الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس والثلاثون
فى ذكر شيء من فتح مكة المشرفة، وفوائد تتعلق بذلك
(1)
كان سبب فتح مكة أن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة، عدت على خزاعة، وهم على ماء لهم بأسفل مكة، يقال له: الوتير، فأصابوا منهم رجلا وتحاوروا واقتتلوا، ورفدت قريش بنى بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حازوا خزاعة إلى الحرم.
ثم خرج ناس من خزاعة إلى النبى صلى الله عليه وسلم يستنصرونه؛ لأن خزاعة فى صلح الحديبية: دخلت فى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر فى عقد قريش، فوعد النبى صلى الله عليه وسلم الخزاعيين بالنصر.
وقدم المدينة أبو سفيان بن حرب ليشد العقد، ويزيد فى المدة، فلم ينل قصدا، ورجع إلى مكة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله أن يجهزوه ثم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتأهب، وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها، فتحفز الناس.
ولما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة، كتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا إلى قريش: يخبرهم بالذى أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر فى المسير إليهم، ثم أعطاه امرأة، قيل: إنها مزينة، وقيل: إنها سارة ـ مولاة لبعض بنى عبد المطلب ـ وأعلم الله بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، فبعث على بن أبى طالب، والزبير بن العوام لإحضار الكتاب فأتيا به.
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره، وخرج لعشر مضين من شهر رمضان فصام وصام الناس حتى إذا كان بالكديد بين عسفان وأمج أفطر، ثم مضى حتى نزل مر الظهران فى عشرة آلاف من المسلمين، وقريش لا تعلم بذلك.
ثم إن أبا سفيان بن حرب حضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران فأسلم. وكان خرج يتحسس الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأمن النبى صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبى سفيان، ومن أغلق عليه بابه، ومن دخل المسجد.
(1) انظر: (شفاء الغرام 2/ 110 ـ 161).
فلما جاء قومه أخبرهم الخبر، وأن النبى صلى الله عليه وسلم قد جاءهم بما لا قبل لهم به، فتفرق الناس إلى دورهم، وإلى المسجد.
ولما انتهى النبى صلى الله عليه وسلم إلى ذى طوى، أمر الزبير بن العوام: أن يدخل فى بعض الناس من كداء. وكان الزبير على المجنبة اليسرى، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل فى بعض الناس من كداء.
وأمر النبى صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة فى بعض الناس.
وكان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وفيها: أسلم، وسليم، وغفار، ومزينة وجهينة، وقبائل من قبائل العرب.
وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدى رسول اللهصلى الله عليه وسلم.
ودخل النبى صلى الله عليه وسلم من أذاخر، حتى نزل بأعلى مكة، وضربت هنالك قبته.
وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو، وقد جمعوا ناسا بالخندمة ليقاتلوا، فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ناوشوهم شيئا من قتال، فقتل كرز بن جابر أحد بنى محارب بن فهر، وحنيش بن خالد بن ربيعة بن أصرم ـ حليف بنى منقذ ـ وكانا فى خيل خالد بن الوليد، فشذا عنه، فسلكا طريقا غير طريقه، فقتلا جميعا.
وأصيب من جهينة سلمة الميلا من خيل خالد.
وأصيب من المشركين ناس قريب من اثنى عشر، أو ثلاثة عشر، ثم انهزموا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عهد إلى أمرائه من المسلمين ـ حين أمرهم أن يدخلوا ـ أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا قاتلهم. إلا أنه قد عهد فى نفر سماهم: أمر بقتلهم، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، فقتل بعضهم واستؤمن لبعضهم.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة واطمأن الناس: خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعا على راحلته، يستلم الركن بمحجن فى يده، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له، فدخلها فوجد فيه حمامة من عيدان، فكسرها بيده، ثم طرحها. ثم وقف على باب الكعبة، وقد استكف له الناس فى المسجد، فخطب خطبته المشهورة، وفيها: يا معشر قريش، ما ترون أنى فاعل فيكم؟ قالوا: خير، أخ كريم، وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.