الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطائفة الأولى: من قال بأن المعارف ضرورية
، لقوله تعالى:{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم: 10]، ولغير ذلك كما سيأتي، ويجعل النظر (1) شرطاً اعتيادياً (2) غير مؤثرٍ، وهم أقوى هذه الطوائف حجة لأنهم لم يسقطوا وجوب النظر في الجملة، ولا طرحوا المعلوم من ثمرته بالفطرة، ولا جحدوا المعلوم منه عن سلف الأمة، ومع ذلك، فلم يبتدعُوا القول بوجوب النظر في الدقائق، والطرائق المبتدعة، وإنما يوجبون من النظر ما يوجبه أهل السنة، وهو النظر فيما أمر الله بالنظر فيه، وفيما عُلِمَ من الأنبياء وأصحابهم وخير أسلافهم أنهم اعتمدوه من النظر في المعجزات، والمخلوقات من غير شعورٍ بترتيب المقدمات على الشرائط المنطقيات، وما ذكره الغزالي في " القسطاس "(3) من كون تلك المقدمات معلومة لجميع العقلاء، واردة (4) في المعنى في كتاب الله تعالى لا يستلزم وجوب الخوض في المنطق والكلام، بل يوجب الاستغناء عن ذلك بالفطرة كما أن من يعرفُ وزن الشعر بالفطرة، ويقوله على أبلغ الوجوه لا يحتاج إلى قراءة علم العروض، ولا يمتنعُ أن يرد الشرع بالمنع عمَّا يستغنى عنه لحكمةٍ استأثر الله بعلمها، كما ورد بالنهي عن كثيرٍ مما لم يُدرك بالعقل قُبْحُهُ، بل ورد بالنهي عن كثيرٍ ممَّا ظاهِرُهُ قُرْبَةٌ، كصلاة الحائض (5)،
(1)" النظر " ساقط من (ش)
(2)
في (ش): اعتبارياً.
(3)
اسمه الكامل " القسطاس المستقيم " ويقع في 60 صفحة، وهو من مؤلفاته المتأخرة، وقد طبع ضمن مجموعة من رسائل الغزالي، وموضوعه توضيح قواعد التفكير الصحيح المفضية إلى معرفة الحقيقة.
(4)
في (ش): ومرادة.
(5)
في حديث عائشة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش: " فإذا أقبلت الحيضة، فاتركي الصلاة
…
". =
والوِصال في الصوم (1)، والصلاه في الأوقات المكروهة (2)، وتلاوة الجُنُب للقرآن (3). وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البدع (4)، وأمر عند حدوثها بالتعوُّذ من الشيطان، والفَزَعِ إلى القرآن، ولو خُلينا وقضايا
= أخرجه مالك 1/ 61، والبخاري (306)، ومسلم (333).
وفي حديث أبي سعيد الخدري: " أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم ". أخرجه البخاري (304)، ومسلم (80).
وانظر في معناه حديث أبي هريرة عند أحمد 2/ 373 - 374، ومسلم (80)، والتزمذي (2613).
وحديث ابن عمر عند أحمد 2/ 66 - 67، ومسلم (79)، وأبي داود (4679).
وفي حديث عائشة عند مسلم (335)، والترمذي (887) قالت: كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نطهر، فيأمرنا بقضاء الصيام، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة.
(1)
كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والوصال، إياكم والوصال " قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله! قال: " إني لست في ذاكم مثلكم، إنِّي أبيتُ يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من العمل ما لكم به طاقة ".
أخرجه عبد الرزاق (7754)، والبخاري (1966)، ومسلم (1103)(58).
(2)
فعن عقبة بن عامر الجهني قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهنَّ أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلُعُ الشمسُ بازغة حتى ترتفع، وحين يقومُ قائمُ الظهيرة حتى تميل الشمسُ، وحين تضيَّف الشمس للغروب حتى تغرُبَ. أخرجه مسلم (831)، وأحمد 4/ 152، والنسائي 1/ 275 - 276، والترمذي (1030)، وأبو داود (3192)، وابن ماجة (1519).
(3)
وهو ما رواه الترمذي (131)، وابن ماجة (595)، والدارقطني 1/ 116، والبيهقي 1/ 89 من طريق إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً:" لا تقرأ الحائضُ ولا الجنبُ شيئاً من القرآن " وإسماعيل بن عياش. ضعيف في روايته عن غير أهل بلده، وهذا الحديث منها؛ وله طريقان آخران عند الدارقطني وهما ضعيفان، وفي الباب عن علي عند أبي داود (229) والترمذي (146) وابن ماجة (594)، وابن الجارود (94) وأحمد 1/ 84 و124، والدارقطني 1/ 119، والحاكم 1/ 152 و4/ 107، والبيهقي 1/ 88 - 89 من طريق عمرو بن مرة عن عبد الله بن سَلِمَة، عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً، وصححه غير واحد من الأئمة، وحسَّنه الحافظ في " الفتح "، ولأحمد 1/ 110 والدارقطني 1/ 118 نحوه من طريق آخر وسنده حسن، ورواه غير واحد موقوفاً على عليٍّ.
(4)
تقدَّم في 3/ 257.
العقول، ما مُنِعْنَا الخوض في لطيف الكلام لأجل تقوية أدلة الإسلام، والنظر في المخلوقات الوارد في الكتاب والسنة لم (1) يُقَيَّدْ بوجهٍ مخصوصٍ، وهو طريقة المتكلمين، بل فُهِمَ منه تعلُّقه بما يُوقِفُ النفس على الحقِّ اليقين، ويُخرجها من ظلمات دعوى المبطين إلى أنوار معارف المُحقِّين، وربما اختلفت الأدوية على حسب اختلاف الأدواء، وكثيرٌ من الأذكياء الذين يقعون في الحيرة والوسوسة لا ينتفعون من النظر إلَاّ بأمرين.
أحدُهُما: توقيف النفس على أنه قد وقع في الشهادة ما لم يكن ليقر به العقل، وكان في الغيب، وهو جود هذا العالم العجيب المحكم على ما أشار الله تعالى إليه، وقد قرره الجاحظ في " العبر والاعتبار " فإنه لو لم يكن مخلوقاً لله تعالى كما جاء به الإسلام، لم يكن بد من القول بالمحارَات، الوقوع في المحالات، فإنه يلزمُ حينئذٍ إمَّا القول بِقَدَمِ العالم، والقِدَمُ بنفسه هو أعظم المحارات، أو القول بحدوثه من غير مُحدِثٍ ولا مُرَجِّحٍ، وذلك من أعظم المحالات، فحينئذ تخضع النفس للاستسلام لبراهين الإسلام.
وثانيهما: تخويف النفس -من الوقوع- في عظيم (2) العذاب، فإنها كما لا تُؤمن (3) به، فإنَّها لا تأمن منه، لأن طبيعتها عدم الإيمان بالغيب، وعدم الأمان منه، ولذلك أمر الله تعالى أن يحتج بهذا المعنى على المشركين في قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ -إلى قوله- إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} [الأحقاف: 10]، وسيأتي
(1) في (ش): ولم.
(2)
في (ش): معظم.
(3)
في (ش): " لا تأمن "، وهو خطأ.