الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اثنتين وخمسين وسبعمائة، ولم أدر متى مات، إلا أنا استفدنا من هذا حياته فى هذا التاريخ.
مات موسى الزهرانى فى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاة.
2549 ـ موسى بن على بن موسى المصرى المناوى المالكى:
الشيخ العالم العامل المكاشف المشهور المعتقد، شرف الدين، عنى بفنون كثيرة من العلم، وصار نبيها فى الفقه والعربية والقراءات والحديث، وحفظ فيه «الموطأ» لمالك، رواية يحيى بن يحيى حفظا جيدا، وكتب ابن الحاجب الثلاثة وله حظ وافر من الصلاح والخير، ومكاشفات كثيرة.
ولد بمنية القائد (1) من عمل مصر، فى سنة بضع وخمسين وسبعمائة، ونشأ بها، وشرع فى حفظ مختصر أبى شجاع على مذهب الإمام الشافعى، ثم أعرض عن ذلك، ورغب فى مذهب الإمام مالك، فقدم القاهرة للاشتغال بالعلم، فجد فى ذلك حتى حصل، ومن شيوخه فى العلم: القاضى نور الدين على بن الجلال المالكى، والنحوى شمس الدين الغمارى.
وروى الحديث عن الشيخ سراح الدين بن الملقّن، وبرع فى العربية، وحصل الوظائف، ثم أقبل على العبادة والزهد، وترك ما كان بيده من الوظائف، من غير عوض يعوّضه، وانفرد بالصحراء مدة، وسكن الجبل، وأعرض عن جميع أمور الدنيا، وصار يقتات مما تنبته الجبال، ولا يدخل البلد إلا يوم الجمعة، ليشهدها ثم يمضى، ففتح عليه بخير كثير، وصار يكاشف بأشياء غامضة، ويبشر بأشياء، فتتفق كما يشير إليه، ويخبر عن أمور عظيمة شاهدها فى تجرّده.
فمن ذلك على ما أخبرت عنه: أنه رأى الخضر عليه السلام عند خروجه من مصر متوجّها للحج، وأنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة النبوية، وقال له صلى الله عليه وسلم: قل لهذا الحائط ينشقّ، فقال ذلك للحائط، فقال الحائط: من أمر بذلك! فقال له: النبى صلى الله عليه وسلم، فانشق الحائط.
وأنه رأى سيدنا إبراهيم بن النبى صلى الله عليه وسلم، وتكلم معه فى شيء من العلم. وأنه رأى سيدنا العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه، والإمام مالكا رضى الله عنه، والشافعى رضى الله عنه. فقال له: ما هى إلا عنايات وصحابات، وأبا حنيفة رضى الله عنه مرتين، ونافع بن أبى نعيم القارئ، وجماعة من العلماء.
2549 ـ (1) منية القائد: فى أول الصعيد قبلى الفسطاط، بينها وبين مدينة مصر يومان. انظر: معجم البلدان (منية القائد).
ومن مكاشفاته على ما أخبرنى به بعض أصحابنا: أن بعض الناس أرسل مع المخبر لى بخمسين درهما يعطيها للشيخ موسى المذكور، فجاء بها إليه، فردها، فسأل الآتى بها المرسل له بها: هل فيها شبهة؟ فقال: نعم. فأعطاه خمسين درهما من غير هذه الجهة، وأمر بإعطائها للشيخ موسى، فامتنع من قبولها ثانيا، فلامه الرسول على امتناعه، فقال له: تطعمنى النار! وأخبرنى صاحبنا المشار إليه: أنه أحضر للشيخ موسى حقّا فيه زنجبيل مربّى، فأكل منه الشيخ موسى أكلا كثيرا، فخطر ببال صاحب الزنجبيل، أنه لا يؤكل على هذه الصفة، لكونه يتداوى به، فما انقضى هذا الخاطر، إلا والشيخ موسى قد أعرض عن الأكل، وغطّى الحقّ وقال: ما بقينا نأكل شيئا.
وأخبرنى أيضا، أن بعض أصحابه دعاه إلى منزله، والشيخ موسى عنده، فقال له الشيخ موسى: تغدّى؟ فقال المخبّر لى: فقلت فى نفسى: أنا صائم. فقال الشيخ موسى: تعشّى عنده بعد المغرب.
وأخبرنى صاحبنا المشار إليه، عن الشيخ موسى بمكاشفات أخر، وهذا معنى ما أخبرنى به. وأخبرنى أيضا أن بعض أصحابه، تخوّف من بعض الأمراء لما ورد إلى مكة، قال: فاجتمعت بالشيخ موسى، وشكوت عليه ذلك، فقال: ما يصيبه إلا خير، فسلم من شر الأمير.
ومما بشّر به على ما أخبرنى به بعض أصحابنا، أنه استفتى بعض علماء مكة عن مسألة، فقال فى آخر السؤال: ويحجّون بالناس، ويقفون بهم بعرفة وغيرها، فقدّر أن المسئول حجّ بالناس، وفعل ما أشار إليه الشيخ موسى.
وأخبرنى المخبّر لى بهذه الحكاية، أنه عاد بعض الناس، فلما خرج من عنده، لقى الشيخ موسى، فقال له: كنتم عند فلان؟ فقال له المخبر: نعم. فقال له الشيخ موسى: ما يجئ منه شئ. فمات الرجل المشار إليه فى مرضه ذلك.
وبشارته ومكاشفته كثيرة، وقد سمعت بعض أصحابنا يقول: لم أر أكثر منه مكاشفة. وكنت أنا أجتمع به كثيرا، وأستفيد منه أشياء حسنة، وأول اجتماعى به بالقاهرة، فى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، وتوجه فيها أو بعدها بقليل إلى الحجاز، فحج وجاور بالحرمين الشريفين، وكان يغيب فى برارى المدينة اليوم واليومين، ثم يأتى ويخبر ببعض ما شاهده من الأمور التى أشرنا إليها وغيرها، وكان يجوع كثيرا وينفر من الناس، ويسألونه من الأكل عندهم، فيمتنع مع شدة جوعه، ثم تحيل عليه الناس، حتى استألفوه قليلا قليلا، فأنس بهم وصار يأكل عندهم، فكثرت شهوته للطعام، وصار