الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكَبِيرَة الثَّالِثَة وَالسِّتُّونَ الْأَمْن من مكر الله
قَالَ الله تَعَالَى {حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة} أَي أَخذهم عذابنا من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ قَالَ الْحسن من وسع الله عَلَيْهِ فَلم ير أَنه يمكر بِهِ فَلَا رَأْي لَهُ وَمن قتر عَلَيْهِ فَلم ير أَنه ينظر إِلَيْهِ فَلَا رَأْي لَهُ ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة فَإِذا هم مبلسون} وَقَالَ مكر بالقوم وَرب الْكَعْبَة أعْطوا حَاجتهم ثمَّ أخذُوا وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا رَأَيْت الله يُعْطي العَبْد مَا يحب وَهُوَ مُقيم على مَعْصِيَته فَإِنَّمَا ذَلِك مِنْهُ اسْتِدْرَاج ثمَّ قَرَأَ {فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة فَإِذا هم مبلسون} الإبلاس الْيَأْس من النجَاة عِنْد وُرُود الهلكة وَقَالَ ابْن عَبَّاس أيسو من كل خير وَقَالَ الزجاج المبلس الشَّديد الْحَسْرَة اليائس الحزين وَفِي الْأَثر أَنه لما مكر بإبليس وَكَانَ من الْمَلَائِكَة طفق جِبْرِيل وميكال يَبْكِيَانِ فَقَالَ الله عز وجل لَهما مالكما تبكيان قَالَا يَا رب مَا نَأْمَن مكرك فَقَالَ الله تَعَالَى {هَكَذَا كونا لَا تأمنا مكري} وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يكثر أَن يَقُول يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قُلُوبنَا على دينك فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله أتخاف علينا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الْقُلُوب بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن يقلبها كَيفَ يَشَاء
وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار وَإنَّهُ من أهل الْجنَّة وَيعْمل الرجل بِعَمَل أهل الْجنَّة وَإنَّهُ من أهل النَّار وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بالخواتيم وَقد قص الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز قصَّة بلعام وَأَنه سلب الْإِيمَان بعد الْعلم والمعرفة وَكَذَلِكَ برصيصا العابد مَاتَ على الْكفْر وَرُوِيَ أَنه كَانَ رجل بِمصْر مُلْتَزم الْمَسْجِد للأذان وَالصَّلَاة وَعَلِيهِ بهاء الْعِبَادَة وأنوار الطَّاعَة فرقي يَوْمًا المنارة على عَادَته للأذان وَكَانَت تَحت المنارة دَار لنصراني ذمِّي فَاطلع فِيهَا فَرَأى ابْنة صَاحب الدَّار وَكَانَت جميلَة فَافْتتنَ بهَا وَترك الْأَذَان وَنزل إِلَيْهَا فَقَالَت لَهُ مَا شَأْنك وَمَا تُرِيدُ فَقَالَ أَنْت أُرِيد قَالَت لَا أجيبك إِلَى رِيبَة قَالَ لَهَا أتزوجك قَالَت لَهُ أَنْت مُسلم وَأبي لَا يزوجني بك قَالَ أتنصر قَالَت لَهُ إِن فعلت أفعل فَتَنَصَّرَ ليتزوج بهَا وَأقَام مَعَهم فِي الدَّار فَلَمَّا كَانَ فِي أثْنَاء ذَلِك الْيَوْم رقى إِلَى سطح كَانَ فِي الدَّار فَسقط فَمَاتَ فَلَا هُوَ فَازَ بِدِينِهِ وَلَا هُوَ تمتع بهَا نَعُوذ بِاللَّه من مكره وَسُوء الْعَاقِبَة وَسُوء الخاتمة وَعَن سَالم عَن عبد الله قَالَ كَانَ كثيراً مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحلف لَا ومقلب الْقُلُوب رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمَعْنَاهُ يصرفهَا أسْرع من ممر الريح على اخْتِلَاف فِي الْقبُول وَالرَّدّ والإرادة وَالْكَرَاهَة وَغير ذَلِك من الْأَوْصَاف وَفِي التَّنْزِيل {وَاعْلَمُوا أَن الله يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه} قَالَ مُجَاهِد الْمَعْنى يحول بَين الْمَرْء وعقله حَتَّى لَا يدْرِي مَا تصنع بنانه {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب} أَي عقل وَاخْتَارَ الطَّبَرِيّ أَن يكون ذَلِك إِخْبَارًا من الله تَعَالَى إِنَّه أملك لقلوب الْعباد مِنْهُم وَأَنه يحول بَينهم وَبَينهَا إِن شَاءَ حَتَّى لَا يدْرك الْإِنْسَان شَيْئا إِلَّا بِمَشِيئَة الله عز وجل وَقَالَت عَائِشَة رضي الله عنها كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أَن يَقُول يَا مُقَلِّب الْقُلُوب
ثَبت قلبِي على طَاعَتك فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّك تكْثر أَن تَدْعُو بِهَذَا فَهَل تخشى قَالَ وَمَا يؤمنني يَا عَائِشَة وَقُلُوب الْعباد بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن يقلبها كَيفَ شَاءَ إِذا أَرَادَ أَن يقلب قلب عبد قلبه فَإِذا كَانَت الْهِدَايَة مَعْرُوفَة والاستقامة على مَشِيئَته مَوْقُوفَة وَالْعَاقبَة مغيبة والإرادة غير مغالبة فَلَا تعجب بإيمانك وعملك وصلاتك وصومك وَجَمِيع قربك ذَلِك إِن كَانَ من كسبك فَإِنَّهُ من خلق رَبك وفضله الدَّار عَلَيْك فمهما افتخرت بذلك كنت مفتخرا بمتاع غَيْرك رُبمَا سلبه عَنْك فَعَاد قَلْبك من الْخَيْر أخلى من جَوف العير فكم من رَوْضَة أمست وزهرها يَانِع عميم أضحت وزهرها يَابِس هشيم إِذْ هبت عَلَيْهَا الريح الْعَقِيم كَذَلِك العَبْد يُمْسِي وَقَلبه بِطَاعَة الله مشرق سليم وَيُصْبِح وَهُوَ بِمَعْصِيَة الله مظلم سقيم ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَظِيم ابْن آدم الأقلام عَلَيْك تجْرِي وَأَنت فِي غَفلَة لَا تَدْرِي ابْن أدم دع المغاني والأوتار والمنازل والديار والتنافس فِي هَذِه الدَّار حَتَّى ترى مَا فعلت فِي أَمرك الأقدار قَالَ الربيع سُئِلَ الإِمَام الشَّافِعِي رَحْمَة الله تَعَالَى يُنَادي مُنَاد من قبل الْعَرْش أَيْن فلَان أَيْن فلَان فَلَا يسمع أحد ذَلِك الصَّوْت إِلَّا وتضطرب فرائصه قَالَ فَيَقُول الله عز وجل لذَلِك الشَّخْص أَنْت الْمَطْلُوب هَلُمَّ إِلَى الْعرض على خَالق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فيشخص الْخلق بِأَبْصَارِهِمْ تجاه الْعَرْش وَيُوقف ذَلِك الشَّخْص بَين يَدي الله عز وجل فيلقي الله عز وجل عَلَيْهِ من نوره يستره عَن المخلوقين ثمَّ يَقُول لَهُ عَبدِي أما علمت أَنِّي كنت أشاهد عَمَلك فِي دَار الدُّنْيَا فَيَقُول بلَى يَا رب فَيَقُول الله تَعَالَى عَبدِي أما سَمِعت بنقمتي وعذابي لمن عَصَانِي فَيَقُول بلَى يَا رب فَيَقُول الله تَعَالَى أما سَمِعت