المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مراد أو ليس بمراد - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٤

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الثالث عشر: أنَّ جميع أئمة الفنون المُبرِّزين فيها قد شاركوا المحدثين في عدم ممارسة علم الكلام

- ‌الطائفة الأولى: من قال بأن المعارف ضرورية

- ‌الطائفة الثانية: من يقول: إنَّ المعارف ضروريةٌ مطلقاً

- ‌الوجه الثاني: أن اللطف المقرب مجرد دعوى

- ‌الوجه الثاني: من الأصل أن الآية في الظن المعارض للعلم

- ‌قلت: كلَاّ، فإنَّ الله تعالى قد سمَّى الظن علماً

- ‌الوجه الرابع: من الجواب وهو التحقيق

- ‌الجواب من وجوه

- ‌الوجه الثالث: إنا نعلمه ما نعرِفُه بِفِطَرِ العقول

- ‌الجواب الرابع: أن نقول: النظر في ذلك واجبٌ كالصلاة

- ‌فإن قيل: قد وَرَدَ في السمع وجوبُ البيان على العلماء

- ‌الجواب من وجوه:

- ‌الوجه الثاني: أنا نخصُّ هذا العام بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الجواب الخامس: أنها وردت نصوصٌ تقتضي العلم أو الظن

- ‌فإن قالوا: وفي ترك علم الكلام مضرة أيضاً

- ‌الجواب: أنَّ تسمية تجويز المضرة المرجوح خوفاً غيرُ مسلم

- ‌قلتُ: هي أمران:

- ‌الجواب من وجهين

- ‌الوجه الأول: معارضة

- ‌الوجه الأول: أن السائل جهل المقصود بالنبوة

- ‌قلنا: معاذ الله

- ‌الطائفة الثانية: أهل النظر في علم الكلام

- ‌القاعدة الأولى: إن الله سبحانه موصوفٌ بالإثبات والنفي

- ‌القاعدة الثانية: أن ما أخبر به الرسول عن ربِّه فإنَّه يجب الإيمان به

- ‌القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مرادٌ أو ليس بمراد

- ‌إن هذه الطريق لا يحصل بها المقصود لوجوهٍ:

- ‌الوجه الثاني: أن هؤلاء ينفُون صفات الكمال بمثل هذه الطريق

- ‌الوجه الثالث: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون

- ‌الفصل الثالث: في الإشارة إلى حُجة من كفَّر هؤلاء

- ‌ التنبيه على معرفتين:

- ‌المعرفة الأولى: أن شرط التكفير بمخالفة السمع أن يكون ذلك السمعُ المخالفُ معلوماً علماً ضرورياً من جهة اللفظ، ومن جهة المعنى

- ‌أحدهما: ما عَلِمَهُ العامة مع الخاصة

- ‌ثانيهما: ما لا يعرف تواتره إلَاّ الخاصة

- ‌الشرط الثاني: أن يكون معنى المتواتر معلوماً بالضرورة

- ‌المعرفة الثانية: أن التكفير سمعي محضٌ لا مدخل للعقل فيه، وذلك من وجهين:

- ‌الوجه الأول: أنه لا يكفر بمخالفة الأدلة العقلية وإن كانت ضروريةٌ

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الدليل على الكفر والفِسْقِ لا يكون إلَاّ سمعياً قطعياً

- ‌فصلٌ في شيوخه:

- ‌رحلته وحفظه:

- ‌حكاية موضوعة:

- ‌وصيتُه:

- ‌مرضه:

- ‌المنامات:

- ‌ فضلِهِ وتألُّهِهِ وشمائله:

- ‌ومن آدابه:

- ‌ومن كرمه:

- ‌تركه للجهات جُملةَ:

- ‌أيُّ فرقٍ بين الخلقِ والحدوث حتى يكفر القائل بأحدِهما دون الآخر

- ‌الجواب: من وجهينِ

- ‌ الوجه الثالث: وهو التكفير بمآل المذهب

- ‌الوجه الثاني: لو سلَّمنا أنه دلَّ على ذلك دليلٌ سمعي خَفِي لكان معارضاً بما هو أوضح منه

- ‌الوجه الثالث: إنا نعلم بالضرورة منهم ضِدَّ ما ألزموهم

- ‌الوجه الرابع: أنا لو كفرنا بذلك لأمكن المعتزلة، والشيعة، والظاهرية تكفير من لم يقُل بحدوث القرآن

- ‌الوجه الخامس: أن النصوص قد تواترت بمروق الخوارج

- ‌الوجه السابع: أنه قد ورد من الأدلة السمعية ما يُعارضُ ذلك الظن

- ‌وأما قول من يقولُ: ما الفرق بين الخلق، والجعل، والحُدُوث

- ‌قلت: الذي فهمته مِنْ تكرارِ النظر في عباراتهم ومقاصدهم أحد وجهين، أو كلاهما:

- ‌الوجه الأول: أنهم رأوا للحدوث معنيين: حدوثاً نسبيّاً، وحدوثاً مُطلقاً

- ‌الوجه الثاني: أنهم لما رأوا القول بخلقه شعار المعتزلة المنكرين لصحة الكلام من الله تعالى، رأوا لفظ الحدوث يقارب لفظ الخلق ويُوهِمُه

- ‌قلنا: يقولون: إن عمومها مخصوصٌ بإجماع الفريقين

- ‌أمَّا المعتزلة

الفصل: ‌القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مراد أو ليس بمراد

كلامه على حق وباطل لم يُقبل مطلقاً، ولم يُرَدَّ جميع معناه، بل يوقف اللفظ، ويُفسَّرُ المعنى كما تنازع الناس في الجهة، والتحيز، ونحو ذلك إلى آخر كلامه في نفي حاجة الله سبحانه إلى الجهة المخلوقة، والمنع من ذلك ومن تحيزه في مخلوقاته سبحانه وتعالى.

‌القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مرادٌ أو ليس بمراد

.

فإنه يقالُ له: لفظ الظاهر فيه إجمالٌ واشتراكٌ، فإن كان القائل يعتقدُ أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين، أو ما هو من خصائصهم، فلا ريب أنَّ هذا غيرُ (1) مراد، ولكنَّ السلف والأئمة لم يكونوا يُسَمُّون هذا ظاهرها (2)، ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفراً وباطلاً، والله أحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلَاّ ما هو كفرٌ أو ضلال (3)، والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون (4) من وجهين:

تارةً يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ حتى يجعلوه محتاجاً إلى تأويلٍ يُخالِفُ الظاهر، ولا يكون كذلك.

وتارةً يرُدُّون المعنى الحق الذي هو ظاهرُ اللفظ، لاعتقادهم أنه باطل، فالأول كما قالوا: في قوله: " عبدي جعتُ فَلَمْ تُطعِمْني "(5)، وفي الأثر الآخر "الحجرُ الأسودُ يمينُ الله في الأرض، فمَنْ صافَحَه

(1)" غير" ساقطة من (ش).

(2)

في (ش): ظاهراً.

(3)

في (أ) و (ب) و (ش): " وإضلال "، والمثبت من (د) و" التدمرية ".

(4)

في (ب): " يعطلون " وهو خطأ.

(5)

أخرجه مسلم (2569) من حديث أبي هريرة.

ص: 139

وقبَّلَه، فكأنَّما صافَحَ الله وقبَّل يمينه" (1)، وقوله: " قلوبُ العبادِ بَيْنَ أُصبَعَينِ من أصابعِ الرحمنِ " (2).

فقالوا: قد عُلِمَ أنه ليس في قلوبنا أصابع الحق.

فيقال لهم: لو أعطيتُم النصوص حقَّها من الدلالة لعلمتُم أنها لم تدُلَّ إلَاّ على حق، فقوله:" الحجر الأسود يمينُ الله في الأرض، فمن صافحه وقبَّله، فكأنَّما صافحَ الله وقبَّل يمينه " صريحٌ في أن الحجر ليس هو صفةً (3) لله، ولا هو نفس يمينه، لأنه قال:" يمينُ الله في الأرضِ "، وقال:" فمن قبَّله فكأنما صافح الله وقبَّل يمينه "(4)، ومعلوم أن المشبَّه ليس هو المشبَّه به، ففي نفس الحديث بيان أنَّ مُستَلِمَه ليس مصافحاً لله، وأنه لي هو (5) هذا الحديث إنما يعرف عن ابن

(1) أخرجه الحاكم 1/ 457 والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 333 من حديث عبد الله بن عمرو، بلفظ:" يأتي الركن يوم القيامة أعظم من أبي قبيس، له لسان وشفتان يتكلم عمَّن استلمه بالنية وهو يمين الله التي يصافح بها خلقه " وفيه عبد الله بن المؤمل وقد ضعفوه.

وذكره الهيثمي في " المجمع " 3/ 242 وقال: رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عبد الله بن المؤمل، وثقه ابن حبان وقال يخطىء وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وأخرجه الخطيب في " تاريخه " 6/ 328 من حديث جابر، وفي سنده إسحاق بن بشر الكاهلي كذبه غير واحد، وقال ابن الجوزي: لا يصح.

(2)

أخرجه من حديث عبد الله بن عمرو: أحمد 2/ 168 و173، ومسلم (2654)، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 340.

وأخرجه من حديث أم سلمة: أحمد 6/ 302 و315، والترمذي (3522).

وأخرجه من حديث النواس بن سمعان: ابن ماجة (199)، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 341.

وأخرجه أحمد 6/ 251 من حديث عائشة، والترمذي (2140) من حديث أنس، والحاكم 2/ 288 - 289 من حديث جابر.

(3)

" هو صفة " ساقط من (ب).

(4)

من قوله: " صريح في " إلى هنا ساقط من (ش).

(5)

ساقطة من (ش).

ص: 140

عباس، يعني موقوفاً عليه (1) لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وأمَّا الحديث الآخرُ فهو في الصحيح مُفَسَّراً بقول الله: " عبدي جُعْتُ فلم تُطعمني، فيقول: ربِّ كيف أُطعمُك وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: أما علمتَ أن عبدي فلاناً جاع، فلو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي، عبدي مَرِضْتُ فلم تَعُدْني، فيقول: ربِّ كيف أعودُك، وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فُلاناً مَرِضَ، فلو عُدْتَه لوجدتني عندَه "، وهذا صريحٌ في أنَّ الله تعالى لم يمرض، ولم يجُع، ولكن مَرِضَ عبدُه (2) وجاع، فجعل جوعَه جوعَه، ومرضَه مرضَه مُفَسِّراً لذلك، بأنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، ولو عُدْتَه لوجدتني عنده، فلم يبقَ في الحديث لفظٌ يحتاجُ إلى تأويل (3). انتهى (4).

وأما قوله: " قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن " فإنه ليس في ظاهره أن القلب متصل بالأصبع، ولا مماس لها، ولا أنها في جوفه، ولا في قول القائل: هذا بين يدي، ما يقتضي مباشرتُه ليديه، وإذا قيل: السحاب المسخَّرُ بين السماء والأرض لم يقتضِ أن يكونَ مماسّاً للسماء والأرض، ونظائرُ هذا كثيرةٌ.

(1) رواه عبد الرزاق في " مصنفه "(8919) موقوفاً بلفظ: " الركن -يعني الحجر- يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه مصافحة الرجل أخاه .. "، وفي سنده إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك، وقد تابعه بنحوه ابن جريج بالعنعنة عند عبد الرزاق (8920).

(2)

في (ش): عبده مرض.

(3)

في (ش): التأويل.

(4)

هنا زيادة في (ش) و (د) نصها: ويؤيدُ هذا أنَّ خطاب الله تعالى لعبده بهذا إنَّما يقعُ في دار الآخرة، والعلم فيها بالله تعالى، وامتناع صفات النقص عليه ضروريُّ لا يقعُ فيه شك، ولذلك ظَهَر للمخاطب أنه مسوقٌ بمعنى لطيف، فلم يكن جوابُه إلَاّ بالسؤال بكيف عن تعيين ذلك المعنى المعلوم على سبيل الإجمال، ثم اتَّصَلَ بيانه كاتصال البيان بالاستثناء والشرط.

ص: 141

وممَّا يُشبِهُ هذا أن نجعلَ اللفظ نظيراً لما ليس مثله، كما قيل في قوله:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص: 75]، فقيل: هو مثل قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: 71]، فهذا ليس مثل هذا، لأنه هنا أضاف الفعل إلى الأيدي، فصار شبيهاً بقوله:{فبما كَسَبَتْ أيْدِيْكُمْ} [الشورى: 30]، وهناك أضاف الفعل إليه، فقال:{لِمَا خلقتُ} ثم قال: {بِيَدَيّ} .

وأيضاً هنا ذكرَ نفسه المقدسة بصيغة المفرد، وفي اليدين ذكر لفظ التثنية، كما في قوله:{بَلْ يَداه مبسوطتان} [المائدة: 64]، وهناك أضاف الأيدي إلى صيغة (1) الجمع، فصار كقوله:{تَجْرِي بأَعْيُنِنا} [القمر: 14]، وهذا في الجمع نظيرُ قوله:{بِيَدِهِ المُلْكُ} [الملك: 1] و {بِيَدِكَ الخَيْرُ} [آل عمران: 26]، في المفرد، فالله سبحانه وتعالى يذكر نفسه تارةً بصيغة المفرد مُظهَراً أو (2) مُضمراً، وتارةً بصيغة الجمع كقوله:{إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً} [الفتح: 1] وأمثال ذلك، ولا يذكُرُ نفسه بصيغةِ التثنيةِ قط، لأنَّ صيغةَ الجمع تقتضي التعظيم الذي يستحقُّه، ورُبَّما تدلُّ على معاني أسمائه.

وأما صيغة التثنية، فتدل على العدد المحصور، وهو مقدسٌ عن ذلك، فلو (3) قال: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي (4)، [لما] (5) كان كقوله:{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدينا} [يس: 71]، وهو نظيرُ قوله: {بيده

(1) تحرف في (ش) إلى: صفة.

(2)

في (ش): و.

(3)

في (ج) و (ش): ولو.

(4)

في (أ): يدي.

(5)

ما بين الحاصرتين من " التدمرية ".

ص: 142

الملك} و {بيدك الخير} ، ولو قال: لما خلقت بيدي بصيغة -الإفراد- لكان مفارقاً له، فكيف إذا قال:{خلقتُ بِيَديَّ} بصيغة التثنية، هذا مع دلالة الأحاديث المستفيضة بل المتواترة، وإجماع السلف على مثل ما دلَّ عليه القرآن، كما هو مبسوطُ في موضعه مثل قوله:" المُقْسِطُون عند الله على منابرَ من نورٍ عن يمينِ الرحمنِ -وكلتا يديه يمينٌ- الذين يعدِلُون في حُكمِهم وأهليهم وما وَلُوا "(1)، وأمثال ذلك.

وإن كان القائلُ يعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنسِ ظاهر النصوص المتَّفق على معناها، فالظاهرُ هو المراد في الجميع، فإن الله لما أخبر أنه بكل شيءٍ عليمٌ، وأنه على كل شيءٍ قديرٌ، واتَّفق أهلُ السنَّة، وأئمة المسلمين على أن هذا على ظاهره، وأن ظاهره مرادٌ، كان من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا الظاهر أن يكون علمه مثلَ علمنا، وقدرتُه كقدرتنا.

وكذلك لما اتَّفقوا على أنه حي حقيقةً، عالمٌ حقيقة (2)، قادرٌ حقيقة لم يكن مرادهم (3) إنه مثل المخلوق الذي هو حي عالم قادر.

فكذلك إذا قالوا: في قوله: {يُحبُّهُم ويُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، {رَضِيَ اللهُ عنهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119]، وقوله:{ثُمَّ استَوَى على العرشِ} [الأعراف: 54] أنه على ظاهره لم يقتضِ ذلك أن يكونَ ظاهرُه استواء كاستواء المخلوق (4)، ولا حُبّاً كحبه،

(1) أخرجه مسلم (1827)، والنسائي 8/ 221 - 222، وأحمد 2/ 159 و160 و203، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 324، والبغوي (2470) من حديث عبد الله بن عمرو.

(2)

قوله: " عالم حقيقة " ساقط من (ش).

(3)

في (ب) و (د): مراد.

(4)

في (ش): المخلوقين.

ص: 143

ولا رِضاً كرضاه.

فإن كان المستمعُ يظنُّ أنَّ ظاهرَ الصفات يماثلُ صفاتِ المخلوقين، لَزِمَه أن لا يكون شيءٌ من ظاهر ذلك مراداً، وإنْ كان يعتقد أنَّ ظاهرها هو ما يليق بالخالق، ويختصُّ به، لم يكن له نفيُ هذا الظاهر، ونفي أن يكون مراداً إلَاّ بدليل يدُلُّ على النفي، وليس في العقل، ولا في السمع ما ينفي هذا إلَاّ من جنس ما ينفي به سائر الصفات، فيكونُ الكلام في الجميع واحداً.

وبيانُ هذا أن صفاتنا منها ما هو أعيانٌ وأجسامٌ، وهي أبعاضٌ لنا كالوجهِ، واليد (1)، ومنها ما هو معان وأعراض، وهي قائمة بنا كالسمع، والبصر، والعلم، والكلام، والقدرة.

ثمَّ من المعلوم أن الربَّ لما وَصَفَ نفسه بأنَّه حيٌّ، عليم، قدير لم يقل المسلمون إن ظاهر هذا غيرُ مراد، لأنَّ مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا، وكذلك (2) لما وَصَفَ نفسه بأنه خلق آدم بيديه لم يُوجِبْ ذلك أن يكون ظاهرُه غير مراد، لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقِّنا (3)، بل صفةُ الموصوفِ تُناسبُه.

فإذا كانت ذاتُه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين، وصفاته (4) كذاتِه ليست كصفاتِ المخلوقين، ونسبةُ صفة المخلوق إليه كنسبة (5) صفةِ

(1) في (ش): واليدين.

(2)

في (ش): فكذلك.

(3)

من: " وكذلك " إلى هنا مكرر في (ش).

(4)

في المطبوع من " التدمرية ": فصفاته.

(5)

تصحفت في (ب) إلى: كتشبيه.

ص: 144

الخالق إليه، وليسَ المنسوب كالممنسوب، ولا المنسوبُ إليه كالمنسوب إليه، كما قال صلى الله عليه وسلم:" ترون ربَّكُم كما تَرَوْنَ الشَّمْسَ والقَمَرَ "(1) فَشَبَّهَ الرؤيَةِ بالرؤيةِ لا المرئيَّ بالمرئيِّ (2).

قلتُ (3): قالوا: الصفات قد تَخَصَّصَتْ بأنواعٍ غيرِ مختلفة، وهي: العلمُ، والقُدرة، فإنَّ العلمَ غيرُ مختلف، وكذلك القدرةُ وسائر الصفات عند هؤلاء.

قلنا: بل هي مختلفةٌ كما يأتي محقَّقاً في القاعدة السادسة، وللزمخشري شعرٌ أشعر فيه بالتجاهُل، والتحامل الكثير (4) على أهل السنة شنَّع فيه العبارةَ، وأفحشَ في سوء الأدب مع أئمَّة السنة (5)، بل أئمَّةِ الإسلام، وخَرَجَ فيه عن أساليب العلماء الأعلام، فقال فيه:

لِجَمَاعَةٍ سَمَّوا هَواهُم سُنَّةً

وجماعةٍ حُمْرٍ لَعَمْرِي مُوكَفَهْ

قَدْ شَبَّهُوهُ بخلقِه وتَخَوَّفُوا

شُنَعَ الوَرَى فَتَسَتَّرُوا بالبَلْكَفَهْ (6)

وله أجوبةٌ كثيرة منها قولُ بعضهم:

ومُبَلْكِفٍ للذاتِ طالَ تَعَجُّبي

من شِدَّة استنكارِه للبَلْكَفَهْ

(1) تقدم تخريجه في 3/ 125، وسيأتي تخريجه مفصلاً في هذا الجزء.

(2)

تحرفت في (ب) إلى: المرء بالمرء.

(3)

من هنا إلى نهاية الأبيات من كلام المؤلف ابن الوزير، ثم يرجع فينقل عن " التدمرية ".

(4)

في (د): الكبير.

(5)

من قوله: " والتحامل " إلى هنا ساقط من (ب).

(6)

أنشدهما الزمخشري في تفسيره عند قوله تعالى: {قَالَ لَنْ تَرَانِي} 2/ 116، وصدرهما بقوله: والقول ما قال بعض العدلية فيهم، أي: في أهل السنة والجماعة. وقوله: " موكفة " من الإيكاف، وهو البرذعة، والبلكفة: قولك: بلا كيف، يقرر مذهبه السيىء في نفي الرؤية.

ص: 145

إن كنت تُنِكرُها فكيِّف ذاتَه

أيضاً وقُلْ هي كالذَّوات مُكَيَّفه

بل أنت تِثْبِتُها ولا تدري كَمَا

لم تدْرِ قطُّ مَنِ الحَمِيرُ المُوكَفَهْ

ولَقَدْ هَجَوتَ وَمَا دَلَلْتَ وإنَّما

أبداً تدُلُّ على الحِمَارِ العَجْرَفَهْ

وقال آخر أيضاً في الجواب عليه:

يا عائباً من جَهْلِه للبلكفه

هي قولُكم في الذَّات دَعْ عنك الصِّفه

واللهُ ليس كمثله شيءٌ وذا

هُو ما اعتَرضْتَ به فَدَعْ عنك السَّفه

من لم يقُل بمقالِنا فيها شَرَى

بنُصُوصِ وَحْيِ الله رأيَ الفَلْسَفَهْ

ولبعض المغاربة:

لجماعة جعلوا الشرائعَ بدعةً

وحماقةً حُمْرٍ لَعَمْري مُوكَفَهْ

قد عطَّلُوا أسماءَه وتبدَّلُوا

بنُصُوصِ وَحي الله رأي الفلسفه

كفروا كأهل الشركِ بالرَّحمن إلـ

لا في مجازٍ أبدَعُوه زَخْرَفَهْ

وقَضَوا بأنَّ الحقَّ قطعاً نفيُهُ

وبأنَّهُ لإلهنا بِئْسَ الصِّفَهْ

في (1) عدِّه عشرين من أسمائه الـ

ـحُسْنَى رواها خِزْيَة مُسْتَنْكَفَهْ

أيُذَمُّ ربُّ الحمدِ في الصَّلَوات والـ

ـسبْعِ المثاني إنَّ ذا لهُو السَّفَه

واللهُ ليس كمثله شيءٌ وذا

هو نفسُ ما قدْ لَقَّبُوْهُ (2) البَلْكَفَه

تَعِسَ الذي اعتزَلَ الكتابَ وكذَّبَ الـ

أسْمَا وبدَّلَهَا بمحْضِ (3) العَجْرَفَهْ

وجوابُنا لكُم نظيِرُ جوابِكُم

لِقَرَامطٍ لا يُثبِتُونَ له صِفَهْ

كفرُوا بكُلِّ اسمٍ له وكفرتُمُ

بالبَعْضِ قِسْمَة جُرأةٍ ومُجَازَفَهْ

فإذا أفادَكُمُ المَجَازُ أفادَهُم

إن كان بينكُمُ حقاقُ (4) مُنَاصَفَهْ

(1) في (ج)، وفوق " في " في (أ): مع.

(2)

في (أ): " لقنوه " وهو تصحيف.

(3)

في (ش): لمحض.

(4)

تحرف في (ش) إلى: حقَّان.

ص: 146

فالكلُّ يعلَمُ من ضرُورةِ دِيْنِنا

مَدْحَ الإلهِ بهِ بغَيْرِ مُخَالَفَهْ

قلت:

وكذاكَ يلزَمُ نفعُ كل تجوُّزٍ

في ذاتِ خالقِنا وأوجبَ معرِفَه

فتكونُ مُثبَتَةً مجازاً مؤمناً

إيمانَكم في نفي معلُومِ الصِّفَه

وتكفيرُ أهل القبلة خطأٌ، فيصلح البيت الثالث:

انِفُوا من الرَّحمن كالماضينَ إلـ

ولعلَّه أراد كفراً دونَ كُفر. انتهى (1).

قال: وهذا يتبيَّنُ من:

القاعدة الرابعة: وهي أن كثيراً من الناس يتوهَّم في بعض الصفات، أو كثيرٍ منها، أو أكثرها، أو كُلِّها أنها تُماثلُ صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فَهِمَه فيَقَعُ في أربعة أنواع من المحاذير.

أحدها: كونه مثَّل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظنَّ (2) أن مدلول النصوص هو التمثيل.

الثاني: أنه إذا جعل ذلك مفهُومها (3)، وعطَّله (4)، بقيت النصوصُ معطلةً عمَّا دلَّت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله فيبقى مع جنايته على النصوص، وظنِّه السيىء الذي ظنَّه بالله ورسوله حيث ظن أن

(1) من قوله: " ولبعض المغاربة " إلى هنا ساقط من (ب)، وإلى هنا انتهى كلام ابن الوزير الذي أدرجه في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

(2)

في (ش): فدل.

(3)

في (أ) و (ب): مفهوماً.

(4)

تحرفت في (ش) إلى: وغلطه.

ص: 147

الذي يُفهَمُ من كلامهما هو التمثيل الباطل، وقد عطَّل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات الصفات لله والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى.

الثالث: أنه (1) ينفي تلك الصفات عن الله بغير علم، فيكون مُعطِّلاً لما يستحقُّه الربُّ.

الرابع: أنه يَصِفُ الربَّ بنقيض تلك الصفات من صفات الموات (2)، والجمادات، أو (3) صفات المعدومات، فيكون قد عَطَّلَ صفاتِ الكمال التي يستحقُّها الرب جلَّ وعزَّ، ومثَّله بالمنقوصات والمعدومات، وعطَّل النصوص عمَّا دلَّت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات، فيجمعُ في الله، وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل، فيكون مُلحِداً في أسماء الله (4) وآياته.

مثال ذلك: أن النصوصَ كلها دلَّت على وصف الإله (5) بالعُلُوِّ والفوقية على المخلوقات، واستوائه على العرش.

فأمَّا علوُّه ومباينته للمخلوقات، فيُعلمُ بالعقل [الموافق للسمع].

وأمَّا الاستواء (6) على العرش، فطريق العلم به هو (7) السمع،

(1) في (ش): أن.

(2)

في (ش): " الموت "، وفي " التدمرية ": الأموات.

(3)

في (د): و.

(4)

في (ش): أسمائه.

(5)

في (أ): " الله "، وكتب فوقها " الإله ".

(6)

في (أ): استواؤه.

(7)

ساقطة من (ش).

ص: 148

وليس في الكتاب والسنة وصفٌ له بأنه لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا مباينه، ولا مداخله، فيظنُّ المتوهم أنه (1) إذا وصف (2) بالاستواء على العرش، كان استواؤُهُ كاستواء الإنسان على ظهور الفُلكِ والأنعام

إلى قوله: وليس في اللفظ ما يدل على ذلك، لأنه أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة، كما أضاف إليه سائر أفعاله وصفاته فذكر أنه خلق ثم استوى، كما ذكر أنه قدَّر فَهَدَى، كما (3) ذكر أنه مع موسى وهارون يسمع ويرى، وأنَّه بَنى السماء بأيدٍ إلى قوله: فلمَّا قال تعالى: {والسماءَ بَنَيْنَاهَا بِأيْدٍ} [الذاريات: 47}، فهل يُتوهَّمُ أنَّ بناءه (4) مثلُ بناء الآدمي المحتاج الذي يحتاج إلى زنبيلٍ، ومجارِفَ، وأعوانٍ، وضرب لبنٍ، وجبلِ طين، ثم قد عُلِمَ أن الله تعالى خلق العالم بعضه فوق بعض، ولم يجعل عالية مفتقراً إلى سافله، فالهواء والسحاب فوق الأرض، وليس مفتقراً إلى أن تحمله الأرض، فالعليُّ الأعلى ربُّ كل شيء ومليكه إذا كان فوق جميع خلقه، كيف يجب أن يكون محتاجاً إلى خلقه؟! أو (5) إلى عرشه!، أو كيف يستلزم علوُّه على خلقه هذا الافتقارَ!؟.

وكذلك قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16] من توهَّم أن مقتضى هذه الآية أن يكون الله في داخل السموات فهو جاهلٌ ضالٌّ بالاتفاق، وإن كنا إذا قلنا: إنَّ الشمس والقمر في السماء (6) يقتضي ذلك، فإنَّ حرف " في " متعلقٌ بما

(1)" أنه " ساقطة من (د).

(2)

من قوله: " له بأنه لا " إلى هنا ساقط من (ب).

(3)

في (ش): وكما.

(4)

في (ش): أنه بناء.

(5)

في (ش): و.

(6)

" في السماء " ساقط من (ش).

ص: 149

قبله وما بعده، فهو بحسب المضاف، والمضاف إليه، ولهذا نُفرقُ بين كون الشيء في المكان، وكونِ الجسم في الحيِّز، وكون العَرَضِ في الجسم (1)، وكون الوجه في المرآة، وكون الكلام في الوَرَقِ، فإن لكل نوع من هذه الأنواع خاصةً يتميزُ بها عن غيره، وإن كان حرفُ " في " مستعملاً في ذلك.

إلى قوله: ولما (2) كان قد استقرَّ في نفوس المخاطبين أنَّ الله هو العليُّ الأعلى، وأنه فوق كُلِّ شيء، كان المفهوم من قوله: إنه في السماء، أنه في العُلُوِّ، وأنه (3) فوق كل شيء.

وكذلك الجارية لمَّا قال لها صلى الله عليه وسلم: " أين الله؟ "، قالت: في السماء (4)، إنَّما أرادت العُلُوَّ مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة.

إلى قوله كما قال: {ولأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، وكما قال:{فسِيْرُوا في الأرْضِ} [النحل: 36]، وكما قال:{فَسِيْحُوْا في الأرْضِ} [التوبة: 2]، ويقال: فلانٌ في الجبل، وفي السطح، وإن كان على أعلى شيءٍ فيه (5) إلى أن قال:

القاعدة الخامسة: لقائلٍ أن يقول: لا بُدَّ في هذا (6) الباب من ضابطٍ يُعرفُ به ما يجوزُ على الله مما لا يجوزُ في النفي والإثبات، إذ

(1) في (ش): وكون الجسم العرض.

(2)

"الواو" ساقطة من (ش).

(3)

في (ش): " وأنه كان "، وفي (أ):" وإن كان ".

(4)

تقدَّم تخريجه في 1/ 380 و2/ 175.

(5)

في (ش): منه.

(6)

ساقطة من (ش).

ص: 150

الاعتمادُ في هذا الباب على مجرد نفي التشبيه، أو الإثبات من غير تشبيه ليس بسديدٍ (1)، وذلك أنه ما من شيئين إلَاّ بينهما قدرٌ مشترك، وقدرٌ مميز.

فالنافي إن اعتمد في ما ينفيه على أنَّ هذا تشبيه، قيل له: إن أردت أنه مماثلٌ له من كل وجه، فهذا باطل، وإن أردت أنه مشابهٌ له من وجه دون وجه، أو مشاركٌ له في الاسم، لزِمَكَ هذا في سائر ما تثبته، وأنتم إنما أقمتم الدليل على إبطال التشبيه والتماثل الذي فسرتموه، فإنَّه يجوزُ على أحدهما ما يجوزُ على الآخر، ويمتنعُ عليه ما يمتنع عليه، ويجب له ما يجب له.

ومعلوم أن إثبات التشبيه بهذا المعنى ممَّا لا يقولُه عاقلٌ يتصورُ ما يقول، فإنَّه يُعلمُ بضرورة (2) العقل امتناعُه، ولا يلزَمُ من نفي هذا نفيُ التشابه مفسراً بمعنىً من المعاني، ثم كل من أثبت ذلك المعنى، قالوا: إنَّه مشبه، ومنازعهم يقول: ذلك المعنى ليس هو من التشبيه، وقد يُقرنُ بين لفظ التشبيه والتمثيل، وذلك أنَّ المعتزلة ونحوهم من نُفاةِ الصفات يقولون: كل من أثبت للهِ صفةً قديمة، فهو مشبِّهٌ ممثِّلٌ.

فمن قال: إن لله علماً قديماً، أو (3) قدرةً قديمة، كان عندهم مشبهاً ممثلاً، لأنَّ القِدَمَ عند جمهورهم هو أخصُّ وصف الإلة، فمن أثبت له صفةً قديمة، فقد أثبت له مثلاً قديماً، فيسمونه (4) ممثلاً (5) بهذا

(1) تصحفت في (ش) إلى: بشديد.

(2)

في (ب): ضرورة.

(3)

في (ش): و.

(4)

في (أ): " فيسموه "، وهو خطأ.

(5)

في (ج): مثلاً.

ص: 151

الاعتبار، ومثبتة (1) الصفات لا يوافقونهم (2) على هذا، بل يقولون: أخصُّ وصفه ما لا يتَّصِفُ به غيره مثل كونه ربَّ العالمين، وأنه بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، ونحو ذلك، والصفةُ لا توصف بشيء من ذلك.

ثم من هؤلاء الصفاتية من لا يقول في الصفات: إنها قديمة، بل يقولون: الربُّ بصفاته قديمٌ.

ومنهم من يقول: هو قديم وصفاته قديمة، ولا تقولُ: هو وصفاته قديمان.

ومنهم من يقول: هو وصفاتُه قديمان، ولكن يقولُ: ذلك لا يقتضي مشاركة الصفة له في شيء من خصائصه، فإنَّ القِدَمَ ليس من خصائص الذات المجردة، بل هو من خصائص الذات الموصوفة بصفات، وإلَاّ فالذات المجردةُ لا وجود لها عندهم فضلاً عن أن يختصَّ بالقِدَمِ.

وقد يقولون: الذاتُ متصفةٌ بالقدم، والصفاتُ متصفةٌ بالقدم (3)، وليست الصفات إلهاً ولا رباً، كما أنَّ النبي مُحدَثٌ، وصفاتِه محدثةٌ، وليست صفاتُه نبياً فهؤلاء إذا أطلقوا على الصفاتية اسم التشبيه والتمثيل كان هذا بحسب اعتقادهم الذي يُنَازِعُهم فيه أولئك.

ثم يقول لهم أولئك: هَبْ أنَّ هذا المعنى قد يُسمَّى في اصطلاح بعض الناس تشبيهاً، فهذا المعنى لم ينفِه عقلٌ ولا سَمْعٌ، وإنَّما الواجب

(1) في (ش): ومثبت.

(2)

في (ب): توافقهم.

(3)

من قوله: " وقد يقولون " إلى هنا ساقط من (ش).

ص: 152

نفيُ ما نفته الأدلة الشرعية والعقلية، والقرآن قد نفى مُسَمَّى المثل والكفؤ والنِّدِّ ونحو ذلك، ولكن يقولون: الصفة في لغة العرب ليست مثل الموصوف، ولا كفؤه ولا نِدَّه، فلا تدخل في النص.

وأمَّا العقلُ فلم ينفِ (1) مسمَّى التشبيه في اصطلاح المعتزلة، وكذلك يقولون: إن الصفات لا تقوم إلَاّ بجسمٍ متحيز، والأجسام متماثلة، فلو قامت به الصفاتُ للَزِمَ أن يكون مماثلاً لسائرِ الأجسام، وهذا هو التشبيه.

وكذلك يقولُ هذا كثيرٌ من الصفاتية الذين يثبتون الصفات، وينفون عُلُوَّه على عرشه، وقيام الأفعال الاختيارية به ونحو ذلك، ويقولون: الصفات قد تقومُ بما ليس بجسم، وأما العلو على العالم، فلا يصحُّ إلَاّ إذا كان جسماً، فلو أثبتنا علوَّه للزم أن يكون جسماً، وحينئذٍ فالأجسام متماثلة، فيلزم التشبيه، فلهذا تجد هؤلاء يُسمُّون من (2) أثبت العلو مُشبهاً، ولا يسمون من أثبت السمع، والبصر، والكلام ونحوه مشبهاً، كما يقوله صاحب " الإرشاد "(3) وأمثاله.

وكذلك يوافقُهم على القول بتماثل الأجسام القاضي أبو

(1) في (ب): " ينفيه "، وهو خطأ.

(2)

من قوله: "جسماً فلو" إلى هنا ساقط من (ش).

(3)

ص 39 و72، واسمه الكامل:" الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد " -وهو مطبوع في باريس، والقاهرة، وبرلين- لمؤلفه أبي المعالي عبد الملك بن الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيوية الجُويني، النيسابوري، الشافعي، المعروف بإمام الحرمين، المتوفى سنة 478 هـ. مترجم في " السير " 18/ 468 - 477، وقد رَجَعَ إمامُ الحرمين في أواخر سني حياته عن التأويل، وسلك طريق السلف في إثبات الصفات بلا كيف ولا تعطيل وارتضاه رأياً، كما - صرح بذلك في كتابه " الرسالة النظامية " ص 23.

ص: 153

يعلى (1)، وأمثالُه من (2) مثبتة الصفات والعلو، ولكن (3) هؤلاء قد يجعلون العُلوَّ صفةً خبرية كما هو أول قولي القاضي أبي يعلى، فيكونُ الكلام فيه كالكلام في الوجه.

وقد يقولون: إنَّ ما تثبتونه لا ينافي الجسم، كما يقولونه (4) في سائر الصفات، والعاقل إذا تأمَّل، وجد الأمر في ما نفوه كالأمر فيما أثبتوه لا فَرْقَ.

وأصلُ كلام هؤلاء كلهم على أن إثبات الصفات مستلزمٌ التجسيم، والأجسامُ متماثلة، والمثبتون يُجيبون عن هذا تارة بمنعِ المقدمة الأولى، وتارةً بمنع المقدمة الثانية، وتارةً بمنع كلٍّ من المقدمتين (5)، وتارةً بالاستفصال، ولا ريبَ أنَّ قولهم: بتماثل الأجسام باطلٌ سواء فسَّروا الجسم بما يشار إليه، أو بالقائم بنفسه، أو بالموجود، أو بالمركب من الهُيُولى (6) والصورة أو نحو ذلك.

أما إذا فسَّروه بالمركب من الجواهر المنفردة، وعلى أنها متماثلة،

(1) هو الإمام العلامة، شيخ الحنابلة، القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي الحنبلي، ابن الفراء، صاحب التعليقة الكبرى، والتصانيف المفيدة في المذهب، أفتى ودرَّس، وتخرَّج به الأصحابُ وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالمَ العراقِ في زمانه مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره، والنظر والأصول، له من الكتب " أحكام القرآن "، و" مسائل الإيمان "، و" الكلام في الاستواء " وغيرها، توفي سنة 458 هـ:" السير " 18/ 89 - 92.

(2)

ساقطة من (ش).

(3)

" الواو " ساقطة من (ش).

(4)

في (ش): يقولون.

(5)

في (ب): المقدمتين معاً.

(6)

تحرفت في (ش) إلى: الهيواتي.

ص: 154

فهذا ينبني (1) على صحة ذلك، وعلى إثبات الجوهر المنفرد (2)، وعلى أنه متماثل (3)، وجمهورُ العقلاء يخالفونهم في ذلك.

والمقصود أنهم يُطلقون التشبيه على ما يعتقدونه (4) تجسيماً بناءً على تماثل الأجسام، والمثبتون ينازعونهم في اعتقادهم كإطلاق الرافضة النصب على من تَوَلَّى أبا (5) بكر وعمر رضي الله عنهما بناءً على أن من أحبهما، فقد (6) أبغض عليّاً رضي الله عنه، ومن أبغضه فهو ناصبي.

وأهل السنة ينازعونهم في المقدمة الأولى، ولهذا يقول هؤلاء: إن الشيئين يشتبهان من وجه، ويختلفان من وجه.

وفي (7)" تاريخِ ابن خلكان "(8) في حرف الهاء منه في ترجمة البديع الأسطرلابي (9) أن أصل هيئة الفَلَكِ أن تكون في الكُرة التي هي

(1) تحرفت في (ش) إلى: ينبغي.

(2)

في (ش): الفرد.

(3)

في (ش): تماثلها.

(4)

" على ما تعتقدونه " ساقط من (ش).

(5)

تحرفت في (ب) إلى: " أبي "، وفي (ش) إلى: أبو.

(6)

ساقطة من (ش).

(7)

من هنا إلى قوله: " تمت " إدراج من المؤلف، وليس من كلام ابن تيمية في " التدمرية ".

(8)

المسمى بـ " وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان " لمؤلفه شمس الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان الأربلي الشافعي، المتوفى سنة 681 هـ، أحد الأئمَّة الفضلاء المشهود له بالبراعة في الفقه، والأصول، والعربية، والتراجم، وهو أول من جدَّد في أيامه قضاءَ القضاة من سائر المذاهب، فاشتغلوا بالأحكام بعدما كانوا نُوَّاباً له.

انظر ترجمته الحافلة بقلم الدكتور إحسان عباس في أول الجزء السابع من كتاب " وفيات الأعيان ".

(9)

هو أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن يوسف الشاعر المشهور، كان وحيد زمانه في عمل الآلات الفلكية، توفي سنة 534 هـ. والنص الذى نقله المصنف هو في " الوفيات " 6/ 53 نشر دار صادر بتحقيق الدكتور الفاضل إحسان عباس.

ص: 155

جسم (1) لأنها تشتملُ على (2) الطول والعرض والعُمق، وتوجدُ في السطح الذي هو مركبٌ من الطول والعرض بغير عمق، ويوجدُ في الخط الذي هو عبارةٌ عن الطول فقط بغيرِ عرض ولا عمق، ولم يبقَ سوى النقطة، ولا يتصوَّر أن يعمل فيها شيء، لأنها ليست جسماً، ولا سطحاً، ولا خطّاً، بل هي طرفُ الخط كما أنَّ الخطَّ طرفُ السطح، والسطح (3) طرفُ الجسم، والنقطةُ لا تُجزَّأُ انتهى.

قلت: الظاهرُ أنَّ النقطة في عُرفِ هؤلاء هي الجوهر في عرف المعتزلة، وأنَّ السطح (3) عبارةٌ عن الطول والعمق من غير عرضٍ، لأنه سطح (3) الجسم، والله أعلم، والمعتزلة أخذت من هذه الاصطلاحات أنَّ الجسم هو الطويل العريضُ العميق، وتوهَّم كثير من المتكلمين أن هذا تفسير الجسم في اللغة حتى استشهدوا عليه بقول الشاعر:

وأجسَمُ مِنْ عَادٍ جُسُومُ رجالِهم

وأكثرُ إن عُدُّوا عديداً من التُّرْبِ

والعجبُ ممَّن يدَّعي أنه من أهل النظر، ثم يُجوِّزُ أنَّ أهل الوضع اللغوي يعنون بألفاظهم ما يعلم الجميع أنه لم يخطُر لهم على بال، بل لعلَّ كثيراً من منتحلي علم الكلام لم يُحرر فهمَه بعد طولِ البحثِ، فالله المستعانُ. تمَّت.

قال الشيخُ (4): "وأكثرُ العقلاء على خلافِ ذلك، وقد بَسَطْنَا الكلام

(1) في (ش): الجسم.

(2)

" على " ساقطة من (ش).

(3)

في الأصول: " السطر " في المواطن الثلاثة، والمثبت من " الوفيات ".

(4)

من هنا يبدأ كلام ابن تيمية.

ص: 156

على هذا في غيرِ هذا الموضع (1)، وبُيِّن (2) فيه حُجَجُ من يقولُ بتماثل الأجسام، وحججُ من نفي ذلك، وبُيِّنَ (2) فسادُ قول من يقول بتماثلها، وأيضاً فالاعتماد بهذا الطريق على نفي التشبيه اعتمادٌ باطل، وذلك إنه إذا ثبت تماثلُ الأجسام فهم لا ينفُون ذلك إلَاّ بالحجة التي ينفون بها الجسم، وإذا ثبت أنَّ هذا يستلزِمُ الجسم، وثَبَتَ امتناعُ الجسم، كان هذا وحده كافياً في نفي ذلك، لا يحتاجُ نفيُ ذلك إلى نفي مُسمَّى التشبيه، لكن نفي التحيّز يكون مبنياً على نفي هذا التشبيه بأن يُقال (3): لو ثبت كذا وكذا، لكان جسماً، ثم يقال: والأجسام (4) مثماثلة، فيجب اشتراكها فيما يجبُ، ويجوز، ويمتنع، وهذا ممتنعٌ عليه، لكن حينئذٍ يكونُ من سلك هذا المسلك معتمداً في نفي التشبيه على نفي التجسيم فيكون أصل نفيه نفي الجسم، وهذا مسلكٌ آخر سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى.

وإنما المقصود هنا أن مجرد الاعتماد في نفي ما يُنفى على مجرد نفي التشبيه لا يُفِيدُ، إذ ما من شيئين إلَاّ يشتبهان من وجه، ويفترقانِ من وجهٍ بخلاف الاعتماد على نفي النقص والعيب، ونحو ذلك ممَّا هو سبحانه مقدسٌ عنه، فإنَّ هذه الطريقة (5) صحيحة.

وكذلك إذا أُثبت (6) له صفاتُ الكمال، ونُفِيَ مماثلةُ غيره له فيها، فإنَّ هذا نفي المماثلة في ما هو مستحقٌّ له، وهذا حقيقة التوحيد، وهو أن

(1) انظر " درء تعارض العقل والنقل ".

(2)

في المطبوع من " التدمرية ": وبينا.

(3)

في (ش): بأن هذا.

(4)

"الواو" ساقطة من (ش).

(5)

في (ش): طريقة.

(6)

في (د) و (ش): ثبت.

ص: 157

لا يشرَكَهُ (1) شيءٌ من الأشياء فيما هو من خصائصه، وكُلُّ صفةٍ من صفات الكمال فهو متَّصفٌ بها على وجهٍ لا يُماثِلُه فيها أحد.

ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمَّتها إثبات ما وصف الله به نفسه من الصفات، ونفي مماثلته لشيءٍ من المخلوقات.

فإن قيل: إنَّ الشيء إذا شابَهَ غيره من وجه، جاز عليه من ذلك الوجه ما جاز عليه، أو وَجَبَ له ما وَجَبَ له، أو امتنعَ عليه ما امتنعَ عليه.

قيل: هَبْ أنَّ الأمر كذلك، ولكن إذا كان ذلك القدرُ المشترك لا يستلزمُ إثبات ما يمتنِعُ على الربِّ سبحانه، ولا نفيَ ما يستحقُّه لم يكن ممتنعاً، كما إذا قيل: إنَّه موجودٌ، حي، عليم، سميع، بصير، و (2) قد سمَّى بعض عباده حيّاً عليماً سميعاً بصيراً.

فإن قيل: يلزَمُ أنه يجوزُ عليه ما يجوز على ذلك من جهة كونه حياً عليماً سميعاً بصيراً.

قيل: لازمُ هذا القدر المشترك ليس ممتنعاً على (3) الربِّ، فإنَّ ذلك لا يقتضي حدوثاً، ولا إمكاناً، ولا نقصاً، ولا شيئاً ممَّا يُنافي صفات الربوبية، وذلك أنَّ القدر المشترك هو مُسمَّى الوجود، أو الموجود، أو الحياة، أو الحيّ، أو العلم، أو العليم، والقَدَرُ المشتَرك مطلقُ كُلِّي لا يختصُّ بأحدهما دون الآخر، فلم يَقَعْ بينهما اشتراكٌ لا في ما يختصُّ بالممكن المحدث، ولا في ما يختص بالواجب القديم، فإنَّ ما يختصُّ به

(1) في (ش): يشاركه.

(2)

الواو ليست في الأصول، والمثبت من " التدمرية ".

(3)

في (ش): عن.

ص: 158

أحدُهما يمتنعُ اشتراكُهما فيه.

فإذا كان القدر المشترك الذي اشتركا فيه صفة كمالٍ كالوجود، والحياة، والعلم، والقدرة، ولم يكن في ذلك ما يدُلُّ على شيء من خصائص المخلوقين كما لا يدلُّ على شيء من خصائص الخالق، لم يكن في إثبات هذا محذورٌ أصلاً، بل إثباتٌ هذا من لوازم الوجود، فكُلُّ موجودين لا بُدَّ بينهما من مثل هذا، ومن نفى هذا لزمَهُ تعطيلُ وجودِ كُلِّ موجود.

ولهذا لما اطلعَ الأئمَّةُ على أنَّ هذا حقيقةُ قولِ الجهمية سمَّوهم مُعطَّلةً، وكان جَهْمٌ ينكرُ أن يُسمَّى (1) اللهُ شيئاً (2)، وربما قالتِ الجهميةُ: هو شيء لا كالأشياء.

فإذا نُفِيَ القدرُ المشترك مطلقاً، لَزِمَ التعطيلُ التام، والمعاني التي يوصف بها الربُّ تعالى كالحياة، والعلم، والقدرة (3)، بل والوجود والثبوت والحقيقة ونحو ذلك، تجب له لوازمها، فإنَّ ثبوت الملزوم يقتضي ثبوتَ اللازم وخصائص المخلوق التي يجبُ تنزيهُ الربِّ عنها ليست من لوازم ذلك أصلاً، بل تلك من لوازمِ ما يختص بالمخلوق من وجودٍ، وحياةٍ، وعلمٍ، ونحو ذلك، والله سبحانه مُنَزَّهٌ عن خصائصِ المخلوق، وملزوماتِ خصائصه، وهذا الموضع من فَهِمَه، وتدَبَّرَهُ زالتْ عنه عامةُ الشبهات، وانكشف له غَلَطٌ كثيرٍ من الأذكياء في هذا المقام، وقد بُسِطَ هذا في مواضع كثيرة، وبُيِّن فيها أن القدر المشترك

(1) في (د): يكون.

(2)

" مقالات الإسلاميين " ص 181 و518.

(3)

في (ش): والقدرة والعلم.

ص: 159

الكُلِّي لا يوجد في الخارج إلَاّ معيناً مُقيَّداً، وأن معنى اشتراك الموجودات في أمرٍ من الأمور هو تشابُهها (1) من ذلك الوجه، وأنَّ ذلك المعنى العامَّ يطلق على هذا وهذا إلَاّ أن الموجودات في الخارج يشارك أحدها (2) الآخر في شيء موجود فيه، بل كل موجود متميز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله.

ولما كان الأمر كذلك، كان كثير من الناس يتناقضُ في هذا المقام، فتارة يظنُّ أن إثبات القدر المشترك يوجب التشبيه الباطل فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات حَذَراً من التشبيه، وتارة يتفطَّن أنه لا بد من إثبات هذا على كل تقدير، فيجيبُ به فيما يثبته من الصفات على من احتج به من النفاة (3).

ولكثرة الاشتباه في هذا المقام وقعت الشبهة في أن وجود الرب هل هو عين ماهيته أو زائدٌ على ماهيته، وهل (4) لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي، أو (5) بالتواطؤ، أو التشكيك كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها، وفي أن المعدوم هل هو شيء أم لا؟، وفي وجود الموجودات هل هو زائدٌ على ماهيتها أم لا؟

وقد كثر من أئمة النظار الاضطراب والتناقض في هذه المقامات (6)، فتارة يقول أحدهم القولين المتناقضين (7)، ويُحكى عن الناس مقالات ما

(1) تحرفت في (ب) إلى: تشابههما.

(2)

تحرفت في (ش) إلى: أحدهما.

(3)

تحرفت في (ش) إلى " الثقات ".

(4)

تحرفت في (ش) إلى: هذا.

(5)

ساقطة من (ش).

(6)

في (ش): هذا المقام.

(7)

في (ش): المتنافيين.

ص: 160

قالوها، وتارة يبقى في الشك والتحير، وقد بسطنا من الكلام في هذه المقالات ما وقع من الاشتباه والغلط والحيرة فيها لأئمة الكلام والفلسفة (1) ما لا تتَّسع له هذه الجمل المختصرة، و (2) بيَّنَّا أن الصواب هو (3) أن وجود كل شيء في الخارج هو (4) ماهيته الموجودة في الخارج بخلاف الماهية التي في الذهن، فإنها مُغايرة للموجود في الخارج، وأن لفظ الذات، والشيء، والماهية، والحقيقة ونحو ذلك، وهذه الألفاظ كلها متواطئة.

فإذا قيل: إنَّها مشككة (5) لتفاضل مقامها (6) فالمشكك نوعٌ من المتواطىء العام الذي يراعى فيه دلالةُ اللفظ على القدر المشترك سواء كان المعنى متفاضلاً في موارده أو متماثلاً، وبيَّنَّا أن المعدوم شيء أيضاً في العلم والذهن لا في الخارج، فلا فرق بين الثبوت والوجود، لكن الفرق ثابت بين الوجود العلمي والعيني، مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة الموجودة، ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به.

وكذلك الأحوال التي تتماثل فيها الموجودات وتختلف، لها وجودٌ في الأذهان، وليس في الأعيان إلَاّ (7) الأعيان الموجودة وصفاتها القائمة بها المعينة، فتتشابه (8) بذلك وتختلف به.

(1) في (ش): الفلاسفة.

(2)

"الواو" ساقطة من (ب).

(3)

ساقطة من (ش).

(4)

"في الخارج هو" ساقط من (ش).

(5)

في (ش): تشككه.

(6)

" لتفاضل مقامها " ساقط من (ش). وفي المطبوع: معانيها.

(7)

ساقطة من (ش).

(8)

تحرفت في (د) و (ش) إلى: متشابه.

ص: 161