ومائة.
ذكر هذين السيلين: الفاكهى.
وذكر سيولا أخر ثلاثة، تحتمل أن تكون فى زمن الأزرقى، وأن يكون بعده واحد فى سنة ثلاث وخمسين ومائتين. وواحد فى سنة اثنتين وستين ومائتين. وواحد فى سنة ثلاث وستين ومائتين.
وكلها دخلت المسجد الحرام وأثرت فيه. وأوضحنا من خبرها فى أصله أكثر من هذا.
ومن أمطار مكة وسيولها بعد الأزرقى: أمطار كثيرة. سال بها وادى مكة أسيالا عظيمة، وكثر فى بعضها ماء زمزم، حتى لم يبق بينه وبين شفتها العليا إلا سبعة أذرع أو نحوها، وعذبت جدّا، حتى كانت أعذب مياه مكة إذ ذاك. وذلك فى سنة تسع وسبعين ومائتين، وسنة ثمانين ومائتين.
ذكر ذلك: إسحاق الخزاعى راوى تاريخ الأزرقى، وأدخله فيه.
ومنها: ما ذكره المسعودى؛ لأنه قال فى أخبار سنة سبع وتسعين ومائتين: ورد الخبر إلى مدينة السلام: بأن أركان البيت الحرام الأربع غرقت حتى جرى الغرق فى الطوّاف، وفاض بئر زمزم. وذلك لم يعهد فيما سلف من الزمان. انتهى.
ومنها: مطر فى جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، أقام سبعة أيام. فسقطت الدور وتضرر الناس به كثيرا.
ومنها: مطر فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة، سال منه وادى إبراهيم، ونزل برد بقدر البيض وزن مائة درهم.
ومنها: مطر فى سنة تسع وستين وخمسمائة، جاء سيل كثير، ودخل السيل من باب بنى شيبة، ودخل دار الإمارة عنده. ولم ير مثله فى دخوله من هذه الجهة.
ومنها: فى سنة تسعين وخمسمائة: أمطار كثيرة وسيول، سال منها وادى إبراهيم خمس مرات.
ومنها: فى ثامن صفر سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة: سيل دخل الكعبة، وأخذ أحد فرضتى باب إبراهيم، وحمل المنبر ودرجة الكعبة.
ورأيت بخط بعضهم: ما يقتضى أن هذا السيل دخل الكعبة، فبلغ قريبا من الذراع، وحمل فرضتى باب إبراهيم وسار بهما، وهذا لا يفهم مما ذكرناه أولا.
ومنها: فى منتصف ذى القعدة سنة عشرين وستمائة: سيل عظيم قارب دخول الكعبة ولم يدخلها.
ومنها: سيل كبير فى سنة إحدى وخمسين وستمائة.
ومنها: سيل دخل الكعبة، ومات منه عالم عظيم، بعضهم حملهم وبعضهم طاحت الدور عليهم. ذكره الميورقى بمعنى هذا.
وذكر: أنه كان سنة تسع وستين وستمائة، فى ليلة منتصف شعبان.
ومنها: سيل عظيم بلا مطر فى سنة ثلاثين وسبعمائة بعد الحج.
ومنها: فى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة: أمطار وصواعق.
منها: صاعقة على أبى قبيس فقتلت رجلا، وصاعقة بالخيف فقتلت رجلا، وأخرى بالجعرانة، فقتلت رجلا.
ومنها: فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة: مطر عظيم، وسيل هائل دخل الكعبة، وعلا الماء فوق عتبتها شبرين، وعبر فى ببعض قناديل المطاف منه فوقها، فأطفأها، وقلع من أبواب الحرم أماكن، وطاف بها الماء، وطاف بالمنابر كل واحد إلى جهة. وفعل أمورا أخر عجيبة. وخبره: أبسط من هذا فى أصله، ويعرف: بسيل القناديل.
ولم يأت بعده سيل يشبهه فيما علمت، إلا سيل اتفق فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانمائة؛ لأنه دخل الكعبة وعلا فوق عتبتها ذراعا أو أكثر على ما قيل. ورمى بدرجة الكعبة إلى باب إبراهيم، وهدم عمودين فى المسجد، ودور للناس كثيرة. ومات تحت الهدم وفى الغرف منه نحو ستين نفرا على ما قيل. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
وكان بعد مطر هائل كأفواه القرب.
ومن العجيب: اتفاق هذين السيلين باعتبار الليلة والشهر بأن كليهما فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى. فسبحان الفعال لما يريد.
ومنها: فى آخر ذى الحجة سنة خمس وعشرين وثمانمائة سحرا: سيل هائل دخل المسجد الحرام من عدة أبواب، وقارب باب الكعبة المعظمة، وعام فيه بعض المنابر. وألقى فى المسجد الحرام من الأوساخ شيئا عظيما، جمع: فصار أكواما كبيرة، وأخرب فى سور باب المعلاة، جانبا كبيرا بين البابين اللذين فى هذا السور.
ومنها: سيل كان فى ليلة ثالث جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة: دخل المسجد الحرام، وقارب الحجر الأسود، وأخرب جانبا من سور باب الماجن، وموضع الباب فى هذا السور.
وقد خفى علينا أشياء فى هذا المعنى لعدم ظفرنا بتأليف فى ذلك.
وأما أخبار الرخص والغلاء والوباء بمكة: فقد ذكرنا فى أصله أشياء كثيرة من ذلك لا يوجد مثلها مجموعا فى كتاب. ونشير هنا لشيء من ذلك.
فمن أخبار الرخاء: أن القمح المصرى بيع الأردب منه بثمانية عشر درهما كاملية وذلك فى سنة خمس وعشرين وسبعمائة بساحل جدة، على ما ذكر ابن العديسة فيما نقله عنه المؤرخ شمس الدين الجزرى الدمشقى.
ومن ذلك: أن الغرارة المكية من الحنطة ـ المعروفة: باللقيمية ـ بيعت بأربعين درهما كاملية. وهذا أرخص شيء سمعناه فى سعر اللقيمية. وما عرفت متى كان ذلك.
وأرخص ما بيعت به الذرة: الغرارة ثلاثة وثلاثين درهما كاملية وثلث درهم. وربما بيعت بثلاثين درهم كاملية فيما بلغنى. والأول شاهدناه. وبيع المن السمن: باثنى عشر درهما كاملية، وهو اثنى عشر أوقية، كل أوقية رطلان مصريان، ونصف رطل.
والعسل: كل منّ بدرهمين كاملين وهو ثلاثة أرطال مصرية.
واللحم: كل منّ بأربعة مسعودية، وهو سبعة أرطال مصرية، إلا ثلث. ومن أخبار الغلاء بمكة: أن الخبر بمكة بيع ثلاث أواق بدرهم، واللحم بأربعة دراهم الرطل، وكل شربة ماء بثلاثة دراهم. وذلك فى سنة إحدى وخمسين ومائتين.
ومن ذلك: أن الخبر بلغ عشرة أرطال بدينار مغربى. ثم تعذر وجوده وأشرف الحجاج والناس على الهلاك. وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
ومن ذلك: أن الناس أكلوا الدم والجلود بمكة لغلاء شديد كان بها فى سنة تسع وستين وخمسمائة. ومات كثير من الناس بسببه.
ومنها: أن بعض الناس بمكة أكلوا لحم بعض الحمير الميتة على ما قيل، لغلاء شديد جدا بمكة. وذلك فى سنة ست وستين وسبعمائة. وتعرف هذه السنة عند المكيين بسنة أم جرب؛ لأن المواشى عمها الجرب فيها. وأدخلت المسجد الحرام وقت الاستسقاء فيه. وجعلت فى صوب مقام المالكية، وما يسر الله لهم سقيا، ولكن وفق مدير المملكة بمصر الأمير يلبغا الخاصكى، فجهز إلى مكة من القمح الطيب برا وبحرا ما أنعشهم به. فالله تعالى يثيبه ويثيب من نبه على ذلك.
ومن ذلك: غلاء فى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة: بلغت الغرارة الحنطة خمسمائة درهم كاملية، واختبز الناس القطانى وحب الثمام وأكلوهما.
وهذا أعظم غلاء شاهدناه بمكة.
ومن ذلك: أن الغرارة الحنطة بيعت بعشرين أفرنتيا ذهبا قبيل الموسم من سنة خمس عشرة وثمانمائة وبإثره.
ومن ذلك: غلاء فى النصف الثانى من سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، بلغت الغرارة عشرين أفلوريا وأزيد، والذرة قريبا من ذلك.
وعم الغلاء سائر المأكولات وفحش فى السمن كثيرا؛ لأن المن منه بلغ سبعة أفرنتية ونصف، فى آخر ذى القعدة.
وفى ذى القعدة من سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة: عظم الغلاء جدّا فى السمن بلغ المن أحد عشر أفلوريا وأزيد. ولم يعلم مثل ذلك.
ومن أخبار الوباء: أنه وقع الوباء على رأس سنة ستمائة من الهجرة.
ومن ذلك: أن فى سنة إحدى وسبعين وستمائة: كان الفناء عظيما بمكة بلغت الموتى فى بعض الأيام اثنتين وعشرين جنازة، وفى بعض خمسين. وعد أهل مكة ما بين العمرتين من أول رجب إلى السابع والعشرين منه: ألف جنازة.
ذكر هذه الحادثة بهذا اللفظ غير قليل. فبالمعنى الميورقى. وكذا الأولى.
ومن ذلك: وباء فى سنة تسع وأربعين وستمائة. وكان عاما فى الغلاء، وأعظم ما كان بديار مصر.
ومن ذلك: أن فى بعض الأيام على ما قيل: فى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة: بلغ الموتى بمكة أربعين نفرا.
ومنها: فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة وباء عظيم عام، لعل الموتى فيه ممن يعرف باسمه أو مكانه يزيدون على ألفين أو يقاربون ذلك. وكان كثيرا ما يجتمع من الجنائز عقيب صلاة الصبح أو العصر سبع أو أكثر. وكان يموت فى كثير من الأيام بضع وعشرين فى كل يوم أو أكثر غير الموتى الذى يؤتى به من بادية مكة إليها.
وقد اتضح بما ذكرناه من أخبار الرخص والغلاء والوباء أمور كثيرة.
* * *