الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ثلاثٌ من أصل الإيمان: الكفُّ عمن قال: لا إله إلَاّ الله، لا نُكفِّرُهُ بذنب، ولا نُخرِجُهُ من الإسلام بعَمَلٍ، والجهاد ماضٍ منذُ بعثني الله إلى أن تقاتل آخرُ أمتي الدَّجَّال، لا يُبطلُهُ جورُ جائرٍ؛ والإيمان بالأقدار "(1) رواه أبو داود (1)، وحكاه أحمد في رواية ابنه (2) عبد الله.
فالظن الحاصل بهذا وما في معناه من الحديث أقوى من ظنِّ التكفير المستند إلى القياس.
وقد صنَّف العلامة أبو محمد بن حزم الفارسي (3) مصنَّفاً حافلاً في المنع من تكفير أهل القِبلَة، وعقد البخاري باباً في " صحيحه " في ذلك (4)، وقد بسطتُ هذا في غير هذا الموضع في هذا الكتاب، والله الهادي وله الحمد والمنة.
وأما قول من يقولُ: ما الفرق بين الخلق، والجعل، والحُدُوث
حتى كفَّر أحمد بن حنبل وغيرُه من قال بخلق القرآن، ولم يُكفِّرُوا من قال بحدوثه من الظاهرية؟
فالفرق: أن من قال: بخلق القرآن (5)، إنَّما صاروا إلى ذلك لاعتقادهم أنه مستحيل (6) على الله تعالى أن يكون متكلِّماً على الحقيقة كما
(1) رقم (2532) وفي سنده يزيد بن أبي نُشبة راويه عن أنس، وهو مجهول.
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
تصحفت في (ش) إلى: " الفاسي "، وكتابه المشار إليه هو:" الرد على من كفَّر المتأولين من المسلمين " ذكره الذهبي في " النبلاء " 18/ 195 ضن مؤلفاته.
(4)
باب " من كفَّر أخاه بغير تأويل فهو كما قال " 10/ 514 بشرح " الفتح ".
(5)
ساقطة من (ش).
(6)
في (ب) و (ش): يستحيل.
تقدَّم، وذلك عند المكفِّرين لهم يقتضي ردَّ القرآن المعلوم، وتكذيبه، أو يؤول إلى ردِّه وتكذيبه بخلاف قول الظاهرية بحدوث القرآن وجعله، فإنهم لم يُخالفوا في كون الله تعالى متكلِّماً على الحقيقة، وإنما قالوا ما قالوه لقوله تعالى:{ومن قبله كتابُ موسى} [هود: 17]، وقوله تعالى:{ما يأتيهم من ذكرٍ من ربِّهم مُحدثٍ إلَاّ استمعوه وهم يلعبون} (1)[الأنبياء: 2]، وقوله:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3]. فقوله (2): {مُحْدَثٍ} نكرة في سياقِ النفي، وذلك يُفيد العموم، والقرآن ذِكرٌ بدليل قوله تعالى:{وهذا ذكرٌ مباركٌ أنزلناه} [الأنبياء: 50].
واحتجُّوا -أيضاً- بما في فِطَرِ العقول من حدوثِ الأصوات، والحروف المتعاقبة؛ فإنها حجة عقلية ضرورية، وأهل السنة والظاهرية، وإن بعُدُوا من المباحث الكلامية، وبدعوا من خاض فيها، فإنهم (3) يعنون ما دقَّ الأمر فيه (4)، ولم يُؤمنْ أن يجُرَّ إلى بدعةٍ، وأما ما كان جلياً، فلا يمنعون من الاحتجاج به، فإنه لا بد من ذلك، ولولا ذلك، ما عرفنا صدق الأنبياء، كما أن المجنون لا يعلم صدق الأنبياء بالسمع.
ولهذا تكلم البخاري، ومسلم، والبيهقي في كتاب " الأسماء والصفات " في مسألة اللفظ بالقرآن والتلاوة له، كما قرر ذلك الذهبي.
وصنف البخاري في أن اللفظ مخلوق كتاب " أفعال العباد "(5) مع
(1) من قوله: " وقوله تعالى " إلى هنا ساقط من (ش).
(2)
ساقط من (ش).
(3)
في (ش): فإنما.
(4)
ساقطة من (ش).
(5)
ردّ فيه على الجهمية والمعطلة، وقرر فيه عقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، وأن أفعال العباد مخلوقة، وهو من منشورات مؤسسة الرسالة.
إمامته، وجلالته، ومبالغته في النَّهي عنِ البدع.
وذكر البيهقي في " الأسماء والصفات "(1): اتفاق أهل السنة على ذلك في المعنى، وأن المخالف فيه إنما أساء العبارة. هذا أو (2) معناه، وقاله الغزالي في أول كتاب " الاقتصاد في الاعتقاد " (3) وقد ذكر أهل الذَّكاء والفطنة من أهل (4) البدع في الفرقة الرابعة ما لفظه -مع اختصار-: فهؤلاء يجب التَّلطُّف بهم في استمالتهم إلى الحقِّ، لا في معرِض اللَّجاج والتَّعصبُّ، فإن ذلك يُهيِجُ بواعث التمادي والإصرار، وأكثر الجهالات إنما رسخت بتعصُّبِ جماعةٍ من أهل الحق أظهروا الحق في معرض التحدي والإدلاء، ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين النَّحس والإزراء، فثارت من بواطنهم دواعي المعاندة، وتعسَّر على العلماء المتلطفين (5) محوها، حتى انتهى التعصُّب بطائفةٍ إلى أن اعتقدوا أن الحروف التي نطقوا بها في الحال بعد السكوت عنها طول العمر قديمة، ولولا استيلاء الشيطان بواسطة العناد، والتَّعصُّب. لما وُجِد (6) مثلُ هذا الاعتقاد مستقرَّاً (7) في قلب مجنون، فضلاً عن قلب عاقل.
وقال الغزالي في " القدسية ": ومن لم يعقله عقلُه، ولا نَهاه نُهاهُ عن أن يقول: لساني حادثٌ، ولكن ما يحدُثُ فيه بقدرتي (8) الحادثة قديم، فاقطع عن عقله طمعك، وكُفَّ عن خطابه لسانك، ومن لم يفهم أن القديم
(1) ص 264 - 267، وعنى بالمخالف محمد بن إسحاق بن خزيمة.
(2)
في (ش): و.
(3)
1/ 196، وهو الفصل الأول من " الإحياء ".
(4)
ساقطة من (ش).
(5)
في (ب): المحقين، وفي (ش): اللطفين.
(6)
ساقطة من (ش).
(7)
ساقطة من (ش).
(8)
في (ش): بقدر في.
عبارةٌ عمَّا ليس قبلهُ شيءٌ، وأنَّ الباء قبل السين في قوله: بسم الله، فلا يكون السِّين المتأخِّرُ عن الباء قديماً، فنزِّه عن الالتفات إليه قلبك. انتهى.
وقد بالغ الذهبي في قُوَّة هذا مع مبالغته في النهي عن الكلام، لكن ليس من نهى عن علم الكلام، فقد نهى عن فِطَرِ العقول، كما قدمتُ في عقيدة أهل السنة، وإنما كرهوا الخوض فيما لا يُعلمُ، كما روى البيهقي في " الأسماء والصفات "(1) في هذه المسألة، عن الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرَّازي، أنه أُخْبِرَ بما جرى بنيسابور بين (2) ابن خُزيمة وأصحابه، فقال: ما له والكلام، إنما الأولى بنا وبه أن لا نتكلم فيما لم (3) نتعلَّمْهُ.
وكذا روى البيهقي (4)، عن ابن خزيمة: أنه خرج يوماً، فقال لمنصورٍ الصَّيدلاني: ما صنعتك؟ قال: عطَّارٌ، قال: أتحسن (5) صنعة الأساكفة؟ قال: لا، قال: أتحسن (5) صنعة النَّجَّارين؟ قال: لا، فقال: إذا كان العطَّارُ لا يحسن غير ما هو فيه، فما تُنكِرون على فقيهٍ، راوي حديثٍ أنه لا يحسن الكلام. انتهى.
قلت: لا نَكارة عليه في عدم حِذْقِ الجدليين، ولكن عليه أن يتأدب بقوله تعالى:{ولا تقفُ ما ليس لك به علمٌ} [الإسراء: 36]، ويصنع كما صنع الإمام أحمد يوم المحنة، فإن المتكلمين كانوا إذا راجعوه بعلمهم، قال: هذا شيءٌ لا أعرفه، ولا أدري ما هو، وإذا راجعوه بشيءٍ من كتاب الله تعالى، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم خاضَ معهم خوض العارفين، فكذلك فليكن السَّنِّيُّ.
(1) ص 269.
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
في الأصول " لا "، والمثبت من " الأسماء والصفات ".
(4)
تقدم في ص 151 من هذا الجزء.
(5)
في (ب)، " والأسماء والصفات ": تحسن.