الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْمَده إِذْ لم يكن أعظم مِنْهَا وأحمده إِذْ رَزَقَنِي الصَّبْر عَلَيْهَا وأحمده إِذْ وفقني للاسترجاع لما أَرْجُو من الثَّوَاب وأحمده إِذْ لم يَجْعَلهَا فِي ديني وَقَوله {أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} الصَّلَوَات من الله الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة وَأُولَئِكَ هم المهتدون يُرِيد الَّذين اهتدوا للترجيع وَقيل إِلَى الْجنَّة وَالثَّوَاب وَعَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ نعم العدلان وَنعم العلاوة أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة نعم العدلان وَأُولَئِكَ هم المهتدون نعم العلاوة وَأما إِذا سخط صَاحب الْمُصِيبَة ودعا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور أَو لطم خدا أَو شق جيباً أَو نشر شعراً أَو حَلقَة أَو قِطْعَة أَو نتفه فَلهُ السخط من الله تَعَالَى وَعَلِيهِ اللَّعْنَة رجلاً كَانَ أَو امْرَأَة وَقد رُوِيَ أَيْضا أَن الضَّرْب على الْفَخْذ عِنْد الْمُصِيبَة يحبط الْأجر وَقد رُوِيَ أَن من أَصَابَته مُصِيبَة فخرق عَلَيْهَا ثوباً أَو لطم خدا أَو شق جيباً أَو نتف شعراً فَكَأَنَّمَا رمحاً يُرِيد أَن يحارب ربه وَقد تقدم أَن الله عز وجل لَا يعذب ببكاء الْعين وَلَا بحزن الْقلب وَلَكِن يعذب بِهَذَا يَعْنِي مَا يَقُوله صَاحب الْمُصِيبَة بِلِسَانِهِ يَعْنِي من الندب والنياحة وَقد تقدم أَن الْمَيِّت يعذب فِي قَبره بِمَا نيح عَلَيْهِ إِذا قَالَت النائحة واعضداه واناصراه واكاسياه جبذ الْمَيِّت وَقيل لَهُ أَنْت عضدها أَنْت ناصرها أَنْت كاسيها فالنواح حرَام لِأَنَّهُ مهيج للحزن ودافع عَن الصَّبْر وَفِيه مُخَالفَة التَّسْلِيم للْقَضَاء والإذعان لأمر الله تَعَالَى
حِكَايَة
قَالَ صَالح المري كنت ذَات لَيْلَة جُمُعَة بَين الْمَقَابِر فَنمت وَإِذا بالقبور قد شققت وَخرج الْأَمْوَات مِنْهَا وجلسوا حلقاً حلقاً وَنزلت عَلَيْهِم أطباق مغطية وَإِذا فيهم شَاب يعذب بأنواع الْعَذَاب من بَينهم قَالَ فتقدمت إِلَيْهِ وَقلت يَا شَاب مَا شَأْنك تعذب من بَين هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَقَالَ يَا صَالح بِاللَّه عَلَيْك بلغ مَا آمُرك بِهِ وأد الْأَمَانَة وَارْحَمْ غربتي لَعَلَّ الله عز وجل أَن يَجْعَل لي على يَديك مخرجاً إِنِّي لما مت ولي وَالِدَة جمعت النوادب والنوائح يندبن عَليّ
وينحن كل يَوْم فَأَنا معذب بذلك النَّار عَن يَمِيني وَعَن شمَالي وَخَلْفِي وأمامي لسوء مقَال أُمِّي فَلَا جزاها الله عني خيراً ثمَّ بكى حَتَّى بَكَيْت لبكائه ثمَّ قَالَ يَا صَالح بِاللَّه عَلَيْك اذْهَبْ إِلَيْهَا فَهِيَ فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ وَعلم لي الْمَكَان وَقل لَهَا لم تعذبي ولدك يَا أُمَّاهُ ربيتني وَمن الأسواء وقيتني فَلَمَّا مت فِي الْعَذَاب رميتني يَا أُمَّاهُ لَو رأيتيني الأغلال فِي عنقِي والقيد فِي قدمي وملائكة الْعَذَاب تضربني وتنهرني فَلَو رَأَيْت سوء حَالي لرحمتيني وَإِن لم تتركي مَا أَنْت عَلَيْهِ من الندب والنياحة الله بيني وَبَيْنك يَوْم تشقق سَمَاء عَن سَمَاء ويبرز الْخَلَائق لفصل الْقَضَاء قَالَ صَالح فَاسْتَيْقَظت فَزعًا وَمَكَثت فِي مَكَاني قلقاً إِلَى الْفجْر فَلَمَّا أَصبَحت دخلت الْبَلَد وَلم يكن لي هم إِلَّا الدَّار الَّتِي لأم الصَّبِي الشَّاب فاستدللت عَلَيْهَا فأتيتها فَإِذا بِالْبَابِ مسود وَصَوت النوادب والنوائح خَارج من الدَّار فطرقت الْبَاب فَخرجت إِلَيّ عَجُوز فَقَالَت مَا تُرِيدُ يَا هَذَا فَقلت أُرِيد أم الشَّاب الَّذِي مَاتَ فَقَالَت وَمَا تصنع بهَا هِيَ مَشْغُولَة بحزنها فَقلت أرسليها إِلَيّ معي رِسَالَة من وَلَدهَا فَدخلت فَأَخْبَرتهَا فَخرجت أم وَعَلَيْهَا ثِيَاب سود ووجهها قد اسود من كَثْرَة الْبكاء واللطم فَقَالَت لي من أَنْت قلت أَنا صَالح المري جرى لي البارحة فِي الْمَقَابِر مَعَ ولدك كَذَا وَكَذَا رَأَيْته فِي الْعَذَاب وَهُوَ يَقُول يَا أُمِّي ربيتيني وَمن الأسواء وقيتيني فَلَمَّا مت فِي الْعَذَاب رميتيني وَإِن لم تتركي مَا أَنْت عَلَيْهِ الله بيني وَبَيْنك يَوْم تشقق سَمَاء عَن سَمَاء فَلَمَّا سَمِعت ذَلِك غشي عَلَيْهَا وَسَقَطت إِلَى الأَرْض فَلَمَّا أفاقت بَكت بكاء شَدِيدا وَقَالَت يَا وَلَدي يعز عَليّ وَلَو علمت ذَلِك بحالك مَا فعلت وَأَنا تائبة إِلَى الله تَعَالَى من ذَلِك ثمَّ دخلت وصرفت النوائح ولبست غير تِلْكَ الثِّيَاب وأخرجت إِلَيّ كيساً فِيهِ دَرَاهِم كَثِيرَة وَقَالَت يَا صَالح تصدق بِهَذِهِ عَن وَلَدي قَالَ صَالح فودعتها ودعوت لَهَا وانصرفت وتصدقت عَن وَلَدهَا بِتِلْكَ الدَّرَاهِم فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْجُمُعَة الْأُخْرَى أتيت الْمَقَابِر على عادتي فَنمت فَرَأَيْت أهل الْقُبُور قد خَرجُوا من قُبُورهم وجلسوا على عَادَتهم وأتتهم الأطباق وَإِذ ذَاك الشَّاب ضَاحِك فَرح