الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذهن، فإنَّ من قال: إن لها وجوداً في الخارج، أو لا وجود لها فيه، بل هي معدومةٌ، أو قال: لا يُوصَفُ بواحدٍ منهما، لم يستحق الكفر سواء كان خطأ معلوماً بالضرورة أم لا، ما ذلك إلَاّ لأن السمع لم يرد في ذلك بأمر يكون رادُّه مكذباً له، فتأمل ذلك.
فإذا تقرَّر ذلك، فاعلم أن أبعَدَ الناس من الكفر من عظَّم السمع وعظَّم الإيمان بما فيه مع (1) البُعد من التمثيل والتشبيه، وإن اطلع أهل الأنظار العقلية على غَلَطِه أو رِكَّةِ بعض أدلته، فقد يكون إيمان بعض المؤمنين صحيحاً مؤمناً له من عذاب الله، مُقَرِّباً له من الله، ويكون عليه في تَصَرُّفِه في النظر والاستدلال مؤاخذاتٌ لا سيما في العبارة، وذلك لعدم ارتياضه (2) على تهذيب العبارات، وقلَّة دريته بتحرير المقدِّمات، لا لضعف إيمانه، ولا لضعف دليله، وقد يوردُ المتحذلِقُ في علم (3) الجدل الشُّبَهَ، فيكسوها من حسن الترصيف، وجودة الترتيب ما يُموِّهُ به على كثير من المتعاطين لعلم النظر، والمنقطعين في فنِّ الكلام، فإيَّاك والاغترار بذلك، فإن أكثر المعاني المشوَّهة تُسْتَرُ بالعبارات المموّهة.
الوجه الثاني: أنَّ الدليل على الكفر والفِسْقِ لا يكون إلَاّ سمعياً قطعياً
ولا نزاع في ذلك، وإنَّما النزاع في بعض الأدِلَّةِ على التكفير، هل هو قاطعٌ أم لا؟، وأنت إذا عَرَفْتَ معنى القاطع، عرفتَ الحقَّ في تلك الأدلة المعينة.
واعلم أن القطعَ لا بُدَّ أن يكون من جهة ثبوت النصِّ الشرعي في
(1) في (ش) و (د): من.
(2)
تحرفت في (ش) إلى: ارتباطه.
(3)
في (د): لعلم.
نفسه، ومن جهة وضوح معناه.
فأمَّا ثبوتُه فلا طريق إليه إلَاّ التواتر الضروري كما تقدم.
وأما وضوح معناه، فهل يمكن أن يكون قطعياً، ولا يكون ضرورياً؟ في كلام كثيرٍ من الأصوليين ما يقتضي تجويز ذلك، وفي (1) كلام بعضهم ما يمنع من ذلك، وهو القويُّ عندي أن (2) القطع على معنى النصِّ من قبل (3) النقل عن أهل اللغة أنهم يعنُونَ باللفظ المعين معناه المُعيَّن دون غيرِه، وهذا (4) طريقُه (5) النقل لا النظر، وما كان طريقه النقل لا النظر لم يدخله القطع الاستدلالي، وإنَّما يكون من قبيل المتواترات وهي ضروريةٌ، ويُؤيِّدُ هذا أن شرط القطع، بمعنى النص مع تواتُرِ معناه لغةً القطع ينفي الاشتراك، والتجوز، والإضمار، والمعارضة، والنسخ، والتخصيص، والاستدلال القاطع على عدم هذه متعذرٌ، لأنه لا مستند لذلك إلَاّ عدمُ الوجدان بعد الطلب، وذلك لا يُفِيدُ القطع البتة، ومنتهى ما يفيد الظن لا سوى، كما ذلك مقررٌ في العلوم النظرية بل مقررٌ في العلوم (6) الفِطرية، فإن كل عاقل يُجَرِّبُ مثل ذلك، فلِمَ يطلب الإنسان الشيء فلا يجده ثم يجده؟.
وقد أورد الرازي هذا السؤال في باب اللغات من " محصوله "(7)
(1)"الواو" ساقطة من (ب).
(2)
في (ش): لأن.
(3)
في (ش): قبيل.
(4)
في (ش): وهذه.
(5)
في (ب): طريقة.
(6)
في (ب): العقول.
(7)
انظر الجزء الأول من ص 260، و269 و279 و294 - 295.
مُهذَّباً مُطوَّلاً، وأجاب عنه بما معناه: أن العلم بالمقاصد يكون مع القرائن ضرورياً، فإنا نعلم مراد الله سبحانه بالسماوات والأرض بالضرورة (1)، لا بكون (2) لفظ السماء موضوعاً لِمُسماه، لدخول الاشتراك والمجاز والإضمار في الأوضاع اللغوية.
فإذا تقرَّر هذا، ثبت أن (3) الدليل القطعى على التكفير ليس هو إلَاّ العلم الضروري بأن هذا القول المعين كفرٌ، وهذا غير موجود إلَاّ في مثل من قدمنا ذكره من القرامطة، ألا ترى أن من أوضح الألفاظ في هذا المعنى لفظ الكفر، وقد جاء بمعنى كفر النعمة، وحَمَلَه على ذلك كثيرٌ من العلماء في أحاديث كثيرةٍ، وجاء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وصف النساء بالكفر، قالوا: يا رسول الله، يكفرن بالله، قال:" لا، يكفرن العشير "(4) وهو الزوج، وجاء في الحديث إطلاق الكفر على النياحة والطعن في الأنساب (5)، والانتساب إلى غير الأب (6)، ومن ثم اختلف الناس في تكفير قاطع
(1) في (ش): ضرورة.
(2)
في (ب): يكون.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
أخرجه بلفظ المصنف أحمد 1/ 358 - 359 من حديث ابن عباس، وهو بنحوه من حديثه في " الموطأ " 1/ 186 - 187، و" المسند " 1/ 298.
وتقدم تخريجه في 2/ 162 من " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري.
وأخرجه من حديث ابن مسعود: أحمد 1/ 423 و425 و433 و436، والدارمي 1/ 237.
وأخرجه من حديث ابن عمر: أحمد 2/ 66 - 67، وابن ماجة (4003).
وأخرجه من حديث أبي هريرة: الترمذي (2613).
وأخرجه من حديث جابر: الدارمي 1/ 377.
(5)
أخرجه مسلم (67)، والبيهقي 4/ 63 من حديث أبي هريرة بلفظ:" اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في النسب، والنياحة على الميت ".
(6)
أخرجه من حديث أبي ذر: البخاري (3508)، ومسلم (61)، وأحمد =
الصلاة لورود النص بكفره (1).
والقصد التنبيه (2) على أن لفظ الكفر الموضوع في الشرع لمضادة الإسلام إذا لم يكُن قاطعاً في معناه الشرعي، فكيف بكثيرٍ من الاستخراجات البعيدة والاستنباطات المتكلفة، والإلزامات المتعسفة، والمفهومات المُتخيلة (3)، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا قال المسلم لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما "(4)، ولا ملجأ للمسلم إلى التعرُّض لمثل هذا الذنب العظيم، والخطأ في العفو أولى من الخطأ في العقوبة، وتقوى الله نِعْمَ الوازِعُ، نسأل الله أن يجعلنا من المتقين.
وهذا الكلام الذي ذكرته في شرائط التكفير والتفسيق هو على قواعد المعتزلة والشيعة وجُلِّ سائر المتكلمين، وهو عندي صحيح في من يُرادُ القطع بكفره، وأما من لا يراد القطع بكفره ففيه لي (5) نظر ليس هذا مَوْضِعَ
= 5/ 166 بلفظ: " ليس من رجلٍ ادَّعى لغير أبيه -وهو يعلمه- إلَاّ كفر بالله، ومن ادَّعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوّأ مقعده من النار ".
(1)
أخرجه من حديث جابر: أحمد 3/ 370 و389، ومسلم (82)، وأبو داود (4678)، وابن ماجة (1078)، والترمذي (2618) و (2619) و (2620)، والبغوي (347). ولفظ مسلم:" إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ".
وأخرجه من حديث بريدة: النسائي 1/ 231 - 232، والترمذي (2621)، وابن ماجة (1079)، والحاكم 1/ 6 - 7.
وأخرجه من حديث أنس: ابن ماجة (1080).
وأخرج الترمذي (2622): عن عبد الله بن شقيق قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة "، ووصله الحاكم 1/ 7 عن أبي هريرة. وقال الذهبي: لم يتكلم عليه، وإسناده صالح.
(2)
في (ب): والتنبيه بزيادة الواو، وهو خطأ.
(3)
تحرفت في (ب) و (ش) إلى: المتخلية.
(4)
تقدم تخريجه في 2/ 439.
(5)
في (د): فلي فيه.
ذكره، وقد ذكره الفقيه حميد في " العمدة "(1) وقوَّاه وعزاه إلى الإمام المنصور بالله (2)، والله سبحانه أعلم.
وهذا الكلام كله يتعلق بتكفير المعتزلة أو بعضهم لبعضِ مثبتي الصفات بسبب مخالفة المعلوم من السمع، وهو قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] والمعنى المعلوم بالضرورة من الدين في هذه الآية الشريفة المجمع عليه بين المسلمين: هو تكفير من أثبت لله تعالى مثلاً في الربوبية، أو في صفات الربوبية، أو في بعض صفاتها التي هي من خواصِّ الربوبية دون من أثبت سائر صفات الكمال التي يُمْدَحُ الربُّ جل جلاله بالاتصاف بها وسماها المثل الأعلى، وتمدَّح بها في قوله عز وجل:{وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم: 27] ومدحه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجميعُ سلفِ الأمةِ مُتقربين إليه بمدحه بها (3) وتسميته ووصفِه في صلواتهم، وتلاواتهم، وخُطَبهم، ومواعظهم، ومناجاتهم مجمعين على إطلاقها من غير تأويلٍ، ولا تنبيه على ذلك، كيف وهذا أمير المؤمنين الذي يدَّعي عليه كثيرٌ (4) من
(1) هو حميد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد المحلي، النهمي، الوادعي الهمداني، المعروف بالقاضي الشهيد من علماء الزيدية وفضلائها، كان من كبار أصحاب الإمام المهدي أحمد بن الحسين القاسمي، وحضر معه معركة الحصينات بينه وبين المظفر الرسولي يوسف بن عمر، فاستشهد القاضي بها سنة 652، قتله الأشراف بنو حمزة. من تصانيفه:" العمدة " في مجلدين، و" العقد الفريد "، و" الحسامُ الوسيط " و" عقيدة الآل "، " والحدائق الوردية في مناقب الأئمة الزيدية "، وهذا الأخير في مخطوطات المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء. انظر " الفهرس " ص 661. مترجم في " العقود اللؤلؤية " 1/ 115، و" تراجم الرجال " ص 13.
(2)
من قوله: " وقد ذكره " إلى هنا مذكور في هاش (أ) غير واضح.
(3)
ساقطة من (ش).
(4)
ساقطة من (ش).
أهل البدع موافقتهم فيها (1).
نقول: فيما رواه السيد الإمام الناطق بالحق أبو طالب الحسني رحمه الله في كتابه " الأمالي ": أخبرنا أبي، أخبرنا (2) عبد الله بن أحمد بن سلام، أخبرنا أبي، أخبرنا إبراهيم بن سليمان، حدثنا عليُّ بن الخطاب الخَثْعَمي، حدثنا أحمد بن محمد الأنصاري، عن بشير، عن زيد بن أسلم، أن رجلاً سأل علياً عليه السلام في مسجد الكوفة، قال: هل تَصِفُ لنا ربَّنا؟ فَغَضِبَ وخطب خطبته التي أولها: الحمد لله الذي لا يضره المنع، ولا يُكديه الإعطاء، وفيها دلالة (3) على معنى ما رُوِيَ عنه عليه السلام من أن الله تعالى لا يوصَفُ إن كان صح ذلك عنه، وذلك قوله عليه السلام في هذه الخطبة بعد أن وصف الله سبحانه بالصفات الحميدة، ثم قال عليه السلام: فعليك أيها السائل بما دل عليه القرآن من صفته، وتقدَّمَكَ فيه الرسلُ بينك وبين معرفته.
وكذلك وصيتُه عليه السلام لولده الحسنِ بن علي عليهما السلام، وما اشتملت عليه من تعظيم القرآن، وما جاءت به الرسل، ووجوب الرجوع إليه، والاعتماد عليه، رواها السيد الإمام أبو طالب الحسني رحمه الله في " أماليه "، فقال: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، أخبرنا محمد بن العباس بن الوليد الشامي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن عقبة الأسدي الكوفي، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم بن إسماعيل القطَّان، أخبرنا إسماعيلُ بن مِهْران، أخبرنا عبد الله بن الحارث
(1) في (ش): له فيما.
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
في (ش): وفيهما ما يدل.
الهمداني، عن جابرٍ الجُعْفي، عن أبي جعفر محمد (1) بن علي الباقر، عن أبيه عليهما السلام، أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى ابنه الحسن بعد انصرافه من صِفِّين إلى قناصرين (2): من الوالدِ الفَانِ المُقِرِّ للزمان، وساق جملةً صالحةً من الوصية، ولم يستوفها كلها كما في " النهج "(3)، وفيما أورده منها قوله عليه السلام: وَدَعِ القول فيما لا تعرف، والنظر فيما لم تُكَلَّفْ، وأمسك عن طريقٍ إذا خِفْتَ ضلالته (4)، فإن الوقوف عند حَيْرَةِ الطريق خيرٌ من ركوب الأهوال، وهي معروفة في " نهح البلاغة " وغيره.
وقد تكلم عليها ابن أبي الحديد في " شرحه "(5) بكلام يستفرغ العجب من صدوره (6) من مثله، خلاصته: أن عليّاً كرَّم الله وجهه عرف من الحَسَنِ القصورَ عن درك حقائق علم الكلام، فأوصاه بالجُمل، فإنا لله إن كانت ذهبت المعارف، فأين الحياء، أيكون أفضل أهل عصره الذين هم من خير القرون بالإجماع، وإمامُهم المجمع على انعقاد إمامته قاصراً عن مرتبة ابن أبي الحديد وشيوخه المستأخرين قدراً وزماناً بالنصِّ والإجماع عن مراتب ركنِ الإيمان، وعِصَابَةُ الإسلام من رعية سيِّد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)، فكيف بإمامهم المقطوع على
(1) في (ش): عن محمد.
(2)
كذا في الأصول: " قناصرين "، وفي " معجم البلدان ": قاصرين: وهي بلد بالشام بقرب بالس، وبالس: بين حلب والرقة على ضفة الفرات الغربية، وقد تحرفت في " النهج " و" شرحه " ب 16/ 53 إلى: حاضرين.
(3)
ص 553 - 572.
(4)
في (ش): ضلالاته.
(5)
16/ 9 - 131.
(6)
في (ب): صدور.
(7)
جاء في الحديث المرفوع: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ". أخرجه =
إمامته وولايته وعلمه وجلالته؟!، فكيف يفضُلُ (1) عليه في معرفة الله تعالى التي هي أساس الإيمان وأفضلُه (2) من لم يتخلّص من البدعة، ولم يستضىءْ بنور السنة، بل من اشتدَّ النزاع في حكمه بين كثيرٍ من أهل الملة؟!
ولو كان إثباتُ ما تمدَّح الله به من أسمائه الحسنى أو إثبات بعض ذلك تشبيهاً، لكان الحق قول الباطنية الذين نَفَوْا جميع ذلك، فلمَّا أجمعنا على بُطلان قولهم: إن ذلك تشبيهٌ، كان جواب أهل السنة لمن نسب إليهم التشبيه بسبب إيمانهم بما تمدَّح الله به هو جواب المعتزلة على الباطنية حين نَسَبَتِ (3) الباطنيةُ التشبيه إلى المعتزلة بسبب وصفهم لله تعالى ببعض ما تمدَّح (4) به سبحانه، فافهم ذلك. ومما (5) تقف عليه من كلام أمير المؤمنين وسائر الصحابة والتابعين في الفزع إلى القرآن والاعتقاد أنه أعظم برهان (6)، والوصف لله تعالى بما وصفه به في (7) الفرقان، وما (8)
= الترمذي (3768)، وأحمد 3/ 3 و62 و64 و82 من حديث أبي سعيد الخدري، وصحَّحه الترمذي، وابن حبان (2228)، والحاكم 3/ 166.
وأخرجه أحمد 5/ 391 و392 من حديث حذيفة، وحسنه الترمذي (3781).
وأخرجه من حديث ابن مسعود: الحاكم 3/ 167، وصححه، ووافقه الذهبي.
وفي الباب عن غير واحد من الصحابة، ذكرها الهيثمي في " المجمع " 9/ 182 - 184.
وروى البخاري في " صحيحه "(3753) و (5994) من حديث ابن عمر مرفرعاً:
" هما ريحانتاي من الدنيا " وهو في " المسند " 2/ 85 و153، والترمذي (3770).
(1)
في (ش): تفضل.
(2)
في (ش): وأفضل.
(3)
في (ش): نسب.
(4)
في (ش): تمدح الله.
(5)
في (ب): وبما.
(6)
"الواو" ساقطة من (ب).
(7)
ساقطة من (د).
(8)
في (ب): وبما.
وصَفَتْهُ به رسلُه مما تواتر عنهم في جميع الأديان يُعلم بطلان الوجه الثاني الذي تمسَّك به بعضُ المعتزلة في تكفير بعض الصفاتية الذين (1) افتري عليهم اسمُ (2) المجسمة، وهو الإجماع، فإنَّ كثيراً منهم اسْتَرَكَّ الاستدلال على كفرهم بردِّ المعلوم من السمع لأنهم أشدُّ الناس إيماناً بالسمع، وإنما كفَّرَهُم هؤلاء لشدة ملاحظتهم للسمع، فعرفوا أن طريق (3) تكفيرهم برد السمع الذي هو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ركيكٌ لا سيّما عند من يعرِفُ شروط الأدلَّة القاطعة (4)، ويعرِفُ أنَّ التكفير لا يكونُ إلَاّ بجحد (5) معلوم ضروري أو بدليل معلوم قطعي، فعَدَلُوا عن ذلك إلى الإجماع لما شاع بينهم من أن الإجماع قطعي، وهذه غفلة عظيمة لوجوه.
الوجه الأول: أن (6) المدعى بالإجماع هو كفرُ المُشَبِّهةِ، وهذا صحيح لكن فيه غِلاظٌ خفي، وهو أنه مبنيٌّ على مقدمتين:
إحداهما (7): أن هؤلاء مُشبِّهةٌ.
وثانيهما: أن المشبِّهَة كفارٌ، وموضع الإجماع هو المقدمة الأولى فسكتُوا من تصحيح الإجماع فيها وأغفلوها، وهي موضعُ النِّزاع (8)،
(1) في (ب) و (ش): الذي.
(2)
في (ب): " بعض "، وفي (ش):" لفظ ".
(3)
في (د): شدة.
(4)
في (ش): القطيعة.
(5)
في (ب) و (ش): بحجة.
(6)
ساقطة من (ب).
(7)
في (ب) و (د): أحدهما.
(8)
في (ش): موضع النزاع فيها.
فتأمل ذلك فعند أهل السنة أن نفي التشبيه عن الله تعالى بتعظيم صفاته في كمالها، ونفي كلِّ نقصٍ عنها. وعند الملاحدة أنه ينفيها، والمعتزلة فرَّقوا بينها، ففي بعضها قالوا بقول أهل السنة، وفي بعضها قالوا: بقولِ الملاحده الباطنية، ويشهدُ لقول أهل السنة:{وهو السميعُ البصيرُ} بعد قوله: {ليسَ كمثلِه شيءٌ} ، وقولُه:{وله المثلُ الأعلى} [الروم: 27]، وما تقدَّم في الوهمُ الخامس عشر (1) و (2) سيأتي في الكلام على الرؤية.
الوجه الثاني: أنَّ خصومهم الذين قضَوْا بكفرِهم من الأمة، بل الذين هم أشبهُ الأمة بسَلَفِها الصالح المُجْمَعِ على سلامتهم، ولا يشُكُّ في ذلك من يعرفُ أخبار السلف وبُعدَهم من الكلام، فإجماع مخالفيهم على كفرهم إجماعُ بعضِ الأمة لا إجماع الأمة، بل (3) هؤلاء المدعى كفرُهم بالإجماع يدَّعُون كُفْرَ مكفرِهم بالإجماع، وينقُلُون عن السلف في ذلك ما لا يتَّسِعُ له هذا الموضع، ويعضدُون ذلك بالحديث الصحيح " إذا قالَ المسلمُ لأخيهِ يا كافر، فقَدْ باء بها أحدُهُما ".
وعلى الجَهْدِ (4) أنَّ مكفِّرَهم يَتَخَلَّصُ من دعوى الإجماع على كفرهم (5)، ونحن -ولله الحمد-، نرُدُّ على الطائفتين في تكفيرِ كُلِّ طائفة للأخرى.
(1)" الخامس عشر " ساقط من (ش).
(2)
في (أ) و (ش) أو.
(3)
من قوله: " الذين هم أشبه " إلى هنا ساقط من (ش).
(4)
في (ش): الجملة.
(5)
في (د): كفره، وهو خطأ.
فنقول: إنَّه لا يتحققُ تصريحُ أحدٍ من السلف بشيءٍ، من ذلك، فكيف يُدَّعى العلمُ بتصريحِ كلٍّ منهم بذلك، بل لا يتحققُ إجماعُ كُلِّ طائفة من هؤلاء المختلفين على تكفيرِ خصومهم، لأنَّ التنصيصَ على كفرهم إنما كان في الأعصار المتأخرة بعد انتشار الإسلام، وتباعد أقطاره، وتبايُنِ أطرافه، واتِّساع مملكته، وقد مَنَعَ جماعةٌ جِلَّةٌ من المحققين (1) من تَحَقُّقِ الإجماع بعد ذلك، منهم الإمامانِ المنصورُ بالله والمؤيد بالله يحيى بنُ حمزة من أئمَّة الزيدية، والرازيُّ من أئمَّة الأشعرية، والجاحظ من أئمَّة المعتزلة، وأحمدُ بنُ حنبل من أئمة أهل السنة، ومن لا يأتي عليه العَدُّ، واحتجُّوا بما لا يَخْفَى على مميِّزٍ من تَعَذُّرِ العلمِ القاطع بمعرفة أعيانهم فضلاً عن أقوالِهم، وكيف يتصوَّرُ العاقلُ أنه يُمْكِنُه العلمُ القاطع بالإجماع، وهو نَقْلٌ مَحْضٌ لا يدخُلُه الاستدلال، وإنما تدخلُه الضرورةُ، فإذا بَطَلَتْ، كان ظنياً، والعلم الضروري بالإجماع يحتاجُ إلى العلمِ الضروريِّ بانحصار العلماء، بل بانحصار المسلمين ثم تواتر النصِّ الذي لا يحتملُ التأويلَ عن كلِّ فَرْدٍ منهم، وإنما قلنا: بل بانحصارِ المسلمين (2) لأنَّ إجماع العُلَماءِ دون العامةِ حجَّةٌ ظنيةٌ مختَلَفٌ فيها بين العلماء، لأنَّ ظاهر أدلَّة الإجماع يشمَلُ العامة، فإخراجُهم إنَّما كان بدليلٍ ظني وهو عَدَمُ علمِهم بالمسألة، وعدمُ تكليفهم بها، ومن أدخلَهم يقول: لهم طريقٌ إلى الموافقة بالتقليد عند الجمهور، وبالاجتهاد عند البغدادية، فإذا لم يُقَلِّدوا وَجَبَ عليهم الاجتهاد، أقصى ما فيه أن يجوز ضلالُ العامة بعدم التقليد، وضلالُ العُلَماءِ بخطأ الدليل،
(1) في (د): المتكلمين.
(2)
من قوله: " ثم تواتر " إلى هنا ساقط من (د).
لكن يجوز أن يكون خطأُ العلماء مغفوراً بالاجتهاد، ولم يدُلَّ الدليل على عصمةِ الأمةِ من الخطأ المغفور، وإنَّما القدرُ المتحققُ عصمتُهم ممَّا يُسَمَّى ضلالةً، مثلُ الكفر، سلَّمنا، فلم يدُلَّ الدليل على عصمة الأمة مفترقة، فيجوز ضلالها كُلِّها حين (1) لا تجتمِعُ، وظاهر بعض الأحاديث يمنع هذا (2)، لكنَّه ظنيٌّ، ودخولُ العامي في مسائل التكفير أقوى، لأن عند الخصم أنه مكلفٌ بها، متمكنٌ منها.
ولما قَوِيَ هذا السؤالُ، أراد جماعةٌ دَفْعَه، منهم: ابن الحاجب بأنا نعلم تقديمهم للقاطع على الظني، وهذا لا يُساوي سماعه، فإنا لم نعلم ذلك عنهم بنقلٍ، ولكنا نعلم أن كل عاقل يقول ذلك، كما أنا نعلم إجماع من سيوجد على ذلك ممن لم يخلُقْهُ الله الآن، وذلك مثلُ ما نعلم أن كل عاقلٍ يقول: إنَّ العشرة أكثر من الخمسة.
وقد قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان ما لفظه: وأما الكلام في الوجه الثالث وهو نفي دعوى الإجماع في هذه المسألة بمجرد ما يوجد في كتب المتقدمين، أو يُسمعُ من آحاد المجتهدين
…
إلى قوله: وإجماع الأمة فيها غيرُ ممكن، لأنها حَدَثَتْ بعد تباعُدِ أطراف الإسلام، واتِّساع نطاقه، وقد صار طرفُ الإسلام طَرَسُوسَ (3)، ومضيق
(1) تحرفت في (ش) إلى: حتى.
(2)
وهو: " إنَّ أمتي لا تجتمع على ضلالة ". أخرجه أحمد 6/ 396، والطبراني من حديث أبي بصرة الغفاري، وابن ماجة (3950) من حديث أنس، وأبو نعيم في " الحلية " 3/ 37، والحاكم 1/ 115 - 116 من حديث ابن عمر، وأبو داود (4253) من حديث أبي مالك الأشعري. وقد تقدم تخريجه 1/ 184.
(3)
هي مدينة بثغور الشام شمال غربي حلب تبعد عنها 140 ميلاً تقريباً، وهي قرب أذنة، وبها قبر المأمون، وهي تابعة الآن لجمهورية تركيا.
قُسطنطينيَّة، وبلد الهند، وفي الشرقِ إلى ما وراء النهر يعني جيحون (1)، فكيف يمكنُ ادعاءُ علمِ ما عندهم مع أنَّ العلماء فيهم كثرة (2)، وإن شئت أن ترجع إلى أهل البيت، فتشتتُهم كان في أيام عبد الله بن الحسن (3)، ولحاق إدريس بن عبد الله بالغرب (4)، وبعضهم بالمشرق (5)، وتشتتوا تحتَ كُلِّ كوكبٍ، وفيهم العِلمُ ووراثة النبوة، وليس لكل منهم تصنيفٌ مع علمه، وكان أكثرُ ما يُقالُ في ذلك: إنَّا لم نَجِدْ قولاً.
فنقول: إن الذي لم تجدوا أكثر من الذي وجدتُم، أيَّدكم الله تعالى .. إلى قوله: ومِن أين الطَّريقُ لنا إلى العلم بقول كلِّ واحدٍ منهم، والحال هذه وسكوتُه لا يُوَلِّدُ لنا حُكماً، ولا يُعرِّفُنا له قولاً، لأن من الجائز أن يكون عنده غيرُ ما ظهر، ولا يُظهِرُه لعلمه أنَّ قول غيره، وإن خالف اجتهادَه حقٌّ (6)، ولا (7) تَخطُرُ له تلك المسألة ببالٍ. انتهى (8). ذكره في " المجموع المنصوري "، وقد نُسِبَ إلى مخالفة الإجماع.
وذكر الإمام يحيى بن حمزه مثل كلام المنصور واختاره، وذكر
(1) كان هذا النهر يعد الحد الفاصل بين الأقوام الناطقة بالفارسية والتركية فما كان في شماله، أي وراءه من أقاليم قد سماها العرب ما وراء النهر. انظر " بلدان الخلافة الشرقية " ص 476 وما بعدها.
(2)
في (ش): كثير.
(3)
انظر " البداية والنهاية " 10/ 83 - 85.
(4)
هو إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب، مؤسس دولة الأدارسة في المغرب، المتوفى سنة 177 هـ مسموماً في وليلي، وهو أول من دخل المغرب من الطالبيين. انظر " الأعلام " 1/ 279.
(5)
في (ش): بالشرق.
(6)
في (ش): حتى.
(7)
في (د): " أو لا "، وفي (ش):" إذ لا ".
(8)
ساقطة من (ش).
أنه (1) الذي عوَّل عليه أئمة الزيدية وأكثر المعتزلة، ومال إليه أهل الظاهر، وارتضاه الشيخ أبو حامد الغزالي، ثم طوَّل في الاحتجاج عليه (2)، ذكره في " المعيار ".
وهذه المسألة (3) ظنيَّةٌ (4) وربما قيل فيها بالإجماع السُّكُوتي، فكيف بالمسائل القطعية التي يلزَمُ في الاحتجاج بالإجماع فيها ثُبُوتُ نصٍّ لا يحتمل التأويل بالتواتر (5) في الطرفين والوسط عن كل فردٍ من جميع المسلمين، ومن علمائهم بعد العلم الضروري بانحصارهم، ولعزة الإجماع وتساهُل كثيرٍ من الثقات في نقله لمجرد (6) توهُّم موافقة الأكثرين لمن تَكَلَّم لمذهبه (7) فسكتُوا، تجدُ العلماء يتكاذبون في ذلك، فهؤلاء المعتزلة والشيعة مع ثناء بعضهم على بعض، وتوثيق بعضهم لبعض (8) يتكاذبون في روايات ثقاتهم في الإمامة، فالمعتزلة تروي بأجمعهم إجماع الصحابة على خلافة الثلاثة، والشيعةُ تكذِّبُهم في هذه الدَّعوى. وكذلك الشيعة تدَّعي ثبوتَ (9) الخلاف في ذلك و (10) ترويه، والمعتزلة يكذبونَهم في ذلك وأمثال ذلك ما (11) في ذلك لا يُحصَى.
(1) في (أ): أن.
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
في (ب): وهذا في مسألة.
(4)
"الواو" ساقطة من (ش).
(5)
" بالتواتر " ساقطة من (ش).
(6)
في (أ): بمجرد.
(7)
في (أ): بمذهبه.
(8)
قوله: " وتوثيق بعضهم لبعض " ساقط من (ش).
(9)
ساقطة من (ش).
(10)
في (د): أو.
(11)
في (ش): ممَّا.
وقد اختار الإمامُ يحيى بن حمزة في كتابه " التمهيد " عدم إكفار أهل القبلة من المُشَبِّهَة والمُجَبِّرة وغيرهم، واحتج على ذلك، ثم ذكر حجج المكفرين للمشبهة والجَبْرِيَّةِ، وجعل الإجماع أحدها، ثم قال: وفي كل واحد من هذه الوجوه نَظَرٌ، ثم قال: حقّاً على كل من تكلم في الإكفار أن يُنْعِمَ النظر فيه، ويتقي الله، فإن موردَه الشرعُ، والخطأ فيه عظيمٌ، وإذا لم يتَّضِحِ الدليل فالوقوف فيه أولى (1) انتهى بحروفه.
وقال الشيخ مختار المعتزليُّ في كتابه " المجتبى " في المسألة التاسعة من التكفير في المشبهة ما لفظه: كَفَّرَهُم شيوخُنا وأكثرُ أهل السنة والأشعرية لأنهم شبَّهُوا الله تعالى بخلقه في الجُلوس والقعود والصعود والنزول (2) وذلك كفرٌ لأنهم (3) عنده كَعَبَدةِ الأصنام، لأنه عندَهُم جسمٌ (4) ذو أبعاد (5)، وعبادة الصنمِ كفرٌ، ولم يُكَفِّرْهُم صاحب " المعتمدِ "(6)، وهو اختيار الرازي من الأشعرية، قال: لأنهم عالمون بذات الصانع القديم على الجملة وبصفاته، ومُقِرُّون (7) به وبصفاته (8) وبكافة الأنبياء عليهم السلام والكتب، فجاز أن لا يبلغَ عقابُهم عقابَ الكافر.
وأما المجسمة فإن (9) عَنَوا بكونِهِ جسماً كونه ذاتاً قائمة، فلا شكَّ في
(1) ساقطة من (ش).
(2)
في (ب) و (ش): والنزول والصعود.
(3)
في (ب): ولأنهم.
(4)
في (ب): جسيم.
(5)
ليس في (أ) و (ج): "ذو"، وفي (ب):" ذو أبعاض ".
(6)
انظر المعتمد: 2/ 398 - 400 لأبي الحسين البصري المعتزلي.
(7)
في (أ): ومعترفون.
(8)
قوله: " ومقرون به وبصفاته " ساقطة من (ش).
(9)
تحرفت في (أ) إلى: فإنهم.
عدم تكفيرهم، وإن عَنَوْا به جسماً ذا أبعادٍ، فَهُمْ والمشبهةُ سواءٌ.
وقال في آخره (1): الفقهاءُ وأصحابُنا لا يُكَفِّرونَ من قال: بأنه كان في جهةٍ وليس بجسمٍ ولا شاغلٍ للجهة. انتهى.
وتقدم تنزيهُ ابنِ أبي الحديد لأحمدَ بن حنبل (2) من التشبيه والتجسيم، وأنه إنما كان يُطلِقُ الآيات ولا يتأوَّلها ويقِفُ على {وما يَعْلَمُ تأويلَه إلَاّ اللهُ} [آل عمران: 7]، وأن ذلك ليس بتشبيهٍ ولا تجسيمٍ، وأكثرُ ما يلزمُ أهلَ الأثرِ التشبيهُ والتجسيم من ذلك، فاعرِفْ (3) هذه الفائدة.
وكذا (4) حكى الشيخ مختار، عن الشيخ أبي الحسين صاحب " المعتمد ": أنه لا يُكَفِّرُ الصفاتية الذين يقولون: إن لله تعالى علماً وقدرةً وحياة وإرادة قديمة، قال: وادعى مُكَفِّروهُم الإجماع على كُفْرِ من أثبت مع الله قديماً.
وأجاب الشيخ أبو الحُسينِ عن هذا الإجماع بأنه يحتمل أن أهل الإجماع إنما أجمعوا على كُفر من أثبت مع الله قديماً واجب الوجود بالذات، لأنه أثبت لله تعالى مثلاً، والصفاتية لا يقُولون بذلك.
قال الشيخ مختار: وهو الحق، لأنهم يقولون: هذه المعاني لا هي الله، ولا غيرُ الله، ولا جزءُ الله (5) فلم يُثبتُوا قديماً من الله، قال:
(1) في (ب): " آخره ما لفظه "، وفي (ش):" آخر هذه ".
(2)
3/ 221.
(3)
في (ب): فافهم.
(4)
في (ش) و (د): وكذلك.
(5)
" ولا جزء الله " ساقطة من (ش).
والعجب من أبي هاشم وأصحابه فإنهم (1) يثبتون الأحوال، وهي مثل المعاني، بل أشنع، لقولهم: إنَّه لا يعلمُ ما هيته إلى آخره.
فكيف تصحُّ دعوى الإجماع مع (2) ذلك ومن (3) خلافِ مثلِ (4) هذا الإمام الجليل من أئمَّة أهل البيت فإنه نصَّ على عدم تكفير المُشَبَّهة أول الفصل الثاني في طريق معرفة الكفر، واحتج عليه فيه، وفي النظر الثاني في حكم المخالف للحق من أهل القبلة.
ثم بيَّن (5) الشيخ مختار المعتزلي في كتابه " المجتبى " أن ترك التكفير هنا أولى فقال (6) في المسألة (12): الواجب على المفتي أن لا يُفتي بكفر أحدٍ لم يرد فيه دليلٌ على كُفره، واختلف الناس فيه واشتبه الأمر عليه، وأن يكتب في فتواهُ: لا يكفُر، و (7) يُجدد الإسلام ثم النكاح لأن الحكم بكفره حكمٌ بسقوط العبادات عنه والحقوق (8)، والاحتياط في إثباتها، والحكم بتجديد عقد النكاح بعد تجديد الإسلام حكمٌ (9) بتحريم الفُروج، وحرمة الفُروج يُحتاطُ في إثباتها.
وعن بعض السلف أنه كان يكتب: لا يكفُرُ، وغيري يُخالفني.
(1) في (ب): إنَّهم.
(2)
في (أ): ومع.
(3)
" ومع " ساقطة من (أ).
(4)
ساقطة من (ب) و (ش).
(5)
تحرفت في (ش) إلى: من.
(6)
في (ش): قال.
(7)
في (ش): " ولا "، وهو خطأ.
(8)
ساقطة من (ب).
(9)
من قوله: " بكفره حكم " إلى هنا ساقط من (ش).
وفي " البحر المحيط "(1)، وعن أبي عليٍّ الجُبَّائي، وهو قول محمدٍ والشافعيِّ: إنَّه لا يكفُرُ بشيءٍ من ألفاظ الكُفر التي تبدُرُ من (2) الإنسانِ إلَاّ أن يعلَمَ المتلفّظ بها أنه يكفُرُ بها. قال الشيخ مختارٌ: وبه نُفْتي (3).
و (4) قال في المسألة (11) بعد الاحتجاج على عدمِ كُفر المُجبرة: فثبت (5) أنَّه لا (6) يجوزُ تكفيرُ أحدٍ من أهل القبلة إلَاّ من ثَبَتَ بالتواتر أو الإجماع كفرُه، وقد ذكرتُه (7) مستوفىً حيث ذكرتُ كفر المجبرة والاختلاف فيه (8) في المجلد الثالث بعد هذا ..
ويُؤيِّدُ ما اختاره الإمامانِ المنصور بالله، والمؤيَّد بالله يحيى بن حمزة عليهما السلام من تَعَذُّرِ العلم (9) بالإجماع في الأعصار الأخيرة سواءٌ كان إجماع الأمة أو العترة، أنا نظرنا في أقربهما إلى الانحصار، وهو إجماع العِترة فوجدناه مُتَعذِّراً كما ذكره الإمام (10) المنصور بالله، ومن أراد
(1) وهو المشهور بـ " منية الفقهاء " للقاضي فخر الدين بديع بن منصور القُزَبْني الحنفي، إمام فاضل، فقيه كامل، انتهت إليه رياسة الفتوى، تفقَّه على نجم الأئمَّة البخاري، وتفقَّه عليه مختار بن محمود الزاهدي، وكتابه من تصانيفه المعتبرة. " الفوائد البهية " للكنوي ص 54.
(2)
في (د): من ألفاظ.
(3)
في (ش): أفتي.
(4)
"الواو" ساقطة من (ش).
(5)
تحرفت في (ب) إلى: مبعث.
(6)
" لا " ساقطة من (ب).
(7)
في (ش): نقلته.
(8)
ساقطة من (ش).
(9)
ساقطة من (ش).
(10)
ساقطة من (ش).
معرفة ذلك من غير تقليدٍ، فليطالع كتب تاريخ (1) الرجال، وكتب الأنساب والمُشَجَّرات، فإنه يرى خلقاً كثيراً منهم ممَّن يُنسبُ إلى العلم، ولا يُعرَفُ لهم مذهبٌ ولا كتابٌ، وقد ذكرتُ منهم جماعةً وافرةً ممَّن لم يعرفهم كثيرٌ من علماء العصر في الرد على السيد، حيث زعم أن الاجتهاد قد انقطع من بعد الشافعي رضي الله عنه، وبينتُ هناك (2) فُحْشَ هذه الدعوى، وأنها تؤدِّي إلى تجهيل القاسم بن إبراهيم، ومن بعده من أئمة العِترة الطاهرة، فإنهم الجميعُ بعد الشافعي، لأنه تُوفي في سنة أربعٍ ومئتين رضي الله عنه من الهجرة النبوية، فذكرت منهم فوق العشرة من أكابر العلماء: أولهم السيد الإمام العلامة الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام إمام الزيدية في الكوفة، ذكره محمد بن منصور، وإنه مِمَّن أجمعت عليه الفِرَقُ، وله مذاهب في الفروع كلها مذكورٌ في كتاب " الجامع الكافي " على مذهب الزيدية، وهو كثيرُ الموافقة لأهل السنة في الفروع والأصول (3).
وذكر محمد بن منصور عنه (4) أنه كان يترحَّمُ على من يُوافِقُه، وعلى (5) من يخالفه من سَلَفِه، وفي (6) هذا إشارة إلى اختلافهم، في ذلك العصر وقبله، إلى آخر من ذكرتُ هناك (7)، وأزيدُ هنا إشارةً مختصرةً إلى
(1) في (ب): تواريخ.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
انظر 2/ 104 فما بعد من هذا الكتاب.
(4)
ساقطة من (ش).
(5)
ساقطة من (ش).
(6)
" في " ساقطة من (ب).
(7)
في (ش) و (د): هنالك.
من ذكر منهم العلَاّمة ابنُ حَزْمٍ في كتابه " جمهرةِ النَّسَبِ "(1) مع اختصاره.
فذكر: مِنْ أولاد الحسن بن علي عليهما السلام: الحسن بن زيد بن الحسن بن علي أمير المدينة في أيام المنصور العباسي، ولدُه ثمانية، منهم إبراهيم ولإبراهيم هذا محمدٌ، ومن ولد محمدٍ هذا حفيده محمد بن الحسن بن محمد القائم بالمدينة النبوية، والنقيبُ محمدُ بن الحسن الملقب بالداعي الصغير القائم بالرَّيِّ وطبرستان، وكان بينه وبين الأطروش الحسيني (2) حروبٌ، والحسن ومحمد (3) ابنا (4) زيد الداعيان وعَقْبُ محمدٍ منهما: إسماعيل (5) بن المهدي بن زيد بن محمد المذكور، وعمُّهُما أحمد بن محمد القائم بالحجازِ المحاربُ لبني جعفر بن أبي جعفر (6) الشجوي (7) ابن القاسم بن الحسن بن زيد، وابنُ عمهما أبو لكا بن الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الرحمن الشجوي (8)، وابن أخيه شراهيكُ بن أحمد بن الحسن بن محمد بن جعفر تَسَمَّوا (9) بأسماء الدَّيْلَم لمداخلتِهم، ومحمد بن علي بن العباس بن الحسن بن الحسن بن الحسن القائم بالمدينة (10) وله عَقْبٌ عظيم جداً يتجاوزُ المئتين، ولهُم
(1) ص 39، وقد تقدَّم أيضاً هذا في 2/ 111 من هذا الجزء.
(2)
في (أ) و (ب): الأطروشي الحسني.
(3)
في (ب): والحسن أحمد بن محمد.
(4)
في (أ) و (ش): ابن.
(5)
في (أ) و (ب) و (ج): وإسماعيل.
(6)
في " الجمهرة ": جعفر بن أبي طالب.
(7)
في (ج): الشجري.
(8)
في الجمهرة: الشجوبي.
(9)
في (أ): سموا.
(10)
في " الجمهرة " ص 43: " محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن القائم بالمدينة " وما ذكره المصنف قائم بخراسان كما ذكر ابن حزم.
بالحجازِ ثورةٌ وجموعٌ، ومحمد بن إبراهيم أخو القاسم قام مع أبي السرايا، وللقاسم عليه السلام أولادٌ منهم النقيبان أحمد وإبراهيم ابنا محمدٍ النقيب بن إسماعيل بن القاسم.
ومنهم القائمون بصعدة منهم: جعفرٌ الملقبُ بالرشيد، والحسن المنتجب (1)، والقاسم المختار، ومحمد المهتدي (2) بنو أحمد الناصر، ولهم أخٌ يُسمَّى عبد الله، لكن أمَّه أمُّ ولد، وهو اليماني القائم بمارِدَةَ، المقتول يوم البركة بالزهراء سنة ثلاثٍ وأربعين وثلاث مئة، ولهم أخوةٌ منهم سليمان، ويحيى، وإبراهيم، وهارون، وداود الساكن بمصر، وحمزة، وعبد الله، وأبو الغطمش، وأبو الجحاف، وطارق بنو أحمد الناصر، ولداود منهم الساكن بمصر ولدٌ يقال له: هاشم، ومنهم الشاعر الأصبهاني محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن طباطبا، ولهذا الشاعر ابنان عليٌّ والحسن.
ومن أولاد الحسن بن (3) جعفر بن الحسن جماعة عجم بناحية متِّيجَة (4) وسوق حمزة، ومنهم زهيرٌ وعلي ابنا محمد بن جعفر كانت لهما أعمالٌ بالغرب من جهة سوق حمزة (5).
وأولادُ عبد الله بن الحسن: محمدٌ القائمُ بالمدينة، وإبراهيمُ القائمُ
(1) في (أ) وكذا في 2/ 113: المنتجب.
(2)
في (أ) و (ب): المهدي.
(3)
ليست في (أ) و (ش).
(4)
مِتِّيجة وزان سِكِّينة: بلد بالمغرب الكبير، وكذا سوق حمزة منسوب إلى حمزة بن حسن به سليمان بن الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، قال ياقوت: وأبوه الحسن بن سليمان: هو الذي دخل المغرب، وكان له من البنين حمزة هذا وعبد الله وإبراهيم وأحمد ومحمد والقاسم وكلهم أعقب هناك.
(5)
من قوله: " ومنهم زهير " إلى هنا ساقط من (ب).
بالبصرة، ويحيى القائم بالدَّيلم، وإدريس الأصغر القائم بالغرب، وسليمان وموسى وعَقْبُ هؤلاء الثلاثة كثيرٌ جداً.
ولمحمد بن عبد الله ويلقب الأرقط: عبد الله الأشتر قُتِلَ بكابُل، وله ولدٌ يُسمَّى محمداً (1)، والعَقْبُ فيه، وللأشتر عَقْبٌ ببغداد وغيرها يعرفون ببني الأشتر.
ومحمد بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن صاحب اليمامة المقيم (2) بها وهم باليمامة (3) ودارُ ملكهم بها، وهم بها (4) قائمٌ بعدَ قائمٍ.
وعبد الرحمن بن فاتك عبد الله بن داود بن سليمان بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن له اثنان وعشرون ذكراً بالغون سكنوا كلهم أَذَنَةَ إلَاّ ثلاثةً منهم سكنوا أمج (5) بقرب (6) مكة.
ومنهم جعفر بن محمدٍ غلبَ على مكة إيام الإخشيديَّة، وولده إلى اليوم ولاة مكة، وهو ابن (7) محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (8) بن علي بن أبي طالب عليهم السلام (9).
(1) الأصول: محمد.
(2)
(ش): القائم.
(3)
قوله: " المقيم بها وهم باليمامة " ساقطة من (د).
(4)
ساقطة من (ش).
(5)
تحرفت في (أ): إلى " أبج "، وفي (ب):" منج ".
(6)
في (ب): قرب.
(7)
ساقطة من (ب).
(8)
" بن الحسن " ساقطة من (ب) و (ش).
(9)
من قوله: " ولاة مكة " إلى هنا، مكانها في (د):" ولسليمان بن عبد الله بن الحسن بن علي عليهم السلام ".
ولسليمان بن عبد الله بن الحسن ولدٌ، وهو محمد القائم بالمغرب، وله عقبٌ منهم أبو العيش عيسى بن إدريس صاحب جُرَاوَةَ، وابنه الحسن سكن قرطبة، وإدريس بن إبراهيم صاحب آرسقول، وكان مُنقطعاً إلى الناصر صاحب الأندلس، وأحمد بن عيسى صاحب سوق إبراهيم، والحكم وعبد الرحمن ابنا علي بن يحيى، سكنا قرطبة وأعقبا بها، وأولاد يحيى بن محمد بن إبراهيم (1) دخلوا الأندلس كلُّهم، وكان سليمان منهم رئيساً في تلك الناحية، ومنهم القاسم بن محمد صاحب تِلِمْسان، ومنهم بطوش بن حنابش (2) بن الحسن بن محمد بن سليمان، وهم بالمغرب كثيرٌ جداً، وكانت لهم بها ممالك عدة، ومنهم جُنُّون القائم بالمغرب (3) أحمد ومحمد ابنا أبي العيش عيسى بن جنون، كانا ملكين بالمغرب (4)، وإبراهيم لقبُه أبو غبرَةَ كان مَلِكاً بالمغربِ، وكان لجنون منهم عشرون ذكراً، منهم القاسم الأصغر فنون بن جنون القائم بالمغرب (5)، وأخوه عليٌّ الأصغر القائم بعده، ومحمد بن جنون القائم على ابنه بالبصرة، والحسن بن جنون الأعور ادعى النبوَّة بتيدلي (6)، ومنهم الحسن بن محمد بن القاسم الحجام، سُمِّي بذلك لكثرة سفكِه للدماء، ومن ولده القاسم بن محمد بن حسن الفقيه الشافعي بالقيروان المعروف بابن بنت الزيدي، ومنهم إبراهيم بن القاسم صاحب البصرة
(1) من قوله: " والحكم " إلى هنا ساقط من (ب).
(2)
في " الجمهرة " ص 48: " حنانش ".
(3)
" القائم بالمغرب " ليس في " الجمهرة " و (ب) و (د)، وفي (ش): جنون بن أحمد.
(4)
في (ش): بالغرب.
(5)
في (ش): بالغرب.
(6)
كتب فوقها في (ش): هكذا.
كان عمر بن حفصون يخطب لهم (1)، ومنهم المسمَّى بالمأمون، وعلي المسمى بالناصر تَسَمّيَاً بالخلافة بالأندلس، ومحمد بن القاسم صاحب الجزيرة تسمى بالخلافة، وولِيَ الجزيرة (2) بعده ابنه القاسم ولم يَتَسَمَّ بالخلافة، وكان حَصُوراً لا يقرَبُ النساء، وأخو محمد بن القاسم الحسن بن القاسم تَنَسَّك ولَبِسَ الصوف وحجَّ، وولد الناصر يحيى وإدريس تسميَّا بالخلافة في الأندلس، ومحمد بن إدريس خليفةٌ تسمي بالمهدي، وحارب ابن عمِّه إدريس بن يحيى وكلاهما تسمى بالخلافة، وكان بدء أمرهم سنة أربع مئة، وبَقِيَ أمرُهم ثمانيةً وأربعين سنة.
ومنهم صاحبُ تامدلت (3)، وصاحب صنهاجة الرِّمال (4)، وصاحب مِكْناسة.
وذكر من أولاد الحسين عليه السلام: عبد الله بن علي بن الحسين الأرقط، له ولدان إسحاق ومحمد، لهما عَقْبٌ كثيرٌ، منهم الكوكبي اسمه الحسين، وأحمد (5) بن محمد بن إسماعيل كان من قُوَّاد الحسن بن زيد بِطَبَرِسْتان.
ومن أولاد عمر بن علي بن الحسين: محمد بن القاسم بن علي بن عمر، و (6) كان فاضلاً في دينه يميلُ إلى الاعتزال قام بالطَّالَقَان (7)؛ فلما
(1) في " الجمهرة ": له.
(2)
من قوله: " تسمى " إلى هنا ساقط من (ش).
(3)
بلد من بلاد المغرب شرقي ملطة. انظر " معجم البلدان " 2/ 7.
(4)
في (ب): الزمان.
(5)
ساقطة من (ب).
(6)
"الواو" ساقطة من (ب).
(7)
الطالقان: بلدتان، إحداهما بخراسان بين مرو الروذ وبلخ، والأخرى: بلدة وكورة بين قزوين وأبهر. انظر " معجم ياقوت " 4/ 6 - 7.
رأي الأمر لا يَتِمُّ إلَاّ بسفك الدِّماء؛ هَرَبَ واستَتَرَ إلى أن مات.
ومنهم: زيدٌ، وجعفرٌ (1)، ومحمد (2): بنو الحسن الأُطروش الذي أسلم الدَّيْلَمُ على يديه، وهو ابن علي بن الحسن بن علي بن عمر. وكان للحسن الأطروش من الإخوة: جعفرٌ، ومحمدٌ، وأحمدُ المكنَّى بأبي هاشمٍ، وهو المعروفُ بالصوفي؛ والحسينُ المحدثُ، يَرْوي عنه ابن الأحمر وغيره.
قال ابن حزم: وكان هذا الأُطروش حَسَنَ المذهب، عَدْلاً في أحكامِه، وكان الحسنُ بنُ محمد بن علي، وهو ابنُ (3) أخي الأُطروش، قد قام بطبرستان وقَتَلَه جيوش (4) بها (5) سنة اثنتى (6) عشرة وثلاث مئة.
وأولاد الحسين بن علي بن الحسين (7) ستةٌ، كلُّهم أعقبَ عقباً عظيماً منهم عبدُ الله يُعْرَفُ بالعقيقي، وَمِنْ ولدِه الذي قَتَلَه الحسن بن زيد صاحب طبرستان.
ومنهم: جعفرُ بنُ عبيد (8) الله بن الحسين بن علي بن الحسين كانت له شيعة يُسَمُّونَه حُجَّة الله.
ومنهم: حمزة بن الحسن ملك هان (9) في المغرب، وملك قطيعاً
(1)" وجعفر " ساقطة من (د).
(2)
" وجعفر ومحمد " ساقطة من (ب).
(3)
ساقطة من (د).
(4)
في (ش): الجيوش.
(5)
ساقطة من (ش).
(6)
في " الجمهرة " ص 54: سنة 316.
(7)
" ابن الحسين " ساقط من (ش).
(8)
في (ش): عبد.
(9)
في " الجمهرة " ص 55: " هاز "، وانظر " صفة افريقيا الشمالية " للبكري ص 143.
من صِنهاجة، وإليه يُنسبُ سوقُ حمزة، وولدُه بها كثيرٌ، وكذلك ولد أخويه في تلك الجهة؛ وكان عمُّه الحسن بن سليمان من قُوَّادِ الحسن بن زيد، وهو الذي غَزَا له الرَّيَّ، وكان شاعراً.
ومنهم المحدث المشهور بمصر ميمون بن حمزة بن الحسين بن محمد بن الحسين (1) بن حمزة (2).
ومنهم الملقب بمسلم (3) الذي كان يريدُ مصر أيام كافور، واسمه محمد بن عبد الله بن طاهر بن يحيى المحدث، وابن عمه طاهر بن الحسين بن طاهر الذي مدحه المتنبي بقوله:
أعِيْدُوا صَبَاحي فَهْوَ عِنْدَ (4) الكَوَاعِبِ (5)
القصيدة التي قال فيها:
إذا عَلَوِيٌّ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ طاهِرٍ
…
فَمَا هُوَ إلَاّ حُجَّةٌ للنواصِبِ
وأبو مسلمٍ هذا قامَ بالشام بعد كافور، وتسمَّى (6) بالمهدي، واستنصر بالقرامطة، والحسن بن محمد بن يحيى المحدِّث المذكور تجاوَزَ تسعين سنةً، وكان بالكوفةِ حُمِلَ عنه العلم.
ومنهم محمد بن عبيد الله كان له قدرٌ بالكوفة، ومنزلة
(1) في " الجمهرة " ص 55: الحسن.
(2)
" بن محمد بن الحسين بن حمزة " ساقط من (ش).
(3)
في (ب)، وفوق " بمسلم " في (أ) و (د):" أبو مسلم ".
(4)
في (ش): غيد.
(5)
وعجزه: وَرُودُّا رُقَادي فهو لَحْظُ الحَبَائِبِ
من قصيدة في " ديوانه " بشرح العكبري 1/ 147 - 159.
(6)
في (ب): ويسمَّى.
بالديالمة (1) يُعارضُ بها منزلة بني عمر العلويين بالكوفة وهو الذي مَدَحَه المتنبي بقوله:
أهلاً بِدارِ سَبَاك أَغْيَدُهَا (2)
انتهى مختصراً ممَّا ذكرَه ابنُ حَزْمٍ في " جَمْهَرةِ النسب "، وهي مختصرةٌ ليس يذكرُ فيها إلَاّ العيون الأكابر المشاهير.
وجملةُ مَنْ ذكره (3) الدعاة القائمين غير (4) دعاة اليمامة قدر ثلاثين داعياً لا يُعْرَفُ منهم إلَاّ قدرُ خمسةٍ: محمد بن إبراهيم وأولاده (5)، وأولاد عبد الله بن الحسن، فهؤلاء تُعرفُ (6) أسماؤهم، ولا تُعرفُ تصانيفهم ولا مذاهبُهم، فكيف بدُعاة اليمامة المستمرين قائماً بعد قائم، وممَّن أُهمِل من ساداتهم المتفرغين للعلم (7)، وقد ذَكَرَ منهم أربعةً من أئمة الحديث، وحجة الله الذي تقدم ذكره، وذكر منهم كثيراً (8) باسمه، ولم يذكره بالعلم لظنِّه أن اسمه يكفي، لأنه مشهورٌ كالمحدث العقيقي، يروي السيد الإمامُ أبو طالب في " أماليه " كثيراً عن أبيه عنه.
وجماعةٌ من رواة الحديث رَوَى عنهم (9) السيد أبو طالب كابنه (10)
(1) في " الجمهرة " ص 56: عند الديالمة.
(2)
وعجزه: أَبْعَدَ ما بانَ عَنْكَ خُرَّدُها
انطر " الديوان " بشرح العكبري 1/ 294.
(3)
في (ب) و (ش): ذكر.
(4)
ساقطة من (ش).
(5)
" وأولاده " ساقطة من (ب) و (ش).
(6)
في (أ) و (ش): فهؤلاء لا تعرف.
(7)
في (د): " لطلب العلم "، وفي (ش): بالعلم.
(8)
" وذكر منهم كثيراً " ساقط من (د).
(9)
في (ش): واعنه. وهو تحريف.
(10)
في (ش): ولابنه.
الحسين، وحمزة بن القاسم العلوي، وأبي عبد الله محمد بن زيد الحسيني، وأبي محمد الحسن (1) بن حمزة الحسيني، بل تركَ ذكرَ كثيرٍ (2) من أكابر عُلماء العِتْرة مثل: عمر بن إبراهيم الزيدي، راوي " مجموع زيد بن علي "، ذكره الذهبي في " الميزان "(3) وأثْنَى عليه، ومثل: مصنف " الجامع الكافي " أبي عبد الله الحسني (4) من بحور العلم، ومثل العلَاّمة الشجري (5)، ذكره ابنُ خِلِّكان وغيرهما (6).
ولقد ذكر العلَاّمة السُّبكيُّ في كتابه " طبقات الشافعية " جماعةً وافرةً من عُلماءِ العترة (7) ممن كان يُعَدُّ في أتباع الإمام الشافعي لملازمة الدرس في كتب الشافعية، وإن كانوا مِنَ (8) العلماء المبرزين، فكم في أصحاب الشافعي وأتباعه من منسوب إليه غير (9) مقلّدٍ في العلم كما في سائر أهل المذهب (10).
وقد ذكر الإسنويُّ (11) مناقِبَهُم وتآليفهم وعُلُومَهم في طبقاته، ومَنْ
(1) في (ش): ابن الحسن.
(2)
في (ش): ترك كثيراً.
(3)
3/ 181.
(4)
هو محمد بن علي بن الحسن العلوي الحسني، ومن كتابه عدة أجزاء موجودة في المكتبة الغربية بصنعاء. انظر " الفهرس " ص 248 - 249.
(5)
هو هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الحسني، المعروف بابن الشجري البغدادي، المتوفى سنة 572 هـ. وهو في " وفيات الأعان " 6/ 45 - 50. وتقدمت ترجمة المصنف له نقلاً عن ابن خلكان - في 2/ 109 - 110.
(6)
في (ب): وغيرهم.
(7)
في (ب): طبقات الشافعية وإن كانوا من العترة.
(8)
ساقطة من (ب).
(9)
في (ش): إلى غير.
(10)
في (ب) و (د): المذاهب.
(11)
هو جمال الدين أبو محمد عبد الرِّحيم بن الحسن بن علي بن عمر الأرموي =
منهم كان قُطباً (1) في الاجتهاد، وعلى اختصاره.
وكذلك مع كُلِّ طائفةٍ من عُلماء الإسلام من أهل البيت عليهم السلام علماء بحور، وأئمَّة صدور، لا يَحِلُّ لأحدٍ أن يدَّعي الإجماع وهو لا يدري بأحوالهم (2)، كما أشار إليه الإمام (3) المنصور بالله في مسألةٍ سهلةٍ (4) ظنية، فكيف (5) في القطعيات؟، كيف في التكفير؟ الذي هُو أعظمُ القطعيات (6) خَطَراً، وأجلُّها في الدين أثَراً.
وقد قال الأميرُ الحسينُ في " الشِّفاء "، في فصلٍ ذكره في قصد أهل الحرب إلى ديارهم، ما لفظه: وهو قول السيدِ الإمام الحسن بن إسماعيل الجرجاني عليه السلام (7). قال الأمير: قال - يعني: هذا السيد الإمام الجرجاني (8): وهو الذي ذهب إليه (9) مُحَصِّلُو محدثي أصحابنا. انتهى بلفظه.
= الأسنوي، نزيل القاهرة المتوفى سنة 772 هـ. كان فقيهاً ماهراً ومعلماً ناصحاً، من مصنفاته " زوائد الأصول "، وشرح " المنهاج " للبيضاوي وغيرهما. انظر " البدر الطالع " 1/ 352 - 353، و" كشف الظنون " 2/ 1101. وكتابه في طبقات الشافعية مطبوع في بغداد.
(1)
تحرفت في (ب) إلى: قطعياً.
(2)
في (ب) و (د): بأقوالهم.
(3)
ساقطة من (ش).
(4)
ساقطة من (ش).
(5)
في (ب) و (ش): كيف.
(6)
من قوله: " كيف في التكفير " إلى هنا ساقط من (ش).
(7)
هو أبو عبد الله الحسن بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن جعفر الشجري الجرجاني، متكلم، من تصانيفه:" الاعتبار "، و" سلوة العارفين " وغيرهما، " تراجم الرجال " للجنداري ص 12.
(8)
من قوله: " قال الأمير قال " إلى هنا ساقط من (د).
(9)
ساقطة من (أ).
فأفاد برواية هذا السيد (1) أنَّ (2) لأصحابنا مُحَدِّثين مجتهدين في تلك البلاد، ولهم مذاهب واختيارات، فلا ينعقد إجماع العترة دون معرفة أقوالهم، بل ليس للزيدية وسائرِ الشيعة نهمة (3) في تدوين أخبار سادات أهل البيت، وعلماء شيعتهم من أهل مذهبهم، دَعْ عنك غيرهم (4)، ولا عَلِمْتُ لأحدٍ منهم في ذلك مُصنَّفاً (5) إلَاّ ما صنفه مسلم اللحجي المطرفي من كتاب " الطبقات "، ولقد أجاد فيه لو استوفى، لكنَّه اقتَصَر على أهل مذهبه، وفي تركهم ترك علومٍ كثيرة، فإنهم أفرغ للعلم من الدُّعاة الذينَ اقتَصَرَتِ الزيديةُ على ذكرِ بعضِهم.
ولقد ذَكَرَ الإمامُ المؤيَّدُ بالله عليه السلام في " الزيادات "، أنَّ تقليد ساداتهم الذين لم يشغلهم الجهاد عن التفرغ للعلم أولى، فكيف يُتركُ ذكرُ مثل هؤلاء (6) حتى لا يُعرفوا؟، فكيف بمذاهبهم (7)؟، وكيف يُدعى إجماعُ العِتْرة مع هذا؟، وهل قال أحدٌ قطُّ: بأن المعتبر في (8) الإجماع هم (9) الخلفاء من العترة دونَ غيرهم؟، ولو قال بذلك قائلٌ، ما ساعدَه الدليلُ خصوصاً في القطعيات (10).
(1) من قوله: " وهو الذي " إلى هنا ساقط من (ش).
(2)
في (ب) و (ج): السيد الإمام أن.
(3)
تحرفت في (أ) إلى: فهمه، وفي (ج) إلى: تهمه.
(4)
من قوله: " من أهل " إلى هنا ساقط من (د).
(5)
في (د): مصنفاً دع عنك غيرهم.
(6)
في (أ) و (ش): مذهبهم.
(7)
" فكيف بمذاهبهم " ساقطة من (ش).
(8)
ساقطة من (ش).
(9)
في (ش): منهم.
(10)
من قوله: " بل ليس للزيدية " إلى هنا ساقط من (ب).
واعلم أن رواية الإجماع مثل رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على المسلم أن يتثبَّتَ فيها، فإنَّه مسؤولٌ عمَّا يرويه وما (1) أكثر التَّساهل في هذا، فنسأل الله السلامة، وهو المستعان.
الوجه الثالث: أنا لو سلَّمنا ثبوت إجماع ظني سكوتي في هذا الموضع، فإنَّه مُعَارَضٌ بثبوتِ الأخبار الصحيحة الصريحة (2) المتواتر معناها القاضية بإسلام من شَهِدَ أن لا إله إلَاّ الله، وأنَّ محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحجَّ البيت، وصام رمضان، وثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يُمْكِنُ معرفةُ أقواله بالطرق الصحيحة أولى وأرجحُ من تخيُّلِ ما لا يمكن من الإحاطة بأقوال الأمة، وظنِّ موافقة (3) السكوت لمن تكلَّم بغير قرينةٍ صحيحة، والله سبحانه أعلم.
فإن قيل: فما تقول (4) في مَنْ كفَّر مسلماً مُتأوِّلاً أو مجترئاً، هل يكفر المكفِّر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا قال المسلمُ لأخيه يا كافرُ فقد باء بها أحدُهما "؟
قلت: أما المعتزلة والشيعة، فتمنع من تكفيره (5)، لأن الحديث ظني، وإن كان صحيحاً، أمَّا أهل الحديث (6)، فقد قال البخاري في الصحيح (7): باب: من كفَّر أخاه بغير تأويل، فهو كما قال، واحتجَّ في
(1) في (ش): فما.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
" وظن موافقة " ساقطة من (ب).
(4)
في (ش) فما تقولون.
(5)
في (ب): تكفير.
(6)
من قوله: " قلت أما المعتزلة " إلى هنا ساقط من (ش).
(7)
في (ب) و (د) بعد هذا: " بعد ثمانين باباً أو يزيد قليلاً من كتاب الأدب ".
الباب بحديثِ ابن عمر وأبي هريرة (1) المقدم، " فقد باءَ بها أحدهما " وبحديث ثابت بن الضحاك " مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غيرِ الإسلامِ كاذباً فهو كما قال "(2).
ثمَّ قال: باب من لم يَرَ إكفار (3) من قال ذلك متأوِّلاً، أو جاهلاً، وأورد فيه حديث عمر في قوله لِحَاطِب: إنَّه منافق، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعُمَرَ: " وما يُدريك
…
" (4) الحديث.
وبحديث جابرٍ بقولِ معاذٍ للمتجوز (5) في صلاته خلفه: إنه منافقٌ (6).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ حين قال (7) ذلك: " أفتانٌ أنت "(8).
(1) في (د) و (ش): " بحديث ابن عمر، وحديث أبي هريرة ". وقد تقدم تخريجه في 2/ 439 من هذا الكتاب.
(2)
أخرجه أحمد 4/ 33 و34، والبخاري (1363) و (6047) و (6652)، ومسلم (110)، والترمذي (1543)، والنسائي 7/ 5 - 6 و6 و19، وابن ماجة (2098)، والبغوي (2432)، وأبو داود (3257).
(3)
سقطت من (ب).
(4)
تمامه: " وما يدريك لعلَّ الله قد اطلع على أهل بدر فقال: قد غفرتُ لكم ".
أخرجه البخاري معلقاً في كتاب الأدب، باب: من لم يرَ إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً. وأخرجه موصولاً (3983) و (4890) و (6939)، ومسلم (2494)، والترمذي (3305)، وأبو داود (3650) و (3651)، وأحمد 1/ 78 - 79 و105.
وأخرجه من طريق ابن عمر: أحمد 2/ 109، وكذا من طريق جابر بن عبد الله: 3/ 350.
(5)
في (ش): للمتحول.
(6)
أخرجه مسلم (465)، والنسائي 2/ 172 - 173، وابن ماجة (986).
وأخرجه من حديث أنس بن مالك: أحمد 3/ 124.
(7)
في (د): قال له.
(8)
تقدَّم تخريجه في 1/ 259.
وبحديث أبي هريرة: " من حَلَفَ منكم، فقال في حَلِفِه: باللات والعُزَّى، فليقل: لا إله إلَاّ الله "(1).
وبحديث ابن عمر: " إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالِفاً، فليحلف بالله أو لِيَصمُتْ "(2) قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أدرك ركباً فيهم عمرُ، وهو يَحْلِفُ بأبيه. انتهى.
قلت: ويدلُّ على هذا أيضاً حديث عتبان بن مالك، وقول الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم في رجل: إنه منافقٌ، فقال:" أليس يشهد أن لا إله إلا الله "(3) الحديث.
ويدل عليه ما في الوجه الثاني المقدَّم.
ويدل عليه: " رُفِعَ عن أُمَّتي الخَطَأ والنِّسيانُ وما استُكرِهُوا عليه "(4). وما في معناه مِنَ القرآن.
ويدُلُّ عليه الأحاديث التي (5) احتجُّوا بها على عَدَمِ كُفْرِ الخوارج، مثل حديث " دَعْهُ، فإنَّ له أصحاباً ليست قراءتكم إلى قراءتِهم "(6).
(1) أخرجه أحمد 2/ 309، والبخاري (6650)، ومسلم (1647)، وأبو داود (3247)، والنسائي 7/ 7، والترمذي (1545)، وابن ماجة (2096)، والبغوي (2433).
(2)
أخرجه مالك 2/ 480، وأحمد 2/ 11، والبخاري (6647) ومسلم (1646)، والترمذي (1534)، وأبو داود (3249)، والنسائي 7/ 4، والبغوي (2431).
(3)
أخرجه أحمد 4/ 43 و44 و5/ 449.
(4)
تقدم تخريجه في 1/ 192 - 193.
(5)
في (د): الذي.
(6)
أخرجه من حديث أبي سعيد الخدري: أحمد 3/ 56، والبخاري (3610) ومسلم (1064)، وفيه: " دعه فإن له أصحاباً يحقِرُ أحدُكُم صلاتَهُ مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآنَ، لا يجاوزُ تراقِيَهُم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السَّهْمُ من =
وحديث الخارجي الذي قال لعليَّ عليه السلام وهو في الصلاة: لَئِنْ أشرَكت لَيَحْبَطنَّ عَمَلُكَ (1)، وقول علي عليه السلام له: لكم علينا ثلاث، ومطالبة علي عليه السلام لهم بدم ابنِ خباب (2).
وادَّعى الخطابيُّ (3) الإجماع على أنهم غيرُ كفارٍ (4)، وصَنَّفَ ابنُ حزم في عدم تكفيرِ المتأولين مجلداً ذكره الذهبي في ترجمته من "النبلاء"(5).
= الرَّمية
…
يخرُجُون على حين فُرقةٍ من الناس".
وأخرج مسلم (1066) من حديث علي حين سار إلى الخوارج، قال: أيها الناس، إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يخرجُ قومٌ من أمتي يقرؤون القرآن، ليس قراءتُكم الى قراءتهم بشيء ولا صلاتُكُمْ إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامُكم إلى صامِهم بشيء، يقرؤون القرآن، يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تُجاوز صلاتُهم تراقِيَهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّمْيَةِ ".
(1)
أخرج ابن جرير 21/ 59 عن علي بن ربيعة وقتادة، والحاكم 3/ 146، والبيهقي 2/ 245 عن أبي يحيى حكيم بن سعد أنَّ رجلاً من الخوارج نادى عليّاً وهو في صلاة الفجر، فقال:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، فأجابه علي رضي الله عنه، وهو في الصلاة:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} . وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 6/ 502، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(2)
هو عبد الله بن خباب بن الأرت المدني حليف بني زهرة، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وله رؤية، ولأبيه صحبة، قتله الخوارج حين بعث إليهم علي رضي الله عنه، فأرسل إليهم علي: أقيدونا بعبد الله بن خباب، فقالوا: كيف نقيدك به، وكلنا قتله، فنفذ إليهم، فقاتلهم:" طبقات ابن سعد " 5/ 245، و" تاريخ البخاري " 5/ 78، و" الثقات " 5/ 11 لابن حبان، و" تاريخ الثقات " ص 254 للعجلي، و" تهذيب التهذيب " 5/ 196، و" تاريخ الطبري " 5/ 83.
(3)
هو الإمام العلَاّمة، الحافظ اللغوي، أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي صاحب التصانيف المنقنة، المتوفى سنة (388). مترجم في " السير " 17/ 23.
(4)
انظر " معالم السنن " 4/ 295 و311.
(5)
18/ 195.
الفصل الرابع (1): في ذكر نُبَذٍ (2) من سيرة أحمد بن حنبل، والتعريفِ بأحواله الشريفة، ومناقبه الغزيرة (3)، ومحلِّه في الإسلام، وذكر عقيدته، وما ثبت عنه من ذلك، وما لم يثبُت، والقصد بذكر ذلك تعريفُ من وقف عليه بأن هذا الإمام الجليل حريٌّ بالحمل على السلامة، والتثبت فيما يُنْسَبُ إليه، بل حريٌّ بالتعظيم والتجليل.
وقد اخترت لنقل سيرته كتاب " النبلاء " للذهبي لوجهين:
أحدُهما: كونُ الذهبي شافعيَّ المذهب، وليس بحنبلي، فيُتَّهَم بشدة العصبية (4)، لإمامه الذي نشأ على تعظيمه.
وثانيهما: كون الذهبي معروفاً بتزييفِ ما يمُرُّ عليه من الأشياء الواهية، وأنت إذا قرأت هذه الترجمة عَرَفْتَ ذلك إن شاء الله تعالى.
وهذا جملة ما ذكره الذهبي في ترجمته في " النبلاء "(5) قال ما لفظه مع اختصارٍ كبير (6): هو الإمام حقاً، وشيخ الإسلام صدقاً، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حَيّان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذُهْلِ الذُّهلي (7) الشيباني المَرْوَزي ثم البغدادي، أحد الأئمة الأعلام. هكذا
(1) سقط من (ش) ترجمة الإمام أحمد كاملة، وفي هامشها: نعم، قد أسقط من هذه النسخة الفصل الرابع في ترجمة أحمد بن حنبل، من منقولِه من " النبلاء " للذهبي، يعلم ذلك، وقد ندم على إسقاطه، ولا بُدَّ من إثباته إن شاء الله تعالى. كذا في الأم.
(2)
في (د): نبذة.
(3)
في (ب): العزيزة.
(4)
في (ج): التعصب.
(5)
11/ 177. وفي (ج): بالنبلاء.
(6)
في (ب): كثير.
(7)
تحرفت في (ب) إلى: الذهبي.
ساق نسبه ولده عبد الله، واعتمده أبو بكرٍ الخطيب في " تاريخه " وغيرُه.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب " مناقب أحمد ": حدَّثنا صالح بن أحمد، قال: وجدت في كتاب أبي نَسَبَه، فساقه كما مَرَّ، وقال: ابن هذيلُ بن شيبان، وهو وَهمٌ، وزاد بقية النسب إلى إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما.
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا صالح بن أحمد فذكر النسب، فقال فيه: ذُهل على الصَّواب. وهكذا نقل إسحاقُ الغَسيلي عن صالح.
وأما قول عباس الدوري، وأبي (1) بكر بن أبي داود: إنَّ الإمام أحمد من بني ذُهل بن شيبان فَوَهْمٌ، غَلَّطهما (2) الخطيبُ، وقال: إنما هو من بني شيبان بن ذُهْلِ بن ثعلبة، ثم (3) قال: وذُهل بن ثعلبة هو عمُّ ذُهْلٍ بن شيبان بن ثعلبة (4). فينبغي أن يقال فيه: أحمد بن حنبل الذهلي على الإطلاق، وقد نسبه البخاري إليهما معاً.
وأمَّا ابن ماكولا، فمع بصره بهذا الشأن وَهِمَ أيضاً، وقال في نسبه: مازن بن ذُهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وما تابعه على هذا أحدٌ.
وقال صالحٌ: قال لي أبي: وُلِدْتُ سنة أربعٍ وستين ومئة.
وكذا قال أبو داود، عن يعقوب الدَّورقي، عن أحمد.
قال حنبل: سمعتُ أبا عبد الله، يقول: طلبتُ الحديثَ سنة تسعٍ وسبعين، فسمعتُ بموتِ حمادِ بن زيد، وأنا في مجلس هُشيمٍ.
(1) في الأصول و" السير ": وأبو.
(2)
في (ج): فغلطهما.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
" بن ثعلبة " ساقطة من (د).