الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوسواس عن (1) من ابتُلي به إمَّا عقوبة له على التعنُّت، وتركِ الإيمان بما يوجب الإيمان (2) أوَّل مرة أو غير ذلك.
فإن قيل: قد وَرَدَ في السمع وجوبُ البيان على العلماء
، ف
الجواب من وجوه:
أحدها: أن ذلك محمولٌ على بيان ما لم يُبينه تعالى من السمعيات. ألا ترى أنَّ ما بيَّنه بعض العلماء لم يجب على الباقين القيام ببيانه؟ فكذلك (3) ما بينه الله تعالى أولى وأحرى؛ ولأنه تحصيلُ الحاصل، فلا يجِبُ، وغايةُ ما في هذا أنه تخصيصٌ بدليل العقل، فهو جائزٌ، بل التخصيص بالقياس الظني جائز عند كثيرٍ من أهل العلم، منهم أئمَّة الإسلام الأربعة رضي الله عنهم.
الوجه الثاني: أنا نخصُّ هذا العام بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
-، فإنه لم يشتغل ببيان كيفية النظر في الأدلة، وترتيب المقدمات وتحرير العبارات، بل دعا الناس إلى الإسلام، وقاتلهم عليه، وبلَّغ ما أوحى الله إليه، والعلماءُ ليس هُم بأبلغ من الأنبياء، وقد قال تعالى (4) في حق الأنبياء:{وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [يس: 17]. فكذلك العلماء، وإنما العلماء ورثة الأنبياء، وأهل الكتاب والسنة قد قاموا بالوراثة النبوية على التمام والكمال، ورأوا أن الزيادة عليها من قبيل (5) البدَع، بل من قبيل المنافاة لها، ونسبة التقصير إلى الموروث، عليه أفضل الصلاة والسلام،
(1) في (ب): على.
(2)
" بما يوجب الإيمان " ساقطة من (ش).
(3)
في (ش): وكذلك.
(4)
في (ش): الله تعالى.
(5)
في (ش): فتنة.
وقد أجمع النَّقَلَة، وأجمع أهل الملة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلُب من المؤمنين إظهار الأدلَّة بعد الإقرار، وكذلك المَلَكان في فتنة القبر لم يطلُبَا ذلك؛ رواه البخاريُّ، ومسلمٌ وأبو داود، والنسائيُّ عن أنس (1)، والترمذي (2) عن أبي هريرة، والبخاري ومسلم، وأبو داود، والترمذي (3) عن البراء (4)، وأبو داود وحدَهُ عن البراء (5) وفيه:" فيقُولان: وما يُدرِيك؟ فيقُولُ: قرأت كتاب الله وآمنت به وصدَّقتُ "(6).
وهذه مُعلَّةٌ، لأنها زيادةٌ في حديث البراء، وقد خرَّجه الحفاظ (7) بغيرها، وخرَّج مسلم (8) في حديث أنس أنه إذا قال:" كنت أعبُدُ الله وقال: محمد عبدُ الله ورسوله، لم يُسأل عن شيء بعدها ". وهذا يُعارِضُ هذه الزيادة، وعلى تقدير ثبوتها، فليست ممَّا يقول به أهل الكلام، بل هي عليهم، لا لهم، وكُلُّ المؤمنين يستنِدُون في إيمانهم إلى كتاب الله، ومعجزات أنبياء الله جُملة. وإنما قبلت لتمييز (9) المنافق من
(1) أخرجه البخاري (1338) و (1374)، ومسلم (2870)، وأبو داود (3231)، والنسائي 4/ 97 - 98. وانظر ألفاظه في " جامع الأصول " 11/ 173 - 175.
(2)
رقم (1071) في الجنائز، باب: ما جاء في عذاب القبر. وقال: حديث حسن غريب.
(3)
في (ش): والترمذي وأبو داود.
(4)
أخرجه البخاري (1369) و (4699)، ومسلم (2871)، والترمذي (3120)، وأبو داود (4750) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" المسلم إذا سُئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}، نزلت في عذاب القبر، يُقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ".
(5)
جملة " وحده عن البراء " ساقطة من (ش).
(6)
هو في سنن أبي داود (4753) في السنة، باب: في المسألة في القبر وعذاب القبر، وسنده حسن.
(7)
في (ش): الحافظ.
(8)
ليس هو في مسلم، وإنما هو عند أبي داود (4751).
(9)
في (ش): ليتميز.