الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع
فى أخبار عمارة الكعبة المعظمة
(1)
بنيت الكعبة المعظمة مرات. وفى عدد بنائها خلاف (2).
ويتحصل من مجموع ما قيل فى ذلك: أنها بنيت عشر مرات.
منها: بناء الملائكة.
ومنها: بناء آدم.
ومنها: بناء أولاده.
ومنها: بناء الخليل. على جميعهم السلام.
ومنها: بناء العمالقة.
ومنها: بناء جرهم.
ومنها: بناء قصى بن كلاب.
ومنها: بناء قريش.
ومنها: بناء عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما.
ومنها: بناء الحجاج بن يوسف الثقفى.
وفى إطلاق العبارة بأنه بنى الكعبة تجوز؛ لأنه ما بنى إلا بعضها. ولولا أن السهيلى والنواوى ذكرا ذلك لما ذكرته.
وجميع ما ذكرناه من بناء الكعبة ذكره الأزرقى، إلا بناء قصى، فإنه لم يذكره.
وذكره الزبير بن بكار فى موضعين من كتابه، والفاكهى، وابن عابد وغيرهم.
وهو أول من سقفها. وقريش أول من رفع بابها ليدخلوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا.
(1) انظر: (شفاء الغرام 1/ 91 ـ 100).
(2)
انظر: (تاريخ الخميس 1/ 117، مرآة الزمان 1/ 285، تاريخ الطبرى 1/ 274، الأزرقى 1/ 25، زاد المسير 1/ 129، 424، البداية والنهاية 1/ 163، طبقات ابن سعد 1/ 52).
وابن الزبير رضى الله عنهما أول من جعل لها بابين. وبناؤه لها ثابت. وكذلك بناء قريش والخليل.
وما عدا ذلك غير ثابت، لضعف سند الأخبار الواردة به.
وكلام السهيلى يقتضى: أن شيث بن آدم أول من بناها.
وفى الأزرقى: ما يدل لتقدم بناء آدم على بناء الملائكة.
وسبب بناء ابن الزبير: أنها أصابها حريق من جهة فى المسجد أيام حصره الحصين ابن نمير السكونى لمعاندته الخليفة يزيد بن معاوية، وما أصابها من حجر المنجنيق الذى كان يرمى به الحصين ابن الزبير فى حال حصره، فإنه كان يصيب الكعبة، وذلك فى أوائل سنة أربع وستين من الهجرة.
فلما أدبر الحصين بن نمير من مكة راجعا إلى الشام ـ فى ربيع الآخر من هذه السنة، بعد أن بلغه موت يزيد ـ استشار ابن الزبير الناس فى هدم الكعبة وبنائها، فأشار بذلك قوم، وكرهه آخرون، منهم: ابن عباس رضى الله عنهما.
فلما اجتمع له ما يحتاج إليه من آلات العمارة: هدمها وبناها على أساس إبراهيمعليه السلام؛ لأنه أدخل فيها ما كانت قريش أخرجته منها فى الحجر، بعد أن كشف عن أساس إبراهيم حتى ظهر له، وأوقف عليه الناس، وجعل لها بابين متقابلين لاصقين بالأرض، أحدهما: شرقى، والآخر: غربى. واعتمد فى ذلك وفى إدخاله فيها ما أخرجته منها قريش: على حديث يقتضى ذلك، أخبرته به خالته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها عن النبىصلى الله عليه وسلم. وزاد فى طولها تسعة أذرع. هذا هو المشهور فيما زاد.
وقيل: زاد فيه عشرا. وهذا فى مسلم عن عطاء.
وعبد الله بن الزبير رضى الله عنهما هو الذى وضع الحجر الأسود فى الكعبة، لما بنيت فى زمنه.
وقيل: وضعه ابنه عباد.
وقيل: ابنه حمزة.
وقيل: الحجبة مع ابنه حمزة. والله أعلم.
والذى بناه الحجاج فى الكعبة: هو الجدر الذى يلى الحجر، بسكون الجيم.
والباب الذى صنعه ابن الزبير رضى الله عنهما: فى دبر الكعبة، وما تحت عتبة الباب
الشرقى. وكبس أرضها بالحجارة التى فضلت من أحجارها، وباقيها على بناء ابن الزبير رضى الله عنهما.
وقد صنعت فيها أمور بعد ابن الزبير والحجاج.
فمن ذلك: عمارة فى الجزء الذى بناه الحجاج، لانفتاحه. وهذا لم يذكره الأزرقى. وذكره الخزاعى.
ومن ذلك: عمارة رخام غير مرة فى سنة إحدى ـ أو اثنتين ـ وأربعين ومائتين.
وفى عشر الخمسين وخمسمائة ـ فى غالب الظن ـ من قبل الجواد الأصبهانى وزير صاحب الموصل.
وفى سنة تسع وعشرين وستمائة ـ فى غالب الظن ـ من قبل المستنصر العباسى.
وفى سنة ثمانين وستمائة: من قبل الملك المظفر صاحب اليمن. وفيما بعد ذلك وقبله.
ومن ذلك: عمارة فى سطحها بعد سنة مائتين. ذكر ذلك الأزرقى.
ومن ذلك: عمارة سقفها والدرجة التى بباطنها فى سنة اثنتين وأربعين خمسمائة.
ومن ذلك: مواضع فى سقفها فى رمضان فى سنة أربع عشرة وثمانمائة.
ومن ذلك: فى آخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة: إصلاح رخام كثير بجوفها، وإصلاح الروازن بسطحها، ورخامة تلى ميزابها، لتخرب ما تحتها.
والأخشاب التى بسطحها المعدة لشد كسوة الكعبة، قلعت لتخربها وعوضت بخشب غيرها، وأحكم وضعها بسطحها.
ومن ذلك: فى صفر سنة ست وعشرين ثمانمائة: إصلاح رخام كثير بأرض الكعبة بين جانبها الغربى وأساطينها، وفى جدرانها، وإقامة الأسطوانة التى تلى باب الكعبة لميلها، وأحكمت فى موضعها وتنقلها.
ومن ذلك: عتبة الباب السفلى لرثاثتها، وجعل عوضها عتبة قطعة ساج فى سنة إحدى وأربعين ومائتين، أو فى التى بعدها، ثم غير ذلك بعتبة حجر منحوت. وهى الآن على ذلك، وما علمت متى جرى ذلك.
ومن ذلك: أسطوانة فيها؛ لأن الفاكهى قال: حدثنى أبو على الحسن بن مكرم، قال: حدثنا عبد الله بن بكر، قال: حدثنى أبو بكر بن خبيب، قال: جاورت بمكة،
فغابت أسطوانة من أساطين البيت. فأخرجت، وجئ بأخرى ليدخلوها مكانها، وطالت عن الوضع، فأدركهم الليل، والكعبة لا تفتح ليلا، فتركوها مائلة ليعودوا من غد فيصلحوها. فجاءوا من غد فأصابوها أقوم من القدح. انتهى.
وهذا غريب، وفيه للبيت كرامة.
ومن ذلك: ميزاب عمله رامشت، وصل به خادمه مثقال فى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
وميزاب عمله المقتفى العباسى. وركب فى الكعبة بعد قلع ميزاب رامشت، فى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، أو فى التى بعدها.
وميزاب عمله الناصر العباسى، وهو الآن فى الكعبة، وظاهره فيما يبدو للناس محلى بفضة، وأحدث عهد حلى فيه: سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.
ومن ذلك: باب عمله الجواد الوزير فى سنة خمسين وخمسمائة، وركب فيها سنة إحدى وخمسين، وكتب عليه اسم المقتفى، وحلاه حلية حسنة.
وكلام ابن الأثير يوهم: أن المقتفى عمل للكعبة بابا، وما عمله إلا الجواد. والله أعلم.
وباب عمله الملك المظفر صاحب اليمن، وكانت عليه صفائح فضة زنتها ستون رطلا، فأخذها السدنة.
وباب عمله الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر من السنط الأحمر، وحلاه بخمسة وثلاثين ألف درهم وثلاثمائة درهم، وركب فى الكعبة فى ثامن عشرى ذى القعدة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة.
وباب عمله ابنه الملك الناصر حسن فى سنة إحدى وستين وسبعمائة، وركب عليها فى التاريخ المذكور. فهو فيها إلى الآن.
واسم مولانا السلطان الملك الأشرف برسباى، صاحب الديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين ـ زاده الله نصرا وتأييدا ـ مكتوب بحائط الكعبة اليمانى بسبب ما أنفق فى سلطنته من العمارة فى الكعبة الشريفة.
واسم الأشرف شعبان بن حسين صاحب مصر مكتوب فى إحدى جانبى باب الكعبة فى الفيارين، لتحليته فى زمنه.
واسم الملك المؤيد صاحب مصر ـ أبى النصر شيخ ـ مكتوب فى أحد فيارين الباب، لتحليته فى زمنه.
وفى باب الكعبة مكتوب اسم الملك الناصر محمد بن قلاوون.
وفى مفتاحها مكتوب اسم الملك المظفر صاحب اليمن.
هذا ما علمته ما عمل فى الكعبة بعد ابن الزبير والحجاج. ولا أعلم أن أحدا غير بناءهما.
ونختم هذا الباب بفائدة تتعلق بباب الكعبة.
وهى: أنه اختلف فى أول من بوب الكعبة؛ فقيل: أنوش بن شيث بن آدم عليهم السلام، وقيل: تبّع الثالث، الذى كساها ونحر لها، وقيل: جرهم بوبته. والله تعالى أعلم.
* * *