المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فضله وتألهه وشمائله: - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٤

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الثالث عشر: أنَّ جميع أئمة الفنون المُبرِّزين فيها قد شاركوا المحدثين في عدم ممارسة علم الكلام

- ‌الطائفة الأولى: من قال بأن المعارف ضرورية

- ‌الطائفة الثانية: من يقول: إنَّ المعارف ضروريةٌ مطلقاً

- ‌الوجه الثاني: أن اللطف المقرب مجرد دعوى

- ‌الوجه الثاني: من الأصل أن الآية في الظن المعارض للعلم

- ‌قلت: كلَاّ، فإنَّ الله تعالى قد سمَّى الظن علماً

- ‌الوجه الرابع: من الجواب وهو التحقيق

- ‌الجواب من وجوه

- ‌الوجه الثالث: إنا نعلمه ما نعرِفُه بِفِطَرِ العقول

- ‌الجواب الرابع: أن نقول: النظر في ذلك واجبٌ كالصلاة

- ‌فإن قيل: قد وَرَدَ في السمع وجوبُ البيان على العلماء

- ‌الجواب من وجوه:

- ‌الوجه الثاني: أنا نخصُّ هذا العام بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الجواب الخامس: أنها وردت نصوصٌ تقتضي العلم أو الظن

- ‌فإن قالوا: وفي ترك علم الكلام مضرة أيضاً

- ‌الجواب: أنَّ تسمية تجويز المضرة المرجوح خوفاً غيرُ مسلم

- ‌قلتُ: هي أمران:

- ‌الجواب من وجهين

- ‌الوجه الأول: معارضة

- ‌الوجه الأول: أن السائل جهل المقصود بالنبوة

- ‌قلنا: معاذ الله

- ‌الطائفة الثانية: أهل النظر في علم الكلام

- ‌القاعدة الأولى: إن الله سبحانه موصوفٌ بالإثبات والنفي

- ‌القاعدة الثانية: أن ما أخبر به الرسول عن ربِّه فإنَّه يجب الإيمان به

- ‌القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مرادٌ أو ليس بمراد

- ‌إن هذه الطريق لا يحصل بها المقصود لوجوهٍ:

- ‌الوجه الثاني: أن هؤلاء ينفُون صفات الكمال بمثل هذه الطريق

- ‌الوجه الثالث: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون

- ‌الفصل الثالث: في الإشارة إلى حُجة من كفَّر هؤلاء

- ‌ التنبيه على معرفتين:

- ‌المعرفة الأولى: أن شرط التكفير بمخالفة السمع أن يكون ذلك السمعُ المخالفُ معلوماً علماً ضرورياً من جهة اللفظ، ومن جهة المعنى

- ‌أحدهما: ما عَلِمَهُ العامة مع الخاصة

- ‌ثانيهما: ما لا يعرف تواتره إلَاّ الخاصة

- ‌الشرط الثاني: أن يكون معنى المتواتر معلوماً بالضرورة

- ‌المعرفة الثانية: أن التكفير سمعي محضٌ لا مدخل للعقل فيه، وذلك من وجهين:

- ‌الوجه الأول: أنه لا يكفر بمخالفة الأدلة العقلية وإن كانت ضروريةٌ

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الدليل على الكفر والفِسْقِ لا يكون إلَاّ سمعياً قطعياً

- ‌فصلٌ في شيوخه:

- ‌رحلته وحفظه:

- ‌حكاية موضوعة:

- ‌وصيتُه:

- ‌مرضه:

- ‌المنامات:

- ‌ فضلِهِ وتألُّهِهِ وشمائله:

- ‌ومن آدابه:

- ‌ومن كرمه:

- ‌تركه للجهات جُملةَ:

- ‌أيُّ فرقٍ بين الخلقِ والحدوث حتى يكفر القائل بأحدِهما دون الآخر

- ‌الجواب: من وجهينِ

- ‌ الوجه الثالث: وهو التكفير بمآل المذهب

- ‌الوجه الثاني: لو سلَّمنا أنه دلَّ على ذلك دليلٌ سمعي خَفِي لكان معارضاً بما هو أوضح منه

- ‌الوجه الثالث: إنا نعلم بالضرورة منهم ضِدَّ ما ألزموهم

- ‌الوجه الرابع: أنا لو كفرنا بذلك لأمكن المعتزلة، والشيعة، والظاهرية تكفير من لم يقُل بحدوث القرآن

- ‌الوجه الخامس: أن النصوص قد تواترت بمروق الخوارج

- ‌الوجه السابع: أنه قد ورد من الأدلة السمعية ما يُعارضُ ذلك الظن

- ‌وأما قول من يقولُ: ما الفرق بين الخلق، والجعل، والحُدُوث

- ‌قلت: الذي فهمته مِنْ تكرارِ النظر في عباراتهم ومقاصدهم أحد وجهين، أو كلاهما:

- ‌الوجه الأول: أنهم رأوا للحدوث معنيين: حدوثاً نسبيّاً، وحدوثاً مُطلقاً

- ‌الوجه الثاني: أنهم لما رأوا القول بخلقه شعار المعتزلة المنكرين لصحة الكلام من الله تعالى، رأوا لفظ الحدوث يقارب لفظ الخلق ويُوهِمُه

- ‌قلنا: يقولون: إن عمومها مخصوصٌ بإجماع الفريقين

- ‌أمَّا المعتزلة

الفصل: ‌ فضله وتألهه وشمائله:

ذلك أبو الفرج بن الجوزي، وشيخ الإسلام (1) ولم يصح سند بعض ذلك.

أخبرنا إسماعيل بن عُمَيرة، أخبرنا ابن قدامة (2)، أخبرنا أبو طالب بنُ خُضَير، أخبرنا أبو طالب اليُوسُفي، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا عليُّ بن عبد العزيز، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، أخبرنا أبو زُرعة، وقيل له: اختيار أحمد وإسحاق أحبُّ إليك أم قول الشافعي؟ قال: بل اختيار أحمد وإسحاق، ما أعلم في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد بن حنبل، وما رأيت أحداً أجمع منه.

في‌

‌ فضلِهِ وتألُّهِهِ وشمائله:

وبه قال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح بن أحمد، قال: دخلت على أبي يوماً أيام الواثق -والله أعلم على أيِّ حال نحن- وقد خرج لصلاة العصر، وكان له لِبْدٌ يجلِسُ عليه، قد أتى عليه سنون كثيرةٌ حتى بَلِيَ، وإذا تحته كتاب كاغَدٌ (3) فيه: بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضِّيق، وما عليك من الدَّين، وقد وجَّهتُ إليك بأربعة (4) آلاف درهم على يدي فلانٍ، وما هي من صدقة ولا (5) زكاةٍ، وإنما هو (6) شيءٌ وَرِثْتُهُ من أبي. فقرأت الكتاب، ووضعتُه. فلما دخل، قلت: يا أبة، ما هذا

(1) هو موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي، المتوفى سنة 620 هـ.

(2)

قوله: " أخبرنا ابن قدامة " ساقط من (ب).

(3)

أي: قرطاس، وهو فارسي معرب.

(4)

في (ب): أربعة.

(5)

في (ب): ولا من.

(6)

في (ب): هو من.

ص: 299

الكتاب؟ فاحمَرَّ وجهُه، وقال: رفعتُه منك. ثم قال: تذهب بجوابه (1)؟ فكتب إلى الرجل: وَصَلَ كتابُك إليَّ، ونحن في عافيةٍ. فأما الدَّين، فإنه لرجلٍ لا يُرهِقُنا، وأما عيالُنا، ففي نعمة الله. فذهبتُ بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل، فلما كان بعد حين، ورد كتاب الرجل بمثل ذلك، فرد عليه (2) بمثل ما ردَّ (3). فلما مضت سنةٌ أو نحوها، ذكرناها، فقال: لو كنا قبلناها، كانت (4) قد ذهبت.

وشهدت ابن الجَرَوِيِّ، وقد جاء بعد المغرب، فقال لأبي: أنا رجلٌ مشهور، وقد أتيتُك في هذا الوقت (5)، وعندي شيءٌ قد اعتدتُه لك (6)، وهو ميراثٌ، فأُحِبُّ أن تقبله، فلم يزل به. فلمَّا أكثر عليه، قام ودخل. قال صالح: فأُخبرتُ عن ابن الجروي أنه قال: قلت له: يا أبا عبدِ الله، هي ثلاثة آلاف دينار. فقام وتركني.

قال صالح: ووجَّه رجلٌ من الصين بكَاغَدٍ صيني إلى جماعةٍ من المحدثين، ووجَّه بِقِمَطْرٍ (7) إلى أبي، فردَّه، ووُلِدَ لي مولودٌ فأهدى صديقٌ لي شيئاً. ثم أتى على ذلك أشهرٌ، وأراد الخروج إلى البصرة، فقال لي: تُكَلِّمُ أبا عبد الله يكتب لي إلى المشايخ بالبصرة؟ فكلَّمتُه فقال: لولا أنَّهُ أهدى إليك، كنت أكتب له.

(1) في " السير ": لجوابه.

(2)

" ذلك فرد عليه بمثل " ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): ورد.

(4)

سقطت من (ب).

(5)

" في هذا الوقت " مكرر في (ب).

(6)

تحرفت في (ب): بلك.

(7)

وهو ما يُصَان فيه الكتب.

ص: 300

وبه قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، قال: بَلَغني أن أحمد بن حنبل رَهَنَ نعلَه (1) عند خَبَّازٍ باليمن، وأكرى نفسه من جمالين عند خروجه، وعَرَضَ عليه عبدُ الرزاق دراهم صالحة، فلم يقبَلُها.

وَبَعَثَ ابنُ طاهر حين مات أحمد بأكفانٍ وحَنوط، فأبَى صالح أن يقبَلَه، وقال: إنَّ أبي قد أعدَّ كفنَه وحنوطَه، وردَّه (2)، فراجعه، فقال (3): إن أمير المؤمنين أعفى أبا عبد الله ممَّا يكرَهُ، وهذا مما يكرَهَهُ (4)، فلستُ أقبله.

وبه: حدثنا صالحٌ، قال:[قال](5) أبي: جاءني يحيى بن يحيى قال أبي: وما أخرجت خُراسانُ بعد ابن المبارك رجلاً (6) يُشْبِهُ يحيى بن يحيى - فجاءني ابنه، فقال: إن أبي أوصى بِمَبْطَنَة له (7) لك، قال: يذكرُني بها. قلت: جِيءْ بها، فجاء برُزمةِ ثياب، فقلتُ له: اذهب رَحِمَكَ الله، يعني: ولم يَقْبَلْها.

قلت: وقيل: إنَّه أخَذَ منها ثوباً واحداً.

وبه: قال: حدثنا صالحٌ، قال: قلت لأبي: إنَّ أحمد الدَّوْرَقي أُعطيَ ألف دينار، فقال: يا بُني: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبْقَى} [طه: 131].

(1) في المطبوع من " الجرح والتعديل " 1/ 301: بغلاً له.

(2)

في (ب): فردَّه.

(3)

في (ب): وقال.

(4)

" وهذا ممَّا يكرهه " ساقط من (ب).

(5)

زيادة من " السير ".

(6)

في (ب) و (د): من.

(7)

" له " ساقطة من (ب).

ص: 301

وبه: قال: حدثنا (1) أبي، حدثنا (1) أحمد بن أبي الحواري، حدَّثني عُبيد القاري، قال: دَخَلَ على أحمد عمُّه، فقال: يا ابن أخي، أيش هذا الغَمُّ؟ أيشٍ هذا الحزنُ؟ فرفع رأسه، وقال: يا عمُّ، طُوبى لمن أخملَ الله ذكره.

وبه: سمعتُ أبي يقول: كان أحمد إذا رأيته، تعلمُ أنَّه لا يُظهِرُ النُّسُك، رأيت عليه نعلاً لا يُشْبِهُ نعال القُراءِ، له رأس كبيرٌ معقد، وشِراكُه مُسبَلٌ، ورأيت عليه إزاراً وجُبَّة بُرد مخططة. أي: لم يكن بزيِّ القُرَّاء.

وبه: حدثنا صالح: قال لي أبي: جاءني أمسِ رجلٌ كنت أُحِبُّ أن تراه، بينا أنا قاعدٌ في نحرِ الظهيرة، إذ برجل سلَّم بالباب، فكأنَّ قلبي ارتاح، ففتحتُ، فإذا برجلٍ عليه فَروة، وعلى رأسه خِرقةُ، ما تحت فروه قميصٌ، ولا مَعَه رَكْوةٌ ولا جِراب ولا عُكَّازٌ، لقد لَوَّحته الشمسُ. فقلت: ادخُلْ، فَدَخَلَ الدهليز، فقلت: مِنْ أين أقبلت؟ قال: من ناحية المشرق، أريد الساحل، ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد، نويتُ السلام عليك. قُلتُ: على هذه الحال؟ قال: نعم. ما الزهد في الدنيا؟ قلت: قصر الأمل، قال: فجعلت أعجب منه، فقلت في نفسي: ما عندي ذهبٌ ولا فضة. فدخلت البيت فأخذت أربعة أرغفةٍ، فخرجت إليه، فقال: أوَيَسُرُّك أن أقبل ذلك يا أبا عبد الله؟ قلت: نعم، فأخذها، فوضعها تحت حِضنه، وقال: أرجو أن تكفيني إلى الرقة (2). وأستودعك الله. فكان يذكره كثيراً.

(1) في (د): أخبرنا.

(2)

"الواو" ساقطة من (د).

ص: 302

وبه (1): كتب إليَّ عَبْدُ اللهِ بن أحمد: سمعتُ أبي (2)، وذكرَ الدنيا، فقال: قليلُها يجزئُ، وكثيرُها لا يجزئُ، وقال أبي: وقد ذكرَ عنده الفقر فقال: الفقيرُ معَ الخيرِ.

وبه: حدثنا صالح، قال: أمسكَ أبي عن مُكاتبةِ ابن راهَويه، لما أَدخَل كتابه إلى عبدِ الله بن طاهر وقَرأَه.

وبه قال: ذكر عبدُ الله بن أبي عمر البكري، سمعتُ عبد الملك بن عبد الحميد الميموني (3)، قال: ما أعلم أنِّي رأيت أحداً أنظفَ بدناً، ولا أشدَّ تعاهداً لنفسه في شاربه وشعرِ رأسه وشعرِ بَدَنه، ولا أَنْقَى ثوباً بشدة (4) بياضٍ، من أحمد بن حنبل رضي الله عنه. كان ثيابُه بين الثوبين، تَسوَى مَلْحَفَتُه خمسةَ عشر درهماً، وكان ثوبُ قميصه يُؤخذ بالدينارِ ونحوه، لم يكن له دِقة تُنكر، ولا غِلظُ ينكر، وكانت مَلْحَفَتُه مهذبةً.

وبه حدثنا صالح، قال: ربَّما رأيت أبي يأخذ الكِسر، ينفض الغبار عنها، ويصيَّرها في قَصعةٍ، ويصُبُّ عليها ماءً، ثم يأكلها بالمِلحِ، وما رأيته اشترى رُمَّانًا ولا سفرجلاً ولا شيئاً من الفاكهة، إلَاّ أن يكون بطيخة فيأكلها بخبزٍ وعِنباً وتمراً.

وقال لي: كانت والدتك في الغلاء (5) تغزِل غزلاً دقيقاً، فتبيع

(1) في (ب): وبه إلى.

(2)

"الواو" ساقطة من (ب).

(3)

تحرفت في (ب) إلى: اليموني.

(4)

في (ب): شدة.

(5)

تحرف في " السير " 11/ 209 إلى الظلام، وجاء على الصواب في 11/ 324، و" الجرح والتعديل " 1/ 304.

ص: 303

الأستار بدرهمين (1) أقلَّ أو أكثر، وكان ذلك قوتنا، وكنا إذا اشترينا الشيء، نستره عنه كيلا يراه، فيُوبِّخُنا (2)، وكان ربما خُبِزَ له، فيجعل في فخَّارة عدساً وشحماً وتمرات شِهريز (3)، فيجيء الصِّبيان، فيصوِّتُ ببعضهم، فيدفعه إليهم، فيضحكون ولا يأكلون. وكان يأتدِمُ بالخلِّ كثيراً.

قال: وقال أبي: إذا لم يكن عندي قطعة، أفرح.

وكان إذا توضَّأ لا يدعُ من يستقي له، ورُبَّما اعتللت فيأخذ قدحاً فيه ماء، فيقرأ فيه، ثم يقول: اشرب منه، واغسِلْ وجهَكَ ويديك.

وكانت له قلنسُوةٌ خاطَها بيده، فيها قُطن، فإذا قام بالليل لَبِسَهَا.

وكان ربما أخذ القدوم، وخرج إلى دار السكان، يعملُ الشيء بيده، واعتل فيعالج.

وكان ربما خرج إلى البقَّال، فيشتري الجُرزَةَ الحطب والشيء، فيحملُه بيده.

وكان يتنوَّر في البيت. فقال لي في يوم شتوي: أريدُ أدخلُ الحمامَ بعد المغرب، فقل لصاحب الحمام. ثم بعث إليَّ: إني قد أضربتُ عن الدخول. وتنوَّر في البيت.

وكنث أسمعُه كثيراً يقول: اللهمَّ سلِّم سلِّم.

(1) في (ب): بدرهمين أو.

(2)

في (ب): يوبخنا.

(3)

والشهريز - بالضم. والكسر، وبالسين المهملة أو بالشين المعجمة: نوع من التمر.

ص: 304

وبه حدثنا أحمد بن سنان، قال: بعثت إلى أحمد بن حنبل حيث كان عندنا أيام يزيد جَوْزاً ونَبْقاً (1) كثيراً، فقَبِلَ، وقال: لي كل هذا؟

قال عبد الله بن أحمد: حدثنا أبي، وذكر عنده الشافعي رحمه الله، فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه، ثم قال عبد الله: كل شيء في كتاب الشافعي أخبرنا الثقة فهو عن أبي.

الخلال: حدثنا المروذي، قال: قَدِمَ رجل من الزهاد، فأدخلته على أحمد، وعليه فروٌ خَلَقٌ، وخُرَيْقَة على رأسه وهو حافٍ في بَرد شديد، فسلَّم، وقال: يا أبا عبد الله، قد جئتُ من موضعٍ بعيد، ما أردت إلَاّ السلام عليك، وأريدُ عبَّادان، وأريد أن أنا رجعت، أسلِّم عليك. فقال: إن قُدِّر. فقام الرجل وسلم (2)، وأبو عبد الله قاعد، فما رأيت أحداً قام من عند أبي عبد الله، حتى يقوم هو إلَاّ هذا الرجل، فقال لي أبو عبد الله: ما ترى ما أشبهه بالأبدال، أو قال: إني لأذكر به الأبدال، وأخرج إليه أبو عبد الله أربعة أرغفة مشطورة بكامخ (3)، وقال: لو كان عندنا شيءٌ، لواسيناك.

وأخبرنا المروذي: قلت لأبي عبد الله: ما أكثر الداعي لك! قال: أخاف أن يكون هذا استدراجاً، بأيِّ شيء هذا؟ قلت له (4): قدم رجل من طرسوس، فقال: كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هَدَأَ الليل، رفعوا

(1) النَّبْق: هو ثمر السِّدْر.

(2)

في (ب): فسلم.

(3)

في الأصول: " كافح "، والمثبت من " السير "، وهو بفتح الميم: نوعٌ من الأدْم، معرب.

(4)

ساقطة من (ب).

ص: 305

أصواتهم بالدُّعاء، ادعوا لأبي عبد الله، وكنا نمُدُّ المنجنيق، ونرمي عن أبي عبد الله. ولقد رُمي عنه بحجرٍ، والعِلج على الحصن متترسٌ بدَرَقَة فذهب برأسه وبالدِّرَقَةِ (1) فتغيَّر وجهُ أبي عبد الله، وقال: ليته لا يكون استدراجاً. قلت: كلا.

وعن رجلٍ قال: عندنا بخراسان يظنُّون أن أحمد لا يُشبِهُ البشر، يظنون أنه من الملائكة.

وقال آخر: نظرةٌ عندنا (2) من أحمد تعدِلُ عبادة سنة.

قلت: هذا غلوُّ لا ينبغي، لكن الباعث له حبُّ ولي الله في الله.

قال المرُّوذي: رأيت طبيباً نصرانياً خرج من عند أحمد ومعه راهبٌ، فقال: إنه سألني أن يجيء معي ليرى أبا عبد الله.

وأدخلت نصرانياً على أبي عبد الله، فقال له: إنِّي لأشتهي أن أراك منذ سنين. ما بقاؤك صلاحٌ للإسلام وحدَهم، بل للخلق جميعاً، وليس من أصحابنا أحدٌ إلَاّ وقد رَضِيَ بك. قلتُ لأبي عبد الله: إني لأرجو أن يكون يدعى لك في جميع الأمصار. فقال: يا أبا بكر إذا عرف الرجل نفسه، فما ينفعه كلام الناس.

قال عبد الله بن أحمد: خَرَجَ أبي إلى طرسوس ماشياً، وحجَّ حجتين أو ثلاثاً (3) ماشياً، وكان أصبر الناس على الوحدة، وبِشْرٌ لم يكن يصبر على الوحدة. كان يخرج إلى ذا وإلى ذا.

(1) في (د): وبدرقة.

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): " ثلاث "، وهو خطأ.

ص: 306