الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدر الأمير بدر الدين أبو المحاسن الطَّواشي الحبشي الصوابي، وهو منسوب إلى الطواشي صواب العادلي.
كان إقطاعه مئة فارس، حج بالناس غير مرة، وأقام أميراً مقدّماً أكثر من عشرين سنة، وقرأ عليه الشيخ شمس الدين الذهبي جزءاً سمعه من ابن عبد الدايم، وكان بالشجاعة موصوفاً، وبالفروسية معروفاً، قد مارس الحروب، وعرف الفَرَّ والكَرَّ على الكروب، يطرق ويتعقل، ويدور على مَظانّ الصواب بفكره ويتنقّل، مع التثبت والرزانة، وملازمة الخير والديانة، ومواصلة البِرّ، وإسداء المعروف في الجَهْر والسر، يَعِمّ غلمانه وأصحابه بنواله، ويغنيهم بجوده عن سؤاله.
ولم يزل على حاله إلى أن انمحق بدره وانطبق عليه قبره.
وكانت وفاته فجأة بقرية الخيارة ظاهر دمشق، ونقل ودفن بتربته التي بناها بلحف الجبل شمالي الناصرية، وذلك سنة ثمان وتسعين وست مئة في جمادى الأولى، وقد نيّف على الثمانين.
اللقب والنسَبُ
البَدري نائب صفد وحمص وغيرهما، الأمير سيف الدين بلبان، وأولاده: الأمير سيف الدين محمد الحاجب، والأمير علاء الدين عليّ.
البدري نائب حلب، الأمير سيف الدين بيدَمُر.
بُرَاق الشيخ الفقيه كبير الطائفة المنسوبين إليه. وَرَدَ إلى دمشق سنة خمس وسبع مئة، وقيل: سنة ست في جمادى الأولى في زمن الأفْرَم، ومعه جماعة كبيرة من أتباعه بعُدّة وافرة، كانوا مئة، وكان من جملة مريدي شيخٍ كان في بلاد الروم، ولما ورَد خرج القاضي قطب الدين ناظر الجيش إلى القابون وعَرضهم واستمساهم وحَلاّهم وعَدّهم، وجُهّزت بذلك ورَقة طيّ المطالعة إلى أبواب السلطان، وكان شعاره حَلْق الذقن كلها، وتَرْكُ الشارب فقط، وحَمْل الجوكان على الكتف، ولكل منعم قَرناً لُبّادٍ يُشبهان قَرنَي الجاموس، وهو مقلَّد بحبل كعاب بقر قد صبغت بالحنّاء، وعليهم الأجراس، وكلّ منهم مكسور التثنيّة العليا، إلا أنه كان يلازم العبادة والصلاة، وكان معه محتسبٌ يؤدّب أصحابه، كل من ترك منهم سُنةً من السنن ضربه عشرين عَصا تحت رجليه، ومعه طبلخاناه، وقيل له: يا شيخ لأي شيء ظهرت بهذا الشعار؟ قال: أردت أن أكون مسخَرةً للفقراء.
وأول ما ظهر بتلك البلاد ذُكر للقان غازان، فأحضره وسلّط عليه سَبُعاً ضارياً، فركب على ظهره، ولم ينل منه شيئاً، فأعظَمَ ذلك غازان، ونَثَر عليه عشرة آلاف دينار رائج، فلم يتعرض لشيء منها.
ولما أراد الدخول على الأفرم إلى الميدان أرسلوا عليه نعامة كان قد عَظُمَ أمرُها وتفاقم شرُّها، فلا يكاد أحدٌ يقاومها، فلمّا عرضوه لها قصدته، فتوجه إليها وركب
عليها فطارت به في الميدان تقدير خمسين ذراعاً، إلى أن قرُبَ من الأفرم، فقال له: أطير لها إلى فوق شيء آخر؟ فقال: لا. ثم إن الأفرم أحسن تلقّيه وأكرمَ نُزُله، وطلب التوجُه إلى القدس، فرتّب له رواتب في الطرقات، فما قبلها، وأعطاه الأفرم من خزانته ألفي درهم، فما قبضها، وأخذها جماعته، وزار القدس، وأظنّه طلب الدخول إلى مصر فما مُكِّن، وعاد ودخل البلاد وتوجّه صحبة قطليجا نائب غازان إلى جبال كيلان لمّا حاربهم غازان بسبب ما طلبه منهم من فتح الطريق إلى بلاده وقالوا له: لا سبيل إليه لأنه يضرّنا، فأمسكوه وقالوا: أنت تقول إنك مسلمٌ وشيخ من الفقراء، وتحضر مع هؤلاء أعداء الدين، وسَلَقوه في دَسْت، وألقوه بعد ذلك في طَسْت، وذلك في سنة سبع وسبعُ مئة.
وكانوا أشكالاً غريبة، ولهم أحوال عجيبة. تفِرّ العقولُ إذا أقبلوا، وتتعجب منهم إذا نقَّروا وطبّلوا. تتحرك عليهم تلك الكعاب، ويهول مرآهُمُ العجوز والكَعَاب، قرونٌ من اللبّاد معقّفَه، وشوارب فوق شفاههم موقّفه، وعلى أكتافهم تلك الجواكين، وهيأتهم كما يقال: ما تنقطع بالسكاكين، إذا خطروا صوّتت تلك الأجراس وجعلوا ربوع العقول في عداد الأدراس، قصَّهمُ الناس في الخيال ورقّصوهم، وبخسوهم ما قصدوا به ونقصوهم، واشتغل الناس بهم زماناً بعد ذهابهم، ونظموا فيهم أشعاراً لم تكن داخلة في حسابهم.
أنشدني من لفظه الشيخ يحيى الخبّاز الحموي قال: أنشدني من لفظه لنفسه سراج الدين المحّار:
جَتْنَا عجم من جُوّا الروم
…
صُوَر تحير فيها الأفكار
لهم قرون مثل الثيران
…
إبليس يصيح منهم زنهار
كل واحد لُو شارب
…
طويل ودقنو محلوقهْ
كِنُّو على فمه غرّه
…
بلا خياطة ملزوقهْ
أقوام خوارج غيريّه
…
مثل البهائم مَرْزوقهْ
شيء ما نظرناه في الدنيا
…
ولا سمعناه في الأخبار
ما أنزل الله بو من سلطان
…
ولا رضي عنُّو المختار
الشيخ براقَ الّي اغواهم
…
واختار لهم هذا الحُلاّس
أكسى المريد منهم قرنين
…
وأعطاه قلاده من أجراس
وأمّا الكعاب المصبوغة
…
قال هي سُبَح هذي الأجناس
وأيا مكان حَلّوا فيه
…
يسبّحوا تسبيح الغار
وإن زَفَروا تَسْمع أصوات
…
مقارع أهل النار في النار
أعزّ من تبصر فيهم
…
قبض الدكاكين في الأسواق
خَذْ من صغرهم عوّدهم
…
لحس الزبادي والأمراق
ما يعرفوا آداب الناس
…
ولا إيش يكون حُسن الأخلاق
ومحتسبهم قال لي إنسان
…
كان يربّيه واحد خمّار
تعِبْ عليه حتى انُّوجا
…
مثلو محارف قُودِ بشْلار
جازوا القرم وراموا فيها
…
غارة في سوق الجزارينْ
على اللوايا المعلوفه
…
وأكثرها مع ذا السلاّخينْ
وراح يجردهم ماعُو
…
دائم في سوق الطباخين
ويطلب البنجك منهم
…
المخبوز الخاص والخُشكار
وهو يدور بين البلدان
…
دائم ويعمل ذا البيكار
يا شيخ براق والله إنك
…
قد جيت في الدنيا بدعهْ
وما رأيناك في جامع
…
صَلّيت سوا إن كان جمعهْ
وكان مرادك أن تُشهر
…
لك في بلاد الشام سُمْعَهْ
وجئت إليهم في حاله
…
ظهر عليك فيها إنكار
وما رأينا من قبلك
…
فقير بسبعين جوكندار
يا من لا يتحقّق شكلو
…
أقِف تقل لك كيف وصفُو
إنسان قرونو فوق راسو
…
وجوكانو من فوق كتفُو
وسيف خشب مغمود ماعو
…
والطبلخانه من خلفو
يُصَنّجُو بالصّينيّة
…
والطبل مُكَّه والمزمار
شيء تضحك الناس من فعلو
…
وقط ما يُرضي الحُضّار
يا شيخ براق إن كان تعمل
…
شغل الفقيري من حَقّا
تقوّ من زاد التقوى
…
واركب طريق أهل الخرقا
ولا تغرّك ذي الدنيا
…
والآخرة خير لك وأبقى
ونْ كان في عزمك تبقى
…
حليق وما تخشى من عار
الواجب إنك تتبّع
…
طريق حميد المَحّار
إِنت الغريب جيت في فنك
…
وَنَا الوحيد جيت في فني
نظمت أحسن ما يُنقَل
…
عنك وما يُرْوى عني
قطعة ما يسمعها إنسان
…
إلا ويطلبها منّي
تبقى على مرّ الأزمان
…
تدور على روس الأدوار
وكنيتي ما احلا ماجت
…
مخفيّة بين هذي الأسطار
قال شيخنا علم الدين البرزالي: كان من قرية من قرى دوقات، وكان أبوه صاحب إمرة وولاية، وكان عمّه كاتباً مجيداً معروفاً، وسافر هو - يعني بُرَاق - وخدم الشيخ شريق القرمي وتتلمذ له، وهو الذي سمّاه بهذا الاسم فإنه أكل من قَيْئه فقال له: أنت برقي، وهي بالقبجاقية:" كَلْبٌ ". قال: وممّا يثنى به عليه أنه هو وجماعته يلازمون الصلاة، ومَنْ فاتته صلاة في وقتها ضُرب أربعين سوطاً، ولهم ذكر بين العِشائَيْن، وكَرَمُهُ زائد.
بُراق الأمير سيف الدين أمير آخور الإسطبل بدمشق المحروسة.
أصله من مماليك الأفْرَم - فيما أظن - وولي هذه الوظيفة بعد شهاب الدين الصوابي لمّا مات في سنة تسع وعشرين وسبع مئة، وأقام فيها إلى أن مرض بعلة الاستسقاء.
وتوفي رحمه الله تعالى في يوم الجمعة ثامن عشري شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين.
وكان جيّداً خيّراً يتغالى في محبّة الشيخ تقي الدين بن تيميّة وأصحابه، ويحفظ كثيراً من الأحاديث. وكان كثيرَ الشفقة على خيل البريد إلى الغاية، لا يسمح بخروج الفرس من عنده إلاّ بَعْد شدة شديدة ومدة مديدة. ولمّا وَرَد السلطان الملك الصالح صّالح إلى دمشق في سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة رسم له بعشرة، وكان من جملة أمراء
العشرات بدمشق، وهو الذي وقف المحيّا في جامع الأمير سيف الدين تنكز بدمشق، ووقف عليه حوانيت بحمص.
البِرزالي: الشيخ علم الدين القاسم بن محمد بن يوسف، وبهاء الدين محمد بن يوسف بن محمد.
بَرَسْبُغا الأمير سيف الدين الحاجب الناصري.
ولاّه أستاذه الملك الناصر الحجوبيّة، فكان دون الأمير بدر الدين أمير مسعود، بن الخطير، ثم إنه بعد قليل عظم عند السلطان، وكان يجهّزه كاشفاً. ثم إنه لمّا أُمسك النشّو ناظر الخاص وأقاربُه وجماعته سلّمهم إليه، فعاقبهم وصادَرَهم، ولم يكن له غرض في إتلافهم، ولكن أمسكه يوماً الأمير سيف الدين بُشْتاك وتوعّده على عدم إتلافهم، فهلكوا عنده في العُقوبة. ثم إنه حضر مع الأمير بُشتاك إلى دمشق بعد إمساك الأمير سيف الدين تنكز، وسُلّم إليه أهلُ البلد المصادرون وجماعة تنكز، فعاقبهم واستخرج الأموال منهم، وكان مقيماً بالنجيبيّة على الميدان، وكان يعاقب الناس في النهار والليل، ولم يكن في نفسه ظالماً ولا شريراً، لأنني أنا كتبتُ عنه إلى الأمير سيف الدين قوصون عدة مطالعات وهو يقول فيها: يا خوند أدركْ أهل دمشق، وادخُل فيهم الجنة، فإنني بَسَطتُ عليهم العقاب، وأخذت جميع ما يملكونه، ولم يبق معهم شيء، وهؤلاء ما هم مثل أهل مصر بل هم أناس محتشمون ما يحملون إهانة، ويكتب إلى السلطان أيضاً ببعض ذلك.
ولمّا حضر أولاً من مصر حضر معه مقدّم يَضرب بالمقارع، فلما رآه بعد يومين وهو نَحس في حق المصادرين نفاه، وقال: متى بِتَّ في دمشق قتلتك.
ولم يَزَل يتلطَّف إلى أن رُسم بالعَود إلى مصر، وكان قد أقام بعد بشتاك مُدَيْدة، فتوجّه، ولم يزل على ذلك والسلطان يسلّم إليه المصادَرين. وهو الذي ضرب الصاحب أمين الدين إلى أن مات.
ومات السلطان وتولّى ولده الملك المنصور أبو بكر، فانتحس عنده وعند قوصون، وأريد إخراجه إلى الشام، ثم إنه تدارك أمرَه عند قوصون فرضي عليه. ولما ملك الأشرف كجك بعد المنصور وجاء الفخري إلى دمشق أُخرج بَرَسْبُغا في جماعة من العسكر المصري إلى غزة فَوَصل إليها، وأقام بغزة مدة إلى أن وصل إليه الأمير علاء الدين ألطنبغا مهزوماً، فتوجه معه، فلمّا قاربوا مصر أُمسك الأمير سيف الدين قوصون وجُهّز إليهم من أمسكهم، فهرب بَرسْبُغا إلى جهة الصعيد فجُهز وراءه من أمسكه، وأحضره ولمّا وصل إلى القاهرة جُهّز إلى الإسكندرية واعتُقل بها، وبقي هناك إلى أن حضر الناصر أحمد من الكرك، وجاء الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري، والأمير سيف الدين طشتمر حمّص آخضر، فجُهز الأمير شهاب الدين أحمد بن صبح إلى الإسكندرية، فتولى قَتْلَ ألطنبغا وقوصون وبُرُسبغا، وذلك في شوال سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة.
وكان بَرسبغا - كما تقدم - ليّنَ الجانب سليم الباطن، يُرى وهو للظلم مجانب، تغلبه الرقة والرحمة، وتستولي عليه الشفقة على من تنزل به النقمة، إلاّ أنه كان يلجأ