المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قلنا: معاذ الله - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٤

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الثالث عشر: أنَّ جميع أئمة الفنون المُبرِّزين فيها قد شاركوا المحدثين في عدم ممارسة علم الكلام

- ‌الطائفة الأولى: من قال بأن المعارف ضرورية

- ‌الطائفة الثانية: من يقول: إنَّ المعارف ضروريةٌ مطلقاً

- ‌الوجه الثاني: أن اللطف المقرب مجرد دعوى

- ‌الوجه الثاني: من الأصل أن الآية في الظن المعارض للعلم

- ‌قلت: كلَاّ، فإنَّ الله تعالى قد سمَّى الظن علماً

- ‌الوجه الرابع: من الجواب وهو التحقيق

- ‌الجواب من وجوه

- ‌الوجه الثالث: إنا نعلمه ما نعرِفُه بِفِطَرِ العقول

- ‌الجواب الرابع: أن نقول: النظر في ذلك واجبٌ كالصلاة

- ‌فإن قيل: قد وَرَدَ في السمع وجوبُ البيان على العلماء

- ‌الجواب من وجوه:

- ‌الوجه الثاني: أنا نخصُّ هذا العام بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الجواب الخامس: أنها وردت نصوصٌ تقتضي العلم أو الظن

- ‌فإن قالوا: وفي ترك علم الكلام مضرة أيضاً

- ‌الجواب: أنَّ تسمية تجويز المضرة المرجوح خوفاً غيرُ مسلم

- ‌قلتُ: هي أمران:

- ‌الجواب من وجهين

- ‌الوجه الأول: معارضة

- ‌الوجه الأول: أن السائل جهل المقصود بالنبوة

- ‌قلنا: معاذ الله

- ‌الطائفة الثانية: أهل النظر في علم الكلام

- ‌القاعدة الأولى: إن الله سبحانه موصوفٌ بالإثبات والنفي

- ‌القاعدة الثانية: أن ما أخبر به الرسول عن ربِّه فإنَّه يجب الإيمان به

- ‌القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مرادٌ أو ليس بمراد

- ‌إن هذه الطريق لا يحصل بها المقصود لوجوهٍ:

- ‌الوجه الثاني: أن هؤلاء ينفُون صفات الكمال بمثل هذه الطريق

- ‌الوجه الثالث: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون

- ‌الفصل الثالث: في الإشارة إلى حُجة من كفَّر هؤلاء

- ‌ التنبيه على معرفتين:

- ‌المعرفة الأولى: أن شرط التكفير بمخالفة السمع أن يكون ذلك السمعُ المخالفُ معلوماً علماً ضرورياً من جهة اللفظ، ومن جهة المعنى

- ‌أحدهما: ما عَلِمَهُ العامة مع الخاصة

- ‌ثانيهما: ما لا يعرف تواتره إلَاّ الخاصة

- ‌الشرط الثاني: أن يكون معنى المتواتر معلوماً بالضرورة

- ‌المعرفة الثانية: أن التكفير سمعي محضٌ لا مدخل للعقل فيه، وذلك من وجهين:

- ‌الوجه الأول: أنه لا يكفر بمخالفة الأدلة العقلية وإن كانت ضروريةٌ

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الدليل على الكفر والفِسْقِ لا يكون إلَاّ سمعياً قطعياً

- ‌فصلٌ في شيوخه:

- ‌رحلته وحفظه:

- ‌حكاية موضوعة:

- ‌وصيتُه:

- ‌مرضه:

- ‌المنامات:

- ‌ فضلِهِ وتألُّهِهِ وشمائله:

- ‌ومن آدابه:

- ‌ومن كرمه:

- ‌تركه للجهات جُملةَ:

- ‌أيُّ فرقٍ بين الخلقِ والحدوث حتى يكفر القائل بأحدِهما دون الآخر

- ‌الجواب: من وجهينِ

- ‌ الوجه الثالث: وهو التكفير بمآل المذهب

- ‌الوجه الثاني: لو سلَّمنا أنه دلَّ على ذلك دليلٌ سمعي خَفِي لكان معارضاً بما هو أوضح منه

- ‌الوجه الثالث: إنا نعلم بالضرورة منهم ضِدَّ ما ألزموهم

- ‌الوجه الرابع: أنا لو كفرنا بذلك لأمكن المعتزلة، والشيعة، والظاهرية تكفير من لم يقُل بحدوث القرآن

- ‌الوجه الخامس: أن النصوص قد تواترت بمروق الخوارج

- ‌الوجه السابع: أنه قد ورد من الأدلة السمعية ما يُعارضُ ذلك الظن

- ‌وأما قول من يقولُ: ما الفرق بين الخلق، والجعل، والحُدُوث

- ‌قلت: الذي فهمته مِنْ تكرارِ النظر في عباراتهم ومقاصدهم أحد وجهين، أو كلاهما:

- ‌الوجه الأول: أنهم رأوا للحدوث معنيين: حدوثاً نسبيّاً، وحدوثاً مُطلقاً

- ‌الوجه الثاني: أنهم لما رأوا القول بخلقه شعار المعتزلة المنكرين لصحة الكلام من الله تعالى، رأوا لفظ الحدوث يقارب لفظ الخلق ويُوهِمُه

- ‌قلنا: يقولون: إن عمومها مخصوصٌ بإجماع الفريقين

- ‌أمَّا المعتزلة

الفصل: ‌قلنا: معاذ الله

القرآن على أن المراد بهم الإنذار، بل قد قَصَرَهُم على ذلك مبالغةً، والآيات في ذلك لا تحصى، منها قوله تعالى حاكياً عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم:{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف: 9]، وقوله تعالى:{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 20]، وقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [العنكبوت: 50]، وقد أوضح الله الحجة بخلق العقول، ثم قطع الأعذار بالإنذار على ألسنة الرسل، والعلماء ورثة الأنبياء، وهذه نُكتة نفيسة فتأمَّلها.

الوجه الثاني: أنا نعلمُ وكُلُّ مُنْصِفٍ (1)، أنه لو حضر النبي صلى الله عليه وسلم وحضرت المَهَرَةُ من أئمَّة علوم الفلسفة، وأهل الدِّرية التامة بدقائق المنطق والكلام، وحضر أئمة علم الكلام من أهل الإسلام، وأرادوا المناظرة في الأدلة: أن أهل (2) الكلام (3) من المسلمين يكونون أحذق في المناظرة من رسول الله، وقد ذكر معنى هذا (4) الإمام يحيى بن حمزة (5) في بعض كتبه.

فإن قيل: إنه (6) يلزم من هذا أن يكونوا أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن جميع الأنبياء، وهذا معلوم القُبح والبطلان.

‌قلنا: معاذ الله

أن يكون أحدٌ أعلم بالله، وبالأدلة عليه، وبالعلوم

(1) تحرفت في (ب) إلى: مصنف.

(2)

ساقطة من (أ).

(3)

من قوله: " وحضر أئمَّة " إلى هنا ساقط من (ب).

(4)

في (ج): هذا المعنى.

(5)

" ابن حمزة " ساقط من (ش).

(6)

" إنه " ساقطة من (أ).

ص: 96

النافعة كلها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما نقول: إنهم أعلم بالعلم المبتدَع الذي كَرِهَهُ السلف، ومنتهى حال العالم (1) به عند من يُوجبهُ أن يكون توسَّل به للضرورة إلى بعض معارف النبي صلى الله عليه وسلم، كما يتوسل طالب النحو والإعراب بقراءة كتب النحاة إلى معرفة بعض مقاصده صلى الله عليه وسلم في كلامه البليغ، ومعلومٌ أن رسول الله وأصحابه لا يُوصفون بمعرفة ما ابتدع النحاةُ من الأسماء الاصطلاحية، ولكن السلف ردُّوا هذا بأنَّ اللغة تغيَّرت، وتحققت الضرورة إلى حفظ اللغة بابتداع عِلْمِ العربية مع ما رُوي (2) في أصل وضعه عن علي عليه السلام (3) بخلاف علم الكلام، فإن العقول لم تختلَّ، ولو اختلَّت، بَطَلَ التكليف، ولم يمكن وضع قوانين الأدلة، ولا يُنكَرُ أن تكون المبتدعةُ أعرف بما لا فضيلة فيه من الأنبياء، كما أن أهل الصناعات أعرف (4) بصناعاتهم، والنساء أعرف بما يخُصُّهنَّ من صنعةِ الطعام، وإنما ينكر أن يكونوا أعرفَ بالعلم النافع في تقرير الإسلام، والإيمانِ، والشرائع والأديان، وليس يجهلُ هذا الأمر إلَاّ من جهل أحوال الأنبياء عليهم السلام، أو جهل علم الجدل.

وقد تعرَّض ابن الزِّبَعْري لمناظرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنه حتى نزل الردُّ عليه بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِك عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (5)[الأنبياء: 101].

(1) في (ش): العلم.

(2)

تحرفت في (ب) إلى: أوى.

(3)

انظر الخبر في " الأغاني " 12/ 298، و" نزهة الألباء " لابن الأنباري ص 18 - 22.

(4)

في (ش): أعلم.

(5)

أخرج الطبراني 12/ (12739) من حديث ابن عباس قال: لما نزلت {إنَّكم وما تعبدون من دونِ الله حصب جهنم أنتم لها واردون} قال عبد الله بن الزِّبَعري: أنا أخصم لكم =

ص: 97

وكذلك فعل مع أبي سفيان بن حرب يوم إسلامه، كما هو معروف (1).

وكذلك فعل مع الوليد بن المغيرة حين أجاب عليه بتلاوة سورة السجدة (2).

= محمداً، فقال: يا محمد، أليس فما أنزل الله عليك:{إنَّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون} قال: " نعم "، قال: فهذه النصارى تعبد عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيراً، وهذه بنو تميم تعبُدُ الملائكة، فهؤلاء في النار؟ فأنزل الله عز وجل:{إنَّ الذين سبقت لهم منَّا الحسنى أولئك عنها مُبعدون} .

وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4/ 338، وزاد نسبته إلى ابن مردويه، والضياء في " المختارة "، وأبي داود في " ناسخه "، وابن المنذر.

وأورد الخبرَ ابن إسحاق (كما في " سيرة ابن هشام " 1/ 384 - 386)، ونقله عنه الطبري في " تفسيره " 17/ 96 - 97.

(1)

انظر " سيرة ابن هشام " 4/ 44 - 46، وتاريخ الطبري 3/ 52 - 54.

(2)

الخبر عند الحاكم 2/ 506 - 507، والبيهقي في " الدلائل " 2/ 198 - 199 من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عمّ، إن قومك يَرَوْن أن يجمعوا لك مالاً، قال: لِمَ؟ قال: ليُعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له أو أنك كارهٌ له، قال: وماذا أقول، فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيدته مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يُشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إنَّ لقوله الذي يقول حلاوةً، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يُعلى، وإنه ليحطم ما تحته قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أُفكر فيه، فلمَّا فكر قال: هذا سحرٌ يؤثر، يأثره عن غيره، فنزلت:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} . وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.

ثم رواه البيهقي من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: جاء الوليد بن

المغيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: اقرأْ عليِّ، فقرأ عليه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} قال: أعِدْ، فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوةٍ، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدِقٌ، وما يقول هذا بشر. =

ص: 98

وكذلك فعل مع نصارى نجران حين دعاهم إلى المباهلة (1).

وكذلك فعل جعفر بن أبي طالب مع النجاشي وأصحابه (2).

= وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 14/ 295 - 297، ومن طريقه: أبو يعلى (1818)، وأبو نعيم في " دلائل النبوة "(182)، وعبد بن حميد، عن علي بن مُسهِر، عن الأجلح، عن الذيال بن حرملة الأسدي، عن جابر بن عبد الله قال: اجتمعت قريشٌ للنبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقالوا: انظروا أعلمَكم بالسِّحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي قد فرَّق جماعتنا، وشتَّتَ أمرنا، وعابَ ديننا، فليكلِّمهُ ولينظُر ما يرُدُّ عليه. قالوا: ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة، قالوا: أنت يا أبا الوليد، فأتاه عتبة فقال: يا محمدُ أنت خيرٌ أم عبدُ الله؟ فسكت رسول الله، ثم قال: أنت خيرٌ أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن كنت تزعُمُ أن هؤلاء خيرٌ منك، فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ، وإن كنت تزعُمُ أنَّك خيرٌ منهم، فتكلَّم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سَخْلَةً قطُّ أشأمَ على قومك منك، فرقت جماعتنا، وشتَّتَّ أمرنا، وعبت ديننا، ففضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، والله ما ننتظر إلَاّ مثل صيحة الحُبلى بأن يقوم بعضنا إلى بعضٍ بالسيوف حتى نتفانى. أيُّها الرجُلُ إن كان إنَّما بك الحاجة جَمَعنا حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أيَّ نساء قريشٍ شئت، فنُزَوِّجك عشراً. قال له رسول الله:" أفَرَغتَ؟ ". قال: نعم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بسم الله الرحمن الرحيم حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى بلغ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 1 - 13] فقال عتبة: حسبُك حسبُك، ما عندك غيرُ هذا؟ قال:" لا "، فرجع إلى قريش، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركتُ شيئاً أرى أنكم تُكَلِّمُونه به إلَاّ كلمتُهُ. قالوا: هل أجابك؟ قال: نعم والذي نَصَبَها بَنِيَّةً ما فهمتُ شيئاً ممَّا قال غير أنه قال: {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} ، قالوا: ويلك، يكلمك رجلٌ بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله ما فهمتُ شيئاً ممَّا قال غير ذكر الصاعقة.

والأجلح من رجال " التهذيب "، وهو صدوق، والذيال بن حرملة روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في " الثقات " 4/ 222 - 223 فالسند حسن. وصحَّحه الحاكم 2/ 253 - 254 من طريق جعفر بن عون عن الأجلح به، ووافقه الذهبي. وانظر " مجمع الزوائد 6/ 20، و" المطالب العالية " (4285)، و" تفسير البغوي " 4/ 110 - 111، و" سيرة ابن إسحاق " ص 187 - 188.

ومن قوله: " وكذلك فعل مع الوليد " إلى هنا ساقط من (ب).

(1)

انظر البخاري (4380) في المغازي، باب: قصة نجران، و" دلائل النبوة " للبيهقي 5/ 382 - 393.

(2)

ذكر ذلك ابن إسحاق في " سيرته " ص 194 - 197، ومن طريقه أحمد 1/ 201 - =

ص: 99

وكذلك قد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم دِحيةَ بن خليفة الكلبي إلى هرقل عظيم الروم بكتاب ليس فيه براهين، ولا جدل، وإنما فيه:" أسلم تسلم، وإن لم تسلم، كان عليك إثمُ الأريسيّين "، وفيه:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا} [آل عمران: 64] الآية (1)، مع توجيه هذا الرسول بهذا الكتاب إلى أئمة المنطق والبرهان، ولم يُعَلِّم رسوله ما يُجادِلُهُمْ به، ولا لقَّنَهُ أي شيء يُجيبُ به عليهم، فهو مثل المحدث الذي زعموا أن هارون أرسله إن صح ذلك (2).

وكذلك سائر (3) رسل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بَعَثَ إلى النجاشيِّ (4) وإلى

= 203 و5/ 390 - 292 في خبر مطول من حديث أم سلمة، وفيه: كان الذي يُكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي: ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتُم دينَ قومكم، ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانية، فما هذا الدين؟ فقال جعفر: أيها الملك، كنا قوماً على الشرك، نعبدُ الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار ونستحلُّ المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحلُّ شيئاً ولا نحرمه، فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا، نعرِفُ وفاءَه وصِدْقَه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبُدَ الله وحده، لا شريك له، ونصِلُ الرحم، ونُحْسِنُ الجوار، ونصلي، ونصوم، ولا نعبدُ غيره، فقال: هل معك شيءٌ ممَّا جاء به؟ وقد دعا أساقفته، فأمرهم، فنشروا المصاحف حوله، فقال له جعفر: نعم، قال: هلم، فَاتْلُ عليَّ ما جاء به، فقرأ عليه صدراً من كهيعص، فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم.

ورواه البيهقي في " الدلائل " 2/ 299 - 300 من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى. وقال: وهذا إسناد صحيح.

وفي الباب عن ابن مسعود عند الطيالسى (346)، والبيهقي في " الدلائل " 2/ 297 - 298.

(1)

أخرجه البخاري (7) و (2941) و (4553)، ومسلم (1773)، وأحمد

1/ 262، والبيهقي في " الدلائل " 4/ 377 - 380 من طرق عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس.

(2)

في الحكاية التي نقلها قريباً، ووصفها بأنها باردة.

(3)

ساقطة من (د).

(4)

أخرجه ابن إسحاق في " السيرة " ص 210، ومن طريقه الحاكم في " المستدرك " =

ص: 100

المقوقِس صاحب الإسكندرية (1)، وبعث أبا عبيدة رضي الله عنه إلى البحرين (2)، ومعاذاً وأبا موسى إلى اليمن (3)، وبعث إلى سائر الملوك.

وكذلك كُتُبُه عليه السلام التي نَفَّذَهَا إلى الآفاق لم يُضَمِّنْها أشياء (4) من هذا القبيل الكلامي. فأهل الحديث أشبه المسلمين برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه.

وقد قالَ القُرطبي في " شرح مسلم "(5) في ذكر أكثرِ المتكلمين:

= 2/ 623، والبيهقي في " الدلائل " 2/ 308: قال: هذا كتاب من النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له، لم يتُخذ صاحبةً ولا ولداً، وأن محمداً عبدُه ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإنِّي أنا رسوله، فأسلم تسلم، يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم ألَاّ نعبد إلَاّ الله، ولا نُشرِكَ به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا: اشهدوا بأنَّا مسلمون، فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك ".

(1)

ذكره البيهقي في " دلائل النبوة " 4/ 395 - 396 من طريق ابن إسحاق، حدثنا الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس، فقبَّل الكتاب، وأكرم حاطباً، وأحسن نُزلَهُ، وسَرَّحه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأهدى له مع حاطب كسوةً وبغلةً بسرجها وخادمتين، إحداهما أم إبراهيم، وأمَّا الأُخرى، فوهَبَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم لجهم بن قيس العبدي، فهي أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر.

(2)

الذي في " السيرة " 4/ 254 أنَّ المبعوث إلى البحرين العلاء بن الحضرمي.

(3)

أخرجه البخاري (4341) و (4345)، من حديث أبي بردة مرسلاً وأخرجه مسلم (1733) من حديث أبي موسى الأشعري، وأخرجه الدارمي 1/ 73 من حديث عبد الله بن عمر.

(4)

في (ش): شيئاً.

(5)

هو أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر أبو العباس القرطبي المالكي، المحدث، الفقيه، المتوفى بالإسكندرية سنة 656 هـ، وهو شيخ القرطبي صاحب التفسير، وشرحه هذا -واسمه " المفهم في شرح مسلم "- لما يطبع، ويكثر النقل عنه الإمامُ النووي، والحافظ ابن حجر. منه جزآن في شستربتي (3592) و (4938)، وأربع أجزاء في أوقاف الرباط (253) و (254) و (41) و (42) و (65).

ص: 101

إنَّهم أعرضوا عن الطرق التي أرشد الله تعالى إليها إلى طُرُقٍ مبتدعةٍ، ومناقشاتٍ لفظية (1) يرِدُ بسببها على الأخذ فيها شُبَهٌ يُعجَزُ عنها، وأحسنُهُم انفصالاً عنها أجدَلُهُم لا أعلمُهم، فكم من عالمٍ بفساد الشُّبهةِ لا يقوى على حَلِّها، وكم من منفصلٍ عنها لا يُدرِكُ حقيقةَ علمِها.

وقد أنصف الحافظ (2) المحدِّث ابن خزيمة حينَ ناظر جماعةً من المتكلمين، فقال لمنصور الصيدلاني: ما صنعتك؟ قال: عطَّارٌ، قال: تُحسِنُ صنعَةَ الأساكفة؟ قال: لا، قال: تُحْسِنُ صنعة النجارين؟، قال: لا، قال: فإذا كان العطار لا يُحسِنُ غير ما هو فيه، فما تُنكرونَ على فقيهٍ راوي حديثٍ أنه لا يُحسِنُ الكلام (3).

وكذا رُوِيَ عن الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي أنه أُخبر بما جرى بنيسابور بين ابن خزيمة وأصحابه، فقال: ما له والكلام، إنما الأولى بنا وبه أن لا نتكلَّم فيما لم نتعلمه (4)، رواه البيهقي في " الأسماء والصفات "(5).

وذكر الذهبي: في تاريخ " النبلاء "(6) في الكلام على المِحنَةِ من ترجمة أحمد بن حنبل أنه كان يناظرُ على الكتاب والسنة. قال صالحٌ عن أبيه: فإذا جاء شيءٌ من الكلام ممَّا ليس في الكتاب والسنة؟ قلتُ: ما أدري ما هذا، انتهى.

(1) تحرفت في (أ) و (د) إلى: لطيفة.

(2)

في (ش): العالم.

(3)

الخبر في " الأسماء والصفات " للبيهقي ص 267.

(4)

في (ب) و (ج): لا نعلمه.

(5)

ص 269.

(6)

11/ 249.

ص: 102

وما أحسَنَ الاحتجاج على حُسنِ هذا الأدب بقوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [آل عمران: 66]، فهذا أمر علماء الحديث غير مدعين له، ولا راغبين فيه (1)، والذي ذكره المحدث هو الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبه إلى الخصوم، ومحاوراته للكفار، أو قريبٌ منه، وإنما العلماء ورثة الأنبياء، وعلى الوارث أن يحفظ تراث الموروث، وأيُّ عار على قومٍ لو حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا أشبه الخلق به وبأصحابه هدياً وعِلْماً، وفهماً وحُكماً.

وكذلك هم أعلمُ الطوائف بأحواله صلى الله عليه وسلم الضرورية، وأحوال أصحابه لشدة عنايتهم بمعرفة ذلك، وقطع أعمارهم فيه، وهذه (2) النكتة النفيسة في التضلع من علم الآثار والإمامة فيه، وبها يسلَمُ المُحدِّثُ من أمرين خطيرين (3) جليين.

أحدهما: جحد المعلوم من الدين ضرورة، والشك فيه.

وثانيهما: اعتقاد ما ليس بضروري من الدين ضرورياً، كما هو عادة كلِّ فرقةٍ من المبتدعة، فإن كل طائفة منهم قد تَلَقَّوا عن أشياخهم، وأهلِ بلدهم أموراً نسبها خلفُهم عن سلفهم إلى الدين، وهم عدد كثير، فاعتقدوا أنها ضرورية منه (4)، ولو كان مثل هذا يوجب الضرورة، تعارضت الضرورات لثبوت مثله في كل بدعة، فتأمل ذلك، فإنه نفيسٌ جداً.

(1) سقطت من (أ).

(2)

في (ش): " فهذه "، وفي (ج):" وهذه هي ".

(3)

في (ش) و (ج): " خطرين "، وفي (ش):" جليلين " مكان " جليين ".

(4)

ساقطة من (ش).

ص: 103

وقد رأيتُ بعض الباطنية تمسك بهذا بعينه (1)، وهذا ما لا يعجز عنه أحد ولولا علوم الحديث، والسير، والتواريخ، لاختلط حقُّ ذلك بباطله.

وليس يلزم أن لا يكون في المحدثين أذكى من هذا الذي كُذِبَتْ عليه هذه الحكاية، فالمحدثون يتفاضلون كما أن الصحابة يتفاضلون (2)، بل قد فاضَلَ الله سبحانه بين الأنبياء عليهم السلام قال سبحانه:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]، وقال تعالى:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79]، وقال (3) موسى في أخيه عليهما السلام:{هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} [القصص: 34]، وانظر إلى ما حَكَى الله سبحانه في سورة هود وغيرها من مجادلات الأنبياء للكفار ومراتبها في الوضوح، وانظر هل يَعْجِزُ محدثٌ عن مثلها، بل عن نقلها بلفظها، وهل يقنع الملحدون بذلك، هيهات إن هم إلَاّ كالأنعام بل هم أضلُّ أولئك هم الغافلون، بل لم ينفع فيهم (4) مع ذلك علمُ الكلام، وتحريرُ البراهين.

وما أحسن كلام الغزاليِّ حيثُ قال: إن الله لمَّا عَلِمَ أنَّ في الناسِ مَنْ لا ينفعُه الكتابُ الذي أنزله (5) الله هُدى للناس، أنزلَ مَعَ الكتاب الحديد فيه بأسٌ شديد لعلمِه أنه لا يُخرِجُ المِراءَ (6) من أدمغة أهل اللَّجاج إلَاّ الحديدُ، أو كما قال (7).

(1) في (ش): بهذه الفتنة.

(2)

في (ش): متفاضلون.

(3)

تحرف في (د) إلى: وقالوا.

(4)

في (ش): ينفعهم.

(5)

في (ش): أنزل.

(6)

تحرفت في (ب) إلى: البراء.

(7)

انظر " القسطاس المستقيم " ص 90.

ص: 104

واعلم أن العلة (1) في إضراب الأنبياء عليهم السلام عن علم الجدل، وتعلُّم صناعات أهل النظر، ما هو إلَاّ قلة جدواه، بل قد وَرَدَ ما يدُلُّ على مَضَرَّتِه، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ضَمِنَ لمن تَرَكَ المِرَاءَ -وهو محقٌّ- ببيتٍ في الجنة (2)، وقد جربتُ مضرَّته وصرفَه عن الحقِّ، وقد قال الله سبحانه في كتابه:{قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، وقال سبحانه:{قَدْ فَصَّلنَا الآيَاتِ لِقَومٍ يَعلَمُوْنَ} [الأنعام: 97]، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: 105]، وقال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (3) لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118]، وقال تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام: 104]، وقال تعالى:{وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الحج: 68 - 69](4)، وقال تعالى: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ (5) اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِين

(1) تحرفت في (ب): إلى: اللغة.

(2)

أخرجه الترمذي (1993)، وابن ماجة (51) من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ترك الكذب -وهو باطل- بُني له قصرٌ في رَبَضِ الجنة، ومن ترك المراء -وهو محق- بُني له في وسطها، ومن حسَّنَ خُلقه، بُنِيَ له في أعلاها " وفي سنده سلمة بن وردان راويه عن أنس، وهو ضعيف، لكن له شاهد من حديث أبي أمامة عند أبي داود (4800) بإسناد صحيح يتقوَّى به.

(3)

من قوله: " وقال تعالى " إلى هنا ساقط من (ش).

(4)

من قوله: " وقال تعالى وإن " إلى هنا ساقط من (ش).

(5)

من قوله: " الله ربنا " إلى هنا ساقط من (ش).

ص: 105

يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: 15 - 16].

وما أوضح قوله: {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} في ذلك، فإن (1) كان المجادل معانداً ممارياً أعرض عنه، فقد مدح الله المعرضين عن الجاهلين، وأمر بذلك، وذكر في غير آية أعظم الزجر عن الطمع في هدايتهم.

فمن ذلك قوله سبحانه: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا} [الأعراف: 146].

وقال: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 109].

وأمثالها، وقال:{مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 6].

وقال تعالى في ذلك: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140].

وقال: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ (2) وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].

وقال: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ

(1) في (ب): فإذا.

(2)

من قوله: " غيره إنكم إذاً مثلهم " إلى هنا ساقط من (ش).

ص: 106

الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 106].

وقال: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ

شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [النمل: 91 - 92].

وقال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 50 - 51].

وقال: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الحج: 68 - 69].

وقال (1): {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة: 113]{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: 147].

وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي

(1)" وقال " ساقطة من (ش).

ص: 107

الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف: 8 - 10].

وقال تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} إلى قوله: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 145 - 146] وأمثالها.

وإن كان ممن يظهر منه طلب (1) الهداية، خُوطِبَ بما ورد في كتاب الله تعالى عن الأنبياء، فإنهم عليهم السلام قد بلغوا الغاية في ذلك، ومن يُؤمِن بالله يهدِ قلبه، والله بكل شيء عليم، ومن عَلِمَ الله (2) فيه خيراً أسمعه كما قال:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23].

وقد بين الله تعالى الجدال الذي جادل به (3) رسوله (4) صلى الله عليه وسلم خصومه، وكذلك سائر الأنبياء وهو تفسيرٌ للمجادلة بالتي هي أحسن، فإن الجدال قد ورد مطلقاً ومقيداً بالتي هي أحسن، والعمل بالمقيد في الأوامر (5) واجب بالإجماع بخلاف النواهي، ففيه خلافٌ مبينٌ في أصول الفقه.

فإذا أردنا أن نعرف الجدال بالتي هي أحسن (6) باليقين تتبَّعنا كلامات (7) الأنبياء صلوات الله عليهم، ولا أصح من كتاب الله تعالى،

(1) في (ش): طالب.

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): جادله.

(4)

في (د): رسول الله.

(5)

" في الأوامر " ساقطة من (د).

(6)

من قوله: " والعمل بالمقيد " إلى هنا ساقط من (ش).

(7)

في (ش): كلمات.

ص: 108

ولا أصدق من كلامه.

وقد قال تعالى في بيان ذلك ومراده منه: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213].

وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 19 - 20].

وقال تعالى: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحج: 67 - 68].

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (1)[سبأ: 46 - 47].

وقال تعالى: {قَالُوا سِحْرَانِ (2) تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص: 48 - 50].

(1) من قوله: " وقال تعالى: قل " إلى هنا ساقط من (ش).

(2)

هي قراءة ابن عامر، وأبي عمرو بن العلاء، وابن كثير، ونافع، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي:(سِحْرَان تظاهرا). انظر " حجة القراءات " لابن زنجلة ص 547.

ص: 109

وقال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55].

وقال سبحانه: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63].

وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ} [القصص: 71] الآية (1).

وقال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [العنكبوت: 50 - 52].

وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} إلى قوله: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91].

وقال سبحانه: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام: 104].

وقال (2) تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258].

(1) ليست في (ب).

(2)

في (ش): وقوله.

ص: 110

وقال تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: 101].

وقال: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 148 - 149].

وقال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا} إلى قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 80 - 83].

وسمى الله سبحانه ذلك حجة بالنسبة إلى كلامهم الذي هو جواب عليه، وذلك يقتضي أنهم خوَّفوه من أربابهم لأجل توحيده، فخوَّفهم من ربه الحق لأجل شركهم، ولذلك قال:{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 81].

ونبه الله تعالى على الكثير الطيب من الأدلة العقلية بأوضح عبارة، وأفصح كلام، وأبلغ بيان.

فمن ذلك قوله تعالى في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم: 20]. إلى آخر الآيات.

وقوله تعالى: {وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [إبراهيم: 9 - 10].

ص: 111

وقال تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [البقرة: 139].

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [المائدة: 17 - 18].

وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 59].

وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64].

وقال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنعام: 37].

والقرآن العظيم مُفْتَنٌّ في أساليب الردِّ عليهم، وتعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتارةً يردُّ بالبراهين العقلية القطعية كقوله:{قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} على ما مرَّ تقريره في اشتراط رُجحان الداعي في وقوع المقدورات، وتارةً يأتي بما يفحم الخصم، ويُلقِمُهُ الحَجَرَ، كقول إبراهيم عليه السلام للقائل: أنا أُحيي وأُميت: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا

ص: 112

مِنَ الْمَغْرِبِ} إذ كان المتقرر عند الكافر والمسلم حينئذٍ (1) أن الربَّ هو القادر على التصرف في ذلك، فهذا بالنسبة إلى كلام هذا الكافر من أصحِّ الجدل وأجوده، وهو بالنسبة إلى المؤمن، والناظر لنفسه من أصحِّ البراهين على الله تعالى، لأن حال الكواكب يشهد لصانعها (2)، وذلك أنها متحركة حركةً مستمرةً بالضرورة، فلو لم تكن مسخَّرةً مدبرة ما صحَّ ذلك أبداً، لأنها إما حيوانٌ أو لا، والحيوان المختار يحترك (3) مرةً، ويسكن أخرى، ويحتركُ مرةً يميناً، ومرةً شمالاً، ومرةً حركةً (4) سريعةً، ومرةً حركةً بطيئة، والجماد لا يحترك البتة إلَاّ بمحرِّكٍ، وقد تحيَّر الفلاسفة في هذا، وأنشد ابن أبي الحديد في كلامهم فيه أبياتاً في شرح (5) " النهج " أولها:

تحيَّر (6) أربابُ النُّهي وتبلَّدُوا

من الفَلَكِ الأقصى لِماذا تَحَرَّكا

فسبحان من أودع كتابه الكريم أصحَّ البراهين، و (7) أوضح الآيات.

وتارة ورد بالوعيد كقوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنعام: 29 - 30].

وتارةً جاء بالمباهلة، وهي الملاعنة، ومنه مسألة المباهلة في

(1) ساقطة من (ش).

(2)

في (ش): تشهد بصانعها.

(3)

في (ج): يتحرك

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

" شرح " ساقطة من (ش).

(6)

تصحفت في (ب) إلى: تخير.

(7)

الواو ساقطة من (ش).

ص: 113

الفرائض، وهي مسألة العول (1)، أراد ابن عباس أن يُباهل فيها من خالفه، وقد باهل غيرُ واحد، وطلب المباهلة غير واحد، قال الله تعالى في ذلك:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61].

وتارة أمره (2) بمعارضة قولهم بمجرد النص على تكذيبه أو ما يقتضيه مع ما تقدم من حجة المعجزة من غير ذكرٍ للحجة، كقوله لما قالوا:{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} [الصافات: 16 - 18].

وتارةً أمره بالصبر من دون أمرٍ آخر، كقوله لما قالوا:{رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 16 - 17].

وتارةً أمره بالاستعاذة بالله كما ورد في الأحاديث المتقدمة كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: 56] وأمثال ذلك.

وتارةً وَرَدَ (3) بالتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، والنهي له عن الاحتفال بهم،

(1) العول: هو زيادة في السهام ونقصان في أنصباء الورثة.

وأخرج ابن أبي شيبة 11/ 282 من طريق وكيع، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: الفرائض لا تعول.

وأخرجه الدارمي 2/ 399 من طريق سفيان عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال:" الفرائض من ستة لا نعيلها ". وانظر " المغني " 6/ 184 لابن قدامة المقدسي.

(2)

ساقطة من (ش).

(3)

في (ج) و (د): وورد.

ص: 114

كقوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 32 - 35].

وقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56].

وقال: {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [الروم: 52 - 53].

وقال تعالى (1): {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 58 - 60].

فالعالم يتأسَّى برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتَّعِظُ بمواعظ الله ولا يكبُرُ عليه إعراضُ المعرضين (2)، ولا يطمع في هداية المعاندين المتمردين إلَاّ من شاء اللهُ ربُّ العالمين.

وانظر كيف حكى الله تعالى إصرارهم على المجاحدة يوم القيامة بما

(1)" وقال تعالى " ساقطة من (ش).

(2)

في (ش): " المعترضين "، وهو خطأ.

ص: 115

لا يمكن لمتأوله تأويله، وذلك قولهم (1) لجوارحهم حين أنطقها الله:{لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21].

فَمَنْ بَلَغَ هذا الحدِّ في العناد واللَّجاج، كيف يطمعُ السُّنيُّ أو الجَدَليُّ أن يهديه ويُفحِمَه ويُقرِّره بالحق، وقد قال تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [الروم: 53] وقال تعالى: {وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 58 - 60].

ولهذا وعد الله بالفصل بين المختلفين يوم القيامة، وسمَّاه يوم الفصل، والمتكلم المغفل يحاول أن يكون الفصل بين الخلق على يديه، وأن يجعل يوم الفصل على زعمه، وأن يُشغل نفسه والمسلمين في غير فائدة، بل ربما ورد السمع بأن فيه مضرة، والحكيم الخبير قد أنبأنا عن عناد كثيرٍ من الخلق بل أكثرهم بما لم نكُن نعرفه لولا تعريفه.

فقال سبحانه: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: 14 - 15].

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 111].

(1) في (ب): كقولهم.

ص: 116

بل قال تعالى في حق أهل النار بعد مشاهدتها يوم القيامة: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28]، وقد تأوَّلها بعض المعتزلة بما أفاد من جهله بالعقل والسمع ما لم يكن يظنه لولا تأويله، وكم من جاهلٍ في كشف ما ستره الله من مساوئه، نسأل الله الستر والعافية.

فالحكمة أن يُوكَلَ الخلقُ إلى خالقهم العالم بسرائرهم، القادر على تصريفهم الذي جعل نفوذ مشيئته فيهم أعظم من قيام القيامة، ومشاهدة كل آيةٍ، فقال تعالى:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 111].

وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13].

وقال (1): {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99].

وقال في الوجه في ترك هداية بعض من تركه، وبيان حكمته في ذلك:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوجه في ترك هداية بعضهم: " لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يُذنبون، فيستغفرون فيُغفرُ لهم "(2).

(1)" وقال " ساقطة من (ب) و (ش) و (د).

(2)

أخرجه مسلم (2749)، وأحمد 2/ 304 و309، والترمذي (2526)، والحاكم 4/ 246، والبغوي (1294) و (1295) من حديث أبي هريرة.

وأخرجه أحمد 3/ 238 من حديث أنس، وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 10/ 215 وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله ثقات.

وأخرجه مسلم (2748) من حديث أبي أيوب الأنصاري. =

ص: 117

وقال الله تعالى في حكمته في كثيرٍ منهم أو في نحوها مُخاطباً للملائكة عليهم السلام: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].

وقال تعالى في إقامة الحجة عليهم بخلق العقول، وبعثة الرسل:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17]، وقال:{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8]، وقال:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].

فبهذه (1) الآيات وأمثالها يعرف السُّنيُّ ما يأتي وما يذرُ، ويستغني عن علم الكلام، ودقيق النظر، وقد ظهر الآن للمعترض رجوع فيهقتِه (2) عليه، وخروج الحق من يديه، حيث قال في ترك علم (3) الكلام: إنه مكيدة للدين، لا والله ما كاد الدين من احتجَّ بالقرآن، وعقل ما فيه من البُرهان، واقتدى برسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم الذي أقسم أصدق القائلين إنه على صراطٍ مستقيم، ولو كان ذلك يا بطَّال (4) مكيدة للدين، لكان سيد المرسلين أول من كاد الدين (5)، وكذلك جميع الصحابة والتابعين، وهذا آخر ما أردت الإشارة إليه من جُمَلِ عقائد المحدثين، وهم الطائفة الأولى.

= وأخرجه البزار (3251) من حديث أبي سعيد الخدري. قال الهيثمي 10/ 215: فيه يحيى بن كثير البصري، وهو ضعيف.

(1)

في (ب) و (ش): فهذه.

(2)

تحرفت في (ش) و (د) إلى: فيقهته.

(3)

ليست في (ب).

(4)

" يا بطالُ " ليست في (ج).

(5)

" الواو" ساقطة من (ش).

ص: 118