الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحدث أيضا عن أبى القاسم بن الحصين، والقاضى أبى بكر الأنصارى، وأبى غالب أحمد بن الحسن بن البناء، وأبى سعد إسماعيل بن أبى صالح المؤذن، وغير واحد. وخرج وكتب بخطه. روى عنه أبو سعد السمعانى ـ مع تقدمه ـ والموفق بن قدامة، وغير واحد. وآخر أصحابه لاحق بن عبد المنعم الأرتاحى، له منه إجازة، روى عنه بها كتاب «الدلائل للبيهقى» وقد قرأت بعضه على غير واحد من شيوخنا، عن ابن الصناج، عن لاحق، عنه.
قال الذهبى: وكان يكتب العمر، ويؤمّ بحطيم الحنابلة. توفى فى شوال سنة خمس وسبعين وخمسمائة بمكة.
ووجدت فى حجر قبره بالمعلاة، أنه توفى يوم السبت، ثانى شوال من السنة المذكورة.
2399 ـ مبارك بن عطيفة بن أبى نمى الحسنى المكى:
كان ذا شهامة وإجادة فى الرمى، رمى القائد محمد بن عبد الله بن عمر، أحد القواد المعروفين بالعمرة بسهم فمات موضعه، لموجدة وجدها عليه، لكون محمد خرج فيمن خرج من أهله وغيرهم، مع رميثة بن أبى نمى، لاستخلاص محمد بن الزين القسطلانى، لما قبض عليه مبارك، وذهب به إلى ساية (1)، وكان مبارك ينوب عن أبيه فى الإمرة بمكة، وفى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وقع بين مبارك وبين ابن عمه مغامس بن رميثة منافرة، فركب مبارك من مكة ـ وكان أبوه تركه بها ـ إلى الجديد، لقتال مغامس، وكان أبوه رميثة قد تركه فيها، وكان مع مبارك أصهاره الأعراب المعروفون ببنى عمير ـ أصحاب الخيف المعروف بخيف بنى عمير، بوادى نخلة، وكان تزوج منهم فى هذه السنة بامرأة وبنى بها ـ وجماعة من أهل مكة، فالتقى عسكره وعسكر ابن عمه، فقتل من أصحاب مبارك خمسة نفر، ومن أصحاب مغامس نفر واحد، وأخذت لأصحاب مغامس خيول، وهرب مغامس إلى الخيف.
وكان خروج مبارك من مكة لقتال مغامس، فى يوم السبت السابع والعشرين من رجب، من سنة سبع وثلاثين وسبعمائة.
ولما كان اليوم العاشر من شعبان، خرج مبارك بن عطيفة ومعه جماعة من أهل مكة، لمنع عمه رميثة من دخول مكة، لما توجه إليها من اليمن، مع النجاب الذى وصل من صاحب مصر، لاستدعائه واستدعاء عطيفة، للحضور إلى صاحب مصر، ومنع
2399 ـ (1) اسم واد قريب من حدود الحجاز. انظر: معجم البلدان (ساية).
مبارك بن رميثة من دخول مكة، ثم تراسلا، فمكنه مبارك من دخول مكة، فدخلها ومكث فيها إلى ليلة الثالث عشر من شعبان، ثم خرج منها إلى الوادى.
وفى صبيحة الليلة التى خرج فيها رميثة من مكة، دخلها عطيفة مودّعا، وسافر إلى مصر بعد أخيه رميثة بمقدار خمسة أيام، وترك ابنه مباركا نائبا بمكة، ومعه بها أخوه مسعود بن عطيفة، وكان أخوهما محمد بن عطيفة فى اليمن، بمن معه من الأشراف الذين لايموا عطيفة، بعد أن كانوا مع أخيه رميثة، لما فارق القواد عطيفة، ولا يموا رميثة، بسبب قتل مبارك لمحمد بن عبد الله بن عمر، وشاع بمكة أن مباركا، قصده أن ينهب بيوت التجار، حتى بيت قاضى مكة شهاب الدين الطبرى.
ولما بلغ مباركا ذلك، أعلن بالنداء بالأمان، وحلف فى يوم الجمعة من شوال هذه السنة، بعد صلاة الجمعة عند مقام إبراهيم، أنه ما همّ بهذا ولا يفعل ذلك، بمحضر جماعة من الفقهاء.
ثم إنه أرسل أخاه مسعودا إلى الوادى، لقطع نخيل القواد ذوى عمر، فقطع منها نخلا كثيرا، ثم أرسل مبارك أربع رواحل، لاستعلام أخبار الحاج، ولم يكن بلغه خبر عن أبيه وعمه، من حين توجها إلى مصر، وكان مبارك [ ..... ](2).
وفى ليلة السبت الرابع عشر من ذى القعدة من هذه السنة، خرج مبارك بن عطيفة إلى وادى المبارك، لقطع نخيل بعض أهلها، بسبب حشمهم له، فإنه كان قطع حسبا بينهم، على أنهم لا يقتتلون إلى مدة حدها لهم، فقتل بعض الفريقين من الفريق الآخر رجلين غدرا، فقطع على القاتل وأصحابه نحو ستين نخلة، وأعطى أربعة أفراس، فقبض بعضها، ثم جاء الخبر بأن الذين أرسلهم إلى ينبع، قبض عليهم الترك الذين وصلوا إليها، ولم يفلت منهم غير رجل واحد، وصل إلى مكة وأخبر بذلك، فوصل مبارك فى ليلة الثلاثاء السابع عشر من ذى القعدة، وتجهز للخروج منها، وخرج منها ومعه حاشيته، ليلة الجمعة العشرين من ذى القعدة، ونزل بالمزدلفة، وفى وقت آذان الجمعة من اليوم المذكور، دخل مسعود بن عطيفة وبعض غلمانهم، فاختطفوا بعض من صدفوه فى الطريق [ ..... ](2) بعض البيوت ودار الإمارة، ثم خرجوا من مكة، ودخلها رميثة ومعه ابناه عجلان ومغامس، فى اليوم الخميس السادس والعشرين من ذى القعدة من السنة المذكورة، متوليا مكة بمفرده، بعض القبض على أخيه عطيفة [ ...... ](2)
(2) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
بالقاهرة، فأمن الناس بمكة، وقطع بعض نخيل إخوته الملائمين لأخيه عطيفة، وبعد خروج مبارك من مكة بقليل، التقى أخوه مسعود والقواد العمرة، ومعهم ثقبة بن رميثة فى جهة اليمن، وكانوا هناك يرعون، فقتل مسعود بن عطيفة، واثنا عشر رجلا من أصحاب مبارك، ولم يحضر مبارك هذا الحرب، لأنه كان فى ناحية عنهم.
ولما سمع بما تم على أصحابه من القتل، ولّى منهزما مع صاحب له على فرسين سابقين، فسيق خلفهما فلم يلحقا.
فلما كان سنة ثمان وثلاثين، تعرض مبارك للجلاب الصادرة من مكة، فنهبها وأخذ جميع ما فيها من الأموال، وأصرفها على زبيد وكنانة، واستنجدوا به على أحمد بن سالم صاحب حلى، فحضر إليه مبارك، والتقوا مع صاحب حلى، فانكسر صاحب حلى، ونهب مبارك ومن معه بيته وحلى، واستنجد صاحب حلى برميثة، فأنجده ومكنه من البلاد فسكنها.
وما عرفت شيئا من حال مبارك بعد ذلك، سوى أنه توجه إلى سواكن وملكها، ومات بها فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة شهيدا، من حربة رماه بها بعض العبيد، وخلّف ولدا أسود اسمه منصور، يأتى ذكره.
ومبارك بن عطيفة هذا، ممن اتّهم بقتل الأمير ألدمر، أمير جاندار الناصرى المقدم ذكره، والله أعلم.
وللأديب يحيى بن يوسف المكى المعروف بالنشو، فى الشريف مبارك بن عطيفة هذا مدائح كثيرة، منها قصيدة أولها [من الكامل]:
قسما عليك بلحظك الفتاك
…
من ذا بقتلى فى الهوى أفتاك
لولاك لم يهو العذيب وبارقا
…
فالبرق ثغرك والعذيب لماك
أخجلت بدر التّمّ عند كماله
…
وفضحت غصن البان فى ممشاك
ومخلّصها:
حزت الملاحة مثل ما حاز العلا
…
مبارك بن عطيفة مولاك
نجل النبى محمد وسليله
…
من منبت الشرف الرفيع الزاكى
يحكى عليا جده ليث الوغى
…
فى يوم مكرمة ويوم عراك
لولا سطاه لما دعاه عدوه
…
عوضا عن السفاح بالسفاك
لو لم تمت أعداؤه من سيفه
…
ماتوا من الأخواف والأدراك
قد خافه حتى الكرى بجفونهم
…
تخشاه كل العرب والأتراك
فالسيف يضحك منهم يوم الوغى
…
والكل من خوف المنية باك
حاز الفخار بأسره فى أسرة
…
خدمت له الأملاك فى الأفلاك
وله فيه من قصيدة أخرى [من الطويل]:
عليك بخير الناس جدا ووالدا
…
ومن حسنت منه السريرة والجهر
ومن ذا رأى الراءون مثل مبارك
…
مليك له الإحسان والنائل الغمر
فتى تشرق الدنيا بغرّة وجهه
…
إذا قيل بحر قيل من دونه البحر
يجود على العافى ويبدى اعتذاره
…
ويعفو عن الجانى وإن عظم الوزر
مآثره مأثورة قد تواترت
…
بها تشهد الآثار والعين والخبر
به قد حمى الله البلاد وصانها
…
هو الغيث لولا الغيث ما نبت البذر
أباد الأعادى بالصوارم والقنا
…
ففى كل نحر من عداه له نحر
أجلّ ملوك الأرض قدرا ورفعة
…
منازله معروفة دونها النسر
تغطيت من دهرى بظل جنابه
…
فليس يرى من بعد رؤيته الدهر
ولم تعلم الأحداث باسمى ولا درت
…
ولا من أنا [ ........ ](3)
سلالة مولانا الشريف عطيفة
…
خيار ملوك العصر زين به العصر
وله من قصيدة أخرى أولها [من الخفيف]:
لا تلمنى على هواه جهاله
…
فهو بالقلب حلّه واستماله
ومخلّصها:
بلد شرّف الإله رباها
…
مثل ما شرف الشريف وآله
فهو السيد الذى شاع ذكرا
…
ملك أرفع الملوك جلاله
وهو من خير آل أحمد بدر
…
مستنير له من الدّست هاله
ورث الفخر عن جدود كرام
…
قد بنى فوق ما بنى أمثاله
شرف ما استفاده من بعيد
…
لا ولا أدرك العلا عن كلاله
ومنها:
نسب بين أحمد وعلىّ
…
فهو من خير تلك السلاله
ملك إن سطا على الأرض يوما
…
كاد يهفى فى الجو قلب الغزاله
فهو كالسيف حيث يقطع حدّا
…
هـ ويستحسن الأنام مثاله
(3) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
ما لأعدائه هناك مقر
…
فهو كالشمس مدرك آماله
يا مليكا له الملوك عبيد
…
وجميع البلاد تهوى وصاله
إن تكن قد حللت فى أرض مصر
…
أنت حقا عزيزها لا محاله
ومنها:
أنا عبد لعبد آل على
…
فهو كاف والناس عندى فضاله
فابق فى نعمة وملك عظيم
…
وسرور يدوم فى كل حاله
وله فيه من أخرى أولها [من البسيط]:
أما لقلبى لان منك يا قمر
…
فأنت تجنى على ضعفى وأعتذر
لا واخذ الله من يغرى بسفك دمى
…
ظلما وإن مسّنى فى حبه الضرر
ومنها:
أشكو إليك صباباتى وما صنعت
…
يد الغرام بقلبى وهو منكسر
فلم يلن قلبك القاسى لمسكنتى
…
وقد يلين إذا حاولته الحجر
ومنها فى المدح:
أنت الذى عقدت فى العز رايته
…
فتى به تضرب الأمثال والسّير
أبو خذام الذى شاعت مناقبه
…
فالجود والفضل والإحسان مشتهر
الأروع الندب بحر لا قرار له
…
بدر عطاياه فى من أمّه البدر
أسطى بنى عمه فى كل نائبة
…
كأنه الدهر لا يبقى ولا يذر
المكرم المنعم الموفى بذمته
…
فمن ندى كفه قد أورق الحجر
سلالة من رسول الله طيّبة
…
والفرع ينمو على ما ينبت الشجر
ماضى العزائم محمود سريرته
…
يدرى عواقب ما يأتى وما يذر
وله فيه من قصيدة أخرى، يهنئه فيها بعيد الفطر، سنة خمس وأربعين وسبعمائة، أولها [من البسيط]:
رفقا على قلب صب مسّه السّقم
…
لولاك ما شاقه بان ولا علم
ومنها:
ألا تحنّ على ضعفى ومسكنتى
…
فالراحمون من الأحباب قد رحموا
إن كنت لا ترتضى يوما بمعذرتى
…
ظلما فلى فى البرايا حاكم حكم
مبارك الجود أعلى الناس منزلة
…
تسمو به الرتبتان العلم والعلم
ما فى ملوك الورى من جاء يشبهه
…
ماضى العزائم فالدنيا به حرم
من جوده نظر الأعمى بلا نظر
…
وأنطق الأخرسان الطرس والقلم
أجل من عقدت بالمجد رايته
…
يعفو ويصفح إحسانا وينتقم
وله من قصيدة يمدحه فيها [من البسيط]:
الله أكبر جاء النصر والظفر
…
وأقبل السعد والإقبال يبتدر
ونلت ما ترتجيه يابن فاطمة
…
من الإله وزال الخوف والحذر
ومنها [من البسيط]:
خضت الصعيد ومصرا والبلاد معا
…
وما خشيت ولم يلوى بك الخبر
وصرت تقتهر العربان قاطبة
…
وقد أطاعك حتى الجن والبشر
ما أنت إلا فريد العصر أوحده
…
والشاهدان عليه الخبر والخبر
فما سواكن أرض أو تقيم بها
…
وما مقامك إلا الركن والحجر
فسر إلى مكة وانزل بساحتها
…
فأنت بالله رب العرش تنتصر
إياك تركن فى الدنيا إلى أحد
…
من الملوك جميعا ربما غدروا
ما كل وقت أتى يرجى الخلاص به
…
فأنت جرّبت والأحوال تختبر
لا تجعلنّ يدا تحت الرحى أبدا
…
فقول جدك فيه النصح يعتبر
فاهرب من الناس كن منهم على حذر
…
فربّ سار بليل غره القمر
فالملك ليس له بين الأنام أب
…
ولا أخ إنهم إن صودقوا مكروا
ليس التوانى به نال المنى أحد
…
وليس يقطع إلا الصارم الذكر
لو لم يقم جدك المختار من مضر
…
بالسيف ما آمن القوم الذى كفروا
وانظر حميضة فى عزم وفى همم
…
فإن أضداده فى عصره كثروا
مازال فى طلب العلياء مجتهدا
…
حتى استقامت له الأحكام والنظر
ولم يطع لملوك الأرض أجمعهم
…
وكان فى ملكه يرنو له البصر
وأنت عزمك أقوى من عزائمه
…
فما قعادك أين العين والأثر
أمثل مكة تسلوها وتتركها
…
عجبت منك فعنها كيف تصطبر؟
فإن مصرا ومن فيها بأجمعهم
…
حتى الحجاز لعزم منك قد شكروا
لو وازنوك بمن فى الأرض من ملك
…
لكنت أرجح منهم مثل ما ذكروا
ألست أكرم من يسعى الركاب له
…
أما لرمحك هامات العدا ثمر
فليس تركك ملكا أنت وارثه
…
رأيا سديدا فماذا أنت تنتظر؟
ومنها:
أعلامك الخضر فى الآفاق قد شهرت
…
كأنما سار فى الدنيا بها الخضر