الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا كان بَرّاً (1)، لم يتبين منه شِدَّةُ خُشُوعٍ، وكنتُ أدخل، والجزء في يده يقرأُ.
رحلته وحفظه:
قال صالحٌ: سمعت أبي يقول: خرجت إلى الكوفة، فكنت في بيتٍ تحت رأسي لبنةٌ، فحُمِمْتُ (2)، فرجعت إلى أمي، ولم أَكُنِ استأذنتُها.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله، يقول: تزوَّجتُ وأنا ابن أربعين سنة، فَرَزَقَ الله خيراً كثيراً.
قال أبو بكر الخلال في كتاب " أخلاق أحمد "، وهو مجلد: أملى عليَّ زهير بن صالح بن أحمد، قال: تزوَّج جدي عباسة بنت الفضل من العرب، فلم يُولَدْ له منها غيرُ أبي. وتُوفيت فتزوَّج بعدها ريحانة، فولدت عبد الله عمي، ثم تُوفيت، فاشترى حُسْنَ، فولدت أُمَّ علي زينب، وولدت الحسن والحسين توأماً (3)، وماتا بقرب ولادتهما، ثم ولدت الحسن ومحمداً (4)، فعاشا حتى صارا من السنِّ نحو أربعين سنة، ثم ولدتْ سعيداً.
قيل (5): كانت والدة عبد الله عوراء، وأقامت معه سنين.
(1) أي: خارج الدار، قال ابن الأثير: وفي حديث سلمان: " من أصلح جوانبه، أصلح الله برانيه " أراد بالبراني: العلانية، والألف والنون من زيادات النسب. كما قالوا في صنعاء: صنعاني، وأصله من قولهم: خرج فلان برّاً، أي: خرج إلى البر والصحراء، وليس من قديم الكلام وفصيحه.
(2)
في " السير ": فحججت.
(3)
في (أ): " توم "، والمثبت من (ب) و (ج).
(4)
الأصول: " ومحمد "، والمثبت من " السير ".
(5)
ساقطة من (ب).
قال المَرُّوذي: قال لي أبو عبد الله: اختلفتُ إلى الكُتَّاب، ثم (1) اختلفتُ إلى الديوان، وأنا ابنُ أربع عشرة سنة.
وذكر الخلالُ حكاياتٍ في عقل أحمد وحياته في المكتب ووَرَعِه في الصِّغر.
حدثنا المرُّوذيُّ: سَمِعْتُ أبا عبد الله، يقولُ: مات هُشيم ولي عشرون سنةً، فخرجتُ أنا والأعرابيُّ -رفيقٌ كان لأبي عبد الله- قال (2): فخرجنا مُشاةً، فوصلنا الكوفة، يعني: في سنة ثلاث (3) وثمانين، فأتينا أبا معاوية، وعنده الخلق، فأعطى الأعرابي حَجَّة بستين درهماً، فخرج وتركني في بيتٍ وحدي، فاستوحشتُ، وليس معي إلَاّ جِرابٌ فيه كتبي، كنت أضعه فوق لبنة، وأضعُ رأسي عليه، وكنت أذاكِرُ وكيعاً بحديث الثوري، وذكر مرة شيئاً (4)، فقال: هذا عند هُشيمٍ؟ فقلت: لا. وكان ربَّما ذكر العشر أحاديث، فأحفظُها، فإذا قامَ، قالوا لي، فأُمْليها عليهم.
وحدثنا عبد الله بن أحمد، قال لي أبي: خذ أيَّ كتابٍ شئت من كُتُبِ وكيع من المصنف، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أُخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أُخبِرَكَ أنا بالكلام.
وحدثنا عبد الله بن أحمد: قال لي أبي (5) سمعتُ سفيان بن وكيعٍ،
(1) ساقطة من (ب).
(2)
ساقطة من (ج).
(3)
في (ب): ثمان.
(4)
ساقطة من (ج).
(5)
جملة " قال لي أبي " ساقطة من (أ) و (ب).
يقول: أحفظُ عن أبيك مسألةً من نحو أربعين سنةً. سُئل عن الطلاق قبل النكاج، فقال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عليٍّ وابن عباس ونيِّفٍ وعشرين من التابعين، لم يَرَوْا به بأساً، فسألتُ أبي عن ذلك، فقال: صَدَقَ، كذا قلت.
قال: وحفظتُ أني سمعتُ أبا بكر بن حماد، يقول: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة، يقول: لا يُقَالُ لأحمد بن حنبل: من أين قُلْتَ؟
وسمعت أبا إسماعيل التِّرمِذِيَّ، يذكر عن ابنِ نُمَيْر، قال: كنت عند وَكيعٍ، فجاءه رجلٌ أو قال: جماعةٌ من أصحاب أبي حنيفة، فقالوا: ها هنا رجل بغدادي يتكلَّم في بعض الكوفيين، فلم يَعْرِفْهُ وكيعٌ، فبينا نحن إذ طلع أحمد بن حنبل، فقالوا: هذا هو، فقال وكيعٌ: ها هنا يا أبا عبدِ الله، فأفرجوا له، فَجَلُوا يذكرون عن أبي عبد الله الذي يُنْكِرُوْنَ، وجَعَلَ أبو عبد الله يحتجُّ بالأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقالوا لوكيع: هذا بحضرتِك تَرَى ما يقول؟ فقال: رجلٌ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيشٍ أقول له؟ ثم قال: ليس القول إلَاّ كما قُلْتَ يا أبا عبدِ الله، فقال القومُ لوكيع: خَدَعَكَ والله البغدادي.
قال عارم: وضعَ أحمدُ عندي نفقته، فقُلْتُ له يوماً، يا أبا عبدِ الله، بَلَغَني أنَّك من العرب. فقال (1): يا أبا النعمان، نحن قومٌ مساكينٌ فلم يَزَلْ يُدَافِعُني حتى خَرَجَ، ولم يقلْ لي شيئاً.
قال الخلالُ: أخبرنا المَرُّوذي: أنَّ أبا عبد الله، قال: ما تَزَوَّجْتُ إلَاّ بعدَ الأربعين.
(1) في (ج): قال.
وعن أحمد الدَّوْرَقي، عن أبي عبد الله، قال: نحنُ كتبنا الحديث في ستَّة وجوهٍ و (1) سبعة لم نَضْبِطْهُ، فكيف يضبطه (2) من كتَبَه من وجهٍ واحد؟!.
قال عبدُ الله بن أحمد: قال لي أبو زرعة: أبوكَ يحفظُ ألف ألف حديث، فقيل له: وما يُدريك؟ قال: ذاكرتُه، فأخذتُ عليه الأبواب.
فهذه حكايةٌ صحيحة في سَعَةِ علم أبي عبد الله، وكانوا يعُدُّون في ذلك المُكَرَّر، والأثر، وفتوى التابعي، وما فُسِّر، ونحو ذلك. وإلَاّ فالمتونُ المرفوعة القوية لا تبلُغُ عُشْرَ مِعشارِ ذلك
…
إلى قول الذهبي (3):
قال صالحُ بنُ أحمد (4): قَدِمَ المتوكلُ، فَنَزَلَ الشمَّاشِيَّة (5) يُريدُ المدائن، فقال لي أبي: أُحِبُّ أنْ لا تذهبَ إليهم تُنَبِّهُ عليِّ، فلمَّا كان بَعْدَ يومٍ أنا قاعد، وكان يوماً مطيراً، فإذا بيحيى بن خاقان قد جاءَ في مَوْكبٍ عظيم، والمطرُ عليه، فقال لي: سبحان الله لم تَصِرْ إلينا حتَّى تُبَلِّغَ أمير المؤمنين السلام عن شيخِك، ثم نَزَلَ خارج الزُّقاق، فجَهَدْتُ به أن يدخُلَ على الدابةِ فلم يفعَلْ، فجعل يخوضُ في المطير. فلمَّا وَصَلَ نزع جُرْمُوقَه (6)، ودخل، وأبي في الزاوية عليه كِسَاءَ، فسلَّم عليه، وقبَّل
(1) في (ج): أو.
(2)
من قوله: " أبي عبد الله " إلى هنا ساقط من (د).
(3)
11/ 292.
(4)
" ابن أحمد " ساقطة من (ج).
(5)
تحرف في الأصول إلى: " الشماسة "، والمثبت من " السير ".
(6)
هو ما يُلْبَسُ فوق الخُفِّ.
جبهتَه، وسأَلَهُ عن حالِه، وقال: أميرُ المؤمنين يُقرِئُك السلام، ويقول: كيف أنت في نفسك؟ وكيف حالك؟ وقد أَنِسْبُ بقربك (1) ويسألُك أن تدعو له، فقال: ما يأتي عليّ يومٌ إلَاّ وأنا أدعو الله له. ثم قال: قد (2) وجَّه معي ألف دينار تُفَرِّقُها على أهل الحاجة، فقال: يا أبا زكريا، أنا في بيتٍ منقطعٍ، وقد أعفاني من كل ما أكرهُ، وهذا مما أكره (3) فقال: يا أبا عبد الله، الخلفاءُ لا يحتملون هذا. فقال: يا أبا زكريا، تلطَّف في ذلك، فدعا له، ثم قام، فلما صار إلى الدار، رجع، فقال: هكذا لو وجَّه إليك بعضُ إخوانك كنت تفعل؟ قال: نعم، فلما صِرنا إلى الدهليز، قال: قد أمرني أمير المؤمنين أدفعها إليك تُفَرِّقُها، فقلت: تكون عندك إلى أن تمضي هذه الأيام.
أحمد بن محمد بن الحسين بن معاوية الرازي، حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، سمعت المِسْعَرَ بن (4) محمد بن (5) وهب، قال: كنتُ مُؤدِّباً للمتوكل، فلمَّا استخلف، أدناني، وكان يسألُني وأُجيبُه على مذهب الحديث والعلم، وإنه جلسَ للخاصة يوماً، ثم قام، حتى دخل بيتاً لَهُ من قوارير، سقفُه وحيطانُه وأرضُه (6)، وقد أُجري له الماء فيه، يتقلَّبُ فيه (7). فمن دَخَلَه، فكأنَّه في جوفِ الماء جالسٌ. وجَلَسَ عن يمينِه الفتحُ بنُ خاقان، وعبيد الله بن يحيى بن خاقان (8)، وعن يسارِه بُغا
(1) من قوله: " ويقول: كيف " إلى هنا ساقط من (ج).
(2)
في (ب): وقد.
(3)
قوله: " وهذا ممَّا أكره " ساقطة من (د).
(4)
في " السير " 11/ 293: المسعري.
(5)
" بن " ساقطة من (ج).
(6)
في (ج): وأرضه وحيطانه.
(7)
ساقطة من (ب) و (د).
(8)
من قوله. " وعبيد الله " إلى هنا ساقط من (ج).
الكبير، ووصيف، وأنا واقفٌ إذ ضحك، فأرمَّ (1) القوم، فقال: ألَا تسألوني مِنْ ما ضَحِكتُ؟! إنِّي ذات يومٍ واقفٌ على رأسِ الواثق، وقد قَعَدَ للخاصة، ثم دَخَلَ هنا، ورمتُ الدخول فَمُنِعْتُه ووقفت حيث ذاك الخادمُ واقفٌ، وعنده ابن أبي دُوَاد، وابنُ الزيات، وإسحاقُ بن إبراهيم. فقال الواثق: لقد فكرت فيما دعوت إليه الناس من (2) أن القرآن مخلوقٌ، وسرعةِ إجابة من أجابنا، وشدة خلاف من خالفنا مع الضرب والسيف، فوجدتُ من أجابنا رَغِبَ فيما في أيدينا، ووجدتُ (3) من خالفنا معه دينٌ وَوَرَعٌ، فدخل قلبي من ذلك أمرٌ وشكٌّ حتى هممتُ بترك ذلك. فقال ابن أبي دُوَاد: الله الله يا أمير المؤمنين! إن تُميتَ سُنَّةً قد أحييتها، وأن تُبْطِلَ ديناً قد أقمته. ثم أطرقوا، وخاف ابن أبي دُوَاد، فقال: والله يا أمير المؤمنين، إن هذا القول الذي تدعو الناس إليه لهو الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه ورسله، وبعث به نبيَّه، ولكنَّ الناسَ عَمُوا عن قبوله. قال الواثق: فَبَاهِلُوني (4) على ذلك. فقال أحمد: ضربَهُ الله بالفالج إن لم يكُن ما يقُولُ حقاً، وقال ابن الزيات: وهو فَسَمَّرَ الله يديه (5) بمسامير في الدنيا قبل الآخرة إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقاً بأن القرآن مخلوق. وقال إسحاق بن إبراهيم: وهو فأنتن اللهُ ريحَه في الدنيا إنْ لم يكن ما يقولُ حقاً، وقال نجاح: وهو فقَتَلَه اللهُ في أضيق محبسٍ، وقال إيتاخ: وهو فَغَرَّقَهُ الله، وقال الواثق: وهو فأحرق الله بدنه بالنار إن لم يكن ما يقول حقاً من أن القرآن مخلوقٌ، فأضحكُ أنه لم
(1) أي: سكتوا.
(2)
في (د): في.
(3)
" وجدت " ساقطة من (ج).
(4)
يقال: باهَل بعضُهم بعضاً، وتبهلوا، وتباهلوا، أي: تلاعنوا.
(5)
في " السير ": بدنه.
يَدْعُ أحدٌ منهم يومئذٍ إلَاّ استُجِيْبَ.
أمَّا ابن أبي دواد، فقد ضربه الله بالفالج، وأمَّا ابن الزيات، فأنا أقعدته في تنُّورٍ من حديد، وسمَّرتُ يديه (1) بمسامير، وأما إسحاق، فأقبل يَعْرَقُ في مرضه عرقاً (2) مُنْتِناً حتى هرب منه الحميمُ والقريب، وأما نجاح، فأنا بنيتُ عليه بيتاً ذراعاً في ذراعين حتى ماتَ، وأمَّا إيتاخ، فكتبتُ إلى إسحاق بن إبراهيم، وقد رَجَعَ من الحجِّ فقيَّده وغرَّقه، وأما الواثق، فكان يُحِبُّ الجماع، فقال: يا ميخائيل: أبغني دواء الباه (3) فقال: يا أمير المؤمنين؛ بدنَك فلا تَهُدَّه، لا سيما إذا تكلَّفُ الرجل الجماع. فقال: لا بدَّ منه، قال: عليك بلحم السبع، يُؤخَذُ رِطْلٌ فيُغلى سبع غليات بِخَلِّ خَمرٍ عتيقٍ. فإذا جلستَ على شُربك، فخذ منه زِنَةَ ثلاثة دراهم، فإنك تَجِدُ بُغيتك. فلها أياماً، ثم قال: عليَّ بلحم سبعٍ الساعة، فأُخرج له سبعٌ، فذُبح واستعمله. قال: فسُقي (4) بطنُه، فجُمِعَ له الأطباء، فأجمعوا على أن لا دواء له إلَاّ أن (5) يُسْجَر له تنورٌ بحطبِ الزيتون، حتى يمتلىء جمراً، ثم يُكسَحَ ما فيه، ويُحشى بالرُّطبة، ويقعد فيه ثلاث ساعات، فإن طَلَبَ ماءً لم يُسْقَ، ثم يخرجُ، فإنه يَجِدُ وَجَعَاً شديداً، ولا يُعَادُ إلى التنور إلَاّ بعد ساعتين، فإنه يجري ذلك الماء، ويخرُجُ من مخارج البول، وإن هو سُقِيَ أو رُدَّ إلى التنور، تَلِفَ. فسُجِرَ له التنور، ثم أُخرج الجمرُ، وجُعِلَ على ظهر التنور، ثم
(1) في " السير ": بدنه.
(2)
ساقطة من (ج) و (د).
(3)
في " السير ": " دواءً للباه "، وفي (أ): دواء لباه.
(4)
يُقال: سُقِيَ بطنُه، وسَقَى بطنُه، واستسقى بطنُه، أي: حصل فيه الماء الأصفر.
(5)
ساقطة من (ج).
حُشِيَ بالرُّطبة. فعُرِّيَ الواثق، وأُجْلِسَ فيه، فصاح، وقال: أحرقتموني، اسقُوني ماءً، فمُنِعَ (1)، فتنفَّط (2) بدنُه كلُّه، وصارَ نُفاخاتٍ (3) كالبِطِّيخ، ثم أُخرج وقد كاد أن يحترق، فأجلسه الأطباء فلمَّا شَمَّ الهواء اشتدَّ به الألم، فأقبل يصيحُ ويخورُ كالثور، ويقول: ردُّوني إلى التنور، واجتمع نساؤه وخواصُّه، وردوه إلى التنور، وَرَجَوْا له الفَرَجَ. فلما حَمِيَ، سكن صياحُه، وتفطَّرَت تلك النفاخات (4) وأُخرج وقد احترق واسوَدَّ، وقضى بعد ساعة.
قلت: راويها لا أعرفه.
وعن جرير بن أحمد بن أبي دواد، قال: قال أبي: ما رأيتُ أحداً أشدَّ قلباً من هذا، يعني: أحمد بن حنبل، جعلنا نكلمه، وجعل (5) الخليفة يكلمه، يسميه مرة ويكنيه أخرى (6)، وهو يقول: يا أمير المؤمنين، أوجدني شيئاً من (7) كتاب الله أو سنة رسوله حتى أُجيبَك إليه.
أبو يعقوب القرَّاب: أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل، أخبرنا محمد بن إبراهيم الصَّرَّام، حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدَّثني الحسن بن عبد العزيز الجَرَوي، قال: دخلتُ أنا والحارث بن مسكين على أحمد (8) حِدْثَانَ ضَرْبِه، فقال لنا: ضُرِبْتُ فسقطتُ، وسمعتُ ذاك -
(1) ساقطة من (ب).
(2)
ساقطة من (ج).
(3)
[و (4)] في (د): نفاجات، وهو تصحيف.
(5)
في (ب): وجعلنا.
(6)
في (ج): مرة أخرى.
(7)
" من " ساقطة من (ب).
(8)
" على أحمد " ساقطة من (ب).
يعني: ابن أبي دُوَاد- يقول: يا أمير المؤمنين، هو والله ضالٌّ مُضِلٌّ.
فقال له الحارت: أخبرني يوسف بن عمر، عن مالك، أن الزهري سُعِيَ به حتى ضُرٍبَ بالسياط، وقيل: عُلِّقَتْ كتُبُه في عُنُقِه. ثم قال مالك: وقد ضُرِبَ سعيد بن المسيب، وحُلِقَ رأسُه ولحيتُه، وضُرب أبو الزناد (1)، وضُرِبَ محمد بن المنكدر، وأصحابٌ له في حمَّام بالسياط. وما ذكر مالكٌ نفسه، فأُعجب أحمد بقول الحارث. قال مكيُّ بن عبدان: ضَرَبَ جعفرُ بن سليمان مالكاً تسعين سوطاً سنة سبع وأربعين ومئة.
البيهقي: أخبرنا الحاكم، حدثنا حسان بن محمد الفقيه، سمعت إبراهيم بن أبي طالب، يقول: دخلت على أحمد بن حنبل بعد المحنة غير مرة، وذاكرته (2) رجاء أن آخذ عنه حديثاً، إلى أن قلت: يا أبا عبد الله، حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" امرُؤُ القيس قائدُ الشعراء إلى النار "(3). فقال: قيل: عن الزُّهريِّ، عن أبي سلمة، فقلتُ: مَنْ عن الزهري؟ قال: أبو الجهم، فقلت: من رواه عن أبي الجهم؟ فسكت، فلما عاودتُه فيه، قال: اللهُمَّ سلِّم.
(1) في (د): أبي الزيات.
(2)
تحرفت في (ب) إلى: وذكر أنه.
(3)
أخرجه أحمد في " مسنده " 2/ 228، والبزار (2091) من طريق هشيم، حدثنا أبو الجهم (وقد تحرف في " المسند " إلى الجهيم)، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وأبو الجهم هذا قال عنه أبو زرعة: واهٍ، وقال أحمد: مجهول، وقال ابن حبان: يروي عن الزهري ما ليس من حديثه.
وأخرجه أبو عروبة في " الأوائل "، وابن عساكر في " تاريخه " وفي سنده ضعيفان لا يحتج بهما.
وأخرجه الخطيب في " تاريخه " 9/ 370 من طريق جنيد بن حكيم الدقاق، عن أبي هفان الشاعر، عن الأصمعي، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. وإسناده ضعيف أيضاً.
قال أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي، أخبرنا الفضل بن زياد، سمعت أحمد بن حنبل، يقول: من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شَفَا هَلَكَةٍ.
أبو مسلم محمد بن إسماعيل: أخبرنا صالح بن أحمد، قال: مضيت مع أبي يوم جُمعةٍ إلى مسجد الجامع، فوافَقَنا الناسَ قد انصرفوا، فدخل إلى المسجد (1)، فتقدَّم أبي فصلَّى بنا الظهر أربعاً، وقال: قد فَعَلَه ابنُ مسعود بعَلقمة والأسود (2)، وكان أبي (3) إذا دَخَلَ مقبرةً، خَلَعَ نعليه، وأمسكَهما بيده.
إبراهيم بن محمد بن سفيان: سمعت عاصم بن عصام البيهقي، يقول: بِتُّ ليلةً عند أحمد بن حنبل، فجاء بماءٍ فوضَعَه، فلمَّا أصبح، نظر إلى الماء بحالِه، فقال: سبحان الله! رجل يطلب العلم لا يكون له وِردٌ بالليل.
الطبراني: أنشدنا محمد بن موسى بن حماد لمحمدِ بن عبد الله بن طاهر:
أضحى ابنُ حنبل مِحْنَةً مَرضِيَّةً
…
وَبِحُبِّ أحمدَ يُعْرَفُ المُتَنَسِّكُ
وإذا رأيتَ لأحمدٍ مُتَنَقِّصاً
…
فاعلم بأنَّ سُتُورَه سَتُهَتَّكُ
أحمد بن مروان الدِّينَوَرِيُّ: حدثنا إدريس الحداد، قال: كان
(1) في (أ): مسجد.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في " المصنف "(5456) عن الثوري، عن الحسن بن عبيد الله قال: صلَّيت أنا وزر، فأمَّني وفاتتني الجمعة، فسألت إبراهيم، فقال: فعل ذلك عبد الله بعلقمة والأسود، قال سفيان: وربما فعلته أنا والأعمش.
(3)
ساقطة من (د).
أحمدُ بن حنبل إذا ضاق به الأمرُ، أجَّرَ نفسه من الحاكة، فسوَّى لهم، فلمَّا كان أيام المحنة، وصُرِفَ إلى بيته، حُمِلَ إليه مالٌ، فردَّه وهو محتاجٌ إلى رغيف، فجَعَلَ عمُّه إسحاق يحسُبُ ما ردَّ، فإذا هو نحو من خمسِ مئةِ ألف. قال: فقال: يا عمّ، لو طلبناه لم يأتِنا، وإنَّما أتانا لما تركناه.
البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظُ، حدِّثنا الزُّبيرُ بن عبد الواحد الحافظ، حدثنا إبراهيم بن عبد الواحد البَلَدي، سمعتُ جعفر بن محمد الطيالسي، يقول: صلَّى أحمدُ بن حنبل ويحيى بنُ معين في مسجد الرُّصافة، فقام قاصٌّ، فقال: حدثنا أحمدُ بن حنبل ويحيى بن معين، قالا: حدثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قال: لا إله إلَاّ الله، خلق الله من كل كلمة طيراً، منقارُه من ذهبٍ، وريشُه من مرجان ". وأخذ في قصةٍ نحواً من عشرين ورقة (1)، وجَعَلَ أحمدُ ينظرُ إلى يحيى، ويحيى ينظر إلى أحمد، فقال: أنت حدثته بهذا؟ فيقول: والله ما سمعت به إلَاّ الساعة، فسكتا حتى فَرَغَ، وأخذَ قِطاعه، فقال له يحيى بيده: أن تعال. فجاء مُتَوَهِّماً لنوالٍ. فقال: من حدثك بهذا؟ فقال: أحمد وابن معين، فقال: أنا يحيى، وهذا أحمد، ما سمعنا بهذا قطُّ، فإن كان ولا بُدَّ
(1) قال ابن القيِّم في " المنار المنيف " ص 50: فصل: ونحن ننبه على أمور كلية يُعرف بها كون الحديث موضوعاً، فمنها اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة جداً، كقوله في الحديث المكذوب:" من قال: لا إله إلَاّ الله، خلق الله من تلك الكلمة طائراً، له سبعون ألف لسان، لكل لسانٍ سبعون ألف لغة، يستغفرون الله له "، و" من فعل كذا وكذا، أُعطى في الجنة سبعين ألف مدينة، في كل مدينة سبعون ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف حوراء "، وأمثال هذه المجازفات الباردة التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين: إما أن يكون في غاية الجهل والحمق، وإما أن يكون زنديقاً قصد التنقيص بالرسول صلى الله عليه وسلم، بإضافة مثل هذه الكلمات إليه.
والكذب، فعلى غيرنا، فقال: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم. قال: لم أزل أسمعُ أن يحيى بن معين أحمق، ما علمت إلَاّ الساعة، كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل غيركما!! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين غيركما. فوضع أحمدُ كُمَّه على وجهه، وقال: دَعْه يقومُ، فقامَ كالمستهزىء بهما.
هذه الحكاية اشتهرت على ألسنةِ الجماعة، وهي باطلةٌ. أظن البَلَدِي وَضَعَها، ويعرف بالمعصوب. رواها عنه أبو حاتم بن حبان (1) فارتفعت عنه الجهالة (2).
ذكر المَرُّوذيُّ عن أحمد، أنه بقى بسَامَرَّاء ثمانية أيام، لم يشرب إلَاّ أقل من ربع سَويقٍ.
أحمد بن بندار الشعار: حدثنا أبو يحيى بن الرازي، سمعت علي بن سعيد الرازي، قال: صِرنا مع أحمد إلى باب المتوكل، فلما أدخلوه من باب الخاصة، قال: انصرِفُوا، عافاكم الله. فما مَرِضَ منا أحدٌ بعد ذلك اليوم.
الكُدَيمي: حدثنا علي بن المديني، قال لي أحمد بن حنبل: إنِّي لأشتهي أن أصحبك إلى مكة، وما يمنعُني إلَاّ خوفُ أن أمَلَّكَ وتَمَلَّني.
فلمَّا ودعته، قلت: أوصِني، قال: اجعلِ التقوى زادك، وانصِب الآخرة أمامك.
(1) في " المجروحين " 1/ 85.
(2)
وقال في " الميزان " 1/ 47 في ترجمة إبراهيم بن عبد الواحد البلدي: لا أدري من هو ذا، أتى بحكاية منكرة أخاف أن لا تكون من وضعه، ثم ذكرها، وقال ابن حجر في " اللسان " 1/ 79 بعد أن نقل كلام الذهبي: وهذا الرجل من شيوخ أبي حاتم بن حبان أخرج هذه القصة في مقدمة " الضعفاء " له عنه.
قال أبو حاتم: أول ما لقيت أحمد بن حنبل سنة ثلاث عشرة ومئتين، فإذا قد أخرج معه إلى الصلاة " كتاب الأشربة "(1)، و" كتاب الإيمان "(2) فصلى، ولم يسأله أحد، فرده إلى بيته. وأتيتُه يوماً آخر، فإذا قد أخرج الكتابين، فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك، لأن كتاب الإيمان أصل الدين، وكتاب الأشربة صرفُ الناس عن الشِّرِّ، فإن كل شرٍّ من السُّكر.
الدارقطني: حدثنا جعفر الخُلْديُّ (3)، حدِّثنا العباس بن يوسف، حدَّثني عمي محمد بن إسماعيل بن العلاء، حدثني أبي، قال: دعاني رزق الله بن الكَلْوَذَاني، فقدَّم إلينا طعاماً كثيراً، وفينا أحمد، وابن معين، وأبو خيثمة فَقُدِّمَتْ لوزينج أنفق عليها ثمانين درهماً. فقال أبو خيثمة: هذا إسرافٌ فقال أحمد بن حنبل: لو أن الدنيا في مقدار لُقمة، ثم أخذها مسلم، فوضعها في فم أخيه، لما كان مُسرفاً. فقال له يحيى: صدقت. وهذه حكاية منكرة.
الخلال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: رأيت كثيراً من العلماء والفقهاء والمحدثين، وبني هاشم وقريش والأنصار، يُقّبِّلون أبي، بعضُهم يدَه، وبعضُهم رأسه، ويُعظِّمونه تعظيماً لم أرَهُم يفعلون ذلك بأحدٍ من الفقهاء غيره، ولم أرَهُ يشتهي ذلك، ورأيتُ الهيثم بن
(1) طبع في بغداد سنة 1396 هـ، بتحقيق الأستاذ السيد صبحي جاسم البدري السامرائي، ثم أُعيد طبعه في بيروت سنة 1405 هـ.
(2)
ذكره ابن النديم في " الفهرست " ومنه نسخة في المتحف البريطاني، مخطوطات شرقية 6275. انظر " تاريخ التراث العربي " 1/ 3/226 لسزكين.
(3)
هو جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم الخواص الخُلدي، أبو محمد، أحد المشايخ الصوفية، صاحب الأحوال والمجاهدات والكرامات الظاهرة. توفي في رمضان 348 هـ. انظر " الأنساب " للسمعاني 5/ 161 - 162.
خارجة، والقواريري، وأبا معمر، وعلي بن المديني، وبشاراً (1) الخفاف، وعبد الله بن عون الخرَّاز، وابن أبي الشوارب، وإبراهيم الهروي، ومحمد بن بكار، ويحين بن أيوب، وسريج (2) بن يونس، وأبا خيثمة، ويحيى بن معين، وابن أبي شيبة، وعبد الأعلى النرسي، وخلف بن هشام، وجماعةٌ لا أُحصيهم، يُعظِّمونه ويُوقِّرونه.
الخلال: أخبرنا المَرُّوذيُّ، سمعت عبد الوهَّاب الورَّاق، يقول: أبو عبد الله إمامنا، وهو من الراسخين في العلم، إذا وقفتُ غداً بين يدي الله، فسألَني بمن اقتديت، أيَّ شيءٍ أقولُ؟ وأيُّ شيءٍ ذهبَ على أبي عبد الله من أمر الإسلام؟!
قال صالحُ بن علي الحلبي: سمعت أبا همَّام، يقول: ما رأي أحمدُ مثل نفسه.
قال الخلال: بُلينا بقومٍ جُهَّالٍ، يظنون أنهم علماء (3)، فإذا ذكرنا فضائل أبي عبد الله، يُخرِجُهم الحسد، إلى أن قال بعضُهم فيما أخبرني ثقة عنه: أحمد بن حنبل نبيُّهم.
قال الخلال: أخبرنا المروذي، سمعت أبا عبد الله، يقول: الخوف منعني أكل الطعام والشراب، فما اشتهيته، وما أبالي أن لا يراني أحدٌ ولا أراه، وإني لأشتهي أن أرى عبد الوهَّاب. قل لعبد الوهاب: أخمِلْ ذكرَك، فإني قد بُليتُ بالشهرة.
(1) في (ب): " وبشار "، وفي (د):" ويسار ".
(2)
تصحفت في (ب) و (ج) إلى: شريح.
(3)
قوله: " يظنون أنهم علماء " ساقط من (د).
الخلال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يزيد الوراق، سمعت أحمد بن حنبل، يقول: ما شَبَّهْتُ الشباب إلَاّ بشيءٍ كان في كُمِّي فسقط.
قال إسحاق بن هانىء: مات أبو عبد الله، وما خلَّف إلَاّ ستَّ قطعٍ في خِرقةٍ قدر دانقين.
وقال عبد الله: سمعت أبي، يقول: ربما أردتُ البكورَ في الحديث، فتأخذُ أمى بثوبي، وتقول: حتى يؤذن المؤذن.
وقال عباس الدوري: سمعت أحمد يقول: أول ما طلبت اختلفت إلى أبي يوسف القاضي.
قال عبد الله: كتب أبي عن أبي يوسف ومحمدٍ الكتب، وكان يحفظُها، فقال لي مُهَنِّا: كنت أسأله فيقول: ليس ذا في كتبهم، فأرجع إليهم، فيقولون: صاحبك أعلمُ منا بالكتب.
قال عبد الله: سمعت أبي يقول: رأيت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن، وكان رجلاً صالحاً (1).
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: حدثتنا أمُّ عمر ابنة حسان عن أبيها، قال: دخلت المسجد، فإذا علي بن أبي طالب على المنبر، وهو يقول: إنما مثلي ومثل عثمان كما قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا
(1) هو موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي من أهل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أخو محمد وإبراهيم ابن عبد الله ظفر به أبو جعفر المنصور بعد قتل أخويه، فعفا عنه، وسكن بغداد، وقد روى عن أبيه شيئاً يسيراً، وثقه ابن معين، وعاش إلى أيام الرشيد، وله خبر معه، ونسله كثير. مترجم في " تاريخ بغداد " 13/ 25 - 27.
ما في صُدورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} (1)[الأعراف: 43] و [الحجر: 47].
الخلال: أخبرني أبو بكر بنُ صدقة، سمعت محمد بن عبد الرحمن الصيرفي، قال: أتيت أحمد بن حنبل أنا وعبد الله بن سعيد الجمال، وذاك في آخر سنة مئتين، فقال أبو عبد الله للجمال: يا أبا محمدٍ، إن أقواماً يسألوني (2) أن أُحَدِّث، فهل ترى ذلك؟ فسكت. فقلت: أنا أُجيبكُ. قال: تكلَّمْ. قلت (3): أرى لك إن كنت تشتهي أن تُحَدِّثَ، فلا تحدِّث، وإن كنت تشتهي أن لا تحدث فحدث، فكأنه استحسنه.
عبد الله بن أحمد: سمعتُ نوح بن حبيب القُومَسي، يقول: رأيت أحمد بن حنبل في مسجد الخَيْفِ سنة ثمان وتسعين وابن عيينة حيٌّ، وهو يفتي فتوى واسعة، فسلَّمت عليه.
قال عبد الله: سمعت أبي سنة سبع وثلاثين ومئتين (4)، يقول: قد استخرتُ الله أن لا أُحدِّث حديثاً على تمامه أبداً، ثم قال: إن الله يقول: {يأيُّها الذين آمنوا أَوْفُوا بالعُقُود} [المائدة: 1]، وإني أعاهد الله أن لا أحدث بحديث على تمامه أبداً، ثم قال: ولا لك، وإن كنت تشتهي، فقلت له بعد ذلك بأشهرٍ: أليس يُروى (5) عن شريك، عن
(1) جاء في " تفسير الطبري " 14/ 36 - 37 من طرق متعددة أن الغِلَّ: العداوة، وفيه: حدثنا الحسن قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: حدثنا السكن بن المغيرة قال: حدثنا معاوية بن راشد، قال: قال علي: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} .
(2)
في (ب): سألوني.
(3)
في (ب): قال.
(4)
" ومئتين " ساقطة من (د).
(5)
في (ب): تروي.
يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، قال:" العهدُ يمينٌ "(1)؟ قال: نعم. ثم سكت فظننت أنه سيُكَفِّر. فلمَّا كان بعد أيام قلت له في ذلك، فلم ينشط للكفارة ثم لم أسمعه يُحدِّث بحديث على تمامه.
قال المروذي: سمعت أبا عبد الله في العسكر، يقول لولده: قال الله تعالى: {أَوْفُوا بالعُقُود} [المائدة: 1] أتدرون ما العقودُ؟ إنَّما هو العهود وإنِّي أعاهد الله جلَّ وعزَّ، ثم قال: والله، والله، والله، وعليَّ عهد الله (2) وميثاقُه أن لا حدَّثتُ بحديثٍ لقريبٍ ولا لبعيد حديثاً تاماً، حتى ألقى الله، ثم التفت إلى ولده، وقال: وإن كان هذا يشتهي منه ما يشتهي، ثم بَلَغَه عن رجلٍ من الدولة وهو ابن أكثم، أنه قال: قد أردتُ أن يأمرَهُ الخليفة أن يُكَفِّرَ عن يمينه، ويحدث، فسمعت أبا عبد الله يقول لرجل من قبل صاحب الكلام: لو ضربت ظهري بالسياط، ما حدثت.
الخلال: حدثنا محمد بن المنذر، حدثنا أحمد بن الحسن
(1) إسناده ضعيف، وشريك هو ابن عبد الله القاضي، ويزيد بن أبي زياد هو الهاشمي وكلاهما ضعيف.
(2)
قال الراغب: العهد: هو حفظ الشيء ومراعاته، ومن ثمَّ قيل للوثيقة: عهدة.
ويطلق عهد الله على ما فطر علي عباده من الإيمان به عند أخذ الميثاق، ويُراد به أيضاً ما أمر به في الكتاب والسنة مؤكداً، وما التزمه المرء من قبل نفسه كالنذر.
قال الحافظ في " الفتح " 11/ 544 - 545: وللعهد معانٍ أخرى غير هذه كالأمان، والوفاء، والوصية، واليمين، ورعاية الحرمة، والمعرفة، واللقاء عن قرب، والزمان، والذمة، وبعضها قد تداخل، والله أعلم. ونقل عن ابن المنذر أن من حلف بالعهد، فحنث، لزمه الكفارة، سواء نوى أم لا عند مالك، والأوزاعي، والكوفيين، وبه قال الحسن، والشعبي، وطاووس وغيرهم، وبه قال أحمد. وقال عطاء، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيدة: لا تكون يميناً إلَاّ إن نَوَى. وانظر " المغني " 8/ 697 لابن قدامة المقدسي.
الترمذي، قال: رأيت أبا عبد الله يشتري الخبز من السوق، ويحمله في الزِّنْبِيلِ، ورأيته يشتري الباقلاء غير مرة، ويجعله في خِرْقَةٍ، فيحمله آخذاً بيدِ (1) عبد الله ابنه.
الميموني: قال لي أبو عُبيد (2): يا أبا الحسن، قد جالست أبا يوسف ومحمداً، وأحسِبُه ذكر يحيى بن سعيد، ما هِبْتُ أحداً ما هِبتُ أحمدَ بن حنبل.
قال عبد الله بن محمود بن الفرج: سمعتُ عبد الله بن أحمد، يقولُ: خرج أبي إلى طَرَسُوسَ، ورابط بها، وغزا، ثم قال أبي (3): رأيت العِلْمَ بها يموتُ.
وعن أحمد، أنه قال لرجلٍ: عليك بالثَّغْر، عليك بقَزوين، وكانت (4) ثَغْراً.
الخلال: حدثنا (5) المَرُّوذيُّ: قلت لأبي عبد الله: قال لي رجلٌ: من هنا إلى بلاد الترك يدعون (6) لك، فكيف تؤدِّي شكر ما أنعم الله عليك، وما بثَّ لك في الناس؟ قال: اسأل الله أن لا يجعلنا مُرائين.
أخبرنا المسلم بن علَاّن (7) وغيره كتابةً أنَّ أبا اليُمن الكندي
(1) في (ب): بيده.
(2)
هو القاسم بن سلام، صاحب كتاب " الأموال " و" غريب الحديث "، و" الغريب المصنف "، و" فضائل القرآن " وغيرها.
(3)
في (د): إنِّي.
(4)
في (د): وكان.
(5)
في (ب) و (د): أخبرنا.
(6)
في الأصول: "يدعو"، والمثبت من " السير ".
(7)
ترجمه الذهبي في مشيخته ورقة 169/ 1 فقال: المسلَّم بن محمد بن المسلَّم بن =
أخبرهم، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثنا محمد بن الفرج البزاز (1)، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن ماسي، حدثنا (2) جعفر بن شعيب الشاشي، حدثني محمد بن يوسف الشاشي، حدثهم إبراهيم بن أمية، سمعت طاهر بن خلف، سمعت المهتدي بالله محمد بن الواثق، يقول: كان أبي إذا أراد أن يقتل أحداً، أحضرنا، فأتي بشيخٍ مخضوبٍ مُقَيَّدٍ، فقال أبي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه، يعني (3): ابن أبي دُوَاد، قال: فأُدخِل الشيخ، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: لا سلم الله عليك، فقال: يا أمير المؤمنين: بئس ما أدَّبك مُؤدِّبوك، فإن الله تعالى يقول:{وإذا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بأحسَنَ منها أَوْ رُدُّوها} [النساء: 86]. فقال ابن أبي دواد: الرجل متكلم.
قال له: كلمه، فقال: يا شيخ، ما تقول في القرآن؟ قال: لم يُنصفني (4)، ولي السؤال قال: سَلْ، قال: ما تقول في القرآن؟ [قال: مخلوق](5)، قال الشيخ: هذا شيءٌ عَلِمَه النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر،
= مكي بن علاف المسند الجليل، الصادق العالم، شمس الدين أبو الغنائم العبسي الدمشقي الكاتب، ولد سنة أربع وتسعين وخمس مئة، وسمع من حنبل جميع " المسند "، ومن ابن طبرزد، والكندي، وابن الريف، وابن الحرستاني، وآخرين، فسمع من الكندي " تاريخ بغداد "، ومن ابن الحرستاني:" صحيح مسلم "، ومن ابن طبرزد:" الزهد " لابن المبارك، والترمذي، وأبا داود، والقطيعيات، وسمع " صحيح البخاري " من ابن مندويه، وأجاز له أبو طاهر الخُشوعي، والقاسم بن عساكر، وأبو سعد الصفار، وعُمِّر دهراً، وروى " المسند " ببعلبك وبدمشق، ومات في ذي الحجة سنة ثمانين وستمائة، أجاز لي بجميع مروياته، وكان سخياً سرياً ديِّناً، ولِي نَظَرَ بعلبك.
(1)
في (ب): " البواب "، وهو تحريف.
(2)
في (ب): أخبرنا.
(3)
في (د): يعني بأصحابه.
(4)
في (ب): تنصفني.
(5)
ساقطة من الأصول، واستدركت من " السير ".
والخلفاء الراشدون، أم شيءٌ لم يعلموه (1)؟ قال: شيء لم يعلموه (2). فقال: سبحان الله! شىء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، علمتَه أنت؟ فخَجِلَ. فقال: أَقِلْني، قال: المسألة بحالها. قال: نعم عَلِمُوه، قال: علموه (3)، ولم يدعوا الناس إليه؟ قال: نعم. قال: أفلا (4) وسعك ما وَسِعَهم؟ قال: فقام أبي، فدخل مجلسنا (5)، واستلقى، وهو يقول: شيءٌ لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت! سبحان الله! شيء علموه، ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟! (6) ثم أمر برفع قيوده، وأن يُعطى أربع مئة دينار، ويُؤذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن أبي دواد ولم يمتحن بعدها أحداً.
هذه قصة مليحة، وإن كان في طريقها من يُجهل ولها شاهد.
وبإسنادنا إلى الخطيب: أخبرنا ابنُ رزقويه، أخبرنا أحمد بن سندي الحداد، حدثنا أحمد بن الممتنع، أخبرنا صالح بن علي الهاشمي، قال: حضرت المهتدي بالله، وجلس لينظر في أمور المظلومين - إلى قوله: قال -يعني المهتدي-: ما زلتُ أقول: إن القرآن مخلوقٌ صدراً من أيام الواثق، وساق نحواً من القصة المتقدمة.
قال الذهبي: كان صغيراً زمن الواثق، والحكاية فمنكرة.
(1) تصحفت في (ب) إلى: تعلموه.
(2)
" قال علموه " ساقطة من (ب).
(3)
في (ب): نعم أفلا.
(4)
في " السير ": مجلساً.
(5)
من قوله: " قال فقام أبي " إلى هنا ساقط من (أ).
(6)
ساقطة من (ب).
عن الحسين بن إسماعيل، عن أبيه، قال: كان يجتمع في مجلس أحمد زُهاء (1) خمسة آلاف أو يزيدون، نحو خمس مئة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت.
ابن بطة: سمع النَّجاد، يقول: سمعت أبا بكر بن (2) المطوعي، يقول: اختلفتُ إلى أبي عبد الله، ثنتي عشرة سنة، وهو يقرأ " المسند " على أولاده، فما كتبت عنه حديثاً واحداً، إنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه.
قال حميد بن عبد الرحمن الرُّؤاسي: يقال: لم يكن أحدٌ من الصحابة أشبه هدياً وسمتاً ودلاً من ابن مسعود بالنبي صلى الله عليه وسلم (3)، وكان أشبه الناس به علقمة، وكان أشبه الناس بعلقمة إبراهيم، وكان أشبههم بإبراهيم منصور بن المعتمر، وأشبه الناس به سفيان الثوري، وأشبه الناس به وكيع، وأشبه الناس بوكيع فيما قاله محمد بن يونس الجمال: أحمد بن حنبل.
الخلال: أخبرني محمد بن الحسين، أخبرنا المروذي، قال: قال جارنا فلان: دخلت على الأمير فلان وفلان، ذكر سلاطين، ما رأيت
(1) في الأصول: " زهاء على ". ففي " اللسان ": زُهاء الشيء وزِهاؤه: قدره، يقال: هم زُهاء مئة وزِهاء مئة، أي: قدرها، وهم قوم ذوو زُهاء، أي: ذوو عدد كثير .. من زهوت القوم: إذا حَزَرتهم.
(2)
" بن " ساقطة من (د).
(3)
أخرجه من حديث حذيفة: أحمد 5/ 389 و394 و395 و401 و402، والبخاري (3762) و (6097)، والترمذي (3807)، والحاكم 3/ 315. ولفظ البخاري:" سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه، فقال: ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد ".
أهيب من أحمد بن حنبل، صِرْتُ إليه أكلمه في شيء، فوقعت علي (1) الرِّعْدَة من هيبته. ثم قال المروذي (2): ولقد طرقه الكلبي -صاحب خبر السر- ليلاً. فمن هيبته لم يقرعُوا بابه، ودقوا باب عمِّه.
عبد الله بن محمد الورَّاق: كنت في مجلس أحمد بن حنبل، فقال: من أين أقبلتم؟ قلنا: من مجلس أبي كُرَيْبٍ، فقال: اكتبوا عنه، فإنه شيخ صالح، فقلنا: إنه يطعن عليك. قال: فأي شيء حيلتي، شيخٌ صالح قد بُلِيَ بي.
ابن المنادي، عن جدِّه أبي جعفر، قال: كان أحمد من أحيى الناس، وأكرمهم، وأحسنهم عشرةً وأدباً، كثير الإطراق، لا يُسمع منه إلا المذاكرة للحديث، وذكر الصالحين في وقارٍ وسُكونٍ، ولفظ حسن. وإذا لقيه إنسان، بشَّ به، وأقبل عليه. وكان يتواضع للشيوخ شديداً، وكانوا يعظمونه، وكان يفعل بيحيى بن معين ما لم أره يعمل لغيره من التواضع والتكريم والتبجيل، كان يحيى أكبر منه بسبع سنين.
وقالب الميموني: كان أبو عبد الله حسن الخُلُق، دائم البِشْرِ، يحتمل الأذى من الجار.
علوان بن الحسين: سمعت عبد الله بن أحمد، قال: سُئِلَ أبي: لم لا تصحب الناس؟ قال: لِوحشة الفراق.
ابن بطة: حدثنا محمد بن أيوب (3)، حدثنا إبراهيم الحربي،
(1) ساقطة من (د).
(2)
تحرفت في (ب) إلى: المردي.
(3)
في (د): يعقوب.
سمعت أحمد بن حنبل، يقول لأحمد الوكيعي: يا أبا عبد الرحمن: إئي لأحبك، حدثنا (1) يحيى، عن ثور، عن حبيب بن عبيد، عن المقدام، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أحب أحدُكم أخاه، فليُعْلِمْهُ "(2).
فصل:
قال ابن الجوزي: خلَّف له أبوه طرزاً وداراً يسكنُها (3)، فكان يكري تلك الطرز، ويتعفَّفُ بها.
قال ابن المنادي: حدثنا جدي، قال لي أحمد بن حنبل: أنا أذرَعُ هذه الدار، وأُخرجُ الزكاة عنها في كُلِّ سنةٍ. أذهبُ إلى قول عمر في أرض السواد (4).
قال المرُّوذي: سمعت أبا عبد الله، يقول: الغلَّة ما يكون قوتنا، وإنما أذهب فيه إلى أن لنا فيه شيئاً، فقلت له: قال رجل: لو ترك أبو عبد الله الغلة، وكان يصنع له صديق له، كان أعجب إلي. فقال: هذه طعمة سوءٍ، ومن تعوَّد هذا، لم يصبر عنه. ثم قال: هذا أعجب إلي من غيره، يعني: الغلة. وأنت تعلم أنها لا تُقيمنا، وإنما أخذها على الاضطرار.
(1) ساقطة من (ب).
(2)
إسناده صحيح، وهو في " المسند " 4/ 130، وأخرجه أبو داود (5124) في الأدب، باب: إخبار الرجل بمحبته إليه، والترمذي (2393) في الزهد، باب: ما جاء في إعلام الحب، والبخاري في " الأدب المفرد "(542)، وصححه ابن حبان (2514)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وسكت عليه الحاكم في " المستدرك " 4/ 171، والذهبي المؤلف.
(3)
في (ب): سكنها.
(4)
انظر " المغني " 2/ 716 وما بعدها.
قال ابن الجوزي: ربما احتاج أحمد، فخرج إلى اللِّقاط (1).
قال الخلال: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا المروذي، حدثني أبو جعفر الطرسوسي (2)، حدثني الذي نزل عليه أبو عبد الله، قال: لما نزل علي، خرج إلى اللِّقاط، فجاء وقد لَقَطَ شيئاً يسيراً. فقلت له: قد أكلت أكثر مما لقطت، فقال: رأيت أمراً استحييت منه، رأيتهم يلتقطون، فيقوم الرجل على أربعٍ، وكنت أزحف.
أحمد بن محمد بن عبد الخالق: حدثنا المروذي، قال أبو عبد الله: خرجت إلى الثَّغْرِ على قدمي، فالتقطت، لو قد رأيت قوماً يُفسِدُون مزارع الناس، قال: وكنا نخرج إلى اللقاط.
قلت: وربما نسخ بأجرةٍ، وربما عمل التِّكَكَ، وأجَّر نفسه لجمال. رحمة الله عليه.
فصل:
قال إبراهيم الحربي: سُئل أحمد عن المسلم يقول للنصراني: أكرمَكَ الله. قال: نعم، ينوي بها الإسلام.
وقيل: سئل أحمد عن رجلٍ نذر أن يطوف على أربع، فقال: يطوف طوافين، ولا يطُف على أربعٍ.
قال ابن عقيل: من عجيب ما سمعته عن هؤلاء الأحداث الجُهَّال، أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه، لكنه مُحدَّثٌ. قال: وهذا غاية
(1) في " اللسان "(لقط): اللِّقاط: السُّنْبُل الذى تخطئه المناجل، ويلتقطه الناس، واللِّقاط: اسم لذلك الفعل.
(2)
تحرفت في (ب) إلى الطرسوني.