الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب العشرون
فى ذكر شيء من خبر زمزم وسقاية العباس رضى الله عنه
(1)
أما زمزم فإن أول من أظهرها الأمين جبريل عليه السلام سقيا لإسماعيل عليه السلام عند ما ظمى، ولو لم تحوض عليه أم إسماعيل كانت عينا تجرى على ما فى البخارى.
وذكر الفاكهى أن الخليل عليه السلام حضر زمزم بعد جبريل عليه السلام ثم غلبه عليها ذو الفرس وقد غيبت بعد ذلك زمزم لاندراس موضعها، ثم منحها الله تعالى عبد المطلب جد النبىصلى الله عليه وسلم لكرامته، فحفرها بعد أن أعلمت له فى المنام بعلامات استبان له بها موضعها. فلم تزل ظاهرة حتى الآن، وعولجت فى الإسلام غير مرة. وذلك مذكور فى أصله.
وزمزم الآن فى بيت مربع فى جدرانه تسعة أحواض يملأ من زمزم المتوضئ منها.
وأعلا البيت مسقوف ما خلا الموضع الذى يحاذى البئر.
وهذه الصفة تخالف الصفة التى ذكرها الأزرقى فى صفة موضع زمزم.
وفى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة هدمت ظلة المؤذنين التى فوق البيت الذى فيه زمزم لإفساد الأرضة لها، وسلخ من هذا البيت الجدران الغربى والشامى من أعلاها إلى أسفلها، وبنى ذلك بنورة وحجارة منحوتة وغيرها. وسلخ من أعلا جدر هذا البيت الشرقى إلى عتبة الباب العليا فى هذا الجدر. وبنى ذلك من آجر ونورة، وأخرجوا من سقف هذا البيت الخشب المتخرب وأبدلوه بغيره، وبنوا فوق هذا الجدار أسطوانتين من آخر ونورة، لشد الدرابزين فى ذلك، وأصلحوا جميع سقف هذا البيت بالنورة والآجر، وجعلوا له درابزين من خشب مخروط نظيف بجوانبه خلا اليمانى.
وجعلوا فوق بئر زمزم شباكا من حديد، ولم يكن قبله هناك شباك من حديد وبنوا خمسة أساطين دقيقة من آجر بالنورة: ثلاثة فى الجدار الذى بالكعبة، وواحدة فى الشامى، وواحدة فى اليمانى، وجعلوا بين هاتين الأسطوانتين أسطوانة من خشب، وأخشابا بين هذين الأساطين، وسقفا من خشب مدهون ساترا لما بين هذه الأساطين
(1) انظر: (شفاء الغرام 1/ 247 ـ 259).
الست، يكون ظلة للمؤذنين، خلا بعض ما بين الأسطوانة الوسطى والخشب، فجعلوا فيه قبة من خشب مدهونة وطلوها من أعلاها بالجبس، وجعلوا فوق السقف المدهون سقفا آخر ودكوه بالآجر والنورة، ورفرفا من خشب مدهون نظيف بجوانب هذا السقف، وأحكمو شده وشد السقف والقبة بالمسامير والكلاليب الحديد.
وجعلوا درابزين من خشب نظيف بجوانب هذا البيت خلا اليمانى، ودرابزين آخر نظيف بجانبى ظلة المؤذنين اليمانى والشرقى. ولم يكن فى هذين الجانبين درابزين قبل ذلك.
وأوسعوا فى الأحواض التى فى الجدارين الغربى والشامى من داخل بئر زمزم، وأوسعوا فى الدرجة التى يصعد منها إلى سقف بيت زمزم فاستحسنت، وكذا ظلة المؤذنين، وكذا ما عمل فى سطح هذا البيت وجدرانه.
وفرغ من ذلك فى أثناء رجب سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. والمتولى لهذه العمارة الجناب العالى العلائى خواجا شيخ على الكيلانى نزيل مكة المشرفة. زاده الله رفعة وتوفيقا.
وكان إلى جانب هذا الموضع خلوة فيها بركة تملّأ من ماء زمزم، ويشرب منها من دخل إلى الخلوة.
وكان لها باب إلى جهة الصفا، ثم سد وجعل فى موضع الخلوة بركة مقبوة. وفى جدرها الذى يلى الصفا زبازيب يتوضأ منها الناس على أحجار نصبت عند الزبازيب، وفوق البركة المقبوة خلوة فيها شباك إلى الكعبة، وشباك إلى جهة الصفا، وطابق صغير إلى البركة.
وكان عمل ذلك على هذه الصفة فى سنة سبع وثمانمائة. ثم هدم ذلك حتى بلغ الأرض فى العشر الأول من ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة لما قيل: إن بعض الجهلة يستنجى هنالك. وعمّر عوض ذلك سبيل للسلطان الملك المؤيد أبى النصر شيخ، ينتفع الناس بالشرب منه. وجاءت عمارته حسنة.
وفرغ منها فى رجب سنة ثمان عشرة وثمانمائة.
وابتدئ فى عمله بإثر سفر الحاج.
وفى موضع هذه الخلوة: كان مجلس عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، على مقتضى ما ذكر الأزرقى والفاكهى.
ولزمزم أسماء كثيرة ذكرها الفاكهى.
منها: ستة وعشرون اسما ذكرناها فى أصله، مع أحد عشر اسما لزمزم لم يذكرها الفاكهى.
وفى أصله فوائد تتعلق بأسماء زمزم.
ولزمزم فضائل مروية عن النبى صلى الله عليه وسلم.
منها: «خير ماء على الأرض، ماء زمزم» . أخرجه ابن حبان فى صحيحه والطبرانى بإسناد جيد. وصح له عن شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى أنه قال: إن ماء زمزم أفضل من الكوثر؛ لأنه غسل صدر النبى صلى الله عليه وسلم به. ولم يكن يغسل إلا بأفضل المياه. انتهى بالمعنى.
ومنها: ما رويناه عن ابن عباس رضى الله عنهما «أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم» .
أخرجه الحافظ شرف الدين الدمياطى بسنده. وقال ـ فيما أنبئت به عنه ـ إسناد صحيح.
ومنها: «أنه لما شرب له» وهذا مروى من حديث ابن عباس، وجابر رضى الله عنهم عن النبى صلى الله عليه وسلم. وحديث ابن عباس، رويناه فى سنن الدار قطنى، وقد حسن شيخنا الحافظ العراقى حديث ابن عباس رضى الله عنهما. من هذه الطريق. وقال فى نكته على ابن الصلاح: إن حديث ابن عباس أصح من حديث جابر. انتهى.
وقد شربه جماعة من السلف والخلف لمقاصد جليلة فنالوها. وروينا فى ذلك أخبار.
منها: أن أحمد بن عبد الله الشريفى الفراش بالحرم الشريف المكى شربه للشفاء من العمى، فشفى. على ما أخبرنى به شيخنا المفتى عبد الرحمن بن أبى الخير الفاسى.
وفى هذا دليل لصحته.
ولزمزم خواص.
منها: أن ما ماءها يبرد الحمى.
ومنها: أنه يذهب بالصداع وغير ذلك.
وفى أصله زيادة فى فضل ماء زمزم وخواصه.
ويصح التطهر بماء زمزم بالإجماع، على ما ذكر الرويانى فى البحر، والماوردى فى الحاوى، والنواوى فى شرح المهذب.
وقد اتفق العلماء الأئمة الأربعة على جواز نقله.
وأما سقاية العباس رضى الله عنه. فهى الآن على غير الصفة التى ذكرها الأرزقى. وصفتها الآن والأولى مذكورتان فى أصله.
وأحدث عهد عمرت فيه هذه السقاية سنة سبع وثمانمائة بعد سقوط القبة التى كانت بها. وكانت من خشب من عمل الجواد الأصفهانى، فعملت من حجر.
وممن عمرها الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر. والله أعلم.
* * *