المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثالث عشر: أن جميع أئمة الفنون المبرزين فيها قد شاركوا المحدثين في عدم ممارسة علم الكلام - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٤

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الثالث عشر: أنَّ جميع أئمة الفنون المُبرِّزين فيها قد شاركوا المحدثين في عدم ممارسة علم الكلام

- ‌الطائفة الأولى: من قال بأن المعارف ضرورية

- ‌الطائفة الثانية: من يقول: إنَّ المعارف ضروريةٌ مطلقاً

- ‌الوجه الثاني: أن اللطف المقرب مجرد دعوى

- ‌الوجه الثاني: من الأصل أن الآية في الظن المعارض للعلم

- ‌قلت: كلَاّ، فإنَّ الله تعالى قد سمَّى الظن علماً

- ‌الوجه الرابع: من الجواب وهو التحقيق

- ‌الجواب من وجوه

- ‌الوجه الثالث: إنا نعلمه ما نعرِفُه بِفِطَرِ العقول

- ‌الجواب الرابع: أن نقول: النظر في ذلك واجبٌ كالصلاة

- ‌فإن قيل: قد وَرَدَ في السمع وجوبُ البيان على العلماء

- ‌الجواب من وجوه:

- ‌الوجه الثاني: أنا نخصُّ هذا العام بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الجواب الخامس: أنها وردت نصوصٌ تقتضي العلم أو الظن

- ‌فإن قالوا: وفي ترك علم الكلام مضرة أيضاً

- ‌الجواب: أنَّ تسمية تجويز المضرة المرجوح خوفاً غيرُ مسلم

- ‌قلتُ: هي أمران:

- ‌الجواب من وجهين

- ‌الوجه الأول: معارضة

- ‌الوجه الأول: أن السائل جهل المقصود بالنبوة

- ‌قلنا: معاذ الله

- ‌الطائفة الثانية: أهل النظر في علم الكلام

- ‌القاعدة الأولى: إن الله سبحانه موصوفٌ بالإثبات والنفي

- ‌القاعدة الثانية: أن ما أخبر به الرسول عن ربِّه فإنَّه يجب الإيمان به

- ‌القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مرادٌ أو ليس بمراد

- ‌إن هذه الطريق لا يحصل بها المقصود لوجوهٍ:

- ‌الوجه الثاني: أن هؤلاء ينفُون صفات الكمال بمثل هذه الطريق

- ‌الوجه الثالث: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون

- ‌الفصل الثالث: في الإشارة إلى حُجة من كفَّر هؤلاء

- ‌ التنبيه على معرفتين:

- ‌المعرفة الأولى: أن شرط التكفير بمخالفة السمع أن يكون ذلك السمعُ المخالفُ معلوماً علماً ضرورياً من جهة اللفظ، ومن جهة المعنى

- ‌أحدهما: ما عَلِمَهُ العامة مع الخاصة

- ‌ثانيهما: ما لا يعرف تواتره إلَاّ الخاصة

- ‌الشرط الثاني: أن يكون معنى المتواتر معلوماً بالضرورة

- ‌المعرفة الثانية: أن التكفير سمعي محضٌ لا مدخل للعقل فيه، وذلك من وجهين:

- ‌الوجه الأول: أنه لا يكفر بمخالفة الأدلة العقلية وإن كانت ضروريةٌ

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الدليل على الكفر والفِسْقِ لا يكون إلَاّ سمعياً قطعياً

- ‌فصلٌ في شيوخه:

- ‌رحلته وحفظه:

- ‌حكاية موضوعة:

- ‌وصيتُه:

- ‌مرضه:

- ‌المنامات:

- ‌ فضلِهِ وتألُّهِهِ وشمائله:

- ‌ومن آدابه:

- ‌ومن كرمه:

- ‌تركه للجهات جُملةَ:

- ‌أيُّ فرقٍ بين الخلقِ والحدوث حتى يكفر القائل بأحدِهما دون الآخر

- ‌الجواب: من وجهينِ

- ‌ الوجه الثالث: وهو التكفير بمآل المذهب

- ‌الوجه الثاني: لو سلَّمنا أنه دلَّ على ذلك دليلٌ سمعي خَفِي لكان معارضاً بما هو أوضح منه

- ‌الوجه الثالث: إنا نعلم بالضرورة منهم ضِدَّ ما ألزموهم

- ‌الوجه الرابع: أنا لو كفرنا بذلك لأمكن المعتزلة، والشيعة، والظاهرية تكفير من لم يقُل بحدوث القرآن

- ‌الوجه الخامس: أن النصوص قد تواترت بمروق الخوارج

- ‌الوجه السابع: أنه قد ورد من الأدلة السمعية ما يُعارضُ ذلك الظن

- ‌وأما قول من يقولُ: ما الفرق بين الخلق، والجعل، والحُدُوث

- ‌قلت: الذي فهمته مِنْ تكرارِ النظر في عباراتهم ومقاصدهم أحد وجهين، أو كلاهما:

- ‌الوجه الأول: أنهم رأوا للحدوث معنيين: حدوثاً نسبيّاً، وحدوثاً مُطلقاً

- ‌الوجه الثاني: أنهم لما رأوا القول بخلقه شعار المعتزلة المنكرين لصحة الكلام من الله تعالى، رأوا لفظ الحدوث يقارب لفظ الخلق ويُوهِمُه

- ‌قلنا: يقولون: إن عمومها مخصوصٌ بإجماع الفريقين

- ‌أمَّا المعتزلة

الفصل: ‌الثالث عشر: أن جميع أئمة الفنون المبرزين فيها قد شاركوا المحدثين في عدم ممارسة علم الكلام

والخلف والسلف مجتمعون (1) على قبول العلوم من أهلها، والسيدان الإمامان المؤيَّد وأبو (2) طالب أخذا علم الحديث عن أهله، فأخذا عن غير واحدٍ من أئمتهم ورواتهم كما تقدَّم بيانُ طرفٍ منه (3) أول هذا الوهم، وأكثر المؤيد بالله عن الحافظ الشهير محمد بن إبراهيم المعروف بابن المقري، والسيد أبو طالب أكثر عن الحافظ الجرجاني (4) أحمد بن عبد الله بن عديّ صاحب كتاب " الكامل في الجرح والتعديل ".

فمن أين جاء لهذا المعترض الغناء التام عن المُحدثين؟ ومن قال بقولهم من النحاة، واللغويين، والمفسرين، والقراء، والمؤرّخين؟ لا والله ما استغنى عنهم، ولا بَرِحَ كلاًّ عليهم، وما أقبح بالإنسان أن يكون، من كفار النَّعم وأشباه النَّعم ولله من قال (5):

أقلُّوا عليهم (6) لا أبا لأبيكُمُ

مِنَ الَّلوْمِ أوسُدُّوا المكان الَّذي سدُّوا

‌الثالث عشر: أنَّ جميع أئمة الفنون المُبرِّزين فيها قد شاركوا المحدثين في عدم ممارسة علم الكلام

، وإن لم يُشاركوهم في كراهة الخوض فيه، لكن علة جمودهم، ورميهم بالبَلَه هي عَدَمُ الممارسة، والممارسة لا تحصُلُ بمجرد الاعتراف بفضيلة العلوم، فأخبرنا: هل مارس علم الكلام جميع أئمة الفقه كالشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق، والثوري ومن لا يأتي عليه العدُّ، وأئمة النحو كالخليل وسيبويه ونحوهما، وأئمَّةِ القُرَّاء

(1) في (ش): مجمعون.

(2)

في (ش): " وأبي "، وهو خطأ.

(3)

في (ب): منها.

(4)

تحرف في الأصول إلى " البحراني ".

(5)

هو للحطيئة، وقد تقدَّم في 2/ 104.

(6)

في (ش): عليكم.

ص: 22

واللغويين، وأهل التفسير، وسائر علوم الإسلام؟!

فإن قلت: كلُّ أهل الفنون الإسلامية قد مارسوا الكلام ما خلا (1) المحدثين لم يُستفد إلَاّ إعلامُ الغير بأنك معانِدٌ، وإن اعترفت بعدم ممارسة الأكثرين منهم (2)، وإن مارس بعضهم فكذلك المحدِّثون قد مارس بعضهم دون الأكثرين منهم، ولم ينفعهم هذا من داء البَلَهِ، وجمود الفطنة، وسوء الأذى، وفُحش السخرية، والكِبْرِ، ويلزمُكَ أن تُشْرِك سائر علماء الإسلام في ذلك الملام ما خلا أهل الكلام، وما أقبح ما يجُرُّ (3) إليه هذا الجهلُ من الكبر الفاحش (4)، فإنَّه قد ثبت في الحديث الصحيح " أنَّ الكِبْرَ غَمْصُ الناس "(5) وهذا غمص (6) أئمة الناس، فاستعذ بالله من الجمع (7) بين النقص والكبير فإنَّ تكبُّر النَّاقص أفحشُ من تكبر الكامل، ولهذا كان الفقير المتكبِّرُ من أبغض الخلق إلى الله كما ورد في الصحيح (8)، فكيف إذا كان كِبْرُهُ على من هو خيرٌ منه، وقد ورد

(1) في (ش): سوى.

(2)

ساقطة من (ش).

(3)

في (ش): جَرَّ.

(4)

في (ش): والفحش.

(5)

تقدَّم تخريجه في 2/ 129، وغمص الناس -بالصاد المهملة-: احتقارهم، وفي (ش):" غمط "، بالطاء المهملة، وهو بمعنى الغمص، وكلاهما جاءت به الرواية.

(6)

في (ش): غمط.

(7)

في (ب): الجميع.

(8)

أخرج أحمد 2/ 480، ومسلم (107) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا يُكلِّمُهم اللهُ يوم القيامة، ولا يزكّيهم ولا ينظرُ إليهم، ولهم عذابٌ أليم: شيخ زانٍ، وملِكٌ كذاب، وعائلٌ مستكبر ".

وفي الباب عن عصمة بن مالك عند الطبراني 17/ (492)، وعن سلمان عنده أيضاً (6111). قال الهيثمي في " المجمع " 4/ 78 عن الأول: إسناده ضعيف، وقال عن الثاني: رجاله رجال الصحيح.

ص: 23

في مطلقِ الكبر وأخَفِّه وأقلِّه أنه يمنع رحمة الله ودخول جنته، ففي الصحيح أنه " لا يشُمُّ رائحة الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر "(1)

الرابع عشر: تصريحك بوصم (2) شيخ الإسلام، وإمام دار هجرة المصطفى عليه السلام مالك بن أنسٍ رضي الله عنه دليلٌ على أنك أنت الجامدُ الفطنة، الكثيرُ البطنة، وأنك لا تدري ما يخرج من رأسك، ولا ما يطيش من دماغك.

ومَنْ جَهِلَتْ نفسُهُ قدْرَهُ

رأي غيرُهُ مِنْهُ ما لا يرى (3)

كأنك لا تدري ما قدر الأمة، ولا مَحَلُّ إجماعها، أو لم (4) تعرف أن الأمة المعصومة عن الخطإِ أجمعت على أنه أحد المجتهدين المعتبرين،

(1) أخرج أحمد 1/ 399 و412 و416 و451، ومسلم (91)، وابن ماجة (4173)، وابن أبي شيبة 9/ 89، وأبو داود (4091)، والترمذي (1999)، وابن مندة في " الإيمان "(540) و (541) و (542)، والطبراني (10000) و (10001) و (10066) و (10533)، والحاكم 1/ 26، وابن حبان (224) بتحقيقنا من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة أحدٌ في قلبه مثقال حبة خردل من كِبر، ولا يدخلُ النار من كان في قلبه حبة خردل من إيمان ". قال ابن حبان: أي: لا يدخل النار على سبيل الخلود.

(2)

في (ش): بوهم.

(3)

هو للمتنبي من قصيدته التي يهجو بها كافوراً يقول فيها:

وماذا بمصر من المُضحِكات

ولكنه ضحكٌ كالبُكَا

بها نَبَطيُّ من أهْلِ السَّوادِ

يُدَرَّسُ أنسابَ أهل العُلا

وأسْوَدُ مِشفَرُهُ نِصْفُه

يُقَالُ له أنت بدرُ الدُّجَى

وقد شرح العكبري معنى البيت الذي استشهد به المؤلف، فقال: يقول: من أعجب بنفسه، فلم يعرف قدر نفسه إعجاباً وذهاباً في شأنه، خفيت عليه عيوبه، فاستحسن من نفسه ما يستقبحه غيره. " شرح العكبري " 1/ 44.

(4)

في (ش): ولم.

ص: 24

وأنه شيخ سُنة سيد المرسلين، وأنها خضعت بين يديه كراسي علماء المسلمين (1)، وأنه لا يصح انعقاد الإجماع مع خلافه، دع عنك الكثير الطيب مما في كتب الرجال من جلائل مناقبه، وخصائص فضائله، وقد جاء في الأثر:" أن الرجل كان إذا حفظ الزَّهراوين (2) جدَّ فينا " وجاء في تعظيم العلماء والمتعلمين ما لا يتَّسِعُ له هذا المكان من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ولو لم يكن في ذلك إلَاّ ما وردَ من بَسْطِ الملائكة أجنحتها لطالب العلم (3)، فهذا في طالب العلم (4) فكيف بالعالم، فكيف يا سيَّال (5) الذهن بشيخ الإسلام، وإمام دار الهجرة النبوية على صاحبها السلام بإجماع العلماء الأعلام، وقد صَحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" وَجَبَتْ "، فيمن أثنى عليه جماعةٌ يسيرة، أي: وجبت له الجنة، وقال:" أنتم الشهداء "(6)، وفسَّر ذلك بمن (7) شهد له ثلاثة أو اثنان (8)، فكيف بمن تطابق على إمامته علماء الإسلام؟! وكيف لم يهتد

(1) في (ش): الإسلام.

(2)

الزهراوان: البقرة، وآل عمران، أي: المنيرتان، واحدتهما زهراء، والأزهر: الأبيض المستنير. وقوله: جدّ فينا، أي: عظُمَ، وفي (1) و (ب): جَل، والرواية: جد، والأثر في " السند " 3/ 120 من حديث أنس.

(3)

حديث حسن. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف "(795)، ومن طريقه أحمد 4/ 239، وابن ماجة (226)، والطبراني (7352) عن معمر، عن عاصم، عن زر، عن صفوان بن عسال المرادي رفعه:" ما من خارج يخرج من بيته يطلب العلم إلَاّ وضعت له الملائكة أجنحتها رضاً بما يصنع ". وصححه ابن خزيمة (193)، وابن حبان (85) بتحقيقنا. وانظر تمام تخريجه فيه.

(4)

جملة " فهذا في طالب العلم " ساقطة من (ش).

(5)

في (ش): سائل.

(6)

تقدم تخريجه في 1/ 183 ت 3.

(7)

في (ش): وقيس بذلك من.

(8)

تقدم تخريجه 1/ 183 ت 4. ونزيد عليه هنا: وأخرجه أحمد 1/ 21 - 22 و30 =

ص: 25

ذهنُك هذا (1) السيال إلى أنه عارٌ عليك أن تذُمَّ من لا تستفيدُ بذمِّه إلَاّ كشف الغطاء عن حماقتك، وخلع جلباب الحياء عن وجه خلاعتك؟ وانظر (2) إن بَقِيَ لك مُسْكَةٌ من عقلٍ، أو التفاتٌ إلى تمييز، هل لك مطمعٌ في إجماع الأمة على اجتهادك، والاعتداد بأقوالك، والتعظيم لك، والثناء عليك؟! ومن الذي حَصَلَتْ له هذه المرتبة الرفيعة العُظمى من أعيان الأئمة والعلماء؟ ومن أنت حتى ترفع رأسك إلى القدح في أهل هذه المرتبة العزيزة؟ بل قد بان بكلامك أنك قصرت عن العلم بأنهم فوقك، وكيف تطمع في أنك من أهل مرتبةٍ لم تعرفها، ولم تعرف مكانك في البُعد منها، وما أنصفت (3) في جوابك عن (4) الإمام مالكٍ.

أتهجُو ولستَ لهُ بكُفءٍ

فشرُّكُما لخيرِ كُمَا الفداءُ (5)

= و45 - 46، والبخاري (1368) و (2643)، والنسائي 4/ 50 - 51، والترمذي (1059)، والطيالسي (23) من طريق أبي الأسود الديلي ..

وأخرج أحمد 3/ 242، وابن حبان (749)، والحاكم 1/ 378 من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس مرفوعاً:" ما من مسلم يموت، فيشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون إلَاّ خيراً إلَاّ قال الله جلَّ وعلا: قد قبلت علمكم فيه، وغفرتُ له ما لا تعلمون ".

قال الحافظ في " الفتح " 3/ 229: والمخاطب بقوله: " أنتم شهداء الله في الأرض ": الصحابة، ومن كان على صفتهم من الإيمان.

وقال الداوودي: والمعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفسقة، لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة، لأنَّ شهادة العدو لا تقبل.

(1)

في (ش): ذا.

(2)

في (ش): وأيضاً.

(3)

في (أ) و (ش): أنصف.

(4)

في (ش): على.

(5)

البيت لحسان بن ثابت من قصيدة يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويهجو بها أبا سفيان قبل أن يسلم. مطلعها: =

ص: 26

قال: يقال للمخالف ما تقول: إذا وَرَدَتْ عليك شُبُهَات الملحدين، ومشكلات المُشبِّهَة والمُجبرة المتمردين؟ وقد ساعَدَك الناس إلى إهمال النظر في علم الكلام، وهل هذا إلَاّ مكيدةٌ للدين إلى آخر ما ذكره.

أقول: لا يخلو الكفرة إما أن يطلبوا منا تعريفهم بأدلتنا حتى يُسلِمُوا، أو يُوردوا علينا شُبَهَهُم حتى نترُك دين الإسلام، فهذان مقامان:

المقام (1) الأول: أن يسألونا (2) بيان الأدلة على صحة الإسلام حتى يدخلوا فيه، والجراب (3) من وجوهٍ:

الوجه (4) الأول: معارضة مشتملةٌ على تحقيق، وهي أن نقول للمتكلمين: ما تقولون إذا قال الكفرة: إنَّ أدلَّتكم المُحَرَّرة في علم الكلام شُبَهٌ ضعيفة، وخيالاتٌ باردةٌ كما قد (5) قالوا ذلك أو (6) أمثاله؟ فما أجبتم به عليهم بعد الاستدلال والنزاع والخصومة، فهو جوابنا عليهم قبل ذلك كله، فإن قالوا: إنَّه يحسُنُ منا بعد إقامة البراهين (7) أن نحكم عليهم بالعناد، ونرجع إلى الإعراض عنهم أو إلى الجهاد، وأما أهل الأثر وترك علوم الجدل والنظر، فإنه يقبُحُ منهم ذلك قبل إقامة البراهين (7).

= عَفَتْ ذاتُ الأصابع فالجواءُ

إلى عَذرَاء منزلُهَا خلاءُ

انظر " الديوان " ص 57 - 66 بتحقيق البرقوقي.

(1)

ساقطة من (ش).

(2)

في (ب): " سألونا "، وفي (ش):" سألوا ".

(3)

في (ش): فالجواب.

(4)

ساقطة من (ش).

(5)

" قد " ساقطة من (ش).

(6)

في (ش): و.

(7)

في (ش): البرهان.

ص: 27

فالجواب: أنَّ الحجة لله تعالى قد تمَّت قبل نَصْبِنَا ونصبكم للبراهين (1) بما خلق (2) الله لهم من العقول، وأرسل إليهم من (3) الرسل، فكما إنهم لو ماتوا على كفرهم قبل مناظرتكم (4) لهم، حسن من الله تعالى أن يعذبهم، فكذلك يحسن (5) منا قبل المناظرة قتالهم قاطعين بأن الله تعالى قد أقام الحجة عليهم، مقتدين في ذلك برسله الكرام وسائر أئمة الإسلام، ويقال للمتكلمين: هل تحكمون على الكفار قبل مناظرتكم لهم وفي خلالها بأنهم معذورون لا إثم عليهم أو لا؟

إن قالوا بالأول، خالفوا الإجماع، بل ضرورة الدين.

وإن قالوا بالثاني، فالحكم الذي حكمتم به عليهم بعد المناظرة قد كان حاصلاً لهم قبلها، وإن كان (6) قصدكم بالمناظرة أن تعلموا عنادهم، فهو أيضاً معلومٌ قبلها إذ لو لم يكونوا معاندين، كانوا معذورين، كما قال موسى لفرعون:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِر} [الإسراء: 102]، وإن كان قصدُكم بمناظرتهم تمكينهم (7) من معرفة الله تعالى فقد مكنهم الله تعالى من ذلك، وهو غيرُ مُتَّهَمٍ في عدله وحكمته، وإقامة حجته (8)، وفي الحديث الصحيح أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحدٌ أحبَّ إليه العُذرُ من الله، من أجلِ ذلك أرسل الرُّسُل

(1) في (ش): البرهان.

(2)

في (ش): يخلق.

(3)

ساقطة من (ش).

(4)

في (ش): مناظرتهم.

(5)

في (ش): وكذلك نحن يحسن.

(6)

" كان " ساقطة من (ش).

(7)

في (ش): تمكنهم.

(8)

في (ش): حجيتهم.

ص: 28

وأنزل الكتب" أو كما قال، رواه البخاري (1) وغيره، وقال الله تعالى:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وقال تعالى:{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: 134]، إلى أمثال ذلك من النصوص الدالة على أن حجة الله قد وضحت، وقامت على الخلق من قبل مناظرة الدَّرَسَة، وخيالات المبتدعة، ووساوس المتكلمة، وتحكُّمات المتكلّفة، ولكنهم كما قال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِين} [النمل: 13]، وقال تعالى حاكياً عن موسى عليه السلام لما قال له (2) فرعون:{إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 101، 102]، وقال:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].

وإن كان مرادُكم الفصل بين المختلفين، وجمع كلمة العالمين (3) أجمعين فذلك غير مقدورٍ عند أهل السنة لأحد من المخلوقين (4)، ولا يَقْدِرُ عليه عندهم، ولا يفصل بينهم إلَاّ ربُّ العالمين كما قال سبحانه في كتابه المبين:{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} [الحج: 17]، ولهذا سمَّى الله يوم القيامة يوم الفصل، والعَجَبُ من المعتزلة أنَّ مذهبهم أن هداية الكفار والضلال غير مقدورةٍ (5)

(1)(7416)، وقد تقدَّم تخريجه 1/ 170.

(2)

في (ش): قاله.

(3)

في (ب): كلمة رب العالمين، وهو خطأ.

(4)

في (ب): الخلق.

(5)

في (ش): مقدر.

ص: 29

لله سبحانه وتعالى عما يقولون (1) عُلُوّاً كبيراً، ثم يوجبون على المخلوق الضعيف التعرض لهدايتهم.

فإن كانت غير مقدورة له، فهذا لا يجوز إيجابه بالرأي، والنصُّ عليه غير موجود، ومتى انتهى إلى حد المراء، فالنصوص على المنع منه متواترة، وإن كان هداية الكفار مقدورة للعبد، فكيف لا تكون مقدورة لله تعالى؟!.

فإن قلت: هم يلتزمون (2) أيضاً أن الله سبحانه عن مقالتهم غير قادر على مقدورات العباد، لأن ذلك يؤدي إلى تجويز مقدور بين قادرين.

قلت: نعم، ولكنهم يجوزون قدرته سبحانه على أمثالها دون أعيانها، وسوف يأتي البرهان القاطع على بُطلان كلامهم عند الكلام على أفعل العباد، وأمَّا إلزامنا لهم هنا (3)، فهو خروجُ قدرة الرب سبحانه عن التعلق بمقدور العباد، وبمثله (4) أيضاً، فهو أفحش من مذهبهم حاشا أبا (5) الحسين وأصحابه فإنهم يوافقون أهل السنة في هذه المسألة.

الوجه الثاني: معارضة أيضاً، وهي (6) لبعض المتكلمين ألزم، وذلك أن في المتكلمين من المعتزلة طوائف لا يوجبون النظر في علم الكلام.

(1) في (ش): يقول الظالمون.

(2)

في (ش): ملتزمون.

(3)

ساقطه من (ش).

(4)

في (ش): ومثله.

(5)

في (ب): أبي، وحاشا إذا لم يسبقها ما، يجوز في إعراب الاسم الذي بعدها الجر على أنها حرف جر، والنصب على أنها فعل.

(6)

في (ش): "وهو"، وهو خطأ.

ص: 30