الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر حكم بيع دور مكة وإجارتها
(1)
ـ قال الخليل: سمى الحجاز حجازا لأنه فصل بين الغور والشام وبين البادية.
وقال عمارة بن عقيل: ما سأل من حرّة بن سليم وحرّة ليلى فهو الغور حتى يقطعه البحر، وما سال من ذات عرق مغربا فهو الحجاز إلى أن تقطعه تهامة، وهو حجاز أسود حجز بين نجد وتهامة، وما سال من ذات عرق مقبلا فهو نجد إلى أن يقطعه العراق.
وقال الأصمعى: ما احتزمت به الحرار حرّة شوران وحرّة ليلى وحرّة واقم وحرّة النار وعامة منازل بنى سليم إلى المدينة، فذلك الشقّ كله حجاز.
وقال الأصمعى أيضا فى كتاب جزيرة العرب: الحجاز اثنتا عشرة دارا: المدينة وخيبر وفدك وذو المروة ودار بلىّ ودار أشجع ودار مزينة ودار جهينة ونفر من هوازن وجلّ سليم وجلّ هلال وظهر حرّة ليلى، ومما يلى الشام شغب وبدا.
وقال الأصمعى فى موضع آخر من كتابه: الحجاز من تخوم صنعاء من العبلاء وتبالة إلى تخوم الشام، وإنما سمى حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد، فمكة تهامية والمدينة حجازية والطائف حجازية.
وقال غيره: حدّ الحجاز من معدن النقرة إلى المدينة، فنصف المدينة حجازىّ ونصفها تهامىّ، وبطن نخل حجازى وبحذائه جبل يقال له الأسود نصفه حجازى ونصفه نجدىّ. وذكر ابن أبى شبّة أن المدينة حجازية.
(1)
ذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف، إلى أنه لا يجوز بيع أراضى مكة، ولا إجارة بيوتها، هذا مذهب مجاهد وعطاء فى أهل مكة، ومالك فى أهل المدينة، وأبى حنيفة فى أهل العراق، وسفيان الثورى، والإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه.
وروى الإمام أحمد رحمه الله، عن علقمة بن نضلة، قال: كانت رباع مكة تدعى السوائب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن.
وروى أيضا عن عبد الله بن عمر: «من أكل أجور بيوت مكة، فإنما يأكل فى بطنه نار جهنم» رواه الدار قطنى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وفيه:«إن الله حرم مكة، فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها» .
وقال الإمام أحمد: حدثنا معمر، عن ليث، عن عطاء، وطاوس ومجاهد، أنهم قالوا: يكره أن تباع رباع مكة أو تكرى بيوتها.
وذكر الإمام أحمد، عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: من أكل من كراء بيوت مكة، فإنما يأكل فى بطنه نارا.
وقال أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا حجاج، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، قال: نهى عن إجارة بيوت مكة، وعن بيع رباعها.
وذكر عن عطاء، قال: نهى عن إجازة بيوت مكة.
وقال أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف قال: حدثنا عبد الملك، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير أهل مكة ينهاهم عن إجازة بيوت مكة، وقال: إنه حرام.
وحكى أحمد عن عمر، أنه نهى أن يتخذ أهل مكة للدور أبوابا، لينزل البادى حيث شاء. ـ
_________
ـ وحكى عن عبد الله بن عمر، عن أبيه: أنه نهى أن تغلق أبواب دور مكة، فنهى من لا باب لداره أن يتخذ لها بابا، ومن لداره باب أن يغلقه، وهذا فى أيام الموسم.
قال المجوزون للبيع والإجارة: الدليل على جواز ذلك، كتاب الله وسنة رسوله، وعمل أصحابه وخلفائه الراشدين.
قال الله تعالى: (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ)[الحشر: 8].
وقال: (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ)[آل عمران: 195].
وقال: (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ)[الممتحنة: 9] فأضاف الدور إليهم، وهذه إضافة تمليك.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم، وقد قيل له: أين تنزل غدا بدارك بمكة؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع» (1)، ولم يقل: إنه لا دار لى، بل أقرهم على الإضافة، وأخبر أن عقيلا استولى عليها ولم ينزعها من يده، وإضافة دورهم إليهم فى الأحاديث أكثر من أن تذكر، كدار أم هانئ، ودار خديجة، ودار أبى أحمد بن جحش وغيرها، وكانوا يتوارثونها كما يتوارثون المنقول، ولهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم:«وهل ترك لنا عقيل من منزل» ، وكان عقيل هو ورث دور أبى طالب، فإنه كان كافرا، ولم يرثه على رضى الله عنه، لاختلاف الدين بينهما، فاستولى عقيل على الدور. ولم يزالوا قبل الهجرة وبعدها، بل قبل المبعث وبعده، من مات، ورث ورثته داره إلى الآن.
وقد باع صفوان بن أمية دارا لعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ بأربعة آلاف درهم، فاتخذها سجنا، وإذا جاز البيع، والميراث، فالإجارة أجوز وأجوز، فهذا موقف أقدام الفريقين كما ترى، وحججهم فى القوة والظهور لا تدفع، وحجج الله وبيناته لا يبطل بعضها بعضا بل يصدق بعضها بعضا، ويجب العمل بموجبها كلها، والواجب اتباع الحق أين كان.
فالصواب القول بموجب الأدلة من الجانبين، وأن الدور تملك، وتوهب، وتورث، وتباع، ويكون نقل الملك فى البناء لا فى الأرض والعرصة، فلو زال بناؤه، لم يكن له أن يبيع الأرض، وله أن يبنيها ويعيدها كما كانت، وهو أحق بها يسكنها ويسكن فيها من شاء، وليس له أن يعاوض على منفعة السكنى بعقد الإجارة، فإن هذه المنفعة إنما يستحق أن يقدم فيها على غيره، ويختص بها لسبقه وحاجته، فإذا استغنى عنها، لم يكن له أن يعاوض عليها، كالجلوس فى الرحاب، والطرق الواسعة، والإقامة على المعادن وغيرها من المنافع والأعيان المشتركة التى من سبق إليها، فهو أحق بها ما دام ينتفع، فإذا استغنى، لم يكن له أن يعاوض، وقد صرح أرباب هذا القول بأن البيع ونقل الملك فى رباعها إنما يقع على البناء لا على الأرض، فذكره أصحاب أبى حنيفة.
فإن قيل: فقد منعتم الإجارة، وجوزتم البيع، فهل لهذا نظير فى الشريعة، والمعهود فى الشريعة أن الإجارة أوسع من البيع، فقد يمتنع البيع، وتجوز الإجارة، كالوقف والحر، فأما العكس، فلا عهد لنا به؟ .
قيل: كلّ واحد من البيع والإجارة عقد مستقل غير مستلزم للآخر فى جوازه وامتناعه، وموردهما مختلف، وأحكامهما مختلفة، وإنما جاز البيع، لأنه وارد على المحل الذى كان البائع ـ
اختلف فى ذلك قول مالك. فروى عنه: أنه كره بيعها وكراء دورها، فإن بيعت أو أكريت: لم يفسخ. وروى عنه منع ذلك.
وليس سبب الخلاف عند المالكية: الخلاف فى مكة: هل فتحت عنوة، أو صلحا؟ لأنهم لم يختلفوا فى أنها فتحت عنوة.
وإنما سبب الخلاف عندهم فى ذلك: الخلاف فى مكة: هل منّ النبى صلى الله عليه وسلم بها على
ـ أخص به من غيره، وهو البناء، وأما الإجارة فإنما ترد على المنفعة، وهى مشتركة، وللسابق إليها حق التقدم دون المعاوضة، فلهذا أجزنا البيع دون الإجارة، فإن أبيتم إلا النظير، قيل: هذا المكاتب يجوز لسيده بيعه، ويصير مكاتبا عند مشتريه، ولا يجوز له إجارته إذ فيها إبطال منافعه وأكسابه التى ملكها بعقد الكتابة والله أعلم. على أنه لا يمنع البيع، وإن كانت منافع أرضها ورباعها مشتركة بين المسلمين، فإنها تكون عند المشترى كذلك مشتركة المنفعة، إن احتاج سكن، وإن استغنى أسكن كما كانت عند البائع، فليس فى بيعها إبطال اشتراك المسلمين فى هذه المنفعة، كما أنه ليس فى بيع المكاتب إبطال ملكه لمنافعه التى ملكها بعقد المكاتبة، ونظير هذا جواز بيع أرض الخراج التى وقفها عمر رضى الله عنه على الصحيح الذى استقر الحال عليه من عمل الأمة قديما وحديثا، فإنها تنتقل إلى المشترى خراجية، كما كانت عند البائع، وحق المقاتلة إنما هو فى خراجها، وهو لا يبطل بالبيع، وقد اتفقت الأمة على أنها تورث، فإن كان بطلان بيعها لكونها وقفا، فكذلك ينبغى أن تكون وقفيتها مبطلة لميراثها، وقد نص أحمد على جواز جعلها صداقا فى النكاح، فإذا جاز نقل الملك فيها بالصداق والميراث والهبة، جاز البيع فيها قياسا وعملا، وفقها. والله أعلم.
فإذا كانت قد فتحت عنوة، فهل يضرب الخراج على مزارعها كسائر أرض العنوة، وهل يجوز لكم أن تفعلوا ذلك أم لا؟ .
قيل: فى هذه المسألة قولان لأصحاب العنوة.
أحدهما: المنصوص المنصور الذى لا يجوز القول بغيره، أنه لا خراج على مزارعها وإن فتحت عنوة، فإنها أجل وأعظم من أن يضرب عليها الخراج، لا سيما والخراج هو جزية الأرض، وهو على الأرض كالجزية على الرءوس، وحرم الرب أجل قدرا وأكبر من أن تضرب عليه جزية، ومكة بفتحها عادت إلى ما وضعها الله عليه من كونها حرما آمنا يشترك فيه أهل الإسلام، إذ هو موضع مناسكهم ومتعبدهم وقبلة أهل الأرض.
والثانى ـ وهو قول بعض أصحاب أحمد: أن على مزارعها الخراج، كما هو على مزارع غيرها من أرض العنوة، وهذا فاسد مخالف لنص أحمد رحمه الله ومذهبه، ولفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين من بعده رضى الله عنهم، فلا التفات إليه، والله أعلم.
وقد بنى بعض الأصحاب تحريم بيع رباع مكة على كونها فتحت عنوة، وهذا بناء غير صحيح، فإن مساكن أرض العنوة تباع قولا واحدا، فظهر بطلان هذا البناء والله أعلم.
انظر: (زاد المعاد 3/ 315 وما بعدها).
أهلها، فلم تقسم، ولا سبى أهلها، لما عظّم الله من حرمتها، أو أقرت للمسلمين؟ أشار إلى ذلك ابن رشد.
وعلى الأول: ينبنى جواز بيع دورها وإجارتها، وينبنى منع ذلك على القول بأنها أقرت للمسلمين.
وفى هذا القول نظر. فقد بيعت دور مكة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم، وعمر وعثمان رضى الله عنهما، وبأمرهما اشتريت دور مكة لتوسعة المسجد الحرام، وكذلك فعل ابن الزبير رضى الله عنهما.
وفعل ذلك غير واحد من الصحابة رضى الله عنهم. وهم أعرف الناس بما يصلح فى مكة.
وهذا مذكور فى تاريخ الأزرقى، ما عدا بيعها فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم فإن ذلك مذكور فى كتاب الفاكهى عن عبد الرحمن بن مهدى.
ولا يعارض هذا حديث علقمة بن نضلة الكنانى ـ وقيل الكندى ـ «كانت الدور والمساكن على عهد النبى صلى الله عليه وسلم، وأبى بكر، وعمر، وعثمان رضى الله عنهم ـ لا تكرى ولا تباع، ولا تدعى إلا السوائب، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن» . وهذا لفظ الأزرقى. وفى ابن ماجة معناه (1).
لأن حاصل حديث علقمة: شهادة على النفى. وفى مثل هذا يقدم المثبت. والله أعلم.
واختلف الحنفية فى جواز بيع دور مكة، فاختار الصاحبان ـ أبو يوسف ومحمد بن الحسن ـ جواز ذلك. وعلى قولهما الفتوى، فيما ذكر الصدر الشهيد، ومقتضى قولهما بجواز البيع، جواز الكراء. والله أعلم.
واختلف رأى الإمام أحمد رضى الله عنه فى ذلك. فعنه روايتان فى جواز بيع دور مكة وإجارتها. ورجح كلا منهما مرجح من أتباعه المتأخرين.
ولم يختلف مذهب الشافعى رضى الله عنه فى جواز بيع دور مكة وكرائها؛ لأنها عنده فتحت صلحا. وقال بعضهم عنه: فتحت بأمان، وهو فى معنى الصلح.
(1) أخرجه ابن ماجة فى سننه (3107) من طريق: أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد بن أبى حسين، عن عثمان بن أبى سليمان، عن علقمة بن نضلة، قال:«توفى رسول اللهصلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاج سكن ومن استغنى أسكن» .
وقال الماوردى، من أئمة الشافعية: عندى أن أسفلها دخله خالد بن الوليد رضى الله عنه عنوة، وأعلاها فتح صلحا.
قال النووى: والصحيح الأول. يعنى أنها فتحت صلحا كلها. وفى صحته نظر؛ لأن الفتح صلحا إنما يكون بالتزام أهل البلد المفتتحة ترك القتال. والواقع من أهل مكة عند فتحها خلاف ذلك؛ لأن فى مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه حديثا فى فتح مكة. قال فيه: «ووبّشت قريش أوباشا لها وأتباعا، فقالوا: نقدم هؤلاء. فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذى سئلنا» (1).
(1) أخرجه مسلم فى صحيحه (1780) من طريق شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت البنانى، عن عبد الله بن رباح، عن أبى هريرة، قال: وفدت وفود إلى معاوية وذلك فى رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام، فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلى، فأمرت بطعام يصنع ثم لقيت أبا هريرة من العشى، فقلت: الدعوة عندى الليلة، فقال: سبقتنى، قلت: نعم، فدعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار ثم ذكر فتح مكة، فقال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادى ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتيبة، قال: فنظر فرآنى، فقال أبو هريرة: قلت: لبيك يا رسول الله، فقال:«لا يأتينى إلا أنصارى ـ زاد غير شيبان فقال ـ اهتف لى بالأنصار» قال: فأطافوا به ووبشت قريش أوباشا لها وأتباعا، فقالوا: نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذى سئلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم» ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى ثم قال: «حتى توافونى بالصفا» قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا، قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، ثم قال: من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، فقالت: الأنصار بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة فى قريته ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة: وجاء الوحى وكان إذا جاء الوحى لا يخفى علينا فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضى الوحى، فلما انقضى الوحى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا معشر الأنصار» قالوا: لبيك يا رسول الله، قال:«قلتم أما الرجل فأدركته رغبة فى قريته» قالوا: قد كان ذاك، قال:«كلا إنى عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم والمحيا محياكم والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذى قلنا إلا الضن بالله وبرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم» قال: فأقبل الناس إلى دار أبى سفيان وأغلق الناس أبوابهم، قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه فى عينه ويقول:(جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو.
وأخرجه أحمد بن حنبل فى مسنده (10565).
وفيه ما يقتضى أمر النبى صلى الله عليه وسلم بقتالهم ووقوع القتل. وذلك: ينافى الصلح. وفيه دليل على أن فتح مكة عنوة. والله أعلم.
ومن الأخبار الدالة على أن فتح مكة عنوة: قوله صلى الله عليه وسلم فى خطبته بمكة يوم فتحها: «يا معشر قريش، ما ترون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم. قالصلى الله عليه وسلم: اذهبوا، فأنتم الطلقاء» (1) وهذه الخطبة فى سيرة ابن إسحاق، تهذيب ابن هشام (2).
قال ابن الأثير فى النهاية، فى حديث حنين:«خرج إليها ومعها الطلقاء الذين خلّى عنهم يوم فتح مكة، أطلقهم ولم يسترقهم» إلى آخر كلامه.
(1) أخرجه أبو داود (4547)، (4588) قال: حدثنا سليمان بن حرب ومسدد، قال: حدثنا حماد. و (4548)، (4589) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا وهيب. و «ابن ماجة» 2627 قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا سليمان بن حرب: قال: حدثنا حماد بن زيد. و «النسائى» 8/ 41 قال: أخبرنى يحيى بن حبيب بن عربى، قال: أنبأنا حماد.
كلاهما (حماد بن زيد، ووهيب) عن خالد الحذاء، عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس، فذكره.
أخرجه أحمد 2/ 164 (6533)، 2/ 166 (6552) قال: حدثنا محمد بن جعفر. و «الدارمى» 2388 قال: أخبرنا سليمان بن حرب. و «ابن ماجة» 2627 قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، ومحمد بن جعفر. و «النسائى» 8/ 40 قال: أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، ثلاثتهم (محمد بن جعفر، وسليمان، وعبد الرحمن) قالوا: حدثنا شعبة، عن أيوب، قال: سمعت القاسم بن ربيعة يحدث عن عبد الله بن عمرو، فذكره مختصرا. وليس فيه (عقبة بن أوس).
أخرجه أحمد 3/ 410 قال: حدثنا هشيم. و «النسائى» 8/ 41 قال: حدثنا محمد بن كامل، قال: حدثنا هشيم. وفى 8/ 41 قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا بشر بن المفضل. وفى 8/ 42 قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا يزيد، ثلاثتهم (هشيم، وبشر، ويزيد بن زريع) عن خالد الحذاء، عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس، عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، قال: خطب النبى صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه. وفى رواية بشر. ورواية يزيد (يعقوب ابن أوس) بدل (عقبة بن أوس).
أخرجه النسائى 8/ 41 قال: أخبرنا محمد بن بشار عن ابن أبى عدى، عن خالد، عن القاسم، عن عقبة بن أوس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فذكره مرسلا.
أخرجه أحمد 3/ 410 قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس. و «النسائى» 8/ 40 قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا حماد، عن أيوب. وفى 8/ 42 قال: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا سهل بن يوسف، قال: حدثنا حميد، ثلاثتهم (يونس، وأيوب، وحميد) عن القاسم بن ربيعة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح، فذكره مرسلا.
(2)
انظر: (السيرة النبوية، لابن هشام 2/ 412، الطبقات الكبرى، لابن سعد 2/ 136، 137).
وإذا كان هذا معنى الطلقاء، فخطاب النبى صلى الله عليه وسلم لقريش ـ هذا الخطاب ـ يقتضى أنهم كانوا حين خوطبوا بذلك فى الأسر، المقتضى للاسترقاق، لولا أن النبىصلى الله عليه وسلم تفضل عليهم بالإطلاق، ولولا ذلك لم يكن لاستعلامه قريشا عما يتوقعونه منه محل، كما لا محل لخطاب قريش بذلك بعد تأمينهم. ويبعد الانفصال عن هذا الدليل بجواب شاف، إلا أن يقال: إنه مرسل.
وفى أصل هذا الكتاب ـ فيما يتعلق بفتح مكة ـ فوائد أخر، مع بيان النظر فيما أجاب به النووى رحمه الله عن الأحاديث المقتضية لفتح مكة عنوة.
وفيما ذكره حجة للإمام الشافعى رضى الله عنه فى فتح مكة صلحا، وفى أن دورها مملوكة لأهلها. والله أعلم بالصواب. وهذا من النووى: تأييد لقول الشافعى رضى الله عنه: أن مكة فتحت صلحا.
وفى شرح مسلم للقاضى عياض، والمازرى: ما يقتضى أنه انفرد بذلك. ولم ينفرد به، لموافقة مجاهد وغيره له على ذلك، على ما وجدت بخط سليمان بن خليل إمام المقام الشريف بمكة فى حاشية فى المهذب. نقلها عن الشامل، ولم يقل فيها «لابن الصباغ» وهو له. والله أعلم.
* * *