المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يُعرف. فلو وقع ذلك، لاشتهر وتواتر لتوفُّر الهمم والدواعي على - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٤

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الثالث عشر: أنَّ جميع أئمة الفنون المُبرِّزين فيها قد شاركوا المحدثين في عدم ممارسة علم الكلام

- ‌الطائفة الأولى: من قال بأن المعارف ضرورية

- ‌الطائفة الثانية: من يقول: إنَّ المعارف ضروريةٌ مطلقاً

- ‌الوجه الثاني: أن اللطف المقرب مجرد دعوى

- ‌الوجه الثاني: من الأصل أن الآية في الظن المعارض للعلم

- ‌قلت: كلَاّ، فإنَّ الله تعالى قد سمَّى الظن علماً

- ‌الوجه الرابع: من الجواب وهو التحقيق

- ‌الجواب من وجوه

- ‌الوجه الثالث: إنا نعلمه ما نعرِفُه بِفِطَرِ العقول

- ‌الجواب الرابع: أن نقول: النظر في ذلك واجبٌ كالصلاة

- ‌فإن قيل: قد وَرَدَ في السمع وجوبُ البيان على العلماء

- ‌الجواب من وجوه:

- ‌الوجه الثاني: أنا نخصُّ هذا العام بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الجواب الخامس: أنها وردت نصوصٌ تقتضي العلم أو الظن

- ‌فإن قالوا: وفي ترك علم الكلام مضرة أيضاً

- ‌الجواب: أنَّ تسمية تجويز المضرة المرجوح خوفاً غيرُ مسلم

- ‌قلتُ: هي أمران:

- ‌الجواب من وجهين

- ‌الوجه الأول: معارضة

- ‌الوجه الأول: أن السائل جهل المقصود بالنبوة

- ‌قلنا: معاذ الله

- ‌الطائفة الثانية: أهل النظر في علم الكلام

- ‌القاعدة الأولى: إن الله سبحانه موصوفٌ بالإثبات والنفي

- ‌القاعدة الثانية: أن ما أخبر به الرسول عن ربِّه فإنَّه يجب الإيمان به

- ‌القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مرادٌ أو ليس بمراد

- ‌إن هذه الطريق لا يحصل بها المقصود لوجوهٍ:

- ‌الوجه الثاني: أن هؤلاء ينفُون صفات الكمال بمثل هذه الطريق

- ‌الوجه الثالث: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون

- ‌الفصل الثالث: في الإشارة إلى حُجة من كفَّر هؤلاء

- ‌ التنبيه على معرفتين:

- ‌المعرفة الأولى: أن شرط التكفير بمخالفة السمع أن يكون ذلك السمعُ المخالفُ معلوماً علماً ضرورياً من جهة اللفظ، ومن جهة المعنى

- ‌أحدهما: ما عَلِمَهُ العامة مع الخاصة

- ‌ثانيهما: ما لا يعرف تواتره إلَاّ الخاصة

- ‌الشرط الثاني: أن يكون معنى المتواتر معلوماً بالضرورة

- ‌المعرفة الثانية: أن التكفير سمعي محضٌ لا مدخل للعقل فيه، وذلك من وجهين:

- ‌الوجه الأول: أنه لا يكفر بمخالفة الأدلة العقلية وإن كانت ضروريةٌ

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الدليل على الكفر والفِسْقِ لا يكون إلَاّ سمعياً قطعياً

- ‌فصلٌ في شيوخه:

- ‌رحلته وحفظه:

- ‌حكاية موضوعة:

- ‌وصيتُه:

- ‌مرضه:

- ‌المنامات:

- ‌ فضلِهِ وتألُّهِهِ وشمائله:

- ‌ومن آدابه:

- ‌ومن كرمه:

- ‌تركه للجهات جُملةَ:

- ‌أيُّ فرقٍ بين الخلقِ والحدوث حتى يكفر القائل بأحدِهما دون الآخر

- ‌الجواب: من وجهينِ

- ‌ الوجه الثالث: وهو التكفير بمآل المذهب

- ‌الوجه الثاني: لو سلَّمنا أنه دلَّ على ذلك دليلٌ سمعي خَفِي لكان معارضاً بما هو أوضح منه

- ‌الوجه الثالث: إنا نعلم بالضرورة منهم ضِدَّ ما ألزموهم

- ‌الوجه الرابع: أنا لو كفرنا بذلك لأمكن المعتزلة، والشيعة، والظاهرية تكفير من لم يقُل بحدوث القرآن

- ‌الوجه الخامس: أن النصوص قد تواترت بمروق الخوارج

- ‌الوجه السابع: أنه قد ورد من الأدلة السمعية ما يُعارضُ ذلك الظن

- ‌وأما قول من يقولُ: ما الفرق بين الخلق، والجعل، والحُدُوث

- ‌قلت: الذي فهمته مِنْ تكرارِ النظر في عباراتهم ومقاصدهم أحد وجهين، أو كلاهما:

- ‌الوجه الأول: أنهم رأوا للحدوث معنيين: حدوثاً نسبيّاً، وحدوثاً مُطلقاً

- ‌الوجه الثاني: أنهم لما رأوا القول بخلقه شعار المعتزلة المنكرين لصحة الكلام من الله تعالى، رأوا لفظ الحدوث يقارب لفظ الخلق ويُوهِمُه

- ‌قلنا: يقولون: إن عمومها مخصوصٌ بإجماع الفريقين

- ‌أمَّا المعتزلة

الفصل: يُعرف. فلو وقع ذلك، لاشتهر وتواتر لتوفُّر الهمم والدواعي على

يُعرف. فلو وقع ذلك، لاشتهر وتواتر لتوفُّر الهمم والدواعي على نقل مثله، بل لو أسلم لموته (1) مئة نفس، لقُضي من ذلك العَجَبُ. فما ظنُّك (2)؟!.

‌المنامات:

ذكر الذهبي مناماتٍ صالحةً رُؤيت لأحمد بعد موته في قدر أربعِ ورقات في نصف القطع، ثم قال: ولقد جمع ابن الجوزي فأوعى من المنامات في نحوٍ من ثلاثين ورقة، وأفرد ابن البناء جزءاً في ذلك، وليس أبو عبد الله ممن يحتاجُ تقرير ولايتِه إلى منامات، ولكنها جندٌ من جند الله تسُرُّ المؤمن ولا سيما إذا تواترت.

المحنة (3):

قال عمرو بن حكام، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن

(1) ساقطة من (ب).

(2)

ونصُّ كلام الذهبي في " تاريخ الإسلام ": وهي حكاية منكرة، لا أعلم رواها أحد إلَاّ هذا الوركاني، ولا عنه إلَاّ محمد بن العباس، تفرَّد بها ابن أبي حاتم، والعقل يحيل أن يقع مثل هذا الحادث في بغداد، ولا ينقله جماعة تنعقد همهم ودواعيهم على نقل ما هو دون ذلك بكثير، وكيف يقع مثل هذا الأمر الكبير ولا يذكره المروذي، ولا صالح بن أحمد، ولا عبد الله بن أحمد، ولا حنبل الذين حكوا من أخبار أبي عبد الله جزئيات كثيرة لا حاجة إلى ذكرها، فوالله لو أسلم يوم موته عشرة أنفس لكان عظيماً، ولكان ينبغي أن يرويه نحو من عشرة أنفس، ثم انكشف لي كَذِبُ الحكاية بأن أبا زرعة قال: كان الوركاني يعني -محمد بن جعفر- جار أحمد بن حنبل، وكان يرضاه، وقال ابن سعد، وعبد الله بن أحمد، وموسى بن هارون: مات الوركاني في رمضان سنة ثمانٍ وعشرين ومئتين. فظهر لك بهذا أنه مات قبل أحمد بدهر، فكيف يحكي يوم جنازة أحمد رحمه الله.

(3)

إنَّ الإمام أحمد صار مثلاً سائراً، يضرب به المثل في المحنة والصبر على الحق، فإنه لم يكن يأخذه في الله لومة لائم، حتى صارت الإمامة مقرونة باسمه في لسان كل أحد، فيقال: قال الإمام أحمد، وهذا مذهب الإمام أحمد

لقوله تعالى: {وجعلناهم أئمَّة =

ص: 261

ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يمنعنَّ أحدكُم مخافة الناس أن يتكلم بحقِّ علمه ". تفرَّد به عمرو، وليس بحجة (1).

وقال سليمان ابن بنت شُرَحبيل، حدثنا عيسى بن يونس، عن سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يمنعنَّ أحدَكُم هيبةُ الناس أن يقول بالحقِّ إذا رآه أو سَمِعَهُ "(2). غريب فرد.

= يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}. فإنه أعطي من الصبر واليقين ما نال به الإمامة في الدين، وقد تداوله ثلاثة خلفاء يسلطون عليه من شرق الأرض إلى غربها، ومعهم من العلماء المتكلمين والقضاة والوزراء والأمراء والولاة ما لا يحصيه إلَاّ الله، فبعضهم تسلط عليه بالحبس، وبعضهم بالتهديد الشديد، وبعضهم يعده بالقتل وبغيره من الرعب، وبعضهم بالترغيب في الرياسة والمال، وبعضهم بالنفي والتشريد من وطنه. وقد خذله في ذلك أهل الأرض حتى أصحابه العلماء والصالحون، وهو مع ذلك لا يجيبهم إلى كلمة واحدة ممَّا طلبوا منه، وما رجع عمَّا جاء به الكتاب والسنة، ولا كتم العلم، ولا استعمل التقية، بل قد أظهر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره ما دفع به البدع المخالفة لذلك ما لم يتأتَّ مثله لعالم من نظرائه.

(1)

نقل المصنف في " الميزان " 3/ 254 قول ابن عدي: عامة ما يرويه عمرو بن حكام غير متابع عليه، إلَاّ أنه مع ضعفه يُكتب حديثه. ومعنى هذا أن ضعفه خفيف، ويصلح حديثه أن يكون شاهداً، وهو هنا كذلك.

(2)

رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 3/ 5 من طريق محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، و53 عن يحيى القطان، كلاهما عن سليمان بن طرخان التيمي، حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد. وهذا سند صحيح.

وأخرجه أحمد أيضاً 3/ 19 و71، والترمذي (2191)، وابن ماجة (4007) من طريق حماد وأحمد 3/ 61 من طريق معمر، كلاهما عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.

وأخرجه أحمد 3/ 92، والطيالسي (2151) من طريق شعبة عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.

وأخرجه أحمد 46 - 47، والطيالسي (2158) من طريق المستمر بن الريان عن أبي نضرة - عن أبي سعيد.

وأخرجه أحمد 3/ 50 من طريق جعفر بن سليمان، و3/ 87 من طريق عباد بن عباد، كلاهما عن المعلى بن زياد القردوسي، عن الحسن، عن أبي سعيد الخدري. =

ص: 262

وقال حماد بن سلمة، ومُعَلَّى بن زياد -وهذا لفظه-، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة أن رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم، قال:" أحبُّ الجهاد إلى الله كلمة حقٍّ تقال لإمامٍ جائرٍ "(2).

إسحاق بن موسى الخطمي: حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن، حدثنا يعقوب بن محمد بن عبد القاري، عن أبيه، عن جده، أن عمر كتب إلى معاوية: أما بعد، فالزم الحق، يُنزِلك الحق منازل أهل الحق، يوم لا يُقضى إلَاّ بالحقِّ (3).

وبإسنادٍ واهٍ إلى أبي ذر: أبى الحقُّ أن يترُك لي صديقاً.

الصدع بالحق عظيمٌ يحتاج إلى قوةٍ وإخلاص، فالمخلص بلا قوةٍ يعجِزُ عن القيام به، والقويُّ بلا إخلاص يُخذَل، فمن قام بهما كاملاً، فهو صِدِّيقٌ، ومن ضعُف، فلا أقلَّ من التألم والإنكار بالقلب، ليس وراء ذلك إيمانٌ، ولا قوةٌ إلَاّ بالله.

سفيان الثوري: عن الحسن بن عمرو، عن محمد بن مسلم مولى

= وأخرجه أحمد من طرق أخرى من حديث أبي سعيد 3/ 44 و84 و87. وانظر ص 246 من هذا الجزء.

(1)

من قوله: " وقال حماد " إلى هنا ساقط من (ب).

(2)

سنده حسن، وأخرجه أحمد 5/ 251 و256، وابن ماجة (4012).

وفي الباب عن طارق بن شهاب عند أحمد 4/ 314 و315، والنسأني 7/ 161، وإسناده صحيح، وصحَّحه النووي والمنذري.

وعن أبي سعيد الخدري عند الترمذي (2175)، وأبي داو (4344)، وابن ماجة (4011)، وأحمد 3/ 19. وعن سمرة عند البزار (3313)، وإسنادهما ضعيفان، لكن يتقويان بما قبله، فالحديث صحيح. وانظر 2/ 68.

(3)

جاء في " كنز العمال "(44383) قول عمر: الزم الحق يلزمك الحق، ونسبه إلى البيهقي.

ص: 263

حكيم بن حزام، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتُم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك ظالم، فقد تُوُدِّعَ منهم "(1).

هكذا رواه جماعة عن سفيان. ورواه النضر بن إسماعيل، عن الحسن، فقال: عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً. ورواه سيف بن هارون، عن الحسن، فقال: عن أبي الزبير: سمعت عبد الله بن عمرو (2) مرفوعاً.

سفيان الثوري: عن زُبَيد، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحْقِرَنَّ أحدكم نفسه

(1) رجاله ثقات إلَاّ أن محمد بن مسلم مولى حكيم بن حزام مدلس وقد عنعنه، ومع ذلك فقد صححه الحاكم 4/ 96، ووافقه الذهبي المؤلف. ونقل المناوي في " الفيض " أن البيهقي تعقب الحاكم بأنه منقطع، حيث قال: محمد بن مسلم هو أبو الزبير المكي، ولم يسمع من ابن عمرو، لكن وقع عنده في السند خطأ، وهو قوله: عن محمد بن مسلم بن السائب، وصوابه: محمد بن مسلم بن تدرس، أبو الزبير مولى حكيم بن حزام، كما جاء في أصلنا هذا، فإن الحديث لا يُعرف إلَاّ به، ويغلب على الظن أن الخطأ فيه من النساخ.

وأخرجه أحمد في " المسند " 2/ 163 من طريق ابن نمير، و2/ 190 من طريق سفيان، والبزار (3303) من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي، ثلاثتهم عن الحسن بن عمرو، عن محمد بن مسلم، عن عبد الله بن عمرو. وقال الهيثمي في " المجمع " 7/ 262: ورجاله رجال الصحيح.

وأخرجه البزار أيضاً (3302) من طريق عُبيد الله بن عبد الله الربعي، حدثنا الحسن بن عمرو، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو.

وقوله: " فقد تودع منهم " بضمِّ التاء والواو، وكسر الدال المشددة، من التوديع. قال الزمخشري في " الفائق ": أي: استريح منهم، وخذلوا، وخلي بينهم وبين ما يرتكبون من المعاصي، وهو من المجاز، لأن المعتني بإصلاح شأن الرجل إذا يئس من صلاحه، تركه ونفض منه يده، واستراح من معاناة النصب في استصلاحه، ويجوز أن يكون من قولهم: تودعت الشيء، أي: صنته في ميدَع

أي: فقد صاروا بحيث يتحفظ منهم، كما يتوقى شرار الناس.

(2)

تحرفت في (ب) إلى: عمر.

ص: 264

أن يرى أمراً لله فيه مقالٌ، فلا يقول فيه، فيقال له: ما منعك؟ فيقول: مخافة الناس، فيقول: فإيَّايَ كنت أحقَّ أن تخاف" (1).

رواه الفريابي، وأبو نُعيم، وخلَاّد عنه.

حماد بن زيد: عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمَّة المُضِلُّون، وإذا وُضِعَ السيف عليهم، لم يُرفع عنهم إلى يوم القيامة، ولا تزال طائفةٌ من أمتى على الحق ظاهرين، لا يضُرُّهُم من خالفهم أو خَذَلَهم حتى يأتي أمر الله "(2).

(1) أخرجه أحمد 3/ 47 و73 من طريق وكيع، وعبد الرزاق، وأبو نعيم في " الحلية " 4/ 384 من طريق الفريابي، ثلاثتهم عن سفيان بهذا الإسناد.

وأخرجه أحمد 3/ 91، والطيالسي (2206) من طريق شعبة، عن عروة بن مرة، به.

وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 4/ 384 من طريق الطيالسي بهذا الإسناد إلَاّ أنه قال: عن أبي البختري، عن رجل، عن أبي سعيد الخدري.

وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 4/ 384 من طريق يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن مشفعة، عن أبي سعيد.

وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 4/ 384 من طريق زهير بن معاوية عن عمرو بن قيس عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي سعيد.

وأخرجه أحمد 3/ 30، وابن ماجة (4008) من طريق عبد الله بن نمير، وابن ماجة (4008)، وأبو نعيم في " الحلية " 4/ 384 من طريق أبي معاوية، كلاهما عن الأعمش، عن عمرو بن مرة به.

قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " ورقة 250: هذا الإسناد صحيح، وأبو البختري اسمه سعيد بن فيروز

ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " 10/ 90 من طريق محمد بن عبيد عن الأعمش فذكر بإسناده ومتنه، وقال: تابعه زبيد وشعبة، عن عمرو بن مرة. ورواه عبد بن حميد في " مسنده ": حدثنا محمد بن عبيد فذكره. وانظر حديث " لا يمنعنَّ أحدكم مخافة الناس

" في الصفحة السابقة.

(2)

إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 5/ 278 و283، 284، وأبو داود (4252)، وابن ماجة (3952) من طريق أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله زوى لي الأرض " أو قال: " إن ربي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها =

ص: 265

الحُسين بن موسى: حدثنا الحسين بن الفضل البَجَلي، حدثنا عبد العزيز بن يحيى المكي، حدثنا سليم بن مسلم (1)، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لله عند إحداث كلِّ بدعة تَكيدُ الإسلام وليٌّ يذُبُّ (2) عن دينه " الحديث.

هدا موضوعٌ، ما رواه ابن جريج.

كان الناس أمةً واحدة، ودينهم قائماً في خلافة أبي بكر وعمر، فلما استشهد قُفْلُ باب الفتنة عمرُ رضي الله عنه، وانكسرَ الباب، قام رؤوس الشر على الشهيد عثمان حتى ذُبحَ صبراً، وتفرقت الكلمة وتمت وقعة الجمل، ثم وقعة صفين. فظهرت الخوارج، وكفَّرت سادة الصحابة، ثم ظهرت الروافض والنواصب.

وفي آخر زمن الصحابة ظهرت القدرية، ثم ظهرت المعتزلة بالبصرة، والجهمية والمجسمة بخراسان في أثناء عصر التابعين مع ظهور السنة وأهلها إلى بعد المئتين، فظهر (3) المأمون الخليفة -وكان

= ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها. وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض. وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال: بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضاً، وإنما أخاف على أمتي الأئمَّة المضلّين. وإذا وضع السيف في أمتي، لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان. وإنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ". قال ابن عيسى:" ظاهرين " ثم اتفقا: " لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ". وانظر 1/ 184.

(1)

قال ابن معين: جهمي خبيث، وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أحمد: لا يساوي حديثه شيئاً. ذكر ذلك المؤلف في " ميزانه ".

(2)

في (ب): يذب به الله.

(3)

في (ب): وظهر.

ص: 266

ذكيّاً متكلماً، له نظرٌ في المعقول- فاستجلب كُتُب الأوائل، وعرَّب (1) حكمة اليونان، وقام في ذلك وقعد، وخبَّ ووضع، ورفعت الجهمية والمعتزلة رؤوسها. وآل به الحال إلى حَمْلِ الأمة على القول بخلقِ القرآن، وامتحن العلماء، فلم يُمهَلُ، وهلك لعامه، وخلَّى بعده شرّاً وبلاءً في الدين. فإن الأمة ما زالت على أنَّ القرآن العظيم كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله (2)، لا يعرفون غير ذلك، حتى نَبَغَ لهم القول بأنه كلام الله مخلوقٌ، وأنه إنما يُضافُ إلى الله تعالى إضافه تشريفٍ، كبيت الله، وناقة الله. فأنكر ذلك العلماء -إلى قوله-:

قال صالح بن أحمد: سمعت أبي، يقول: لما دخلنا على إسحاق بن إبراهيم للمحنة، قرأ علينا كتاب الذي صار إلى طَرَسُوس، يعني: المأمون، فكان فيما قُرِىءَ علينا:{ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] و {هو خالقُ ُكلِّ شيء} [الأنعام: 102] فقلت: {وهو السميعُ البصير} قال صالح: ثم امتحن القوم، ووَجَّهَ بمن امتنع إلى الحبس، فأجاب القوم غير أربعة: أبي، ومحمد بن نوح، والقواريري، والحسن بن حماد سجَّادة. ثم أجاب هذان، وبقي أبي ومحمدٌ في الحبس أياماً، ثم جاء كتابٌ من طرسوس بحملهما مُقَيَّدَيْنِ زميلينِ.

الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو معمر القطيعي، قال: لما أُحضِرنا إلى دار السلطان أيام المحنة، وكان أحمد بن حنبل قد أُحضِرَ، فلما رأي الناس يُجِيبونَ، وكان رجلاً ليِّناً، فانتفخت أوداجه،

(1) تصحفت في (ب) إلى: وعزت.

(2)

في (ب): وتنزيله ووحيه.

ص: 267

واحمَّرت عيناه، وذهب ذلك اللين. فقلت: إنه قد غضب لله، فقلت: أبشِرْ.

حدثنا ابن فضيل، عن الوليد بن عبد الله بن جُمَيْعٍ، عن أبي سلمة، قال: كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إذا أريد على أمرِ دينه، رأيت حمالِيقَ عينيه في رأسه تدور كأنه مجنون.

أخبرنا عُمَرُ بن القوَّاس، عن الكندي، أخبرنا الكَرُوجي، أخبرنا شيخ الإسلام، أخبرنا أبو يعقوب، حدثنا الحسين بن محمد الخَفَّاف: سمعت ابن أبي أُسامة، يقول: حُكي لنا أن أحمد قيل له أيام المحنة: يا أبا عبد الله، أولا ترى الحقَّ كيف ظهر عليه الباطل؟ قال: كلَاّ، إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهُدَى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمةٌ للحق.

قال أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي: حدثنا الفضل بن زياد، سمعت أحمد بن حنبل يقول: أول يوم امتحنه [إسحاق](1) لما خرج من عنده، فقعد في مسجده، فقال له جماعةٌ: أخبرنا بمن أجاب.

فكأنَّه ثَقُلَ عليه، فكلَّموه أيضاً، قال: فلم يُجِب أحدٌ من أصحابنا، ولله الحمد. ثمَّ ذكر من أجاب ومن واتاهم على أكثر ممَّا (2) أرادوا. فقالوا: هو مجعولٌ محدث، وامتحنهم مرةً مرة، وامتحنني مرتين مرتين. قال لي: ما تقول في القرآن؟ قلتُ: كلام الله غير مخلوق، فأقامني وأجلسني في ناحية، ثم سألهم، ثم ردَّني ثانيةً، فسألني وأخذ بي (3) في

(1) ساقطة من الأصول، والمثبت من " السير ".

(2)

في " السير ": ما.

(3)

في " السير ": أخذني.

ص: 268

التشبيه. فقلت: {ليس كمثله شيءٌ وهو السميعُ البصيرُ} [الشورى: 11] فقال لي: وما السميع البصير؟ فقلت: هكذا قال الله تعالى.

قال محمد بن إبراهيم البُوشَنجي: جعلوا يُذاكِرون أبا عبد الله بالرقة في التَّقِيَّةِ وما رُوِيَ فيها. فقال: كيف تصنعون بحديث خبَّاب: " إنَّ من كان قبلَكُم كان يُنشَرُ أحدهم بالمنشار، لا يصُدُّه ذلك عن دينه "(1) فأيسنا منه. وقال: لست أبالي بالحبس، ما هو ومنزلي إلَاّ واحدٌ، ولا قتلاً بالسيف، إنما أخافُ فتنة السوط، فسمعه بعض أهل الحبس، فقال: لا عليك يا أبا عبد الله فما هو إلَاّ سوطان، ثم لا تدري أين يقع الباقي، فكأنه سُرِّيَ عنه.

قال: وحدثني من أثِقُ به، عن محمد بن إبراهيم بن مصعب، وهو يومئذٍ صاحب شرطة المعتصم قال: ما رأيت أحداً لم يُدَاخِلِ السلطان، ولا خالط الملوك، كان أثبت قلباً من أحمد يومئذٍ، ما نحن في عينه إلا كالذباب.

قال صالح بن أحمد: حُمِلَ أبي ومحمد بن نوح من بغداد مقيدين، فصرنا معهما إلى الأنبار. فسُئِلَ أبي: إن عُرِضْتَ على السيف، تُجِيبُ؟

(1) أخرجه أحمد 5/ 109 و110 و111 و6/ 395، والبخاري (3612) و (3852) و (6943) وأبو داود (2649) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألَاّ تدعو لنا؟ فقال: " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلَاّ الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ".

ص: 269

قال: لا. ثم سُيِّرا، فسمعتُ أبي يقول: صِرنا إلى الرَّحبة (1)، ورحلنا منها في جوف الليل، فعرض لنا رجل، فقال: أيكم أحمد بن حنبل؟ قيل له: هذا، فقال للجمال: على رِسْلِك، ثم قال: يا هذا، ما عليك أن تقتل ها هنا، وتدخل الجنة ثم قال: أستودعك الله، ومضى، فسألت عنه، فقيل: رجلٌ من العرب من ربيعة يذكر بخيرٍ.

أحمد بن أبي الحواري: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، قال أحمد: ما سمعت كلمةً منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمةِ أعرابيٍّ كلَّمني بها في رحبة طوقٍ، قال: يا أحمد، إن يقتلكَ الحقُّ، مُِتَّ شهيداً، وإن عِشْتَ، عِشْتَ حميداً. فقَوِيَ قلبي.

قال صالح: قال أبي: فلمَّا صِرْنا إلى أَذَنَة (2)، ورَحَلْنا منها في جوف الليل، وفُتِحَ لنا بابها، إذا رجلٌ قد دَخَلَ. فقال: البُشرى! قد مات الرجل يعني: المأمون. قال أبي: وكنت أدعو الله أن لا أراه.

قال صالح: ومات محمد بن نوح، وصلَّى أبي عليه، وصار أبي إلى بغداد مقيداً.

قال صالح: قال أبي: يُوجَّهُ إليَّ كُلَّ يوم برجلين يناظراني، ثم يُدعى بقيدٍ، فيُزادُ في قيودي، فصار في رجلي أربعة أقياد، فلمَّا كان في الليلة الرابعة، وجَّه -يعني: المعتصم- ببِغُا الكبير إلى إسحاق، فأمره بحملي إليه، وأُدخلت على (3) إسحاق، وقال لي: يا أحمد إنها

(1) وهي رَحْبَة مالك بن طوْق، تقع بين الرقة وبغداد على شاطىء الفرات، تبعد عن بغداد مئة فرسخ، وعن الرقة نيفاً وعشرين فرسخاً.

(2)

بفتحات، وهي بلد مشهور من الثغور، قرب المِصِّيصَة.

(3)

في (ب): إلى.

ص: 270

والله نفسُك، إنَّه لا يقتلُك بالسيف، إنه قد آلى، إن لم تجبه، أن يضربك ضرباً بعد ضربِ، وأن يقتُلك في موضع لا يُرى فيه شمسٌ ولا قمر. أليس قد قال الله تعالى:{إنَّا جعلناه قُرآناً عربياً} [الزخرف: 3] أفيكون مجعولاً إلَاّ مخلوقاً؟ فقلت: فقد (1) قال الله تعالى: {فجعلهم كعصفٍ مأكُولٍ} [الفيل: 5] أفخلَقَهم؟ فسكت فلمَّا صِرْنا إلى الموضع المعروف بباب البستان، أخرجت وَجِيءَ بدابةٍ، فأركبت وعليَّ الأقياد، ما معي من يُمسِكُني، فكدت غير مرة أخِرُّ على وجهي لثقل القيود. فجيء بي إلى دار المعتصم، فأدخلت حجرة، ثم أُدخلت بيتاً، وأقفل الباب علي في جوف الليل ولا سراج، فأردت الوُضوء، فمددت يدي، فإذا أنا بإناءٍ فيه ماءٌ، وطستٌ موضوع فتوضَّأتُ وصلَّيتُ.

فلمَّا كان من الغد، أخرجت تِكَّتي، وشددت بها الأقياد أحملها وعطفت سراويلي. فجاء رسول المعتصم، فقال: أجب فأخذ بيدي، وأدخلني عليه، وإذا (2) هو جالس، وأحمد بن أبي دُوَاد حاضرٌ، وقد جَمَعَ خلقاً كثيراً من أصحابه، فقال لي المعتصم: ادنُهْ ادنُهْ، فلم يزل يُدنيني حتى قرُبتُ منه، ثم قلت: أتأذن في الكلام؟ قال: تكلَّم، قلت: إلى ما دعا الله ورسوله؟ فسكت هُنيهةً، ثم قال: إلى شهادة أن لا إله إلَاّ الله، قلت: فأنا أشهد أن لا إله إلَاّ الله، ثم قلت: إن جدك ابن عباس يقول: لما قَدِمَ وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سألوه عن الإيمان، فقال:" أتدرون ما الإيمان؟ " قالوا: الله

(1) في (ب): قد.

(2)

في (ب): فإذا.

ص: 271

ورسوله أعلم، قال:" شهادة أن لا إله إلَاّ الله، وأنَّ محمداً رسول الله (1) وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تُعطوا الخمس من المَغنم "(2) فقال المعتصم: لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي ما عرضتُ لك.

ثم قال لهم: ناظِرُوه، كلموه، يا عبد الرحمن بن إسحاق كلِّمه.

فقال: ما تقول في القرآن؟ فقلت: ما تقول أنت في علم الله؟ فسكت، فقال لي بعضهم: أليس قال الله: {الله خالقُ كُلِّ شيءٍ} ؟ [الرعد: 16] والقرآن أليس شيئاً، فقلت: قال الله: {تُدَمِّرُ كُلِّ شَيءٍ} [الأحقاف: 25] فدمَّرَت إلَاّ ما أراد الله؟! فقال بعضُهم: {ما يأتيهم مِنْ ذكرٍ من ربِّهم مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] أفيكون محدثٌ إلا مخلوقاً؟ فقلت: قال الله: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] فالذِّكر هو القرآن، وتلك ليس فيها ألف ولام. وذكر بعضهم حديث عِمران بن حصين:" إن الله كتب الذكر "(3) واحتجوا بحديث ابن

(1) لفظ الجلالة ساقط من (أ).

(2)

أخرجه أحمد 1/ 228، والبخاري (53) و (87) و (523) و (1398) و (3510) و (6176) و (7266)، ومسلم (17)، وأبو داود (3692)، والترمذي (2611)، والنسائي 8/ 120.

(3)

أخرجه أحمد 4/ 431 - 432، والبخاري (3191) و (7418)، ولفظ البخاري: عن عمران بن حصين قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب، فإذا ناس من بني تميم، فقال:" اقبلوا البشرى يا بني تميم "، قالوا: قد بشرتنا، فأعطينا مرتين، ثم دخل عليه ناس من اليمن، فقال:" اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم "، قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقّه في الدين، ونسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيءٌ غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض ". وعند أحمد فيه:" وكتب في اللوح ذكر كل شيء ".

وفي الباب من حديث بريدة الأسلمي أخرجه الحاكم 2/ 341، ولفظه فيه:" وكتب في الذكر كل شيء ".

ص: 272

مسعود: " ما خلق الله من جنةٍ ولا نارٍ ولا سماءٍ ولا أرضٍ أعظم من آية الكرسي "(1). فقلت: إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض، ولم يَقَعْ على القرآن. فقال بعضهم: حديث خباب: " يا هَنَتاه تَقَرَّب إلى الله بما استطعت، فإنَّك لن تقرَّبَ إليه بشيءٍ أحبَّ إليه من كلامه "(2) فقلت: هكذا هو.

وكان يتكلم هذا فأرُدُّ عليه، وهذا فأرد عليه، فإذا انقطعوا يقولُ المعتصم: ويحك يا أحمد، ما تقول؟ فأقول: يا أمير المؤمنين أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به.

قال حنبل: قال أبو عبد الله: لقد احتجوا عليَّ بشىء ما يقوى قلبي، ولا ينطلق لساني أن أحكيه، أنكروا الآثار، وما ظننتُهم على هذا حتى سمعته، وجعلوا يُرْغُون، يقول الخصم: كذا وكذا، فاحتججت عليهم بالقرآن بقوله:{يا أَبَتِ لِمَ تعبُدُ ما لا يسمَعُ ولا يُبْصِرُ} [مريم: 42] فهذا منكرٌ عندكم؟ قالوا: شبَّه يا أميرَ المؤمنين، شبَّه.

(1) ذكره السيوطي في " الدر المنثور " 1/ 323 ونسبه إلى أبي عبيد، وابن الضريس، ومحمد بن نصر، بلفظ:" ما خلق الله من سماء ولا أرض، ولا جنة، ولا نار أعظم من آية في سورة البقرة: {الله لا إله إلَاّ هو الحيُّ القيوم} ". وأخرجه سعيد بن منصور، وابن الضريس، والبيهقي في " الأسماء والصفات " عن ابن مسعود قال:" ما من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من آية الكرسي ".

(2)

أخرجه الآجري في " الشريعة " ص 77، والحاكم في " المستدرك " 2/ 441، وأحمد في " السنة " ص 26 والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 241 من طريق منصور بن المعتمر (وقد تحرف في " السنة " إلى: منصور عن المعتمر) عن هلال بن يساف، عن فروة (وقد تحرفت في " الشريعة " إلى: قرة) بن نوفل الأشجعي. ولفظ الحاكم: " قال: كنت جاراً لخباب بن الآرت، فخرجنا مرة من المسجد فأخذ بيدي فقال: يا هناه تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تقرب إليه بشيء أحبُّ إليه من كلامه ". وقال الحاكم والببهقي: إسناده صحيح، ووافق الحاكم الذهبيُّ.

ص: 273

قال صالح، عن أبيه: فإذا جاء شيءٌ من الكلام ممَّا ليس في الكتاب والسنَّة، قلت: ما أدري ما هذا. فيقولون: يا أمير المؤمنين إذا توجهت (1) الحُجَّةُ علينا، ثبت، وإذا كلَّمناهُ بشيءٍ، يقول: لا أدري ما هذا. فقال: ناظروه، فقال رجلٌ: أراك تذكر الحديث وتنتحِلُه، فقال: ما تقول في قوله: {يُوصيكُم الله في أولادِكم للذكَرِ مثلُ حظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11]؟ قال: خصَّ الله بها المؤمنين، قلت: ما تقول: إن كان قاتلاً أو عبداً؟ فسكت، وإنما احتججتُ عليه بهذا، لأنهم كانوا (2) يحتجون بظاهرِ القرآن. فحيثُ قال لي: أراك تنتحل الحديث، احتججت بالقرآن، يعني: وإنَّ السنة خصَّصتِ القاتل والعبد، فأخرجتهما من العموم - إلى قوله:

فلمَّا كانت الليلة الثالثة، قلت: خليقٌ أن يحدث غداً من أمري شيءٌ، فقلت للموكِّل بي: أريد خيطاً، فشددت به الأقياد، ورددتُ التِّكَّة إلى سراويلي مخافة أن يحدُثَ من أمري شيء، فأتَعَرَّى. فلما كان من الغد، أُدخلت إلى الدار، فإذا هي غاصَّةٌ، فجعلت أدخل من موضع إلى موضع، وقومٌ معهم السيوف، وقومٌ معهم السِّياط، وغير ذلك، ولم يكن في اليومين الأولين كبير أحد (3) من هؤلاء. فلما انتهيت إليه، قال: اقعُد. ثم قال: ناظِرُوه، فلما طال المجلس، نحاني، ثم خلا بهم، ثم نحاهم، وردَّني إلى عنده، وقال: ويحك يا أحمد! أجبني حتى أُطلِقَ عنك بيدي، فرددتُ عليه نحو ردِّي. فقال: عليك، وذكر اللعن، خذوه

(1) في " تاريخ الإسلام ": إذا توجهت له.

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (د): " كثير أحد "، وتصحفت في (ب):" كثيراً حد ".

ص: 274

اسحبوه (1) خلِّعوه. فسحبت (2) وخُلِّعت. وجلس على كرسيٍّ، ثم قال: العُقَابين (3) والسياط، فجيء بالعُقابين، فمُدَّت يداي، فقال بعض من حضر خلفي: خُذ ناتىء الخشبتين بيديك، وشُدَّ عليهما. فلم أفهم ما قال: فتخلَّعت يداي.

قال صالح: قال أبي فلما جيء بالسياط، نظر إليها المعتصم، فقال: ائتوني بغيرها. ثم قال للجلادين: تقدَّموا، فجعل يتقدم إليَّ الرجل منهم، فيضربني سوطين، فيقول له: شُدَّ، قطع الله يدك! ثم يتنحَّى ويتقدم آخر، فيضرِبُني سوطين، وهو يقول في كل ذلك: شُدَّ، قطع الله يدَك! فلما ضُربتُ تسعة (4) عشر سوطاً، قام إليَّ، يعني: المعتصم، فقال: يا أحمد، علام تقتُلُ نفسك؟ إنِّي والله عليك لشفيقٌ، وجعل عُجَيْف ينخسُني بقائمة سيفه، وقال: أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم؟ وقال بعضهم (5): يا أمير المؤمنين دمُه في عُنقي، فقال: ويحكَ يا أحمد، ما تقول؟ فقلت: أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسول الله أقولُ به. فرجع وجلسَ. وقال للجلاد: تقدم، وأوجع، قَطَعَ الله يدك، ثم قام الثانية، وجعل يقول: ويحك يا أحمد: أجبني إلى شيءٍ فيه (6) أدنى فرجٍ حتى أُطلِقَ عنك بيديَّ، ثم رَجَعَ، وقال للجلاد: تقدَّم، فجعل يضرِبُني وذهب عقلي، ثم أفقتُ بعد، فإذا الأقياد قد

(1) في (د): اسجنوه.

(2)

في (د): فسجنت.

(3)

وهما خشبتان يُشْبَحُ الرجلُ بينهما للجلد.

(4)

في " السير ": " سبعة ". وما هنا موافق لما في " تاريخ الإسلام ".

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

في " تاريخ الإسلام ": لك فيه.

ص: 275

أُطلقتْ عني. فقال رجلٌ ممَّن حضر: كببناك على وجهك، وطرحنا على ظهرك بارِيَّة (1) ودُسْنَاكَ! فما شعرت بذلك، وآتوني بسويقٍ، فقالوا: اشرب وتقيَّأ، فقلت: لا أُفطر، ثم جيء بي إلى دار إسحاق، فحضرت الظهر، فتقدم ابن سماعه، فصلى! [فلما انفتل من صلاته] (2) وقال لي (3): صليتَ والدم يسيل في ثوبك؟ قلتُ: قد صلَّى عمر وجرحه يثعبُ دماً (4).

قال صالح: ثم خُلِّي عنه، وصار إلى منزله، وكان لبثه منذ أُخِذَ إلى أن ضُرِبَ، وخُلِّيَ عنه، ثمانية وعشرون شهراً.

قال حنبل: سمعته يقول: ذهب عقلي مراراً، فكان إذا رُفِعَ عني الضرب رجعت إليّ نفسي، وإذا استرخيت وسقطت، رُفِعَ الضرب، أصابني ذلك مراراً.

الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، حدثنا داود بن عرفة، حدثنا ميمون بن أصبُغ، قال: نزل السراويل إلى عانة أحمد عند الضرب، وانقطعت تِكَّتُه، وكانت حاشية ثوبٍ، فرمى بطرفه إلى السماء وحرك شفتيه، فما كان بأسرع من أن بَقِيَ السراويل لم ينزل، فدخلت عليه بعد أيام، فسألته ما قال: فذكر دعاءً.

(1) بكسر الراء، وفتح الياء المشددة: الحصير المنسوج، وهي فارسية الأصل.

(2)

ما بين المعقوفين من " السير ".

(3)

" لي " ساقطة من (ب).

(4)

أخرجه مالك في " الموطأ " 1/ 39 باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه أن المِسْوَر بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعبُ دماً، أي يجري ويتفجر منه الدم.

ص: 276

قال الذهبي: هذه حكايةٌ منكرةٌ، أخاف أن يكون داود وضعها.

وذكر الذهبي، عن جعفر بن فارسٍ الأصبهاني، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن الفرج نحوها. ثم قال: فهذه الحكايةُ لا تَصِحُّ، ولقد ساق صاحب " الحلية "(1) من الخرافات السَّمجة هنا ما يُستحيا عن (2) ذكره.

فمن ذلك، ذكر بإسناده أن أحمد لما حرك شفتيه حين سقط سراويله، رأيت (3) يدين خرجتا من تحته، فشدَّتا السراويل، فلما فرغوا من الضرب، سألناه. فقال: قلتُ: يا مَنْ لا يُعلمُ العرش من أين هو، إن كنت على الحقِّ فلا تُبدِ عَورتي.

أوردها البيهقي في " مناقب أحمد "، وما جَسَرَ على توهيتها (4)، بل روى عن أبي مسعود البَجَلِي، عن ابن جَهْضَم ذاك الكذاب، عن أبي بكر النَّجَّاد، عن ابن أبي العوام نحواً منها، وفيه فرأيت كفّاً من ذهب خرج من تحت مئزره بقدرة الله، فصاحت العامة.

وعن صالح، عن أبيه: مررت بهذه الآية: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] فجعلتُ الميت في حِلٍّ، ثم قال: وما على رجلٍ أن لا يعذِّب الله بسببه أحداً.

هذه نبذةٌ مختصرةٌ مما ذكره الذهبيُّ - إلى قوله: العجب من أبي

(1) 9/ 206.

(2)

في (د): من ذكره.

(3)

القائل هو علي بن محمد القرشي.

(4)

في (ب): توهينها.

ص: 277

القاسم عليِّ بن الحسن الحافظ (1) كيف ذكر ترجمة أحمد مُطوَّلةً كعوائده، ولكن ما أورد من أمر المحنة كلمةً، مع صحة أسانيدها (2)، فإنَّ حنبلاً ألَّفها في جُزأين، وكذلك صالح بن أحمد وجماعة، ثم رجع إلى ذكر حال أحمد في أيام المتوكل.

واعلم أن من وَقَفَ على تشدُّد أحمد في أمرِ المحنة ممن لم يعرف ما المقصود بقولهم: إن القرآن مخلوقٌ، أو غير مخلوق يطلع إلى معرفة حقيقة ذلك وغائلته التي حملت الفريقين على هذا الأمر العظيم، وقد رأيت أن أختم ترجمة أحمد بذكر كلام الفرق في هذه المسألة من غير تطويل بذكر الحُجَج، وسيأتي ذلك بعد ذكر كتاب أحمد إلى المتوكل، المشتمل على ذكر جملةٍ صالحةٍ من الآيات والآثار في ذلك، وهذا موضعه، ولكن بَقِيَت بقيةٌ من مناقب الإمام أحمد تليق بهذا الموضع (3):

قال ابن أبي حاتم: قال سعيد بن عمرو: يا أبا زُرعة، أأنت أحفظ أم أحمد؟ قال: بل أحمد، قلت: كيف علمت؟ قال: وجدت كتبه ليس في أوائل الأجزاء أسماء الذين حدثوه، فكان يحفظ كل جزءٍ ممن سمعه، وأنا لا أقدر على هذا.

وعن أبي زرعة، قال: حُزِرَتْ كتب أحمد يوم مات فبلغت اثنيّ عشر حِمْلاً، وعِدْلاً (4)، ما كان على ظهرِ كتابٍ منها: حديث فلان، ولا

(1) يريد: الحافظ ابن عساكر مؤلف " تاريخ دمشق ".

(2)

وتمامه فوي " تاريخ الإسلام ": ولعلَّ له نيةً في تركها.

(3)

11/ 187 من " السير ".

(4)

في الأصول: " عِدْل " وهو خطأ، والعِدْل: نِصفُ الحِمْل يكون على أحد جنبي البعير.

ص: 278

في بطنه (1): حدثنا فلان، كل ذلك كان يحفطه.

وقال حسن بن مُنَبِّه: سمعت أبا زرعة، يقول: أخرج إليَّ أبو عبد الله أجزاءً كلها سفيان سفيان، ليس على حديثٍ منها: حدثنا فلان، فظننتها عن رجلٍ واحد فامتحنت (2) منها، فلما قرأ ذلك عليَّ جعل يقول: حدثنا وكيع ويحيى، وحدثنا فلان، فعَجِبْتُ، ولم أقدِر أنا على هذا.

قال إبراهيم الحربي: رأيت أبا عبد الله، كأنَّ الله جمع له علم الأوَّلين والآخرين.

وعن رجلٍ، قال: ما رأيتُ أحداً أعلَمَ بفقه الحديث ومعانيه من أحمد.

أحمد بن سلمة: سمعتُ ابن راهويه، يقول: كنتُ أُجَالِسُ أحمد وابن معين، ونتذاكر، فأقول: ما فقهُهُ؟ ما تفسيره؟ فيسكتون إلَاّ أحمد.

قال أبو بكر الخلَاّل: كان أحمدُ قد كتب كتب الرأي، وحفظها، ثم لم يلتفت إليها.

قال إبراهيم بن شمَّاس: سألنا وكيعاً عن خارجة بن مصعب، فقال: نهاني أحمدُ أن أحدِّث عنه.

قال العباس بن محمد الخلَاّل: حدثنا إبراهيمُ بن شمَّاس، سمعت وكيعاً وحفص بن غياث يقولان: ما قدِمَ الكوفة مثل ذاك الفتى، يعنيان: أحمد بن حنبل.

(1) في (د): بطنها.

(2)

في " السير " فانتخبت منها.

ص: 279

وقيل: إنَّ أحمد أتى حسيناً (1) الجُعفي بكتابٍ كبير يشفع في أحمد، فقال: حسين: يا أبا عبد الله لا تجعل بيني وبينك مُنعِماً فليس تحمَّلُ عليَّ بأحدٍ إلَاّ وأنت أكبر منه.

الخلال: حدثنا (2) المروذي، حدثنا (3) خَضِرٌ المروذي بطرسوس سمعت ابن راهويه، سمعت يحيى بن آدم، يقول: أحمد بن حنبل إمامنا.

الخلال: حدثنا محمد بن علي، حدثنا الأثرم، حدثني (4) بعض من كان يسمع مع أبي عبد الله أنهم كانوا يجتمعون عند يحيى بن آدم، فيتشاغلون عن الحديث بمناظرة أحمد يحيى بن آدم، ويرتفع الصوت بينهما، وكان يحيى بن آدم، واحد أهل زمانه في الفقه.

الخلال: حدثنا المروذي، سمعت محمد بن يحيى القطان، يفول: رأيت أبي مكرِّماً لأحمد بن حنبل، لقد بذل له كتبه، أو قال: حديثه.

وقال القواريري، قال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين. وما قدم عليَّ من بغداد أحبُّ إليَّ من أحمد بن حنبل.

وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: شقَّ على يحيى بن سعيد يوم خرجت من البصرة.

(1) تحرف في (ج) إلى: حسينياً.

(2)

في (د): حدثني.

(3)

في (د): أخبرنا.

(4)

ساقطة من (د).

ص: 280

عمرو بن العباس: سَمِعتُ عبد الرحمن بن مهدي، ذكر أصحاب الحديث، فقال: أعلمهم بحديث الثوري أحمد بن حنبل. قال: فأقبل أحمد، فقال ابن مهدي: من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري، فلينظُر إلى هذا.

قال المرُّوذي: قال أحمد: عُنيتُ بحديث سفيان حتى كتبته عن رجلين، حتى كلَّمنا يحيى بن آدم، فكلم لنا (1) الأشجعيَّ، فكانت تخرج (2) إلينا الكتب، فنكتب من غير أن نسمع.

وعن ابن مهدي، قال: ما نظرتُ إلى أحمد إلَاّ ذكرت به سفيان.

قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: خالف وكيعٌ ابن مهدي في نحوٍ من ستين حديثاً من حديث سفيان، فذكرت ذلك لابن مهدي، وكان يحكيه عني.

عباس الدوري: سمعت أبا عاصم يقول لرجلٍ بغدادي: من تعُدُّون عندكم اليومَ من أصحاب الحديث؟ قال: عندنا أحمدُ بن حنبل، وابن معين، وأبو خيثمة، والمُعَيْطِي، والسُّويدي، حتى عدَّ له جماعة بالكوفة أيضاً وبالبصرة، فقال أبو عاصم: قد رأيت جميع من ذكرت، وجاؤوا إليَّ، لم آر مثل ذاك الفتن، يعني: أحمد بن حنبل.

قال شجاع بن مخلد: سمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: ما بالمِصْرَيْنِ (3) رجلٌ أكرم عليَّ من أحمد بن حنبل.

(1) تحرفت في (د) إلى: فكلمنا.

(2)

في (ج) و" السير ": فكان يخرج.

(3)

أي: البصرة والكوفة. وفي (ب): بالمصر.

ص: 281

وعن سليمان بن حربٍ، أنه قال لرجلٍ: سَلْ أحمد بن حنبل ما يقول في مسألة كذا، فإنه عندنا إمامٌ.

الخلال: حدثنا عليُّ بن سهل (1)، قال: رأيت يحيى بن معين عند عفان ومعه أحمد بن حنبل، فقال: ليس هنا اليوم حديثٌ. فقال يحيى: تردُّ أحمد بن حنبل، وقد جاءك؟ فقال (2): الباب مُقفلٌ، والجارية ليست هنا. قال يحيى: أنا أفتح، فتكلم على القُفلِ (3) بشيءٍ، ففتحه. فقال عفان: وفشَّاش (4) أيضاً! وحدثهم.

قال: وحدثنا (5) المروذي: قلت لأحمد: أكان أُغمي عليك أو غُشِيَ عليك (6) عند ابن عُيينة؟ قال: نعم في دهليزه (7) زحمني الناس فأُغمي عليَّ.

وروي أن سفيان، قال يومئذٍ: كيف أُحَدِّثُ وقد مات خير الناس.

وقال مُهَنَّا بن يحيى: قد رأيت ابن عيينة، ووكيعاً، وبقية، وعبد الرزاق، وضمرة، والناس، ما رأيت رجلاً أجمع من أحمد في علمه، وزهده، وورعه، وذكر أشياء.

وقال نوحُ بن حبيب القُومَسي: سلَّمتُ على أحمد بن حنبل في سنة

(1) في (ب): سهيل.

(2)

من قوله: " ليس هنا " إلى هنا ساقط من (د).

(3)

في (ب): على الباب القفل.

(4)

في " السير ": " أفشَّاشٌ ". يقال: فشَّ القُفل فشاً، أي: فتحه بغير مفتاح.

(5)

في (د): وأخبرنا.

(6)

" أو غُشي عليك " ساقط من (ب).

(7)

" في دهليزه " ساقط من (د).

ص: 282

ثمانٍ وتسعين ومئةٍ بمسجدِ الخَيْفِ، وهو يُفتي فُتيا واسعة.

وعن شيخٍ أنه كان عنده كتابٌ بخطِّ أحمد بن حنبل، فقال: كنا عند (1) ابن عيينة سنة ففقدت (2) أحمد بن حنبل أياماً، فدُلِلتُ على موضعه، فجئت، فإذا هو في شبيهٍ بكهفٍ في جياد (3). فقلت: سلام عليكم، أدخلُ؟ فقال: لا، ثم قال: ادْخُلْ، فدخلت، وإذا عليه قطعة لبدٍ خلقٍ، فقلت: لِمَ حجبتني؟ فقال: حتى استترتُ فقلت: ما شأنك؟ قال: سُرقت (4) ثيابي، فبادرت إلى منزلي فجئته بمئة درهم فعرضتها عليه، فامتنع، فقلت: قرضاً، فأبى، حتى بلغتُ عشرين درهماً، ويأبى. فقمت، وقلت: ما يحِلُّ لك أن تقتل نفسك. قال: ارجع، فرجعت، فقال: أليس قد سمعت معي من ابن عُيينة؟ قلت: بلى. قال: تحبُّ أن أنسخه لك؟ قلت: نعم. قال: اشتر لي وَرَقاً. قال: فكتب بدراهم اكتسى منها ثوبين.

الحاكم: سمعتُ بكران بن أحمد الحنظلي الزاهد ببغداد، سمعت عبد الله بن أحمد، سمعتُ أبي يقول: قَدِمْتُ صنعاء (5) أنا ويحيى بن معين، فمضيت إلى عبد الرزاق إلى قريته، وتخلَّف يحيى، فلما ذهبت أدُقُّ الباب، قال لي بقَّالٌ تُِجاه داره: مَهْ، لا تدُقَّ، فإنَّ الشيخ يُهاب.

فجلستُ حتى إذا كان قبل المغرب، خرج فوثبت إليه، وفي يدي أحاديث

(1) تحرفت في (ب) إلى: عن.

(2)

الأصول: " فقدت "، والمثبت من " السير ".

(3)

موضع بمكة يلي الصفا، وقد ضبطه الذهبي بالكسر، وضبطه ياقوت بالفتح، ويسمَّى هذا الموضع أيضاً أجياداً، بفتح أوله وسكون ثانيه، وهما أجيادان: كبير وصغير.

(4)

تحرفت في (د) إلى: شرقت.

(5)

في (ب): إلى صنعاء.

ص: 283

انتقيتُها، فسلمت، وقلت: حدثني بهذه يرحمك الله، فإني رجلٌ غريب. قال: ومن أنت؟ وَزَبَرني. قلت: أنا (1) أحمد بن حنبل، قال: فتقاصر؟ وضمَّني إليه، وقال: بالله أنت أبو عبد الله؟ ثم أخذ الأحاديث، وجعل يقرؤها حتى أظلم، فقال للبقال: هلُمَّ المصباح حتى خرج وقت المغرب، وكان عبد الرزاق يُؤخِّرُ صلاة (2) المغرب.

الخلال: حدثنا الرمادي، سمعت عبد الرزاق، وذكر أحمد بن حنبل، فدَمِعَتْ عيناه، وقال: بلغني أن نفقته نفدت، فأخذت بيده فأقمته خلف الباب وما معنا أحدٌ، فقلتُ له: إنه لا تجتمع عندنا الدنانير، إذا بعنا الغلَّة، أشغلناها في شيء، وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها، وأرجو أن لا تنفقها حتى يتهيَّأ شيء. فقال لي: يا أبا بكرٍ، لو قبلت من أحدٍ شيئاً، لَقبِلتُ منك.

وقال عبدُ الله: قلتُ لأبي: بلغني أنَّ عبد الرزاق عَرَضَ عليك دنانيرَ؟ قال: نعم، وأعطاني يزيدُ بن هارون خمس مئة درهم -أظُنُّ- فلم أقبل، وأعطى يحيى بن معين، وأبا مسلم فأخذا منه.

وقال محمد بن سهل بن عسكر: سمعت عبد الرزاق يقول: إن يَعِشْ هذا الرجل يكُن خَلَفاً من العلماء.

المروذي: حدثني أبو محمد النسائي، سمعت إسحاق بن راهويه، قال: كنا عند عبد الرزاق أنا وأحمد بن حنبل، فمضينا معه إلى المصلى يوم عيد، فلم يكبر هو ولا أنا ولا أحمد، فقال لنا: رأيت مَعْمراً

(1) ساقطة من (ب).

(2)

في (د): وقت.

ص: 284

والثوري في هذا اليوم كبَّرا، وإني رأيتكما لم تُكبِّرا، فلم أُكبِّر، فلِمَ لم تُكبِّرا؟ قلنا: نحن نرى التكبير، ولكن شغلنا بأي شيء نبتدىء من الكتب.

أبو إسحاق الجُوزجاني، قال: كان أحمد بن حنبل يصلي بعبد الرزاق، فسها، فسأل عنه عبد الرزاق، فأخبر أنه لم يأكل منذ ثلاثة أيام شيئاً. رواها الخلال، سمعت أبا زرعة القاضي الدمشقي عن الجوزجاني.

قال الخلال: حدثنا أبو القاسم بن الجَبُّلِي، عن أبي إسماعيل الترمذي، عن إسحاق بن راهويه، قال: كنت مع أحمد بن حنبل عند عبد الرزاق، وكانت معي جارية، وسكنا فوق، وأحمد أسفل في البيت، فقال لي: يا أبا يعقوب: هوذا (1) يُعجبني ما أسمع من حركتكم (2) قال: وكنت أطلع، فأراه يعملُ التِّكَكَ ويَبيعُها، ويتقوَّتُ بها هذا أو نحوه.

قال المروذي: سمعت أبا عبد الله، يقول: كنت في أزْرِي من اليمن إلى مكة. قلت: أَكْرَيتَ نفسك من الجمالين؟ قال: قد اكتريت (3) لكتبي (4)، ولم يقل: لا.

وعن إسماعيل بن عُلَيه: أنه أُقيمت الصلاة، فقال: ها هنا أحمد بن حنبل قولوا (5) له يتقدَّمُ يُصلِّي بنا.

(1) في (ج): هذا.

(2)

في الأصول: خرجتكم.

(3)

في (د): أكريتُ.

(4)

تصحفت في (أ) و (د) و (ج): " لكنني "، وفي (ب):" لكني ".

(5)

في (د): فقولوا.

ص: 285

وقال الأثرمُ: أخبرني عبد الله بن المبارك شيخٌ سَمِعَ قديماً، قال: كنا عند ابن عُلَيَّة، فضَحِكَ بعضُنا، وثم أحمد بن حنبل، قال: فأتينا إسماعيل بعدُ، فوجدناه غضبان (1)، فقال: تضحكون وعندي أحمد بن حنبل!

قال المروذي: قال لي أبو عبد الله: كنا عند يزيد بن هارون، فوَهِمَ في شيء، فكلَّمته، فأخرج كتابه، فوجده كما قلتُ، فغيَّره، فكان إذا جلس يقول: يا ابن حنبل، ادْنُ، يا ابن حنبل، ادنُ ها هنا. ومَرِضْتُ فعادَني، فنطحه الباب.

المَرُّوذي: سمعت جعفر بن ميمون بن الأصبغ، سمعت أبي يقول: كنا عند يزيد بن هارون، وكان عنده المُعَيْطي (2) وأبو خيثمة (3)، وأحمد، وكان في يزيد رحمه الله مداعبة، فذاكره المعيطي (4) بشيء.

فقال له يزيد: فقدتُك، فتنحنح أحمد فالتفت إليه، فقال: من ذا؟ قالوا: أحمد بن حنبل، قال: ألا أعلمتموني أنه ها هنا.

قال المروذي: فسمعت بعض الواسطيين يقول: ما رأيت يزيد بن هارون ترك المِزَاحَ لأحدٍ إلَاّ لأحمد بن حنبل.

قال أحمد بن سنان القطان: ما رأيت يزيد لأحدٍ أشدَّ تعظيماً منه لأحمد بن حنبل، ولا أكرم أحداً مثله، كان يُقْعِدُه إلى جنبه ويُوَقِّرُه، ولا يمازحه.

(1) في (د): غضباناً.

(2)

تصحفت في (ب) إلى: المعتطي.

(3)

" وأبو خيثمة " ساقطة من (ب).

(4)

تصحفت في (ب) إلى: المعتطي.

ص: 286

وقال عبدُ الرزاق: ما رأيتُ أحداً أفقه ولا أورَعَ من أحمد بن حنبل.

قلت: قال هذا (1)، وقد رأي مثل الثوري، ومالكٍ، وابن جريج.

وقال حفص بن غياث: ما قَدِمَ الكوفة مثل أحمد بن حنبل.

وقال أبو اليمان: كنتُ أُشبِّهُ أحمد بأرطاة بن المنذر.

وقال الهيثم بن جميل الحافظ: إن عاش أحمد سيكون حجةً على أهل زمانه.

وقال قتيبة: خيرُ أهل زماننا ابن المبارك، ثُمَّ هذا الشابُّ يعني: أحمد بن حنبل، واذا رأيت رجلاً يُحِبُّ أحمد فاعلم أنه صاحب سنةٍ، ولو أدرك عصر الثوري، والأوزاعي، والليث لكان هو المقدَّم عليهم. فقيل لقُتيبة: تضُمُّ أحمد إلى التابعين؟ قال: إلى كبار التابعين.

وقال قتيبة: لولا الثوريُّ لمات الورع، ولولا أحمد لأحدثوا في الدين، أحمد إمام الدنيا.

قلت: قد روى أحمد في مسنده عن قتيبة (2) كثيراً.

وقيل لأبي مُسهر الغساني: تعرف من يحفظ على الأمة أمر دينها؟ قال: شابٌّ في ناحية المشرق، يعني: أحمد بن حنبل.

قال المُزَنيُّ: قال لي الشافعي: رأيت ببغداد شابّاً إذا قال: حدثنا، قال الناس كلهم: صَدَقَ. قلت: ومن هو؟ قال: أحمد بن حنبل.

(1)" قال هذا " ساقط من (ب).

(2)

" من " ساقطة من (ب).

ص: 287

وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد فما خلَّفت بها رجلاً أفضل، ولا أعلم، ولا أفقه، ولا أتقى من أحمد بن حنبل.

وقال الزعفراني: قال لي الشافعي: ما رأيت أعقل من أحمد، وسليمان بن داود الهاشمي.

قال محمد بن إسحاق بن راهويه: حدثني أبي قال (1) قال لي أحمد بن حنبل: تعال حتى أُرِيكَ من لم تر مثله، فذهب بي إلى الشافعي، قال أبي: وما رأي الشافعي مثل أحمد بن حنبل. ولولا أحمد وبذْلُ (2) نفسه، لذهب الإسلام - يريد المحنة.

وروي عن إسحاق بن راهويه، قال: أحمد حُجَّةٌ بين الله وبين خلقه.

وقال محمد بن عبدويه: سمعتُ علي بن المديني، يقول: أحمد أفضل عندي من سعيد بن جبير في زمانه، لأن سعيداً كان له نظراء.

وعن ابن المديني، قال: أعزَّ الله الدين بالصِّدِّيق يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة.

وقال أبو عبيد: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل وهو أفقههم، وذكر الحكاية.

وقال أبو عبيد: إني لأتدين بذكر أحمد بن حنبل، ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة منه.

(1) زيادة من " السير ".

(2)

في (ب): فبذل.

ص: 288

وقال الحسن بن الربيع: ما شبَّهت أحمد بن حنبل إلَاّ بابن المبارك في سمته وهيبته.

الطبراني: حدثنا محمد بن حسين الأنماطي، قال: كنا في مجلسٍ فيه يحيى بن معين، وأبو خيثمة، فجعلوا يُثْنُون على أحمد بن حنبل، فقال رجلٌ: فبعض هذا، فقال يحيى: وكثرةُ الثناء على أحمد تُستنكر! لو جلسنا مجالسنا بالثناء عليه، ما ذكرنا فضائله بكمالها.

وروى عباس، عن ابن معين قال: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل.

وقال النُّفيلي: كان أحمد بن حنبل (1) من أعلام الدين.

وقال المروذي: حضرت أبا ثورٍ سُئِلَ عن مسألة، فقال: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا وكذا.

وقال ابن معين: ما رأيت من يحدث لله إلَاّ ثلاثة: يعلى بن عبيد، والقعنبي، وأحمد بن حنبل.

وقال ابن معين: أرادوا أن أكون مثل أحمد، والله لا أكون مثله أبداً.

وقال أبو خيثمة: ما رأيت مثل أحمد، ولا أشد منه قلباً.

وقال علي بن خَشْرمٍ: سمعت بشر بن الحارث، [يقول] (2): أنا أسأل عن أحمد بن حنبل، إنَّ أحمد أُدْخِلَ الكِيرَ، فخرج ذهباً أحمر.

وقال عبدا لله بن أحمد: قال أصحاب بشر الحافي له حين ضُرِبَ

(1) من قوله: " وقال النفيلي " إلى هنا ساقط من (ب).

(2)

ليست في الأصول.

ص: 289

أبي: لو أنك خرجت فقلت: إني على قول أحمد، فقال: أتريدون إن أقوم مقام الأنبياء؟!.

القاسم بن محمد الصائغ: سمعت المروذي يقول: دخلت على ذي النون السجن، ونحنُ بالعسكر، فقال: أيُّ شيءٍ حالُ سيدنا؟ يعن: أحمد بن حنبل.

وقال محمد بن حماد الطِّهراني: سمعت أبا ثور الفقيه يقول: أحمد بن حنبل أعلم أو (1) أفقه من الثوري.

وقال نصر بن علي الجهضمي: أحمد أفضل أهل زمانه.

قال صالح بن علي الحلبي: سمعتُ أبا همام السكوني (2) يقول: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، ولا رأى هو مثل نفسه.

وعن حجاج بن الشاعر، قال: ما رأيت أفضل من أحمد، وما كنت أُحبُّ أن أُقتل في سبيل الله، ولم أُصَلِّ على أحمد، بلغ والله في الإمامة أكبر من مبلغ سفيان ومالك.

وقال عمرو الناقد: إذا وافقني أحمد بن حنبل على حديثٍ لا أبالي من خالفني.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عليِّ بن المديني، وأحمد بن حنبل، أيُّهما أحفظ؟ قال: كانا في الحفظ متقاربين، وكان أحمد أفقه، إذا رأيت من يُحب أحمد، فاعلم أنه صاحبُ سنةٍ.

(1) في (ب) و (د): و.

(2)

تحرفت في (ب) إلى: السكولي.

ص: 290

وقال أبو زُرعة: أحمد بن حنبل أكبر من إسحاق وأفقه، ما رأيت أحداً أكمل من أحمد.

وقال محمد بن يحيى الذهلي: جعلت أحمد إماماً فيما بيني وبين الله تعالى.

وقال محمد بن مهران الجمال: ما بَقِيَ غير أحمد.

قال إمام الأئمة ابن خزيمة: سمعت محمد بن سحتويه (1) سمعت أبا عمير بن النحاس الرملي، وذُكِرَ أحمد بن حنبل، فقال: رحمه الله، عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه، عُرِضَتْ له الدنيا، فأباها، والبدعُ، فنفاها.

قال أبو حاتم: كان أبو عمير من عُبَّاد المسلمين، قال لي: أَمِلَّ عليَّ شيئاً عن أحمد بن حنبل.

وروي عن أبي عبد الله البُوشنجي: قال: ما رأيتُ أجمع في كل شيء من أحمد بن حنبل، ولا أعقل منه (2).

وقال ابنُ وارة (3): كان أحمد صاحب فقه، صاحب حفظ، صاحب معرفة.

وقال النسائي: جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث، والفقه، والوَرَعَ، والزهد، والصَّبرَ.

(1) في الأصول: سحتونة، والمثبت من " السير ".

(2)

من قوله. " وروي عن " إلى هنا ساقط من (ب).

(3)

في الأصول: " ابن دارة "، وهو خطأ.

ص: 291

وعن عبد الوهاب الورَّاق: قال: لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فردوه إلى عالمه "(1) رددناه إلى أحمد بن حنبل، وكان أعلم أهل زمانه.

وقال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، ولا يُذكرُ فيها شيءٌ من أمر (2) الدنيا، ما رأيتُه ذكر الدُّنيا قطُّ.

قال صالح بن محمد جزرة: أفقه من أدركت في الحديث أحمد بن حنبل.

وقال علي بن خلف: سمعت الحميدي، يقول: ما دمت بالحجاز، وأحمد بالعراق، وابن راهويه بخراسان لا يَغْلِبُنا أحدٌ (3).

الخلال: حدَّثنا محمد بن ياسين البَلَدي، سمعتُ ابن أبي أُويس وقيل له (4): ذهب أصحاب الحديث، فقال: ما أبقى الله أحمد بن حنبل، فلم يذهب أصحابُ الحديث.

وعن ابن المديني، قال: أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أُحدِّث إلَاّ من كتابٍ.

الحسين بن الحسن أبو معين الرازي: سمعت ابن المديني، يقول: ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد، وبلغني أنه لا يحدث إلَاّ من كتاب ولنا فيه أُسوةٌ.

وعنه قال: أحمد اليوم حجة الله على خلقه.

(1) قطعة من حديث حسن تقدم تخريجه في 3/ 238.

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

تحرفت في (ب) إلى: أحمد.

(4)

" له " ساقطة من (ب).

ص: 292

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، عن أبي اليُمن الكندي، حدثنا عبد الملك بن أبي القاسم، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا أبو يعقوب القرَّاب، أخبرنا محمد بن عبد الله الجَوْزَقِيُّ، سمعت أبا حامد الشرقي، سَمِعْتُ أحمد بن عاصم، سمعتُ أبا عبيدٍ القاسم بن سلَاّم، يقول: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه، وإلى ابن أبي شيبة وهو أحفظهم له، وإلى عليِّ بن المديني وهو أعلمهم به، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له.

إسحاق المنجنيقي: حدثنا القاسم بن محمد المؤدب، عن محمد بن أبي بشر، قال: أتيت أحمد بن حنبل في مسألةٍ. فقال: ائتِ أبا (1) عُبيدٍ، فإن له بياناً (2) لا تسمعه من غيره. فأتيتُه فشفاني جوابه.

فأخبرته بقول أحمد، فقال: ذاك رجل من عمال الله نَشَرَ الله رداء علمه (3)، وذَخَرَ له عنده الزُّلفى، أما تراه مُحبباً (4) مألوفاً، فبارك الله له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم، فإنه لكما قيل:

يَزِينُكَ إمَّا غابَ عنك فإنْ دَنَا

رأيتَ لهُ وجهاً يَسُرُّكَ مُقبِلاً

ويحسنُ في ذاتِ الإله إذا رأي

مَضيماً لأهل الحقِّ لا يسأمُ البَلَا

وإخوانُه الأدْنَوْنَ كُلُّ مُوفَّقٍ

بَصيرٍ بأمرِ الله لا يسأمُ العُلَا (5)

وبإسنادي إلى أبي إسماعيل الأنصاري: أخبرنا إسماعيل بن

(1) في (ب): " أبي " وهو خطأ.

(2)

في (ج): " ثباتاًَ "، وهو خطأ.

(3)

في هامش (أ) عمله (خ).

(4)

في الأصول: " فحبتاً " والمثبت من " السير ".

(5)

في " السير ": يسمو على العلا.

ص: 293

إبراهيم، أخبرنا نصر بن أبي نصر الطوسي، سمعت علي بن أحمد بن خُشيش، سمعت أبا الحديد الصُّوفي بمصر، عن أبيه، عن المزني، يقول: أحمد بن حنبل يوم المِحْنَةِ، وأبو بكر يوم الرِّدَّة، وعمر يوم السَّقيفة، وعثمان يوم الدار، وعليٌّ يوم صِفِّين.

قال (1) أحمد بن محمد الرُّشدِيني: سمعت أحمد بن صالح المصري، يقول: ما رأيت بالعراق مثل هذين أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، رجلين جامعين لم أر مثلهما بالعراق.

وروى أحمد بن سلمة النيسابوري، عن ابن وارة، قال: أحمد بن حنبل ببغداد، وأحمد بن صالح بمصر، وأبو جعفرٍ النفيلي بحرَّان، وابن نُمير بالكوفة، هؤلاء أركان الدِّين.

وقال علي بن الجنيد الرازي: سمعتُ أبا (2) جعفرٍ النُّفيلي، يقول: كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين.

وعن محمد بن مصعب العابد، قال (3): لسوطٌ ضُرِبَه أحمد بن حنبل في الله أكبر من أيام بشر بن الحارث.

قلت: بشرٌ عظيمُ القدر كأحمد، ولا ندري وزن الأعمال، إنما الله يعلم ذلك.

قال أبو عبد الرحمن النهاوندي، سمعت يعقوب الفَسَويَّ، يقول: كتبت عن ألف شيخٍ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان: أحمد بن

(1) في (د): وقال.

(2)

في (ب): " أبي " وهو خطأ.

(3)

ساقطة من (ب).

ص: 294

حنبل، وأحمد بن صالح.

وبالإسناد إلى الأنصاري شيخ الإسلام: أخبرنا أبو يعقوب، أخبرنا منصور بن عبد الله الذهلي، حدثنا محمد بن الحسن بن علي البخاري، سمعت محمد بن إبراهيم البوشنجي، وذكر أحمد بن حنبل، فقال: هو عندي أفقَهُ وأفضل من سفيان الثوري، وذلك أن سفيان لم يُمتَحَن بمثل ما امتُحِنَ به أحمدُ، ولا علمُ سفيان ومن تقدَّم من عُلماء الأمصار كعِلم أحمد بن حنبل، لأنه كان أجمع لها (1)، وأبصر بأغاليطهم وصدوقهم وكذوبهم، قال: ولقد بلغني عن بشر بن الحارث أنه قال: قام أحمد (2) مقام الأنبياء، وأحمد عندنا امتُحِنَ بالسَّرَّاء والضَّرَّاء، وكان فيهما معتصماً بالله.

قال أبو يحيى الناقدُ: كنَّا عند إبراهيم بن عَرْعَرَةَ، فذكروا علي بن عاصم، فقال رجلٌ: أحمد بن حنبل يُضعِّفُه. فقال رجل: وما يضره إذا كان ثقةً؟ فقال ابن عرعرة: والله لو تكلم أحمد في علقمة والأسود لضَرَّهُما.

وقال الحُنَيْنِي: سمعت إسماعيل بن الخليل، يقول: لو كان أحمد ابن حنبل في بني إسرائيل، لكان آية.

وعن علي بن شعيب، قال: عندنا المثل الكائن في بني إسرائيل، من أنَّ أحدهم كان يُوضَعُ المنشار على مفرِقِ رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه (3). ولولا أن أحمد قام بهذا الشأن، لكان عاراً علينا أن قوماً سُبكوا

(1) في (ب): بها.

(2)

في (ب): أحمد بن حنبل.

(3)

تقدم تخريجه في هذا الجزء ص 269.

ص: 295

فلم يخرج منهم أحدٌ.

قال ابن سَلْم: سمعت محمد بن نصر المروزي (1)، يقول: صِرتُ إلى دار أحمد بن حنبل مراراً، وسألته عن مسائل، فقيل له: أكان أكثر حديثاً أم إسحاق؟ فقال: بل (2) أحمد أكثر حديثاً وأورع. أحمد فاق أهل زمانه.

قلت: كان أحمد عظيم الشأن، رأساً (3) في الفقه، وفي الحديث، وفي التألُّهِ، أثنى عليه خلقٌ من خصومِهِ، فما الظن بإخوانه وأقرانه؟!!

وكان مَهِيباً في ذات الله، حتى لقال أبو عبيد: ما هِبْتُ أحداً في مسألةٍ، ما هبت أحمد بن حنبل.

وقال إبراهيم الحربي: عالم وقته سعيد بن المسيب في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه، وأحمد بن حنبل في زمانه.

قرأت على إسحاق الأسدي: أخبركُم ابن خليل، أخبرنا اللبان، عن أبي علي الحدَّاد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا أبو بكر بن مالك، حدثنا (4) محمد بن يونس، حدثني سليمان الشاذكوني، قال: يُشَبَّه عليُّ بن المديني بأحمد بن حنبل؟ أيهات!! ما أشبه السُّك (5) باللُّك (6). لقد

(1) تحرفت في (ب) إلى: المروذي.

(2)

ساقطة من (د).

(3)

في (د): كان رأساً.

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

تصحفت في (ج) إلى: الشك.

(6)

السكُّ: ضرب من الطيب. واللّك -بالفتح-: صبغ أحمر يُصبغ به، -وبالضم-: ثقله أو عصارته.

ص: 296

حضرتُ من وَرَعِه شيئاً بمكة: أنه أرهن سطلاً عند فامِيَّ (1)، فأخذ منه شيئاً لِيَقوتَه. فجاء، فأعطاه فِكَاكه، فأخرج إليه سطلين، فقال: انظُر أيُّهما سطلُك؟ فقال: لا أدري أنت في حِلٍّ منه، ومما أعطيتك، ولم يأخذه. قال الفامي: والله إنه لسطلُه، وإنما أردت أن أمتحنه فيه.

وبه (2) إلى أبي نعيم حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا الأبار: سمعت محمد بن يحيى النيسابوري، حين بلغه وفاة أحمد، يقول: ينبغي لكلِّ أهل دارٍ ببغداد أن يُقيموا عليه النياحةَ في دورهم.

قلت: تكلَّم الذُّهلي بمقتضى الحُزن لا بمقتضى الشرع (3).

قال أحمد بن القاسم المقرىء: سمعت الحسين الكرابيسي، يقول: مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل مَثَلُ قومٍ يجيئون إلى أبي قُبَيْسٍ (4) يُريدون أن يَهدِمُوه بنعالهم.

الطبراني: حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرىء، قال: رأيتُ علماءنا مثل الهيثم بن خارجة، ومُصعبٍ الزُّبيري، ويحيى بن معين،

(1) أي: بائع الفوم، أي: الحِمّص.

(2)

أي: بالسند السابق، وتحرف في الأصول إلى:" ونسبه ".

(3)

لأن الشرع قد نهى عن النياحة، وعدها من صنيع الجاهلية. فقد أخرج مسلم في " صحيحه " (67) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت ".

وأخرج البخاري (1294) و (1297) و (1298) و (3519) من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منَّا من ضَرَبَ الخُدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ".

وأخرج مسلم (934) من طريق أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تُقام يوم القيامة وعليها سربال من قَطِران ودرعٌ من جرب ".

(4)

هو اسم الجبل المشرف على مكة، وهو مواجه جبل قُعَيْقِعَان، وبينهما مكة، أبو قبيس من جهة الشرق، وقعيقعان من جهة الغرب.

ص: 297

وأبي بكرٍ بن أبي شيبة، وأخيه، وعبد الأعلى بن حماد، وابن أبي الشوارب، وعليِّ بن المديني، والقواريري، وأبي خيثمة، وأبي معمرٍ، والوَرْكاني، وأحمد بن محمد بن أيوب، ومحمدِ بن بكَّار، وعمرٍو الناقد (1)، ويحيى بن أيوب المقابري، وسُريجٍ (2) بن يونس، وخلف بن هشام، وأبي الربيع الزهراني، فيمن لا أُحصيهم، يُعظِّمون أحمد ويُجِلُّونه ويُوَقرونه ويُبَجِّلُونَه ويقصدونه للسلام عليه.

قال أبو علي بن شاذان: قال لي محمد (3) بن عبد الله الشافعي: لمَّا مات سعيد بن أحمد بن حنبل، جاء إبراهيم الحربيُّ إلى عبد الله بن أحمد، فقام إليه عبد الله، فقال: تقومُ إليَّ؟ فقال: والله لو رآك أبي، لقامَ إليك، فقال إبراهيمُ: والله لو رأى ابنُ عيينة أباك، لقام إليه.

قال محمد بن أيوب العُكْبَري: سمعت إبراهيم الحربي، يقول: التابعون كلهم وآخرهم أحمد بن حنبل -وهو عندي أجَلُّهم- يقولون: من حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئاً ثم فعله ناسياً، كلهم يُلزِمُونَه الطلاق.

وعن الأثرم، قال: ناظرت رجلاً، فقال: من قال بهذه المسألة؟ قلت: من ليس في شرقٍ ولا غربٍ مثلُه، قال: من؟ قلتُ: أحمد بن حنبل.

وقد أثنى على أبي عبد الله جماعةٌ من أولياء الله، وتبرَّكُوا به، روى

(1) في (ب): " وعمرو والناقد " وهو خطأ.

(2)

تصحف في (ب) و (ج) و (د) إلى: شريح.

(3)

في (ب): قال أحمد.

ص: 298