الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمع من ابن الزبيدي ثلاثيات البخاري، وقرأ بالروايات على السخاوي، وسمع منه، ومن العز النسابة وابن الصلاح وابن أبي جعفر.
وكان بصيراً بالعربية، إماماً في مذهب الحنفية. حدث بدمشق والقاهرة.
وفيه زاهد وعفة وإباء، وعنده جودٌ وحياء، دينه متين، وفضله مبين، يقتصد في لباسه، ويتقيه خصمه في الجدال لباسه. ساء خلقه قبل موته، وتوحش من أنس الناس قبل فوته.
انهزم وتكر تدريس البلخية لابنه تقي الدين. وكان قد انجفل من التتار، واستوطن القاهرة. وكان قد عُرض عليه القضاء، فامتنع، وانكمش عن الولاية وانجمع، إلى أن افترش التراب أربع عشرة وسبع مئة.
إسماعيل بن علي
بن أحمد بن إسماعيل
المسند عماد الدين أبو الفضل الأزجي الحنبلي، شيخ الحديث بالمستنصرية من بعداد، المعروف بابن الطبّال.
سمع حضوراً من أبي منصور بن عفيجة سنة أربع، وسمع جامع الترمزي من عُمر بن كرم بإجازته من الكروخي، وسمع ابن أبي الحسن القطيعي وابن روزبه وجماعة.
وأخذ عنه الفرضي، وابن الفوطي، وابن سامة، وسراج الدين القزويني، ابن خلف، وأجاز لشمس الدين الذهبي، وسمع البخاري من ابن القطيعي، ولم يزل يُسمع ويُفيد، وينيل فوائده القريب والبعيد، إلى أن أسمعه داعيه بالرحيل، وأقام ناعيه بالبكاء والعويل.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وسبع مئة في سابع عشر شعبان.
إسماعيل بن علي
السلطان الإمام والعالم الفاضل الفريد المفنّن الملك المؤيد عماد الدين أبو الفداء بن الأفضل بن الملك المظفر بن الملك المنصور صاحب حماة تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي.
وكان أولاً أميراً بدمشق، وخدم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لما كان في الكرك آخر مرة، وبالغ في ذلك، فوعده بحماة، ووفى له بذلك، وأعطاه حماة لما أمر لأسندمر بنيابة حلب بعد موت نائبها قبجق، وجماله صاحبها سلطاناً يفعل فيها ما يشاء من إقطاع وغيره، ليس لأحد معه كلام فيها، ولا يرد عليه مرسوم من مصر بأمر ولا نهي لأحد من نائب أو وزير اللهم إلاّ إن جرد عسكر من مصر والشام جرد منها.
وتوجه من دمشق إليها في جمادى الآخرة سنة عشر وسبع مئة، وأركبه في القاهرة بشعار الملك، وأبهة السلطنة، ومشى الأمراء والناس في خدمته حتى الأمير سيف الدين أرغون النائب، وقام له كريم الدين بكلّ ما يحتاج إليه في ذلك المهمّ من التشاريف والإنعامات على وجوه الدولة وغيرهم، ولقبه بالملك الصالح، ثم إنه بعد قليل لقبه بالملك المؤيد، وذلك لما حج معه في سنة تسع عشرة وسبع مئة، وعاد معه إلى القاهرة، وأذن له أن يُخطب له بحماة وأعمالها على ما كان عليه عّمه المنصور، وكان في كل سنة يتوجه إلى مصر ومعه أنواع من الرقيق والجواهر والخيول المسوّمة وسائر الأصناف الغريبة، هذا إلى ما هو مستمر في طول السنة مما يهديه من التحف والطرف.
وتقدم السلطان إلى نّوابه بالشام بان يكتبوا: يقبل الأرض، وكان الأمير سيف الدين تنكر رحمه الله تعالى يكتب إليه: يقبل الأرضَ بالمقام الشريف العالي المولي السطلاني الملكي المؤيد العمادي، وفي العنوان صاحب حماة، ويكتب السلطان إليه أخوه محمد بن قلاوون أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي
السلطاني الملكي المؤيدي العمادي، بلا مولوي. وكان الملك المؤيد يقول: ما أظن أني أكمل من العمر ستين سنة فما في أهل بيتي، يعني بيت تقي الدين من كملها.
وكان الملك المؤيد رحمه الله تعالى قد نزل في مكان المكارم، وعمر في الشجاعة بيتاً في اقنا والصوارم، يتصبَّب جوداً سماحه، ويتضببُ بالبأس ذبله وصفاحُه، له حنوّ زائد على أهل الفضائل، وتطلع إلى إنشاء الفوائد وإثارة ذُبله وصفاحُه، له حنو زائد على أهل الفضائل، وتطلع إلى إنشاء الفوائد وإثارة المسائل، آوى إليه أمين الدين الأبهري فبهره جوده، وغمره نائله وعمته وفوده، وتصدر في مجلسه قاعداً، ووقفت لديه جنوده، ولوى الحظ المدبر جيده إليه، ونشرت بُروده، ومدحه شعراء عصر، وحملوا أبكار أفكارهم إلى قصره، ففازوا بالمهور الغالية، وحازوا الأجور العالية، ورتب لجماعة منهم في كل سنة شيئاً قرره، وبذلاً رتبه في ديوانه وحرره، منهم شاعره الشيخ جمال الدين محمد بن نباتة، وكان رابته في السنة عيه مبلغ ست مئة درهم لا بد من وصوله ودخوله في حوزته وحصوله، غير ما يهديه إليه في أثناء السنة، وتتضاعف فيه الحسنة، ورتب لأسد اليهودي الذي تقدم ذكره راتباً كفاه، وملأ كف رجائه وسدَّ فاه.
وكان قد امتزج من العلوم بفنونها، وأخذ منها نخبة فوائدها وحاسن عيونها، فنظم الحاوي في الفقه، ولو لم يعرفه جيداً ما تصرف معه في نظمه، ولا اقتدر على تسيير نجمة. وله تاريخٌ جوده، وبيض به وجه الزمان لما سوده. وكتاب الكناش مجلدات، وفوائد العلم فيه مخلدات، وكتاب تقومي البلدان، قال
الإحسان بقوله فيه ودان، وجدوله وهذبه، وجد له فأتقنه لما وضعه ورتبه، وقد أجاد فيه ما شاء، ونزل تجويده في الأفاضل في صميم الأحشاء. وله كتاب الموازين وهو صغير، وصوب إفادته غزير، وله غير ذلك.
ونظم القريض والموشح، واستخدم المعاني وأهلها ورشح. وكان يعرف علوماً جمة، وفضائل يستعير البدر منها كماله وتمه، وأجود ما يعرفه الهيئة، فإذا اشتبك الجدال عليه فره إليها وفيئه.
وكانت عنده كتب نفيسة ملوكية قد حوتها خزانته، وأمده على اقتنائها انتقاؤه وفطانته، فملك منها الجواهر اليتيمة، والزواهر التي هي في أفقه مقيمة، وعلى كل حال فكان لسوق الفضل عنده نفاق، وللعلم عنده تحقيق وصدق دون نفاق، وللزمان به جملة جمال انساقت باقيا، وبدُرٍ لا يزال في مطالع السعود راقياً، وسلف سُلافه من الجود يطوب بها إحسانه على العفاة ساقياً، وفضلات فضل طالما أنشدها مؤملوه:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
…
يظنانّ كل الظن أن لا تلاقيا
ولم يزل في ملكه ومسير فلكه إلى أن أصبح المؤيد وقد تخذل، ورئي في معرك المنايا، وقد تجدل.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وسبع مئة، سحر يوم الخميس الثالث والعشرين من المحرم، ودفن ضحوة النهار عند تربة والده ظاهر البلد، في الكهولة، ولم يكمل الستين.
ولما مات رحمه الله تعالى فرق كتبه على أصحابه، ووقف منها، ورثاه الشعراء.
أنشدني من لفظه لنفسه الشيخ جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة:
ما للندى لا يلبي صوت داعيه
…
أظن أن ابن شادٍ قامَ ناعيه
ما للرجاء قد اشتدت مذاهبه
…
ما للزمان قد اسودت نواحيه
نعى المؤيد ناعيه فيا أسفا
…
للغيث كيفَ غدت عنّا غواديه
ومن شعره، وقد غنى الناس به مدة:
اقرأ على طيب الحيا
…
ة سلامَ ذابَ حزنا
واعلم بذاكَ أحبةً
…
بخلَ الزمانُ بهم وضنّا
لو كان يُشرى قربهم
…
بالمال والأرواح جُدنا
متجرّع كاسَ الفرا
…
قِ يبيتُ للأشجانِ رهنا
صب قضى وجداً ولم
…
يُقضى لهُ ما قد تمنى
ومنه أيضاً:
كم من دمٍ حللت وما ندمت
…
تفلُ ما تشتهي وما عُدمت
لو أمكنَ الشمس عند رؤيتها
…
لثم مواطي أقدامها لثمت
ومنه:
سرى مسرى الصبا فعجبتُ منه
…
من الهجرانِ كيف صبا إليا
وكيفَ ألم بي من غيرِ وعدٍ
…
وفارقني ولم يعطف عليا
وأنشدني من لفظه جمال الدين محمد بن نباتة، قال: أنشدني معزا لدين محمود بن
حماد الحوي كاتب السر بحماة لمخدومه السلطان الملك المؤيد، ونحن بني يديه، وهو مليح غاية:
أحسن به طرفاً أفوتُ به القضا
…
إن رمته في مطلبٍ أو مهرب
مثل الغزالةِ ما بدت في مشرقٍ
…
إلا بدت أنوارُها في المغرب
قال: وأنشدني له هذا الموشح أيضاً له:
أوقعني العُمرُ في لعل وهل
…
يا ويحَ من قد مضى بهل ولعل
والشيبُ وافى وعنده نزلا
…
وفر منهُ الشباب وارتحلا
ما أوقح الشيبَ الآتي
…
إذا حل لا عن رمضاتي
قد أضعفتني الستونَ لا زمني
…
وخانني نقصُ قوةِ الزمن
لكن هوى القلبِ ليس ينتقصُ
…
وفيه مع ذا من حرصهِ غصصُ
يهوى جميعَ اللذاتِ
…
كماله من عاداتِ
يا عاذلي لا تطل ملامكَ
…
لي فإن سمعي ناءٍ عن العذل
وليس يُجدي الملام والفندُ
…
فيمن صبابات عشقه عددُ
دعني أنا في صبواتي
…
أنتَ البري من زلاتي
كم سرني الدهرُ غير مقتصر
…
بالكاسِ والغانياتِ والوترِ
يًمزج في طيبِ عيشنا الرغد
…
طرفي وروحي وسائر الجسد
وكم صفت لي خطراتي
…
وطاوعتني أوقاتي
مضى رسولي إلى معذبتي
…
وعادَ في بهجة مجدّدة
وقال: قالت: تعالَ في عجلِ
…
بمنزلي قبل أن يجي رجُلي
واصعد وجز من طاقاتي
…
ولاتخف من جاراتي
قلتُ: وهذه الموشحة جيدة في بابها، ومتحيّدة عن طلاّبها، وقد عارض بوزنها موشحة لابن سناء الملك رحمه الله تعالى وأولها:
عسى ويا قلما تفيدُ عسى
…
أرى لنفسي من الهوى نفسا
مذ بانَ عني من قد كُلفتُ بهِ
…
قلبي قد ذاب في تقلبه
وبي أذى شوقِ عاتي
…
ومدمعي يومٌ شات
لا أترك اللهو والهوى أبداً
…
وإن أطلتُ الملامَ والفندا
إن شئت فاعذل فلستُ أستمعُ
…
أنا الذي في الغرامِ أتبعُ
وتُحذى صباباتي
…
وبدعي وعاداتي
بي ملك في الجمال لا بشرُ
…
يُظلمُ إن قيل: إنه قمرُ
يحسنُ فيه الولوع والوالهُ
…
وعز قلبي في أن أذل لهُ
خدي حذا لمن يأتي
…
ويرتعي حشاشاتي
لست أذم الزمان معتديا
…
كم قد قطعتُ الأيامَ ملتهيا
وظلتُ في نعمةٍ وفي نعمِ
…
يلتذ سمعي وناظري وفمي
ولا قذى في كاساتي
…
ومرتعي في الجناتِ
وغادةِ ديُنها مخالفتي
…
ولا ترى في الهوى محالفتي
وتستبيني ولستُ أسمعُها
…
فقلتُ قولاً عساهُ يخدعُها
ما هو كذا يا مولاتي
…
اجري معي في مأواتي
وموشحة السلطان رحمه الله نقصت عن الموشحة ابن سناء الملك قافيتين، وهي الذال في كذا، والعين في معي، وخرجة ابن سناء الملك أحر من خرجة السلطان وأحلى.
وشيخا العلامة شهاب الدين محمود فيه أمداح طنانة، فمنها ما أنشدنيه إجازة:
ميعادًُ صبري وسلوي المعاد
…
فالحُ امرأ يُسليه طولُ البعاد
ولا تلم من دمع أجفانه
…
إن ظن صرفَ الدهر بالقربِ جاد
فبينَ جفني والكرى نفرة
…
وبنيَ قلبي والغرامِ اتحاد
فلا تعد بالنومِ جفني فما
…
يرجعُ يوماً برقاك الرُقاد
إن ترد علم بديع الهوى
…
فأتِ لي عندي فعندي المراد
جانس رعي النجم مُستيقظاً
…
لي في الدجا بين السها والسُّهاد
وطابقَ الشوقُ لهيبي فما
…
دمعي فظلاً بينَ خافٍ وباد
وقسم الوجدُ غرامي كما شادَ أعضائي على ما أراد
فمقلتي للدمعِ والجسمِ للأس
…
قامِ والقلبِ لحفظِ الوداد
وفرغ الحب الضنى في الحشا
…
عن مقلس فيها منايا العباد
فما ظبى أرهفها فينُها
…
ليومِ حربٍ من سوفٍ حداد
وقلتُ بأمضى من جفونس بدت
…
من كحلٍ خالطها في حداد
فهو كما قالوا ولكنه
…
يعرف ممن ودّه في ازدياد
يا راكباً يفري جوادَ الفلا
…
على أمُون جسرةٍ أو جواد
يسري فتبديه ظهورُ الربا
…
طوراً وتخفيه بطوف الوهاد
مدرعاً فوق الربا بالدجا
…
مثلَ خطيبٍ في شعار السواد
معتسفاً ليسَ له إن خبت
…
أشعةُ النجم سوى الشوق هاد
بلى ونشرٌ عاطرٌ مر من
…
حماة في المسرى إلى خير ناد
قبل ثراها إذ تراها وكرّ
…
ره فأحلى اللَّم لثمٌ مُعَاد
حيثُ الندا والفضل بادي السنا
…
والعدل والمعروف واري الزناد
أضحت وقد شيد أرجاءها الم
…
ولى عماد الدين ذات العماد
حمى حماها بأسه والندى
…
فأهلها من عدله في مهاد
وإن يطل عهدُ الرّبا والحيا
…
جدد بالجودِ عهودَ العُهاد
من حاتم يوم القرى والندا
…
من عامرٌ يومَ الوغى والجلاد
من أحنفٌ في الحلمِ دع ذكره
…
ولا تقس قساً به في إياد
عالي المدا داني الندى باسلٌ
…
أروع بسامٌ طويلُ النجاد