الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسحاق، يعني: ابن خزيمة - إلى طريقة السلف وتلهف على ما قال.
قلت: وهو يدل على ما قال البيهقي: أنهم أخطؤوا في العبارة، فمن بان له منهم معناها (1)، رجع عنه؛ لأنه خلافُ الضرورة، فلا يُخالِف فيه بعد معرفة معناه (2) عاقلٌ، أما المتأوِّل، فظاهرٌ، وأما غيره، فلما يعرف مِنَ الاستهزاء به، فأمَّا الأئمة الذين نهوا عن ذلك وضده -كأحمد بن حنبل، وإضرابه- فإنما (3) نهوا عنه كراهيةً لما يُلبِسُ على عوامِّ المسلمين، ويُضارع ألفاظ أهل البدع، ويتولَّد منه المِراء والتشويش.
فإن قيل: ما يقول أهل السُّنة في قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شيءٍ} [الرعد: 16]، فقد احتجت به (4) المعتزلة على خلق القرآن، لأنه شيءٌ.
قلنا: يقولون: إن عمومها مخصوصٌ بإجماع الفريقين
.
أمَّا المعتزلة
، فيُخرجون منها جميع أفعال العباد، وجميع الذوات الثابتة عندهم في حال العدم، بل قد ألزمهم أهل السنة أن الله -على مذهبهم- ما خلق شيئاً قطُّ، لأن قدرته -عندهم- لا تَعلَّقُ بالذَّوات، وإنما يُكسب (5) الذوات صفة الوجود، وصفة الوجود التي هي أثَرُ قدرته ليست بشيءٍ عندهم (6) كما سيأتي (7) محقَّقاً في مسألة أفعال العباد من هذا الكتاب.
(1) في (ش): معناه.
(2)
في (ب): معرفته لمعناه.
(3)
في (ب): فإنهم.
(4)
في (ب): " احتجت بها "، وفي (ش): احتج به.
(5)
في (ب): تكسب.
(6)
من قوله: " لا تعلق " إلى هنا ساقط من (ش).
(7)
في (ش): يأتي.
وأما أهل السنة، فمعنى الآية عندهم: أن الله تعالى خالقُ كلِّ شيء من عالم الخلق، لا من عالم الأمر، فإنه لا يُسمَّى مخلوقاً، لقوله تعالى:{ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ} [الأعراف: 54]، وهي أبينُ آيةٍ في هذا، لأنه قسَّم المسميات فيها إلى قسمين مختلفين متغايرين:
أحدهما: الخلق، وهو أخصُّهما، ولذلك قدَّمه.
وثانيهما: الأمر، وهو أعمُّهما، ولذلك أخره؛ لأن الخلق نوع من جنس الأمر يدخل تحته، بدليل قوله تعالى:{وإليه يَرْجِعُ الأمرُ كُلُّهُ} [هود: 123]، فدخل فيه الخلق والأمر، ولذلك قال سبحانه وتعالى:{إنما أمرُه إذا أراد شيئاً أن يقُولَ لَهُ كُنْ فيكُوْنُ} [يس: 82]، فلو كانت " كُنْ " مخلوقةً من جملة عالم الخلق، ما كانت (1) سبباً لخلق المخلوقات، ولكانت محتاجةً إلى أن يُقال لها (2) ذلك، ويؤدي (3) إلى التسلسل.
وسيأتي في مسألة خلق الأفعال أنه لم يَرِدْ في اللغة تسمية (4) كلِّ شيءٍ مخلوقاً، وإن كان الخلق والأمر كلاهما لله تعالى، فَلِكُلِّ واحد منهما اسمٌ يخصه.
ومن هنا اختصَّ الوعيد بالمصوِّرين المتعرِّضين لما سمَّى (5) خلقاً، وقيل لهم:" فليخلُقُوا حبةً أو شعيرةً " وقال صلى الله عليه وآله وسلم:
(1) في الأصول: " كان "، والمثبت من (ب).
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
في (ب): وذلك يؤدي.
(4)
في (ب): تسميته.
(5)
في (ب): يسمَّى.
" أشدُّ الناسِ عذاباً يوم القيامة الذين يُضَاهُونَ بخلقِ الله "، وفي حديثٍ:" الذين يُشبِّهون بخلق الله "(1)، ولم يدخل في هذا الكلام؛ لأنه لا يُسمَّى مخلوقاً، ولا يقال يوم القيامة: اخلقُوا كلاماً، ولا يقول أهل اللغة: خلقتُ كلاماً، ولا أمراً، ولا نهياً إلَاّ الخلق الذي بمعنى الكذب، وليس من هذا في شيءٍ، فثبت أن كلام الله من أمر الله، لا من خلقه.
فإن قيل: هذا الكلامُ (2) خلاف إجماع (3) أهل البيت عليهم السلام، لأنهم قد أجمعوا على أنه مخلوقٌ، فصرَّحوا بذلك، وردُّوا على من ادَّعى خلافه.
فالجواب: أنَّ هذا غير صحيحٍ على (4) الإطلاق؛ لأن أهل البيت عليهم السلام متقدِّمون ومتأخرون.
فأما الصدر الأول من المتقدمين، فمنهم من صرَّح بمثل مذهب أهل الأثر، ومنهم من لم يُنقل عنه في ذلك نفيٌ ولا إثباث.
وأما المتأخرون منهم، فقد صار في كل فرقةٍ، وقُطر مِنْ فِرَقِ الإسلام وأقطاره منهم طائفةٌ فيهم العلم ووراثة النبوة، كما يعرف ذلك من طالع تواريخ الرجال. وقد تقدم في هذا الكتاب طرفٌ صالحٌ من ذكر
(1) أخرجه من حديث عائشة أحمد 6/ 36 و83 و85 و86 و219، والبخاري (5954)، ومسلم (2107)(91) و (92)، والنسائي 8/ 214، والبغوي في " شرح السنة "(3215). وانظر " جامع الأصول " 4/ 795 - 797 الطبعة الشامية.
(2)
في (ب): كله.
(3)
ساقطة من (ش).
(4)
في (ش): عن.
بعضهم في الكلام على سُهولة الاجتهاد وتعسُّره، وتقدم كلام الإمامين (1) المنصور بالله، والمؤيد بالله يحيى بن حمزة عليهما السلام في تعذُّر معرفة إجماعهم، على أن الإجماع بعد الخلاف -لا سيما الكثير- لا يصح، كما هو مقرَّرٌ في الأصول.
وأنا أُورد ما يُثْلِج الصَّدر، ويقطع الرَّيب في ذلك من نصوصهم من كتبهم الشهيرة الموجودة في خزائن أئمتهم عليهم السلام.
فأقول (2): قال السيد الشريف الإمام أبو عبد الله، محمّد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن العلوي الحسني في المجلد السادس مِن تأليفه المسمَّى " بالجامع الكافي في فقه الزيدية " ما لفظه: الكلام في خلق القرآن، قال محمد، يعني: ابن منصور الكوفيّ الشّيعي محبّ أهل البيت، وراوية مذاهبهم (3) في كتاب أحمد: ذاكرت عبد الله بن موسى قول من يقول: القرآنُ مخلوقٌ، فقلت: أدركت (4) أحداً من أبائِك يقول به؟ قال: لا.
قال محمد: وكان عبد الله يكره الكلام فيه، وفي غيره (5)، مِمَّا أحدث الناس، وكان عبد الله إذا ذُكِرَ له رجلٌ ممن يتكلم فيما أحدث الناس من الكلام، قال: اللهم أمتنا على الإسلام ويُمْسِكُ.
قال محمد في كتاب " الجملة ": رأيت أحمد بن عيسى يترحَّمُ (6)
(1) ساقطة من (ب).
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (ب): مذهبهم.
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
في (ب): وغيره.
(6)
في (ش): ترحّم.
على من يقول بخلق القرآن، ومن لا يقول به، وكان عنده (1) الأخذ بالجمل (2) محمودٌ (3)، وترك ما فيه الفرقة، وهو عنده الاتِّباع للسلف.
قال محمد: حدثني عليُّ بن أحمد الباهلي، أنه ذاكر (4) أحمد بن عيسى اختلاف الناس في خلق القرآن، فقال أحمد: كلا الفرقتين (5) مخطئة في إقدام بعضهم على بعض بالبراءة.
وقال أحمد، فيما حدثنا علي، عن ابن هارون، عن سعدان، عن محمد، عنه، وذكر اختلاف الناس، وتفرُّقهم في الدِّين، فقال: إني لخائفٌ على إمام لو قام (6)، فإنه إن ذهب، توهّم (7) كلّ فرقةٍ أنهم على حق (8)، كان أول من يُهْلِكُ نفسه، وإن صار إلى فرقةٍ، أفسد الباقين (9) على نفسه.
وأخبرنا محمد بن علي بن أبي الجرَّاح، قال: أخبرنا أبي، قال: حدثنا (10) إسحاق بن محمد، قال: حدثني حمدان (11) بن علي بن أيوب، قال: أخبرني بنين العطار، قال: قدم رجل كان يقدَمُ على
(1) في (ب): عند.
(2)
في (ب) و (ش): بالجملة.
(3)
ساقطة من (ب) و (ش).
(4)
في (ب): ذكر.
(5)
في الأصول " الفريقين "، والمثبت من (ش).
(6)
في (ب): قام به.
(7)
في (ب): يوهم.
(8)
في (ب): الحق.
(9)
في (ش): الباقي.
(10)
في (ش): أخبرنا.
(11)
في (ب): " أحمد "، وفي (ش): أحمدان.
أحمد بن عيسى من أصحاب الكلام فيُناظره (1)، قال: فقدم البصرة، وهو مريض، فقمتُ عليه، فلم يزل عندي حتى مات، فكتبتُ إلى أحمد بن عيسى، أنه قَدِمَ عليَّ (2) فلانٌ، وأنه لم يزل عندي عليلاً حتى مات، وكنت أفعل به، وأفعل (3) حتى مات (4) رحمه الله، وغفر له، ورضي عنه.
فكتب إليَّ أحمد: أمَّا قولك: إنِّي قمتُ عليه وفعلتُ به، فلعمري إنَّ هذا يجب، وأمَّا قولك: رحمه الله، ورضي عنه، وغفر له، فإنما أردت بذلك تُرضيني أن الرجل كان يلقاني فيُناظرُني، وكنت أملُّه، فلمَّا مات، انقطعت عصمتُه. قال: وكان الرجل يقول: القرآنَ مخلوقٌ.
قال الحسنيُّ (5): حدثنا أبو حازم محمد بن علي الوشَّاء، قال: حدثنا إسحاق بن محمد المقرىء، قال: حدثنا (6) عليّ بن الحسين بن كعب، قال: حدثنا يحيى بن حسن بن فرات، ومحمد بن جميل (7)، ومحمد بن راشد، قالوا: سألنا عبد الله بن موسى بن عبد الله (8)، فقلنا له: ما تقولُ في القرآن؟ فقال: مَنْ زعم أنَّ القرآن مخلوقٌ، فهو كافرٌ، لأن الله عز وجل يقول (9): {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ
(1) في (ب): فناظره.
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
في (أ) و (د): فأفعل.
(4)
عبارة " حتى مات " سقطت من (ش).
(5)
في (ش): الحسن.
(6)
في (ش): أخبرنا.
(7)
في (ش): حنبل.
(8)
" بن عبد الله " ساقطة من (ب).
(9)
في (ش): قال.
الله} [التوبة: 6].
حدثنا محمد بن جعفر بن النجار، وأبو طالب بن (1) الصباغ، وزيد بن مصاية (2)، عن علي بن عبد الرحمن بن ماتي، عن علي بن الحسين بن كعب بمثله.
حدثنا ميمون بن حميد، قال: حدثنا إسحاق بن محمد، قال: حدثنا عبيد بن كثير، قال: حدثنا عبَّاد بن يعقوب، ويحيى بن حسن بن فرات، قالا: سمعنا عبد الله بن موسى بن عبد الله، يقول: القرآن (3) كلام الله ليس بمخلوق.
حدثنا الحسين بن محمد البجلي (4) المقرىء، قال: حدثنا عليُّ بن بشير بن يعقوب، قال: حدثنا سعدان بن محمد بن سعدان، قال: سمعت الحسين بن الحكم بن مسلم يحدِّثُ أن القاسم كتب إلى عبد الله بن موسى بن عبد الله (5) بن الحسن، يسأله عن القرآن، فكتب إليه عبد الله: نحن نرى أن الكلام في القرآن بدعةٌ، اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلَّف المجيبُ ما ليس عليه، فانتَهِ بنفسك (6) والمختلفون في القرآن إلى أسمائه التي سماه الله بها تكُن (7) من المهتدين، ولا تُسَمِّ القرآن بأسماءٍ من عندك، فتكون
(1) ساقطة من (ش).
(2)
في (ج): مضاية.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
في (ش): البلخي.
(5)
من قوله: " بن موسى " إلى هنا ساقط من (ش).
(6)
في (ب): نفسك.
(7)
في (د): تكون.
من الذين يلحدون في أسمائه، سيُجزون ما كانوا يعملون.
حدثنا ميمون بن علي بن حميد، قال: أخبرنا إسحاق بن محمد المقرىء، قال: حدثنا الحسن بن أبي جعفرٍ المقرىء، قال: حدثنا إبراهيم بن مبشِّر، قال: قلت لعبد الله بن موسى: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله وكتابه، فقلنا (1): إنَّ عندنا قوماً يقولون: مخلوق، ويقولون: من (2) لم يقل: إنه مخلوقٌ فهو كافرٌ! قال: هم أولى بالكفر.
وقال محمد في كتاب (3)" الجملة ": وسألت القاسم بن إبراهيم عن القرآن؟ فقال: كلام الله ووحيُه وتنزيله، لا يجاوز هذا إلى غيره، وهكذا كان أسلافُنَا.
قال محمد: وكان يقولُ بخلق القرآن، يُضمِرُ ذلك.
وقال لي القاسم: يقال للذين يقولون: القرآنُ مخلوق (4)، أليس قد عَلِمَ الله أنه مخلوق، فإذا قالوا: نعم، قيل لهم: أليس قد عَلِمَ الله أنه مخلوقٌ، واجتزأ، مِنَ الخليقة أن قال لهم: مجعولٌ، فإذا قالوا: نعم، قيل لهم: فلمَ لا تجتزئون مِنْ خلق الله بما اجتزأ (5) الله به لخلقه؟
قال محمد: وذلك حثٌّ منه على القول بالجمل وترك الاختلاف والفرقة. حدثنا ميمون بن حميد، عن إسحاق بن محمد التَّمَّار، عن قاسم بن عبيد، عن بنين بن إبراهيم، قال: قلت للقاسم (6) بن إبراهيم:
(1) في (ب) و (ش): فقلت.
(2)
في (ب) و (ش): إن من.
(3)
في (ش): كتابه.
(4)
ساقطة من (ش).
(5)
في (ش): أخبر.
(6)
في (ب): لقاسم.
قال لي ابن منصور عنك: إنَّك قلت: من زعم أن القرآن مخلوقٌ فقدِ ابتدع، فقال (1): نعم هما بدعتان، لم يبلغنا أنهم قالوا: مخلوقٌ ولا غير مخلوقٍ، ولكنا نقول: كلام الله ووحيه.
حدثنا الحسن بن أحمد بن القطان، قال: حدثنا زيد بن محمد بن أبي اليابس، قال: حدثنا قاسم بن عُبيد، قال: حدثنا أحمد بن سلام، قال: سألت: القاسم بن إبراهيم عن القرآن؟ وأخبرته بما رُوِيَ عن زيد بن علي: إنَّا لا نُشَبِّهُ بالله أحداً، ولا نقول لكلام الله مخلوقٌ. فقال (2): هكذا أقول (3).
وقال محمد: حدثنا أبو الطاهر، عن ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب (4) عن الزُّهري، عن علي بن الحسين، أنه سُئِلَ عن القرآن، فقال: كلام الله وكتابه (5)، لا أقول غير ذلك.
وحدثني حربُ بن حسن الطَّحَّان، عن أحمد بن مفضل، عن معاوية بن عمَّار، قال: سألتُ جعفرَ بن محمدٍ عن القرآن: خالق أو مخلوقٌ؟ قال (6): لا خالقٌ ولا مخلوقٌ، ولكنه (7) كلام الخالق.
(1) في (ب): قال.
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
هنا زيادة في (ش) نصها: إنما قال ذلك زيد بن علي عليه السلام، لأن من ادَّعى أن القرآن مخلوق التشبيه من (كذا) قال: إنه غير مخلوق، فأوضح عليه السلام أنه لا مانع من الجمع بين نفي التشبيه عن الله عز وجل، ونفي الخلق عن كلامه سبحانه، كما يأتي قريباً في تأويل قول الإمام القاسم إن أخاه الإمام محمداً كان يقول بشيء من التشبيه، قال محمد بن منصور: وذلك عندهم أنه كان لا يقول بخلق القرآن.
(4)
تصحفت في (ش) إلى: ذؤيب.
(5)
ساقطة من (ش).
(6)
في (ش): فقال.
(7)
في (ش): لكن.
وقال محمد في كتابه (1)" الجملة "، وذكر اختلاف الناس وإكفار بعضهم بعضاً، وإقدامَ بعضهم على بعضٍ بالبراءة والتَّضليل، فقال: رأيتُ المتفرِّقين، وعاشرتُ المختلفين في المقالات من الخاصَّة والعامَّة من علماء آل الرَّسول، وأهل الفضل منهم، وغيرهم من أهل العلم والفضل مِنَ (2) الشيعة الموجبين لإنكار المنكر وحياطة الدِّين، فما رأيتهم يُكَفِّرُ بعضُهم بعضاً، ولا يستحلُّون ذلك، ولا تبرَّأ بعضهم من بعضٍ، بل قد رأيتُ بعضهم يتولَّى بعضاً، ويترحَّم عليه بعد المعرفة منهم لمخالفة بعضهم لبعضٍ في المقالات، سمعت القاسم بن إبراهيم ذكر أخاه محمد بن إبراهيم، فقال: رحمة الله عليه ورضوانه، إنِّي لأرجو أن يكون له يوم القيامة موقفٌ يُغبطُ به، على أنه كان يقول بشيءٍ من التشبيه، وذلك عندهم أنه لا يقول بخلق القرآن، وكان يُكثِرُ التَّرحُّم عليه ما لا أُحصيه، ورثاه بأبياتٍ كتبتُها عنه.
ومِنْ ذلك أن عبد الله بن موسى ذاكرته هذا الأمر، وذكرت له القاسم بن إبراهيم، فقال عبد الله: وددِتُ أنَّه فعل حتى أكون أوَّل من يضع يده في يدِه.
قال عبدُ الله: وقد (3) بلغني أنه يقول بخلق القرآن، ولم أسمع منه.
قال محمد: وحضرتُ عبد الله بن موسى عليه السلام، وجماعة من أهل بيته مجتمعين عند القاسم بن إبراهيم في منزله، فتذاكروا هذا الأمر،
(1) في (ب) و (ش): كتاب.
(2)
في (ش): ومن.
(3)
ساقطة من (ش).
وكان منهم فيه (1) جِدُّ، أين يكون؟ وكيف التأتي له؟ وكاد القاسم أشدهم فيه ذكراً، وكانوا يُومؤون إلى عبدِ الله بن موسى، فقال عبد الله بن موسى: أنا ليس في شيءٍ، قد ضعفت عنه (2)، ولكن من الذي يقوم بهذا، فهذه يدي له، وكأنَّه أومأ إلى القاسم بن إبراهيم قال محمد: وكلُّ (3) واحدٍ منهم يتولَّى صاحبه، ويدين له بالطاعة، ويؤهِّلُه لهذا الأمر الذي ليس فوقَه غايةٌ من تقليد الأحكام، والحلال والحرام، والدِّماء، والمواريث، وهذا غاية الولاية أن جعله بينه وبين الله في دينه يُحِلُّ به (4) ويُحَرِّمُ، يُحِلُّ به الجمعة ركعتين، ويُحرِّمُ به الظهر أربعاً في وقت الجمعة.
قال محمد: وكان عمرو بن الهيثم المُراديُّ من كبار أصحاب سليمان بنِ جرير، وكان يقول: القرآن مخلوق، ويُشَدِّدُ (5) في ذلك، وسمعته يقول: لا رَحِمَ الله ابن أبي دُوَاد (6)، كان الناسُ على جملةٍ تُؤدِّيهم إلى الله عز وجل، فطرح بينهم الفُرقة، يعني: حين أظهر المحنة في القرآن.
قال محمد: وكان عمرو بن الهيثم، وبِشْرُ بن الحسن، ومحمد بن يحيى الحجري دُعاةً لعبد الله بن موسى، ومذهبهُم واحدٌ، بعني: كانوا
(1) ساقطة من (ب).
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
ساقطة من (ب) و (ش).
(4)
" يحل به " ساقطة من (ب).
(5)
في (ش): شدّد.
(6)
تحرف في (أ) و (ش) إلى " داود "، وهو أحمد بن أبي داود، تقدمت ترجمته 1/ 356.
يقولون بخلق القرآن، وكان عبد الله بن موسى قد بعث ابنيه -أو أحدهما- مع بشر بن الحسن إلى طاهر بن الحسين يدعوه إلى هذا الأمر مع معرفة عبد الله بقول بشرٍ، ومعرفة بشرٍ لعبد الله.
وقوله " بالجمل ": فلم أر أحداً من هؤلاء دان بالبراءة مِمَّن خالفه بالمقالة (1).
قال محمد: وذكر عبد الله بن موسى، محمَّد (2) بن يحيى الحُجري، فقال: كان أصدق أهل الكوفة لي.
قال محمد: وسمعت القاسم بن إبراهيم يقول: ما رأيت كِلْمَانِيّاً (3) قطُّ له خشوعٌ، ثم قال: الجمل الجمل.
قال محمد: وقال لي محمد بن عبد الله الإسكافي (4)، وكان يقول بخلق القرآن: إذا كان هذا الأمرُ، كَتَبْنَا على الأعلام: لا إله إلَاّ الله، محمدٌ رسولُ الله، القرآن كلامُ الله. يريدُ بذلك الأُلْفَةَ واجتماع الكلمة، وترك الاختلاف والفُرقةِ.
قال محمد: وقد عاشرتُ المعتزلة (5)، ومن لا أُحصي مِنْهُم مِمَّن يقول بهذا القول، منهم: جعفر بن حرب (6)، وجعفر بن مبشِّر
(1) في (ب) و (ش): في المقالة.
(2)
في (ب): موسى بن محمد.
(3)
في (ب): كلمانياً.
(4)
هو أبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي أحد المتكلمين من المعتزلة، توفي سنة 240 هـ. انظر ترجمته في " تاريخ بغداد " 5/ 416.
(5)
في (ب): رؤساء.
(6)
هو أبو الفضل جعفر بن حرب الهمذاني المعتزلي العابد، كان مِنْ نُسَّاك القوم، وله تصانيف، توفي سنة 236 هـ. مترجم في " السير " 10/ 549 - 550.
القصبيّ (1)، ومحمد بن عبد الله الإسكافي، فما سألني أحدٌ منهم قطُّ (2) عما يختلِفُ الناس فيه من أمر القرآن، والاستطاعة، ولا كشفوني عن شيءٍ من ذلك.
وأخبرني أبو سهل (3) الخراساني أنه كان رسول سهلِ (3) بن سلامة، وهُوَ من كبار المعتزلة وعُبَّادهم - إلى عبد الله بن موسى يدعوه إلى أن يتقلَّد هذا الأمر، ويكون سهل (3) عوناً له عليه.
قال محمد: فهذا غيرُ سبيلُ المنتحلين اليوم للدِّين، وغير ما أظهروا وشرَّعوا من التباين، والبراءة، والتَّكفير، وهذا هو الفرقة والاختلاف الذي نهى الله عنه في القرآن بقوله:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]، وقوله:{وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [آل عمران: 19].
فأخبر سبحانه أن اختلافهم بغيٌ من (4) بعضهم على بعضٍ، وأخبر عز وجل أن في (5) الفُرقة الضَّعف والفَشَلَ عن العدو، فحذَّر من ذلك بقوله:{ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، يقول الله عز وجل: فتذهب هَيْبَتُكُمْ.
(1) هو أبو محمد جعفر بن مبشر الثقفي المعتزلي. قال الذهبي: كان مع بدعته يوصف بزهد وتألُّه وعِفَّة، وله تصانيف جمة، وتبحّر في العلم. انظر ترجمته في " السير " 10/ 549.
(2)
في (ش): قط منهم.
(3)
في (ش): سهيل.
(4)
في (ش): عن.
(5)
ساقطة من (ب).
فهذا ما ندب الله إليه مع ما رأينا عليه السلف الصالح المتقدِّم الذين (1) يصلحُ أن نجعلَهم بينا وبين الله تعالى، لأنهم لا يخلُون من (2) إحدى منزلتين:
إما أن يكونوا علموا أنَّ الديانة فيما بينهم وبين الله تعالى القول ببعض هذه المقالات التي تنازع الناس فيها حقٌّ واجبٌ لازمٌ، فأجزأهم من ذلك الإضمار، ورأوا الصَّواب والرُّشد في الإمساك عَنِ الإظهار لما فيه مِنَ (3) الفُرقة والاختلاف الذي نهى الله عنه، فرأوا الجمل والقول بظاهر القرآن كافياً مُؤدِّياً للعباد إلى الله عز وجل، فتمسَّكُوا بذلك، فينبغي لِمَنْ أمَّ الدِّين، وقصد (4) إلى الله الاقتداء بهم، والتَّمسُّك بسبيلهم.
أو يكونوا لم يعتقدوا في ظاهر الأمر وباطنه إلَاّ القول بظاهر القرآن، والجُمَلِ المجمع (5) عليها، فقد يجبُ الاقتداء بهم أيضاً (6) في ذلك.
قال محمد: وهذا أحمد بن عيسى قد اجتمع عليه المختلفون، واتَّخذ من يَشْرَكُه في أمره جماعة من المتفرِّقين.
وقد كتب إليه عبد الله بن محمد بن سليمان يسأله عن القرآن، وغيره باختلاف الناس فيه (7). فكان فيما كتب إليه أحمد بن عيسى: ذكرت اختلاف الناس في القرآن، ولم يختلفوا أنه من عند الله.
(1) في (د) و (ش): الذي.
(2)
في (ش): بين.
(3)
وردت في (ب): فقط.
(4)
في (ش): وقصدوا.
(5)
في (ب) و (ج) و (د): المجتمع.
(6)
سقطت من (ش).
(7)
في (ش): عنه.
فهذا من أحمد دليلٌ على أن الأخذ بظاهر القرآن، والجُمَل المجمع (1) عليها مجزىءٌ مؤدٍّ (2) إلى الله تعالى، وقد علمت أن رجال أحمد بن عيسى الذين كان يُوجِّهُهم في أموره مختلفون (3)، منهم: حسن بن هُذيل على مذهب أبي الجارود، ومنهم: عبد الرحمن بن معمر، وهو يظهر القول بخلق القرآن (4) لا يستتر بِهِ، ومخول بن إبراهيم، وأمثالُهم كثيرٌ من المختلفين، فلم نره بان بِفرقة يُفَارِق (5) فيها أخرى، وقد كان رحمة الله عليه عالماً بما يَضِيقُ عليه من ذلك، وما يتَّسع له في أمر دينه، ولو ضاق عليه ذلك لم يفعله.
وهذا الحسن بن يحيى، أنا متَّصلٌ به منذ (6) أربعين سنةً أو قريباً من ذلك يُعاشِرُ ضُروباً من المتدينين مختلفين في المذاهب (7)، فما رأيته مع قوله بالجملة، وكراهية (8) للفرقة امتحن أحداً، ولا كشفَ له عن مذهبٍ، بل قد رأيتُه يعُمُّهم بالنَّصيحة، ويُحْسِنُ لهم العِشْرَةَ، ويترحَّمُ (9) على مَنْ مضى من سلفه، وأهل بيته ممَّن يوافقُه في المقالة ويخالفه، هذا مع جلالة سنِّه، وكثرة علمِه، ومعرفته، بما يلزم في ذلك ويجب عليه.
قال محمد في كتاب " الجملة ": وأخبرني من أثِقُ به مِنْ آل
(1) في (ب) و (ج) و (د) و (ش): المجتمع.
(2)
في الأصول: " مؤدي "، والمثبث من (ج).
(3)
جاء في هامش (ج) و (د): " في الأصل: مختلفين ".
(4)
في (أ) و (ج) و (د): يظهر القول بالقرآن.
(5)
في (ش): مفارقة.
(6)
سقطت من (ش).
(7)
" في المذاهب " لم ترد في (ش).
(8)
في (ش): وكراهته.
(9)
في (ش): وترحم.
الرسول (1) صلى الله عليه وسلم، عن محمد بن عبد الله، أنه أوجب على من قام بهذا الأمر الدُّعاء لجميع الدِّيانين، وقَطْعَ الألقاب التي (2) يُدعى بها فرقُ المصلين، وغلق الأبواب التي في فَتْحِ مثلِها يكون عليهم التَّلفُ (3)، والإمساك عمَّا شتَّت الكلمة، وفرَّق الجماعة، وأغرى بين الناس فيما اختلفوا فيه وصاروا به أحزاباً، والدعاء لطبقات الناس من حيث يعقلون (4) إلى السبيل الذي (5) لا ينكرون، وبه يُؤَلَّفون، فيتولَّى بعضهم بعضاً، ويدينون بذلك، فإنَّ اجتماعهم عليه إثباتٌ للحق، وإزالةٌ للباطل.
قال محمد: وكذلك سمعنا عن إبراهيم بن عبد الله، أنه سُئل عن بعض ما يختلف النَّاس فيه من المذاهب، فلم يُجِبْ فيه، وقال: أعينوني على ما اجتمعنا عليه حتى نتفرَّغ لما اختلفنا فيه.
حدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد النحوي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: قال لي القاسم بن إبراهيم: أخبرني بعض (6) من أثِقُ به من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن محمد بن عبد الله بن الحسن، أنه قال: يجب على من قام بهذا الأمر الدعاء لجميع الناس، وقطعُ الألقاب التي يدعى بها فرقُ المصلين، وذكر مثل هذا الكلام.
(1) في الأصول كلها ما عدا (أ): آل رسول الله.
(2)
تحرفت في (ش) إلى: " الذي ".
(3)
تحرفت في (ش) الى: " التالف ".
(4)
في (ش): لا يعقلون.
(5)
في (ب) و (ج) و (د): التي.
(6)
" بعض " لم ترد في (أ).
قال الحسن بن يحيى: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) على أن الله خالقُ كل شيءٍ، والقرآن (2) كلام الله ووحيه وتنزيله، يُسَمَّى بما سمَّاه الله به في كتابه، لا يجاوزُ ذلك إلى غيره.
وقال الحسن -وسُئِلَ عن القرآن-: قد وجدنا الله سبحانه سمى القرآن بأسماءٍ في كتابه لم يُرِدْ من خلقه أن يتكلَّفوا للقرآن أسماء غير ما سماه الله به، وقَبِلَ ذلك من أهل الإسلام في عصر نبينا عليه السلام، ومن القرون التي كانت من بعده، حتى تكلم المتكلمون بالرأي، وتراقَوْا في دينهم رجماً بالغيب إلى صفة ما لا يُدْرِكُونَه من نعت خالقهم، وحتى نحلوا القرآن أسماء برأيهم لم نجدُه منصوصاً في آيةٍ محكمةٍ يُستغنى بها عن التَّأويل، واحتجوا بأنهم لم يجدوا للمجعول (3) معنى يصرفونه إليه إلَاّ مخلوقاً، فسمَّوا القرآن -برأيهم- مخلوقاً (4)، ولو سمَّوه مجعولاً، كما قال - ومُنَزَّلاً ومُحْدَثاً، كما قال الله ولم يَتَرَاقَوْا رجماً بالغيب إلى تحديد القرآن من ذات الله تبارك وتعالى عن أن يُدْرِكَه الواصفون إلَاّ بما وصف به نفسه في كتابه بلا تحديدٍ ولا تشبيه ولا تناهي.
ومعنى قوله: {إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرآناً عَرَبيّاً} [الزخرف: 3]: صيَّرناه (5)، قال الله تعالى:{يا داوُدُ إنَّا جعلنَاكَ خَلِيفَةً في الأرضِ} [ص: 26]، يعني: إنَّا صيرناك خليفةً في الأرض.
ولسنا نقول: إن القرآن خالقٌ ولا مخلوقٌ، ولكنا نسمِّيه بالأسماء
(1) من قوله: " عن محمد بن عبد الله بن الحسن " إلى هنا ساقط من (ج).
(2)
في (ب): وأنَّ القرآن.
(3)
في (ش): للمجهول.
(4)
من قوله: " فسمّوا " إلى هنا ساقط من (ب).
(5)
ساقطة من (ب).
التي سمَّاه الله بها في مُحكم كتابه، قال الله تعالى:{وكلَّمَ اللهُ موسى تَكليماً} [النساء: 164]، وقال:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} [الشورى: 51] وقال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. فمن زعم أنَّ الداعي لموسى إلى عبادته غير الله، فقد ضلَّ، وقال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} [الشورى: 51].
فقد بيَّن لنا كيف (1) جهة كلامه، فكلامٌ (2) من كلامه أرسل به جبريل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن كلامه وحيٌ بلا رسول (3)، وقوله:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7]، {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]. فقد أوحى بلا رسول، ومنه الوحي إلى الرسل في النوم، ومنه (4) كلامه لموسى عليه السلام بلا كيفية، فليس لنا أن نُكَيِّفَ ما لَم يُكيِّفِ الله تعالى، ولا نَحُدّ ما لم يَحُدّ الله، فمَنْ حدَّد ما لم يحد (5) الله، فقد اجترأ على تأويل علمِ الغيب بلا حُجَّةٍ.
والقرآن (6) كلامُ الله ووحيُه، وتنزيلُه، وكتابُه، وقال:{قُرْآنٌ مجيدٌ في لوحٍ محفُوظٍ} [البروج: 21، 22]، وقال: {قُرْآنٌ كَرِيمٌ
(1) في (أ): كشف.
(2)
في (ب): " بكلام "، وفي (ج):" وكلام ".
(3)
من قوله: " فيوحي بإذنه ما يشاء فقد بين لنا " إلى هنا ساقط من (ش).
(4)
في (أ) و (ب): " ومن "، وهو خطأ.
(5)
في (ش): يحدد.
(6)
تحرف في (ب) إلى: وألفوا أن.
في كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 77، 78]، وقال:{لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41 - 42]، وقال:{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: 5].
فأحدث في قلوب العباد بالرسل من تنزيل الكتاب ما لم يكونوا يعلمون، وإنَّا وجدنا الله تعالى يقول في كتابه:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109]، وقال:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27]، وقال:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40].
فإذا كان القرآن يكونُ بـ " كُنْ "(1) وتكون " كن " بـ " كن "، فمتى يتناهي علمُ مَنْ رجم بالغيب في معرفة كينونة القرآن من ذات الله؟ وقد قال عليٌّ عليه السلام: يا بَرْدَهَا على الكَبِدِ (2) إذا سئل المرء عمَّا لا يعلم أن يقول: الله أعلم.
حدثنا زيد بن حاجب، عن ابن وليد (2)، عن جعفر بن الصَّيدلاني، قال: أخبرني يحيى بن أبي عطاء البراد، أنه سمع (2) الحسن بن يحيى، يقول: ليس بمخلوقٍ، يعني: القرآن.
(1) في (ب): أيكون كن.
(2)
من قوله: " علي " إلى قوله: " الكبد "، ومن قوله:" حدثنا زيد " إلى قوله: " وليد "، ومن قوله:" أخبرني يحيى " إلى قوله: " سمع " ساقط من (ب).
وقال الحسن فيما روى ابنُ صباح عنه، وهو قول محمدٍ في المسائل، وسُئِلا عمَّن يقول: القرآن مخلوقٌ أو غيرُ مخلوق، فقالا: القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله، نقولُ في ذلك ما قال الله، ولا نتعدَّى ذلك إلى غيره، والله خالقُ كل شيءٍ، الأول قبلَ كُلِّ شيء وخالقه، والباقي بعد كُلِّ شيءٍ (1) ووارثُه، وكلُّ ما كان دون الله (2)، فهو مخلوق.
وقال أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام: الزم ما اجتمع عليه المتفرِّقون. قال محمد: فاكتفِ بما لا اختلاف فيه، ولا فُرقَةَ من الجملة التي دلَّ عليها الكتاب (3)، وما اجتمع عليه مِنَ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن المحنة عندنا في القرآن بدعةٌ.
فأمَّا من يقول: إنَّ الله تعالى لم يُكَلِّم موسى تكليماً، فإن هذا رادٌّ لتنزيل القرآن، بل نقول كما قال الله عز وجل:{وكلَّمَ اللهُ موسى تكليماً} [النساء: 164] على معنى ما أراد، لسنا نُكيِّفُ ذلك. وقد علمنا أن الكلام من الله عز وجل على وجوه شتَّى، وكذلك الوحي منه على وجوه شتَّى، قال الله عز وجل:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51].
فهذه حالات الأنبياء، وقوله:{إلَاّ وَحْيَاً} في النوم، وكذلك
كان (4) أمرُ النبيِّ عليه السلام خمس سنين أنه يرى في النوم الوحيَ، ثمَّ
(1) من قوله: " وخالقه " إلى هنا ساقط من (ب).
(2)
في (ش): من دون ذلك.
(3)
في (ش): الكتاب والسنة.
(4)
في (ش): كذلك وكان.
ظهر له جبريل بعد ذلك (1)، وأما قوله:{أو مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ، فكما كلَّم موسى عليه السلام. وأمَّا قوله:{أو يُرْسِلَ رَسُولاً} ، فهو جبريل.
قال محمَّد، وقد سئل عن قوله تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون} [يس: 82]، فقال: نقول في ذلك ما قال الله تعالى، ولا نكيفه، ويقال -والله أعلم-: إن لوحاً بين عيني إسرافيل، فإذا أراد الله أمراً، أقرأه (2) إسرافيلَ في ذلك اللوح.
تمَّ بعونه تعالى الجزء الرابع من العواصم والقواصم
ويليه إن شاء الله
الجزء الخامس وأوله: الوهم السادس عشر: قال: وقد نسب إلى الشافعي القول بالرؤية
(1) في خبر عائشة المطول في البخاري (3): أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلَاّ جاءت مثل فَلَقِ الصبح
…
وانظر " الفتح " 1/ 27.
(2)
في (د): قرأه.