الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودامت ولاية الوليد بن عروة على مكة، إلى انقضاء ولاية مروان، فى سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ولما سمع بقدوم داود بن على العباسى إلى مكة، بعد مصير الخلافة لابن أخيه أبى العباس السفاح، هرب منه الوليد إلى اليمن، لأنه أيقن بالهلكة، بسبب ما فعله مع سديف بن ميمون، فإن سديفا كان يتكلم فى بنى أمية ويهجوهم، ويخبر بأن دولة بنى هاشم قريبة، وبلغ ذلك عنه الوليد بن عروة، فتحيل، حتى قبض على سديف وحبسه، وجعل يجدله فى كل سبت مائة سوط، كلما مضى سبت، أخرجه وضربه مائة سوط، حتى ضربه أسبتا. وما ذكرناه من فعل الوليد بسديف، وهروبه إلى اليمن، خوفا من داود بن على، ذكره الفاكهى بمعنى ما ذكرناه.
2669 ـ الوليد بن عطاء بن الأغر:
شيخ مكى، روى عن مسلم الزّنجى، وعنه عبد الله بن شبيب، ووثقه، وشاذان، والنضر بن سلمة. ذكره هكذا الذهبى فى الميزان. وقال: ذكره ابن عدى، وما كان ينبغى له أن يورده، فإنه وثّق، ثم ساق له حديثا، وبرّأ ابن عدى ساحته، وقال: البلاء فيه من شاذان.
2670 ـ الوليد بن عقبة بن أبى معيط، واسم أبى معيط: أبان بن أبى عمرو، واسمه ذكوان، بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى بن كلاب القرشى الأموى، وأبو وهب:
قال ابن عبد البر: أسلم يوم الفتح، هو وأخوه خالد بن عقبة، وأظنه يومئذ كان قد ناهز الاحتلام، وضعف ابن عبد البر الحديث المروى عن الوليد هذا، فى أن أهل مكة، لما فتح النبى صلى الله عليه وسلم مكة، ظل أهلها يأتون بصبيانهم، فيمسح على رءوسهم، ويدعو لهم بالبركة، وأنه أتى به إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فلم يمسح عليه من أجل الخلوق الذى خلّقته به أمه.
وذكر ابن عبد البر، أن هذا الحديث منكر مضطرب لا يصح، ولا يمكن، واستدل على كونه لم يكن صبيا حين فتح مكة بأمرين، أحدهما: ما ذكره الزبير وغيره من أهل العلم بالسير والخبر، من أن الوليد، وعمارة ابنى عقبة، خرجا ليردّا أختهما أم كلثوم
2670 ـ انظر ترجمته فى: (الاستيعاب ترجمة 2750، الإصابة ترجمة 9167، أسد الغابة ترجمة 5475، طبقات ابن سعد 6/ 24، نسب قريش 138، طبقات خليفة 75، المعارف 318، الجرح والتعديل 9/ 8، مروج الذهب 3/ 79، الأغانى 5/ 122، جمهرة أنساب العرب 115، تاريخ ابن عساكر 17، 434، تذهيب التهذيب 4/ 138، البداية والنهاية 8/ 214، تهذيب التهذيب 11/ 142).
عن الهجرة، وكانت هجرتها فى الهدنة بين النبى صلى الله عليه وسلم، وبين أهل مكة، والأمر الآخر: أن النبى صلى الله عليه وسلم، بعثه إلى بنى المصطلق مصدّقا، فأخبر عنهم، أنهم ارتدّوا عن الإسلام، وأبوا من أداء الصدقة، وذلك أنهم خرجوا إليه، فهابهم، ولم يعرف ما عندهم، فانصرف عنهم، وأخبر بما ذكرنا، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، وأمره أن يتثبت فيهم، فأخبره أنهم متمسكون بالإسلام. قال ابن عبد البر: ولا يمكن أن يكون من بعث مصدّقا فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم، صبيا يوم الفتح. انتهى.
وذكره محمد بن سعد فى الطبقة الرابعة، وقال: يكنى أبا وهب، أسلم يوم فتح مكة، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بنى المصطلق، وولاه عمر بن الخطاب رضى الله عنه صدقات بنى تغلب، وولاه عثمان بن عفان رضى الله عنه الكوفة، بعد سعد ابن أبى وقاص، ولم يزل بالمدينة حتى بويع على رضى الله عنه، فخرج إلى الرقة فنزلها، واعتزل عليا ومعاوية، فلم يكن مع واحد منهما، حتى مات بالرقة، فقبره بعين الرومية، على خمسة عشر ميلا من الرقة، وكانت ضيعة له، فمات بها.
وقال ابن البرقى: وكان فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم رجلا، له حديث. انتهى.
وقال الزبير بن بكار: وكان من رجال قريش وشعرائهم، وكان له سخاء، استعمله عثمان رضى الله عنه على الكوفة، فرفعوا عليه، أنه شرب الخمر، فعزله عثمان رضى الله عنه، وجلده الحد، وقال فيه الحطيئة يعذره [من الكامل] (1):
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه
…
أن الوليد أحق بالعذر
خلعوا عنانك إذ جريت ولو
…
خلوا عنانك لم تزل تجرى
فزادوا فيها من غير قول الحطيئة:
نادى وقد تمت صلاتهم
…
أأزيدكم! ! ثملا وما يدرى
ليزيدهم خيرا ولو فعلوا (2)
…
لأتت صلاتهم على العشر
قال الزبير: وقال الوليد بن عقبة حين ضرب [من البسيط]:
(1) جاءت هذه الأبيات فى الاستيعاب هكذا:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه
…
أن الوليد أحق بالغدر
نادى وقد تمت صلاتهم
…
أأزيدكم سكرا وما يدرى
فأبوا أبا وهب ولو أذنوا
…
لقرنت بين الشفع والوتر
كفوا عنانك إذ جريت ولو
…
تركوا عنانك لم تزل تجرى
(2)
فى نسب قريش 4/ 138:
ليزيدهم خمرا ولو فعلوا
…
مرت هلاتهم على العشر
يا باعد الله ما بينى وبينكم
…
بنى أمية من قربى ومن نسب
من يكسب المال يحفر حول زبيته
…
وإن يكن سائلا مولاهم يخب (3)
ثم قال: وخرج الوليد بن عقبة من الكوفة يرتاد منزلا، حتى أتى الرقة، فأعجبته، فنزل على [ ..... ] (4) وقال: منك المحشر، فمات بها.
قال ابن عبد البر: ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت، أن قوله عزوجل:(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ)[الحجرات: 6] نزلت فى الوليد بن عقبة. وذكر أن سبب ذلك، ما حكاه الوليد عن بنى المصطلق. قال: ثم ولاه عثمان رضى الله عنه الكوفة، وعزل عنها سعد بن أبى وقاص، فلما قدم الوليد على سعد، قال له سعد: والله ما أدرى، أكست بعدنا أم حمقنا بعدك؟ فقال: لا تجزعن أبا إسحاق، فإنما هو الملك، يتغداه قوم ويتعشاه آخرون، فقال سعد: أراكم والله ستجعلونها ملكا. قال: وروى جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، قال: لما قدم الوليد بن عقبة أميرا على الكوفة، أتاه ابن مسعود، فقال له: ما جاء بك؟ قال: جئت أميرا، فقال ابن مسعود: ما أدرى أصلحت بعدنا أم فسد الناس؟ . قال ابن عبد البر: وله أخبار فيها نكارة وشناعة، تقطع على سوء حاله، وقبح أفعاله، غفر الله لنا وله، فقد كان من رجال قريش، ظرفا وحلما وشجاعة وأدبا، وكان من الشعراء المطبوعين، كان الأصمعى، وأبو عبيدة، وابن الكلبى، وغيرهم، يقولون: كان الوليد بن عقبة فاسقا شريب خمر، وكان شاعرا كريما.
قال ابن عبد البر: أخباره كثيرة فى شربه الخمر، ومنادمته أبا زبيد الطائى كثيرة مشهورة، يسمج بنا ذكرها هنا، ونذكر منها طرفا ذكره عمر بن شبّة، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، قال: صلى الوليد ابن عقبة بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما زلنا معك فى زيادة منذ اليوم، وذكر أن الحطيئة الشاعر قال فى ذلك (5) [من الوافر]:
تكلّم فى الصلاة وزاد فيها
…
علانية وجاهر بالنفاق
(3) انظر البيت فى نسب قريش 4/ 139:
(4)
ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(5)
انظر الأبيات فى الاستيعاب ترجمة 2750.
ومجّ الخمر فى سنن المصلّى
…
ونادى والجميع على (6) افتراق
أزيدكم على أن تحمدونى
…
فما لكم وما لى من خلاق
قال ابن عبد البر: وخبر صلاته بهم سكران، وقوله لهم: أزيدكم ـ بعد أن صلى الصبح ـ أربعا، مشهور من حديث الثقات، من نقل أهل الحديث وأهل الأخبار.
وقد روى فيما ذكر الطبرى، أنه تعصّب عليه قوم من أهل الكوفة، بغيا وحسدا، وشهدوا عليه زورا، أنه تقيّأ الخمر، وذكر القصة وفيها: أن عثمان رضى الله عنه قال له: يا أخى، اصبر، فإن الله يأجرك ويبوء القوم بإثمك.
قال ابن عبد البر: وهذا الخبر من نقل أهل الأخبار، لا يصح عند أهل الحديث، ولا له عندهم أصل، والصحيح فى ذلك، ما رواه عبد العزيز بن المختار، وسعيد بن أبى عروبة، عن عبد الله الدّاناج، عن حضين بن المنذر، أبى ساسان، أنه ركب إلى عثمان، فأخبره بقصة الوليد. وقدم على عثمان رجلان، فشهدا عليه بشرب الخمر، وأنه صلى الغداة بالكوفة أربعا، ثم قال: أزيدكم؟ قال أحدهما: رأيته يشربها، وقال الآخر: رأيته يتقيأها. فقال عثمان، رحمه الله: إنه لم يتقيأها حتى شربها. فقال لعلى: أقم عليه الحد، فقال على لابن أخيه عبد الله بن جعفر: أقم عليه الحد، فأخذ السوط فجلده، وعثمان يعدّ، حتى بلغ أربعين، فقال على: أمسك، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر أربعين، وجلد أبو بكر رضى الله عنه أربعين، وجلد عمر رضى الله عنه ثمانين، وكلّ سنّة. قال ابن عبد البر: ولم يرو الوليد بن عقبة سنّة يحتاج فيها إليه.
وروى ابن إسحاق عن حارثة بن مضرّب، عن الوليد بن عقبة قال: ما كانت نبوّة إلا وبعدها ملك.
وقال أبو الحسن الدارقطنى: أخبرنا منصور بن محمد الأصبهانى، معلّم الأمير ابن بدر، قال: حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد بن زيرك، قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد، حدثنا أبو الوليد هشام بن محمد، حدثنا أبو مخنف لوط بن يحيى، قال: حدثنى خالى المصعب بن زهير بن عبد الله بن زهير بن سلم الأزدى، عن محمد بن مخنف، قال: كان أول عمال عثمان أحدث منكرا: الوليد بن عقبة، كان يدنى السحرة، ويشرب الخمر، وكان يجالسه على شرابه، أبو زبيد الطائى، وكان نصرانيا، وكان صفيا له، فأنزله دار القبطى، وكانت لعثمان بن عفان، واشتراها من عقيل بن أبى طالب، وكانت لأضيافه، وكان يجالسه أيضا على شرابه، عبد الرحمن بن خنيس الأسدى،
(6) فى الاستيعاب: «إلى» .
وكان الناس يتذاكرون شربهم وإسرافهم على أنفسهم، فخرج بكير بن حمران من القصر، فأتى النعمان بن أوس المزنى، وجرير بن عبد الله البجلى، فأسر إليهما، أن الوليد شرب الساعة، فقاما ومعهما رجل من جلسائهما، فمروا بحذيفة بن اليمان، فأخبروه الخبر، فقال: ادخلا عليه، فانظرا إن أحبتما، فمضيا حتى دخلا عليه، فسلما، ونظر إليهما الوليد، فأخذ كل شيء كان بين يديه، فأدخله تحت السرير، فأقبلا حتى جلسا، فقال لهما: ما حاجتكما؟ قالا: ما هذا الذى تحت السرير، ولم يريا بين يديه شيئا، فأدخلا أيديهما تحت السرير، فإذا هو طبق عليه قطف من عنب، قد أكل عامته، فاستحييا وقاما، وأخذا يظهران عذره، ويرّدان الناس عنه، ثم لم يرعهما من الوليد إلا وقد أخرج سريره، فوضعه فى صحن المسجد، وجاء بساحر يدعى بطروى، وكان ابن الكلبى يسميه الشيبانى من أهل بابل، فاجتمع إليه الناس، فأخذ يريهم الأعاجيب، يريهم حبلا فى المسجد مستطيلا، وعليه فيل يمشى، وناقة تخبّ، وفرس تركض، والناس يتعجبون مما يرون، ثم يدع ذلك ويريهم حمارا بحى سد (7) حتى يدخل من فيه ويخرج من دبره، ثم يعود فيدخل من دبره، فيخرج من فيه، ثم يريهم رجلا قائما، ثم يضرب عنقه، فيقع رأسه جانبا، ويقع الجسد جانبا، ثم يقول له: قم، فيرونه يقوم، وقد عاد حيا كما كان.
فرأى جندب بن كعب ذلك، فخرج إلى معقل، مولى لمصعب بن زهير بن أنس الأزدى، كانت عنده سيوف، وكان معقل صقيلا، فقال: أعطنى سيفا قاطعا، فأعطاه إياه، فأقبل على مصعد التيمى، من بنى تيم الله بن ثعلبة، فقال له: أين تريد يأبا عبد الله؟ فقال: أريد أن أقتل هذا الطاغوت، الذى عليه الناس عكوف، قال: من تعنى؟ قال: هذا العلج الساحر، الذى سحر أميرنا الفاجر العاتى، فإنى والله لقد مثلث الرأى فيهما، فظننت إن قتلت الأمير، ستوقع بيننا فرقة تورث عداوة، فأجمع رأيى على قتل الساحر، قال: فاقتله ولا تك فى شك، وأنت على هدى، وأنا شريكك، فجاء حتى انتهى إلى المسجد، والناس فيه مجتمعون على الساحر، وقد التحف على السيف بمطرف كان عليه، فدخل بين الناس، فقال: أفرجوا، أفرجوا، فأفرجوا له، فدنا من العلج، فشد عليه، فضربه بالسيف فأردى رأسه، ثم قال: أحى نفسك! فقال الوليد: علىّ به، فأقبل به إليه عبد الرحمن بن خنيس الأسدى، وهو على شرطته، فقال: اضرب عنقه، فقام مخنف بن سليم فى رجال من الأزد، فقالوا: سبحان الله! أتقتل صاحبنا بعلج ساحر؟ لا يكون هذا أبدا.
(7) هكذا فى الأصل بلا نقط.
فحالوا بين عبد الرحمن وبين جندب، فقال الوليد: علىّ بمضر، فقام إليه شبث ابن ربعى، فقال: لم تدعو مضر؟ تريد أن تستعين بمضر على قوم منعوا أخاهم منك، أن تقتله بعلج ساحر كافر من أهل السواد، لا تجيبك والله مضر إلى الباطل، وإلى ما لا يحل.
قال الوليد: انطلقوا به إلى السجن، حتى أكتب فيه إلى عثمان، قالوا: أما السجن، فإنا لا نمنعك أن تحبسه، فلما حبس جندب، أقبل ليس له عمل إلا الصلاة بالليل كله وعامة النهار، فنظر إليه رجل يدعى دينارا، ويكنى أبا سنان، صالحا مسلما، وكان على سجن الوليد، فقال له يا أبا عبد الله، ما رأيت رجلا قط خيرا منك، فأذهب رحمك الله حيث أحببت، فقد أذنت لك.
قال: إنى أخاف عليك هذا الطاغية أن يقتلك، قال أبو سنان: ما أسعدنى إن قتلنى، انطلق أنت راشدا.
فخرج، فانطلق إلى المدينة، وبعث الوليد إلى أبى سنان، فأمر به، فأخرج إلى السبخة، فقتل. فانطلق جندب ابن كعب، فلحق بالحجاز، وأقام بها سنين، ثم إن مخنف بن سليم، وجندب بن زهير، قدما على عثمان، فأتيا عليه فقصا عليه قصة جندب بن كعب، وأخبراه بظلم الوليد له. فكتب عثمان إلى الوليد: أما بعد، فإن مخنف ابن سليم، وجندب بن زهير، شهد عندى لجندب بن كعب بالبراءة، وظلمك إياه، فإذا قدما عليك، فلا تأخذن جندبا بشيء مما كان بينك وبينه، ولا الشاهدين بشهادتهما، فإنى والله أحسبهما قد صدقا، والله لئن أنت لم تعتب، ولم تتب، لأعزلنك عنهم عاجلا، والسلام.
وقد روينا فى كتاب «فضل الأسخياء والأجواد» للدارقطنى، حكاية تدل على جوده، وفيها أبيات مدح فيها. أخبرنا أبو الحسن على بن محمد بن أبى المجد الدمشقى إذنا، عن أبى بكر أحمد بن محمد بن أبى القاسم الرشتى، وغيره، قالوا: أنبأنا يوسف بن خليل الحافظ، أخبرنا يحيى بن أسعد بن يونس التاجر، أخبرنا أبو عبد الله يحيى بن الحسن بن البنا، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد الآبنوسى، أخبرنا أبو الحسن على بن عمر الدارقطنى، حدثنا القاضى الحسين بن إسماعيل، حدثنا عبد الله بن أبى سعد، حدثنى محمد بن الحسن بن محمد بن سيار البجلى، حدثنا الحسن بن حفص المخزومى: أن لبيدا، جعل على نفسه أن يطعم ما هبت الصبا، قال: فألحت عليه [ ..... ](8) زمن
(8) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
الوليد بن عقبة، فصعد الوليد المنبر فقال: أعينوا أخاكم، وبعث إليه بثلاثين جزورا، وكان لبيد قد ترك الشعر فى الإسلام، فقال لابنته: أجيبى الأمير، فأجابت [من الوافر]:
إذا هبت رياح أبى عقيل
…
ذكرنا عند هبتها الوليدا
أبا وهب جزاك الله خيرا
…
نحرناها وأطعمنا الثريدا
طويل الباع أبيض عبشميا
…
أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركبا
…
عليها من بنى حام قعودا
فعد إن الكريم له معاد
…
وظنى يا ابن أروى أن تعودا
فقال لبيد: أحسنت، لولا أنك سألت! قالت: إن الملوك لا يستحيى من مسألتهم، قال: وأنت فى هذا أشعر.
وقد ذكر هذا الخبر غير واحد، منهم: صاحب الأغانى.
وقال ابن عبد البر: وكان معاوية لا يرضاه، وهو الذى حرّضه على قتال على رضى الله عنه، فربّ حريص محروم، وهو القائل لمعاوية يحرضه ويغريه بعلى رضى الله عنه [من الطويل]:
فو الله ما هند بأمك إن مضى الن
…
هار ولم يثأر بعثمان ثائر
أيقتل عبد القوم سيّد أهله
…
ولم يقتلوه ليت أمّك عاقر
وإنا متى نقتلهم لا يقدبهم
…
مقيد وقد دارت عليك الدوائر
وذكر الزبير بن بكار له أبياتا غير هذه، يحرض فيها معاوية على علىّ، فقال الزبير: حدثنى عمى مصعب بن عبد الله، قال: قدم معاوية الكوفة، فلما صعد المنبر، قال: أين أبو وهب؟ فقام إليه الوليد، فقال: أنشدنى قولك [من الوافر]:
ألا أبلغ معاوية بن صخر
…
فإنك من أخى ثقة مليم
قطعت الدهر كالسّدم المعنّى
…
تهدّر فى دمشق وما تريم
يمنّيك الخلافة كلّ ركب
…
لأنضاء العراق بهم رسيم
فإنك والكتاب إلى علىّ
…
لكدابغة وقد حلم الأديم
لك الخيرات فاحملنا عليهم
…
فإن الطالب التّرة الغشوم
وقومك بالمدينة قد أبيحوا
…
فهم صرعى كأنّهم هشيم
فأنشده إياها، فلما فرغ، قال معاوية (9) [من الطويل]:
ومستعجب مما يرى من أناتنا
…
ولو زبنته الحرب لم يترمرم
(9) انظر نسب قريش 4/ 140.
وهو القائل على ما ذكر ابن عبد البر (10)[من الطويل]:
ألا من لليل لا تغور كواكبه (11)
…
إذ لاح نجم غار نجم يراقبه
بنى هاشم ردوا سلاح ابن أختكم
…
ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
بنى هاشم لا تعجلونا فإنه
…
سواء علينا قاتلوه وسالبه
وإنا وإياكم وما كان منكم (12)
…
كصدع الصفا لا يرأب الصدع شاعبه
بنى هاشم كيف التعاقد بيننا
…
وعند على سيفه وحرائبه
لعمرك لا أنسى ابن أروى وقتله
…
وهل ينسين الماء ما عاش شاربه
هم قتلوه كى يكونوا مكانه
…
كما فتكت يوما بكسرى مرازبه
وقد ذكرها الزبير بن بكار، وفيها مخالفة لما ذكره ابن عبد البر، فقال: وهو الذى يقول (13):
بنى هاشم إنا وما كان بيننا
…
كصدع الصفا لا يرأب الدهر شاعبه
بنى هاشم كيف التغدر عندنا
…
وبز ابن أروى عندكم وحوائبه
بنى هاشم أدوا سلاح ابن أختكم
…
ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
فإلا تردوه إلينا فإنه
…
سواء علينا قاتلاه وسالبه
فأجابه الفضل بن العباس بن عتبة بن أبى لهب، على ما ذكر ابن عبد البر، ولم يذكر ذلك الزبير بن بكار (14):
فلا تسألونا بالسلاح فإنه
…
أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه
وشبهته كسرى وقد كان مثله
…
شبيها بكسرى هديه وضرائبه
وإنى لمجتاب إليكم بجحفل
…
يصم السميع جرسه وجلائبه
انتهى.
وابن أروى فى شعر ابنة لبيد، هو الوليد بن عقبة، وفى شعر الوليد، هو عثمان بن عفان، أخو الوليد بن عقبة، هذا لأن أمهما أروى بنت كريز بن زمعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى بن كلاب.
(10) انظر الاستيعاب ترجمة 2750.
(11)
فى الاستيعاب: «ألا يا لليل لا تغور نجومه» .
(12)
فى الاستيعاب: «فإنا وإياكم وما كان بيننا» .
(13)
انظر نسب قريش 4/ 139.
(14)
انظر أول بيتين فى الاستيعاب ترجمة 2750.