الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معلومٌ بالضرورة من دين الإسلام، والدليلُ مُعَرِّفٌ للمدلول (1)، ومبينٌ له، فلا يجوز أن يُستَدَلَّ على الأظهر الأبين بالأخفي كما [لا](2) يفعلُ مثل ذلك في الحدود.
الوجه الثاني: أن هؤلاء ينفُون صفات الكمال بمثل هذه الطريق
، واتصافُه بصفات الكمال واجبٌ ثابتٌ بالعقل والسمع، فيكون ذلك دليلاً على فساد هذه الطريقة.
الوجه الثالث: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون
، فكُلُّ من أثبت شيئاً منهم ألزم (3) الآخر بما يُوافِقُه فيه من الإثبات، كما أن من نفى شيئاً منهم ألزم (3) الآخر بما يُوافقُه فيه (4) من النفي.
فمثبتة الصفات كالعلم، والقدرة إذا قال لهم النفاة المعتزلة: هذا تجسيمٌ، لأن هذه الصفات أعراضٌ، والعرض لا يقوم إلَاّ بالجسم، أو لأنَّا لا نعرف موصوفاً بالصفات إلَاّ جسماً، قالت لهم المثبتة: وأنتم قد قلتم: إنه حيٌّ عليم قدير، وقلتم: ليس بجسم، وأنتم لا تعلمون موجوداً حياً عالماً قادراً إلَاّ جسماً، فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم، فكذلك نحن، وقالوا لهم: أنتم أثبتُّم حياً بلا حياة، عالماً بلا علم، قادراً بلا قدرة، وهذا تناقضٌ يعلم بضرورة العقل.
إلى قوله: ولهذا لما كان الرد على من وصف الله تعالى بالنقائص بهذه الطريق طريقاً فاسداً لم يسلُكه أحدٌ من السلف والأئمة، فلم يَنْطِق
(1) تحرفت في (ب) إلى: المديون.
(2)
ما بين الحاصرتين من المطبوع من " التدمرية ".
(3)
في المطبوع: ألزمه.
(4)
من قوله: " من الإثبات " إلى هنا ساقط من (ش) و (د).
أحدٌ منهم في حق الله بالجسم لا نفياً ولا إثباتاً، ولا بالجوهر والتحيز (1) ونحو ذلك؛ لأنها عباراتٌ مجملة لا تُحِقُّ حقاً، ولا تُبْطِلُ باطلاً. ولهذا لم يذكر الله في كتابه فيما أنكر على اليهود وغيرهم من الكفار ما هو من هذا النوع (2). يعني حين ردَّ (3) عليهم قولهم:{عزيرُ ابنُ الله} [التوبة: 30]، وكذلك قول النصارى في المسيح، وكذا (4) قولُ مشركي العرب بإلهية الأصنام، ولمَّا تحاجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والنصارى في المسيح، احتجَّ عليه السلام عليهم بأن المسيح عليه السلام كان يأكل ويشرب والله تعالى لا يأكل ولا يشرب، وكذلك قال الله تعالى في المسيح وأمِّه عليهما السلام:{كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75] وأمثال هذا كثيرة (5) جداً. قال:
فصل: وأما في (6) طرق (7) الإثبات فمعلومٌ أيضاً أن المثبت لا يكفي في إثباته مجرد نفي التشبيه، إذ لو كفى ذلك، لجاز أن يُوصَفَ سبحانه وتعالى من الأعضاء والأفعال بما لا يُحصَى مما هو ممتنعٌ عليه مع نفي التشبيه عنه، وأن يوصف بالنقائص التي لا تجُوزُ عليه مع نفي التشبيه عنه، كما لو وَصَفَه مُفْتَرٍ بالأكل والشرب، وقال: إنَّه يأكُلُ لا كأكل العباد، ويشربُ لا كشربِهِم.
إلى قوله: فإنه يُقالُ لنا في ذلك مع إثبات الصفات الخبرية وغيرها
(1) في (أ) و (ب): المتحيز.
(2)
من هنا إلى قوله: " فصل " من كلام ابن الوزير.
(3)
تحرف في (ش) إلى: " حتى يرد " وهو خطأ.
(4)
في (ش): وكذلك.
(5)
في (ش): ذلك كثير.
(6)
في (د): وأمَّا ما في.
(7)
في (ج): " طريق "، وتحرفت في (ب) إلى: طرف.
من الصفات؛ ما الفرق بين هذا وبين ما أثبته، إذا جعلت مجرد نفي التشبيه كافياً في الإثبات، فلا بُدَّ من إثبات فرقٍ في نفس الأمر.
فإن قال: العمدة في الفرقِ هو السمع، فما جاء السمعُ به أثبتُّه دون ما لم يجىء به.
قيل له: أولاً: السمع هو خبرُ (1) الصادق عمَّا الأمر عليه في نفسه، فما أخبر به، فهو حقٌّ من نفيٍ أو إثباتٍ، والخبرُ دليلٌ على المخبَرِ عنه، والدليل لا ينعكس، فلا يلزم من عدمه عدم المدلول عليه (2)، فما لم يَرِدْ به السَّمْعُ يجوزُ أن يكون ثابتاً في نفس الأمر، وإن لم يرد به السمع.
إلى قوله: فيقال: كل ما نفى (3) صفات الكمال الثابتة لله تعالى فهو منزهٌ عنه، فإن ثبوت أحد الضدين يستلزم نفي الآخر.
فإذا عُلِمَ أنه موجودٌ واجبُ الوجود بنفسه، وأنه قديمٌ واجبُ القِدَمِ، عُلِمَ امتناعُ العدم والحدوث عليه، وعُلِمَ أنه غنيٌّ عمَّا سواه، فالمفتقر إلى ما سواه في بعض ما تحتاج إليه نفسه (4) ليس موجوداً بنفسه، بل بنفسه وبذلك الآخر الذي أعطاه ما تحتاجُ إليه نفسه (5)، فلا يوجَدُ إلَاّ به، وهو سبحانه غنيٌّ عن كل ما سواه، فكلُّ ما نافى غناه، فهو مُنَزَّهٌ عنه، وهو سبحانه قديرٌ قويٌّ، فكل (6) ما نافى قدرته وقوته، فهو منزَّهٌ عنه، وهو
(1) في (ش): الخبر.
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
في (ش): " بنفسه "، وفي " التدمرية ":" لنفسه ".
(5)
من قوله: " ليس موجوداً " إلى هنا ساقط من (ش).
(6)
في (ش): وكل.
سبحانه حي قيوم، فكل ما نافى حياته وقيوميته، فهو منزَّهٌ عنه.
وبالجملة فالسمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى، وصفات الكمال ما قد ورد، فكلُّ ما ضادَّ ذلك فالسمعُ ينفيه كما ينفى عنه المثل والكُفء، فإن إثبات الشيء نفيٌ لضده، ولما يستلزِمُ ضده، والعقل يَعْرِفُ نفيَ ذلك كما يعرفُ إثبات ضده، فإثبات أحد الضدين نفيٌ للآخر، ولما يستلزِمُه، فطرق النفي (1) لما تنزَّهَ الرب سبحانه عنه (2) متسعةٌ لا يحتاج فيها إلى الاقتصار على مجرد نفي التشبيه والتجسيم كما فعله أهل القصور والتقصير الذين تناقضُوا في ذلك، وفرَّقُوا بين المتماثلين حتى إن كل (3) من أثبت شيئاً احتج عليه من نفاه بأنه يستلزم التشبيه.
وكذلك احتج القرامطة على نفي جميع الأمور حتى نفوا النفي، وقالوا: لا يُقالُ: موجود، ولا ليس بموجودٍ، لأن ذلك تشبيهٌ بالموجود أو المعدوم، فلزمهم نفيُ النقيضين، وهذا أظهر الأشياء امتناعاً، ثم إنه يلزمهم من تشبيهه بالمعدومات، والممتنعات، والجمادات أعظم ممَّا فرُّوا منه، وقد تقدَّم أن ما يُنفَى عنه سبحانه يُنفىلِتُضمُّنِ النفي الإثبات، إذ مجرد النفي المحض لا مدح فيه ولا كمال، فإن المعدوم يوصف بالنفي، والمعدوم لا يُشبِهُ الموجود، وليس هذا مدحاً له، بل مشابهةُ الناقص في صفات النقص نقصٌ مُطلقاً، كما أنَّ مماثلة المخلوق في شيء من الصفات تمثيلٌ وتشبيهٌ يُنَزَّهُ عنه الربُّ تبارك وتعالى، والنقصُ ضِدُّ
(1) ساقطة من (ب).
(2)
في (أ) و (ب): " عنه سبحانه "، وسقط من (ش): عنه.
(3)
ساقطة من (ش).
الكمال، وذلك مثلُ أنه قد عُلِمَ أنه حي، والموتُ ضدُّ ذلك فهو منزهٌ عنه (1).
وكذلك النومُ والسنَةُ ضدُّه كمال الحياة، فإنَّ النوم أخو (2) الموت، وكذلك اللُّغوبُ نقصٌ في القدرة والقوة، والأكلُ والشربُ، ونحو ذلك من الأمور فيه افتقارٌ إلى موجودٍ غيره، والسمع قد نفى ذلك في غير موضع، كقوله:{اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] والصمدُ: الذي لا يأكُلُ ولا يشرب ولا جوف له، وهذه السورةُ هي نسبُ الرحمن، وهي الأصل في هذا الباب. ولهذا كانت الملائكة صمداً لا تأكلُ، ولا تشربُ، وقد تقدَّم أنَّ كُلَّ كمالٍ، فالخالقُ أولى به، وكلَّ نقص فالخالقِ أولى بالتنزيهِ عنه.
وقد قال سبحانه في حقِّ المسيح وأمه (3): {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75]، فجعل ذلك دليلاً على نفي الأُلوهيه، فدلَّ ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأحرى، فهو سبحانه مُنزَّهٌ (4) عن ذلك، وعن آلاتِه وأسبابِه.
وكذلك البكاءُ والحزنُ هو (5) مستلزمٌ للضعف (6) والعجز الذي ينزه الله عنه، إلى قوله: وأيضاً فقد ثبت بالعقل ما بيَّنه السمع من أنه سبحانه
(1) من قوله: " والنقص ضد الكمال " إلى هنا ساقط من (ب).
(2)
"النوم أخو" ساقطة من (ب).
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
في (ش): ينزه.
(5)
ساقطة من (ش).
(6)
في (ش): الضعف.
لا كُفُؤ له، ولا سَمِيَّ له، وليس كمثله شيءٌ، فلا يجوزُ أن تكون حقيقته كحقيقة شيء من المخلوقات ولا حقيقة شيء من صفاتِه كحقيقة شيء من صفات المخلوقين، فيُعلَمُ قطعاً أنه ليس من جنس المخلوقات لا الملائكة، ولا السماوات، ولا الكواكب، ولا الهواء، ولا الماء، ولا الأرض، ولا الآدميين، ولا (1) أبدانهم، ولا أنفُسِهم، ولا غير ذلك، بل نعلمُ أنَّ حقيقته عن مماثلة شيء من المخلوقات أبعد من سائر الحقائق، فإن الحقيقتين إذا تماثلتا، جاز على كل واحدة ما يجوز على الأخرى، فيلزَمُ أن يجوز على الخالق القديم الواجب بنفسه ما يجوز على المُحْدَثِ المخلوق من العدم والحاجة، فيكون الشيء الواحد واجباً بنفسه، غير واجبٍ بنفسه، وذلك جمعٌ بين النقيضين، وهذا مما يُعلَمُ به بطلان قول المشبهة الذين يقولون: بَصَرٌ كبصري ونحو ذلك.
وليس المقصود هنا استيفاء ما ثبت (2) له، وما تنزّه (3) عنه، واستيفاء طرق (4) ذلك، لأنَّ هذا مبسوطٌ في غير هذا الموضع، وإنما المقصود هنا التنبيه على جوامع ذلك، وما سكت عنه السمع نفياً وإثباتاً، ولم يكن في العقل ما يُثبتُه ولا ينفيه، سكتنا عنه، فلا نثبته ولا ننفيه، فنثبت (5) ما علمنا ثبوته، وننفي ما علمنا نفيه، ونسكُتُ عن ما لا (6) نعلم نفيه ولا إثباته، والله أعلم. انتهى كلام ابن تيمية.
(1)"الواو" ساقطة من (أ) و (ب).
(2)
في (د): يثبت.
(3)
في (د): ينزه.
(4)
من قوله: " بصر كبصري " إلى هنا ساقط من (ب).
(5)
في (ب): فثبت.
(6)
في (ب): لم.