الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد بن محمد
فتح الدين بن البَقَقيّ - بباء موحّدة وقافين مفتوحات -.
كان مقيماً بالديار المصرية يبحث ويناظر ويذاكر بالفوائد المنتقاة ويحاضر، قلّما ناظر أحداً إلا قطعه وأتى به إلى مضيق التسليم ودفعه، إلا أنه مع ذكائه وحرصه في البحث وإعيائه كان يبدو منه من الاستخفاف ما لا يليق، ويظهرُ منه في الظاهر ما لا يحسُن أن يكون في السرّ من الجاثليق، حتى ظهر أنه زنديق، ونبيّن أنه مرتدّ عن الإسلام عن تحقيق؛ لأنه كان يستخفّ بالشرع الذي شهدَت العقول بحسن وصفه، ويستهتر بالقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلْفه.
ولم يزل في جنونه ودَوَران مَنْجنونه، إلى أن أطاح سيفُ الشرع رأسه، وأطفأ ريح القتل نبراسه، وأصبح الفتح قُبحاً، وأورده الذبّ عن الدين القيِّم ذبْحاً، ضرب القاضي المالكي عُنقه بين القصرين سنة إحدى وسبع مئة في شهر ربيع الأول وطيْف برأسه، وكان قد تكهّل، ولما ضرب رأسه بالسيف لم يمضِ قطع رقبته، فتمّم حزّ رقبته بالسكين.
وأخبرني جماعة بالقاهرة عن ابن المحفّدار أنه قال له يوماً: كأني بك وقد ضربت رقبتك بين القصرين، وقد بقي رأسك معلقاً بجلدة، فكان الأمر كما قال.
ومن شعره:
جُبلتُ على حُبّي لها وألفتُه
…
ولا بدّ أن ألقى به الله معلِنا
ولم يخلُ من قلبي بقدْر ما
…
أقول وقلبي خالياً فتمكّنا
قلت: يشير إلى قول القائل:
أتاني هواها قبل أن أعرفَ الهوى
…
وصادف قلباً خالياً فتمكّنا
ومنه:
لحى الله الحَشيشَ وآكليها
…
لقدْ خبُثتْ كما طاب السُّلاف
كما يصبي كذا تضني، وتُشقي
…
كما يَشفي وغايتها الحُرّاف
وأصغر دائها والداء جمّ
…
بغاء أو جنون أو نُشتف
ومنه:
يا منْ يخادعني بأسهم مكْره
…
بسَلاسة نعُمت كلمس الأرقم
اعتدّ لي زَرَداً تضايق نسْجُه
…
وعليَّ عُيونها بالأسهم
ومنه، وقد جلس عند بعض الأطباء ساعة فلم يُطعمه شيئاً، فلما قال:
لا تحسبوا أنّ الحكيم لبخله
…
حمانا الغِدا ما ذاك عندي من البخل
ولكنه لمّا تيقّن أننا
…
مرضنا برؤياه حَمانا من الأكل
ومنه:
أين المراتب في الدنيا ورِفعتها
…
من الذي حاز عِلماً ليس عندهم
لا شكّ أن لنا قَدراً رأوه وما
…
لمثلهم عندنا قَدرٌ ولا لهم
هم الوحوش ونحن الإنس حِكمتُنا
…
تقودهم حيثما شِينا وهم نَعمُ
وليش شيء سوى الإهمال يقطعنا
…
عنهم لأنهم وِجْدانهم عدم
لنا المريحان من علم ومن عدم
…
وفيهم المتعبان الجهلُ والحشمُ
قلت: كأنه نظم هذه الأبيات لما سمع أبيات الشيخ تقيّ الدين بن دقيق العيد رحمه الله تعالى، وهي مما أنشدنيه الحافظ أبو الفتح، قال: أنشدني لنفسه:
أهل المراتب في الدنيا ورفعتها
…
أهل الفضائل مَرْذولون بينهم
فما لهم من تَوَقّي ضرّنا نظرٌ
…
ولا لهم في ترقّي قَدْرينا هِممُ
قد أنزلونا لأنا غير جنسهم
…
منازل الوحش في الإهمال عندهم
فليتنا لو قَدِرنا أن نعرفهم
…
مِقدارهم عندنا أَوْلَو دَرَوهُ هم
لهم مريحان من جاه وفضل غنى
…
وعندنا المتعبان العلم والعَدَم
ومن شعر ابن البَققيّ:
الكُسّ للجُحر غدا
…
مُعانداً في القِدم
فانظره يبكي حَسَداً
…
في كل شهر بدمِ
وما أحسن قول الحكيم شمس الدين محمد بن دانيال:
لا تلُم البَقِّيّ في فعله
…
إن زاغ تضليلاً عن الحقّ
لو هذّب الناموس أخلاقه
…
ما كان منسوباً إلى البقّ