المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحمد بن يحيى بن فضل اللهبن المجلي بن دعجان - أعيان العصر وأعوان النصر - جـ ١

[الصفدي]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الهمزة

- ‌أباجيالأمير سيف الدين، النائب بقلعة دمشق

- ‌إبراهيم بن أحمد بن هلال

- ‌إبراهيم بن أحمد بن عقبة بن هبة الله بن عطاء

- ‌إبراهيم بن أحمد بن حاتم بن علي

- ‌إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن يعقوب

- ‌إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن بن أحمد

- ‌إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي

- ‌إبراهيم بن أحمد بن ظافر

- ‌إبراهيم بن أحمد بن أبي الفتح بن محمود

- ‌إبراهيم بن أحمد القاضي

- ‌إبراهيم بن أحمد بن محمد بن سليمان

- ‌إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيمبن أبي اليُسر شاكر بن عبد الله

- ‌إبراهيم بن منير

- ‌إبراهيم شاه بن بارنباي

- ‌إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل

- ‌إبراهيم بن أبي بكر بن عبد العزيز

- ‌إبراهيم بن أبي بكر بن أحمدبن يحيى بن هبة الله بن الحسين بن يحيى بن محمد بن علي

- ‌إبراهيم بن حباسة

- ‌إبراهيم بن الحسين بن صدقة بن إبراهيم

- ‌إبراهيم بن الحسن بن عليبن عبد الرفيع الرَّبَعي المالكي

- ‌إبراهيم بن خالد بن عباس الأنصاريالدمشقي

- ‌إبراهيم بن صابر

- ‌إبراهيم بن سليمان

- ‌إبراهيم بن سليمان بن أبي الحسن بن ريان

- ‌إبراهيم بن صالح بن هاشم

- ‌إبراهيم بن عبد الله

- ‌إبراهيم بن عبد الرحمنبن أحمد بن محمد

- ‌إبراهيم صارم العوّاد

- ‌إبراهيم بن عبد الرحيمبن عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد ابن نصر

- ‌إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌إبراهيم بن عبد الرحمن بن نوح بن محمد

- ‌إبراهيم بن عرفات بن صالح

- ‌إبراهيم بن علي الأجل أبي هاشم

- ‌إبراهيم بن علي بن خليل الحراني

- ‌إبراهيم بن علي القاضي جمال الدين بن شمس الدين ابن شيخ السلامية الكاتب

- ‌إبراهيم بن علي بن أحمد بن حمزة بن علي

- ‌إبراهيم بن علي بن أحمد بن يوسف بن علي بن إبراهيم

- ‌إبراهيم بن علي بن أحمد بن عبد الواحد

- ‌إبراهيم بن عمر بن إبراهيم

- ‌إبراهيم بن عيسى

- ‌إبراهيم بن أبي الغيث

- ‌إبراهيم بن فلاح بن محمد بن حاتم

- ‌إبراهيم بن محمد بن إبراهيم

- ‌إبراهيم بن قروينة

- ‌إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمود

- ‌إبراهيم بن محمد بن سعيد

- ‌‌‌‌‌إبراهيم بن محمد

- ‌‌‌إبراهيم بن محمد

- ‌إبراهيم بن محمد

- ‌إبراهيم‌‌بن محمد بن أحمد

- ‌بن محمد بن أحمد

- ‌‌‌إبراهيم بن محمد

- ‌إبراهيم بن محمد

- ‌إبراهيم بن محمد بن يوسف

- ‌إبراهيم بن محمد بن ناهض

- ‌إبراهيم بن محمود بن سلمانبن فهد الحلبي

- ‌إبراهيم بن هبة الله بن علي

- ‌إبراهيم بن أبي الوحش

- ‌إبراهيم بن لاجين بن عبد الله

- ‌إبراهيم بن يونس

- ‌إبراهيم بن يحيى

- ‌إبراهيم بن يوسف

- ‌جمال الكفاة

- ‌إبراهيم القاضي جمال الدين

- ‌إبراهيم الحايك

- ‌الألقاب والنعوت

- ‌‌‌أحمد بن إبراهيم

- ‌أحمد بن إبراهيم

- ‌أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن

- ‌‌‌أحمد بن إبراهيم

- ‌أحمد بن إبراهيم

- ‌أحمد بن إبراهيم بن صارو

- ‌‌‌أحمد بن إبراهيم

- ‌أحمد بن إبراهيم

- ‌أحمد بن إبراهيم بن سباع بن ضياء

- ‌أحمد بن إبراهيم بن معضاد بن شداد

- ‌أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن شرف

- ‌أحمد بن إبراهيم بن فلاحبن محمد بن حاتم بن شداد

- ‌أحمد بن أحمد بن محمد بن عثمان

- ‌أحمد بن أحمد بن عطاء

- ‌أحمد بن أحمد بن الحسين

- ‌أحمد بن إدريس بن محمدبن مفرج بن مزيز

- ‌أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد

- ‌أحمد بن إسماعيل بن منصور

- ‌أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم

- ‌أحمد بن أوحد

- ‌أحمد بن أيبك

- ‌أحمد بن بدليك

- ‌أحمد بن بكتمر

- ‌‌‌أحمد بن أبي بكر

- ‌أحمد بن أبي بكر

- ‌‌‌أحمد بن أبي بكر

- ‌أحمد بن أبي بكر

- ‌أحمد بن أبي بكر بن منصور

- ‌أحمد بن أبي بكر بن حرز الله

- ‌أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن برق

- ‌أحمد بن أبي بكر بن ظافر الخطيب

- ‌أحمد بن بلبان

- ‌أحمد بن بيلبك

- ‌أحمد بن أبي بكر

- ‌أحمد بن حامد بن عُصبة

- ‌أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن علي

- ‌أحمد بن الحسن

- ‌أحمد بن الحسن بن محمد

- ‌أحمد بن حسن

- ‌أحمد بن زكريا بن أبي العشائر

- ‌أحمد بن خليل

- ‌أحمد بن سعد بن محمد

- ‌أحمد بن سليمان بن محمد بن هلال

- ‌أحمد بن سليمان بن أحمد بن الحسن القبي

- ‌أحمد بن عبد الله

- ‌أحمد بن عبد اللهابن أحمد بن إبراهيم بن المسلم

- ‌أحمد بن سليمان

- ‌أحمد ابن سلامة

- ‌أحمد بن طيبغا

- ‌أحمد بن عباس

- ‌أحمد بن العباس بن جَعوان

- ‌أحمد بن عبد الله

- ‌أحمد بن عبد الله بن الزكي

- ‌أحمد بن عبد الله بن عبد الله بن مهاجر

- ‌كتب التفسير

- ‌كتب الأصول

- ‌كتب أصول الفقه

- ‌كتاب الفقه

- ‌كتب في أنواع شتى

- ‌أحمد بن عبد الحميد

- ‌أحمد بن عبد الدائم

- ‌أحمد بن عبد الرحمن

- ‌‌‌أحمد بن عبد الرحمن

- ‌أحمد بن عبد الرحمن

- ‌‌‌أحمد بن عبد الرحمن

- ‌أحمد بن عبد الرحمن

- ‌أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله

- ‌أحمد بن عبد الرزاق الخالدي

- ‌أحمد بن عبد القادر

- ‌أحمد بن عبد القوي بن عبد الرحمن

- ‌أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم

- ‌أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنائم

- ‌أحمد بن عبد المحسنبن الحسن بن معالي

- ‌أحمد بن عبد المحسن بن الرفعة

- ‌أحمد بن عبد الواحد

- ‌بن عبد الكريم

- ‌‌‌أحمد بن عبد الوهاب

- ‌أحمد بن عبد الوهاب

- ‌أحمد بن عبد الله بن جبريل

- ‌أحمد بن عثمان بن قايماز

- ‌أحمد بن عثمان بن أبي الرجاء

- ‌أحمد بن عثمان بن إبراهيم

- ‌أحمد بن عثمان بن مفرّج بن حامد

- ‌الأديب النظّام شهاب الدين الأمشاطي

- ‌أحمد بن عسكر بن شدّاد

- ‌أحمد بن علي بن عبد الوهاب

- ‌أحمد بن علي بن عبد الله

- ‌أحمد بن علي بن هبة الله

- ‌أحمد بن علي

- ‌أحمد بن علي بن أحمد

- ‌أحمد بن علي بن عُبَادة

- ‌أحمد بن علي بن وهب

- ‌أحمد بن علي بن الزبير

- ‌أحمد بن علي بن نصر بن عمر

- ‌أحمد بن علي بن محمدبن سلمان بن حمائل

- ‌أحمد بن عمر بن زهير

- ‌‌‌أحمد بن عمر بن عبد الله

- ‌أحمد بن عمر بن عبد الله

- ‌أحمد بن عُمر بن داود الصفدي

- ‌أحمد بن عيسى

- ‌أحمد بن فَرْح

- ‌أحمد بن محسِّن

- ‌‌‌‌‌‌‌أحمد بن محمد بن إبراهيم

- ‌‌‌‌‌أحمد بن محمد بن إبراهيم

- ‌‌‌أحمد بن محمد بن إبراهيم

- ‌أحمد بن محمد بن إبراهيم

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد

- ‌أحمد بن محمد بن الرفعة

- ‌أحمد بن محمد بن سعد

- ‌أحمد بن محمد بن سالمبن أبي المواهب

- ‌أحمد بن محمد بن سلمان بن حمايل

- ‌أحمد بن محمد بن عبد الله

- ‌أحمد بن محمد بن جبارة

- ‌أحمد بن محمد بن عبد الرحمن

- ‌أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي

- ‌أحمد بن محمد بن عطاء الله

- ‌أحمد بن محمد بن علي بن جعفر

- ‌أحمد بن محمد بن علي بن يوسف

- ‌أحمد بن محمد بن أبي القاسم

- ‌أحمد بن محمد بن قُرْصة

- ‌أحمد بن محمد

- ‌أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله

- ‌أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله

- ‌أحمد بن محمد بن محمد

- ‌أحمد بن محمد بن أبي الحزم مكّي

- ‌أحمد بن محمد بن أبي بكر

- ‌أحمد بن محمد

- ‌أحمد بن محمد بن قلاوون

- ‌أحمد بن محمد بن عثمان

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان

- ‌أحمد بن عباس بن جَعْوان

- ‌أحمد بن محمد بن قطّينة

- ‌أحمد بن محمد بن محمد بن علي

- ‌أحمد بن محمد بن إسماعيل الإربلي

- ‌أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد

- ‌أحمد بن محمد بن إبراهيمبن علي الرقي

- ‌أحمد بن محمدالزقاقبن أحمد بن محمود بن الزقاق

- ‌أحمد بن محمد بن يوسف

- ‌أحمد بن مسلم بن أحمد

- ‌أحمد بن محمود

- ‌أحمد بن محمود بن عبد السيد

- ‌أحمد بن محمد بن مري

- ‌أحمد بن مسعود بن أحمد

- ‌أحمد بن المسلم بن محمد

- ‌أحمد بن مظفر بن مزهر

- ‌أحمد بن مظفر بن أبي محمد

- ‌أحمد بن مكي قبجق

- ‌أحمد بن منصور بن أسطوْراس

- ‌أحمد بن مهنا بن عيسى

- ‌أحمد بن موسى بن عيسىبن أبي الفتح

- ‌أحمد بن موسى بن محمد بن أحمد

- ‌أحمد بن نصر الله بن باتكين

- ‌أحمد بن نعمة بن حسن البقاعيالديرمقري الدمشقي

- ‌ابن هبد الله بن أحمد بن عساكربن نح بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر

- ‌أحمد بن ياسين الربّاحيقاضي القضاة المالكي بحلب

- ‌أحمد بن يحيى السُّهْرَوَرْدي

- ‌أحمد بن يحيى بن فضل اللهبن المجلّي بن دعجان

- ‌أحمد بن يعقوب بن أحمد بن يعقوب

- ‌أحمد بن يوسفبن هلال بن أبي البركات

- ‌أحمد بن يوسف بن يعقوب

- ‌أحمد بن يوسف بن عبد الدايم

- ‌أحمد شهاب الدين الفاضل المغربي

- ‌أحمد هو الشيخ أحمد القَبّاريالإسكندراني

- ‌إدريس بن علي بن عبد الله

- ‌الألقاب والأنساب

- ‌أذينة

- ‌النسب والألقاب

- ‌اللقب والنسب

- ‌اللقب والنسب

- ‌إسحاق بن إسماعيل

- ‌إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيمبن هبة الله بن طارق

- ‌إسحاق بن يحيى بن إسحاق بن إبراهيم

- ‌إسحاق القاضي الكبير الرئيستاج الدين عبد الوهاب ناظر الخاص

- ‌إسحاق الأمير علم الدين الحاجب

- ‌أسدالحكيم اليهودي المعروفبالسيدة، تصغير أسدة

- ‌أسعد بن حمزة أسعد

- ‌الألقاب والأنساب

- ‌أسماء بنت محمد بن الحسنابن هبة الله بن محفوظ بن الحسن، الشيخة الصالحة أم بنت الشيخ عماد

- ‌إسماعيل بن إبراهيم بن سالمبن بركات الأنصاري

- ‌‌‌‌‌إسماعيل بن إبراهيم

- ‌‌‌إسماعيل بن إبراهيم

- ‌إسماعيل بن إبراهيم

- ‌إسماعيل بن إبراهيم بن سليمان المقدسي

- ‌بن سعد الله بن جماعةعماد الدين أخو قاضي القضاة

- ‌إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل

- ‌إسماعيل بن أحمد بن سعيد بن الأثيرالحلبي الكاتب

- ‌إسماعيل بن سعيد الكردي المصري

- ‌إسماعيل بن عبد القوي

- ‌إسماعيل الأمير عماد الدين بن الملك المغيثشهاب الدين أبي الفتح عبد العزيز بن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل

- ‌إسماعيل بن عثمان بن محمد

- ‌‌‌إسماعيل بن علي

- ‌إسماعيل بن علي

- ‌إسماعيل بن الفرج بن إسماعيلبن يوسف بن نصرالسلطان أبو الوليد الغالب بالله الأرجوني صاحب الأندلس

- ‌إسماعيل بن عمرو بن المسلمبن الحسن بن نصرالشيخ الصدر الكبير العدل الراضي العابد ضياء الدين أبو

- ‌إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد

- ‌إسماعيل بن محمد بن إسماعيل

- ‌إسماعيل بن محمد بن عبد اللهالقاضي الكبير الرئيس، أبو الفداء، ابن القاضي شرف الدين ابن الصاحب فتح

- ‌إسماعيل بن محمد بن عبد الكريم

- ‌إسماعيل بن محمد بن ياقوتالصدر الخواجة مجد الدين السلامي

- ‌إسماعيل بن محمد بن قلاوونالملك الصالح بن الملك الناصر بن الملك المنصور عماد الدين، أبو الفداء

- ‌‌‌إسماعيل بن محمد بن إسماعيل

- ‌إسماعيل بن محمد بن إسماعيل

- ‌بن علي الأمير عماد الدين بن الملك الأفضل بن الملك المؤيد

- ‌إسماعيل بن نصر الله

- ‌إسماعيل بن هارون

- ‌إسماعيل بن هبة الله بن علي بن الصنيعة

- ‌إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن جهبل

- ‌‌‌إسماعيل بن يوسف بن نجم

- ‌إسماعيل بن يوسف بن نجم

- ‌أسنبغا

- ‌أسندمر

- ‌‌‌ أسندمر

- ‌ أسندمر

- ‌الألقاب والأنساب

- ‌الأنساب والألقاب

- ‌الألقاب والأنساب

- ‌‌‌الألقاب والأنساب

- ‌الألقاب والأنساب

- ‌حرف الباء

- ‌اللقبُ والنسبُ

- ‌اللقب والنسَبُ

- ‌الألقاب والأنساب

- ‌اللقبُ والنسب

- ‌اللقب والنسب

- ‌الكنى

الفصل: ‌أحمد بن يحيى بن فضل اللهبن المجلي بن دعجان

قد قنعنا بخمولٍ عن غنى

وبعزّ اليأس عن ذلّ التمني

فكريم القوم لا أسأله

فلماذا يُعرض الباخل عنّي

قلت: إلا أن هذا شعر نازل، وهو اقرب إلى التوسّط.

‌أحمد بن يحيى بن فضل الله

بن المجلّي بن دعجان

ينتهي إلى عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. القاضي شهاب الدين أبو العباس ابن القاضي محيي الدين القرشي العدويّ العمري الدمشقي.

الإمام الفاضل البليغ المفوّه حجة الكتّاب، غمام أهل الآداب، الناظم الناثر، أحد رجالات الزمان كتابة وترسُّلاً، وتوصلاً إلى غايات المعالي وتوسّلاً، وإقداماً على الأسود في غابها، وإرغاماً لأعاديه بمنع رغابها، يتوقد ذكاء وفطنة ويتلهّب، ويتحدّر سَيْله ذاكرةً وحفظاً ويتصبّب، ويتدفق بحره بالجواهر كلاماً، ويتألّق إنشاؤه بالبوارق المتسرعة نظاماً، ويقطر كلامه فصاحة وبلاغة، وتندى عبارته انسجاماً وصياغة، وينظر إلى عيب المعنى من سترٍ رقيق، ويغوص في لجّو البيان فيظفر بكبار الدُّرّ من البحر العميق، استوت بديهته وارتجاله، وتأخر عن فروسيّته من هذا الفن رجاله، يكتب من رأس قلمه بديهاً ما يعجز تروّي القاضي الفاضل أنْ

ص: 417

يدانيه تشبيهاً، وينظم من المقطوع والقصيدة جَوْهراً، ما يخجل الروض الذي باكره الحيا مزهراً، جبل كتابة وأخبار، وبحر إصابة في المعاني التي لا يشق له فيها غبار.

وأما نثره فقلْ من يُجازيه، أو يقارب خطو قلمه في تنسيق دراريه. وأما نظمه ففي الثريّا، وأبياته تطول في المحاسن ريّاً، وتضَوّع ريّاً.

قرأ العربية على الشيخ كمال الدين ابن قاضي شهبة، ثم على قاضي القضاة شمس الدين بن مُسلّم، والفقه على قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد، وعلى الشيخ برهان الدين قليلاً، وقرأ الأحكام الصغرى على الشيخ تقي الدين بن تيمية، والعروض على شمس الدين الصايغ، وتأدّب على علاء الدين الوداعي. وقرأ جملة من المعاني والبيان على شيخنا العلامة شهاب الدين محمود، وقرأ عليه تصانيفه، وجملة من الدواوين وكُتب الدب، وقرأ بعض شيء من العروض على الشيخ كمال الدين بن الزملكاني. والأصول على الشيخ شمس الدين الأصبهاني. وقرأ بمصر على الشيخ أثير، وسمع منه. وسمع بدمشق والقاهرة والحجاز والإسكندرية وبلاد

ص: 418

الشام، ونظم كثيراً من القصائد والأراجيز والمقطعات ودو بيت وأنشأ كثيراً من التقاليد والمناشير والتواقيع والأصدقة.

كتب الإنشاء بدمشق أيام بني محمود، ثم ولي والده كتابة السرّ بدمشق، ثم طُلب إلى مصر هو ووالده في سنة ثمانٍ وعشرين وسبع مئة، وباشر والده كتابة السر بمصر، ثم خرج مع أبيه إلى دمشق، ثم عاد إليها معه في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة، وأقام إلى بعض سنة ست وثلاثين، وهو في المرة الأولى والثانية يدخل يقرأ البريد على السلطان، وفي الثانية جلس في دار العدل ووالده القاضي محيي الدين كاتب السر.

وجرى له ما جرى مع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، ولزم بيته. ثم حجّ وحضر، وغضب عليه السلطان واعتقله بقلعة الجبل، وأخذ منه مئة ألف درهم، ولما أُمسك الأمير سيف الدين تنكز - رحمه الله تعالى - ولاّه السلطان كتابة السرّ بدمشق، فحضر إليها يوم عاشوراء، فيما أظن، سنة إحدى وأربعين وسبع مئة، وباشر ذلك إلى آخر أيام أَيْدَغْمشُ نائب الشام، وتوجّه إلى حماة ليتلّقى الأمير سيف الدين طُقْز تَمُر من حلب، فجاءه الخبر في حماة أنه قد عزل بأخيه القاضي بدر الدين محمد، فجاء إلى دمشق، وذلك سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة، وبقي في الترسيم بالفلكية قريباً من أربعة أشهر، وطلب إلى مصر فما وصل إلى مصر حتى شفع فيه أخوه علاء الدين كاتب السر بمصر وردّه من الطريق، فقال: لا بد من أن أرى وجه أخي، فدخل مصر، وأقام أياماً، وعاد إلى دمشق بطّالاً، ولم يزل بها مقيماً في بيته إلى

ص: 419

أن حدث الطاعون بدمشق فقله منه، وتطاير به، وعزم على الحج، ثم أبطله، وتوجّه بأهله إلى القدس، فتوفيت هناك زوجته ابنه عمه، فدفنها هناك، وما به قلَبَة غير أنه مروع من الطاعون، فحصل له يوم وصوله حتى ربع، ودامت به إلى أن حصل له صَرْع، فمات منه، وسكن ذلك الهدير، ونضب ذلك الغدير، وكان يوم عرفة سنة تسع وأربعين وسبع مئة، ودفن بتربتهم بالصالحية وكانت جنازته حافلة.

ومولده بدمشق ثالث شوال سنة سبع مئة.

وصنّف فواضل السمر في فضائل آل عُمر أربع مجلدات، وكتاب مسالك الأبصار في أكثر من عشرين مجلداً، ما أعلم لأحد مثله، تراجمه مسجوعة جميعها، ولي فيه عمل كثير في اختيار شعره، والدعوة المستجابة، وصبابة المشتاق، مجلد في مدائح النبي صلى الله عليه وسلم، وسفرة السفر، ودمعه الباكي ويقظة الساهر، وقرأتهما عليه بمصر، ونفخة الروض، وغير ذلك.

ص: 420

كتب إليّ ملغزاً:

أيها الفاضل الذي حاز فضلاً

ما عليه لمثله من مزيد

قد تدانى عبد الرحيم إليه

وتنادى إليه عبد الحميد

أي شيء سمّي به ذات خدر

تائه بالإمام أو بالعبيد

هو وصف لذات سرٍ مصون

وهي لم تخف في جميع الوجود

مذ مضى حينها بها ليس يأتي

وهو يأتي مع الربيع الجديد

وهو مما يبشر الناس طراً

منه مأتى وكثرة في العديد

وحليم إرادة لا لذات

بل بشيء سواه في المقصود

ذاك شيء مَنْ ارتجاه سفيةٌ

وهو شيء مخصّص بالرشيد

فكتبت أنا الجواب إليه وهو في " زبيدة ":

يا فريداً ألفاظه كالفريد

ومجيداً قد فاق عبد المجيد

وإمام الأنام في كل علم

وشريكاً في الفضل للتوحيد

علم العالمون فضلك بالعل

م وقال الجهّال بالتقليد

من تمنى بأن يرى لك شبهاً

رام نقضاً بالجهل حكم الوجود

طال قدري على المساكين لمّا

جاءني منك عقد درّ نضيد

شابه الدر في النظام ولمّا

شابه السحر شاب رأسُ الوليد

هو لغز في ذات خِدْر منيع

نَزَلَتْ في العلى بقصر مشيد

هي أمّ الأمين ذاتُ المعالي

من بني هاشم ذوي التأييد

ص: 421

أنت كنت الهادي لمعناه حقاً

حين لوّحْتَ لي بذكر الرشيد

دمت تُهدي إليّ كل عجيب

ما عليه في حسنه من فريد

وكتبت أنا إليه ملغزاً في " نجم ":

يا سيّداً أقلامُه لم تزل

تُهدي لآلي النظم والنثر

قل لي ما اسمٌ قلبه لم يزل

معذَّباً بالبيض والسُّمر

وكلّه في الأرض أو في السما

وثلثه يَسبح في البحر

فكتب هو الجواب عن ذلك:

دمتَ خليلي سائر الذكر

مثلَ الذي ألغزتَ في القَدْر

بعثتها نجميّة قد حلَتْ

لكنها مِنْ سُكّر الشكر

تطلع بالنجم فأما الذي

في مطمح الُّهر أو الزَّهر

عجبتُ منه كيف شقّ الدجا

وما أتى إلا مع الفجر

من صنعة البَرِّ ولكنه

قد جاءني في راحة البَحْر

أقسمت منه قسَماً بالغاً

بالفجر والليل إذا يسر

لقد أغرتَ الغيد إذ لم تجدْ

شبهه في الجيد والثغر

بعقد دُرّ ما له قيمةٌ

يا حُسنه للكوكب الدرّي

مُسهّد تذكى له مقلةٌ

مقلوبة كالنظر الشَّزْر

وهو إذا ما حقّقت تعريفه

عَرَفْتَ منه منزل البدر

بواحد عَدُّوا له سبعةً

تقيسُ ذيلَ الليل بالشَّبر

ص: 422

فاعر أخيَّ اليوم إن قصرت

بديهتي واقبل لها عذري

فليس بالألغاز لي قدرة

ولا غزا في جيشها فكري

وكتبت أنا إليه مع ضحايا أهديتها:

يا سيداً أرجو دوام ظلاله

علينا وأن يمسي بخيرٍ كما يُضحي

وحقك ما هذي ضحايا بعثتها

ولكنني سقت الأعادي للذبح

فكتب هو الجواب إليّ عن لك:

أتتني ضحاياك التي قد بعثتها

لتصبح كالأعداء في بكرة الأضحى

وحقك أعدانا كلابٌ جميعهم

وحاشاك لا تُجزي الكلاب لمن ضحّى

وكتبت إليه أتقاضاه إنجاز ما وعد به من قلع شجرة ليمون مختم وتجهزها، والتزمت الياء قبل النون:

يا سيداً فيه لي ولاء

عند جميع الورى تَعَيّنْ

لله ليمونه أراها

لي مونةً غُصْنُها تزيّنْ

كأعين الحاسدين بغياً

لأجل ذا قلعها تعيّنْ

فكتب الجواب، والتزم نوناً قبل النون:

يا فاضلاً ما له عديل

لأنه في الورى تفنّنْ

وكل شيء عاناه فينا

على طريق الهدى تفنّنْ

أمرك حكم في كل عقلٍ

ما عاق إلا من قد تجنّنْ

ص: 423

وكان قد أهدى إليّ - رحمه الله تعالى - عندما عمرت الدويرة التي لي بدمشق عشرة أحمال رخاماً، فكتبتُ إليه أشكره على ذلك، وطلبت ذلك فلم أجده وقد عرفته الآن عند تعليقي هذه الترجمة وهو:

لَعَمري لقد أهدى سماحُك والندى

حُمول رُخام مثل روض تنمنما

فأمسيتُ منها في رخاء وفي غنى

فيا من رأى قبلي رخاماً مرخّما

وكتب هو الجواب عن ذلك، ولكنني لم أجده تلآن.

وأنشدني لنفسه ونحن على العاصي بحماة:

لقد نَزَلْنا على العاصي بمنزلة

زانت محاسنَ شطّيه حدائقُها

تبكي نواعيرها العَبرى بأدمعها

لكونه بعد لقياها يفارقها

فأنشدته أنا أيضاً لنفسي:

وناعورة في جانب النهر قد غَدَتْ

تعبّر عن شوق الشجي وتُعرب

ترقص عطف الغصن تيهاً لأنها

تُغَنّي له طول الومان ويشرب

وأنشدني هو أيضاً لنفسه:

إنّا نقيم على حماة حجّة

في حسنها ولها جمال يبهت

من النواعير الفصاح خصومنا

ولها لسان ناطق لا يسكت

فأنشدته أنا أيضاً لنفسي:

ناعورة أنّت وحنّت فقد

شوّقت الداني والقاصي

ص: 424

قد نبهتني للهدى والتقى

لمّا غدت تبكي على العاصي

وأنشدته أنا لنفسي، وقد طال علينا المركز من شمسين إلى حمص:

محبوب فلبي مثل بدر السما

أدنيه عمري وهو لي يقصي

بيني وبين الصبر في حبّه

ما بين شمسين إلى حمص

فأنشدني هو أيضاً لنفسه:

لقد تماديت مدىً يا رستن

كأنما قربك ما لا يمكنُ

لما جعلناك ضمير قصدنا

غدوت ممّا لا تراك الأعين

وكتب إليّ من دمشق وأنا بالقاهرة سنة 741:

رحلتم فلا والله ما بَعْدَكم قلبي

بقلبي ولا والله عقلي ولا لُبّي

هجرتم زماناً ثم شطّ مزاركم

فأهاً على بُعدي وآهاً على قربي

وبدّلتم غيري ووالله ما رأت

سوى حسنكم عيني ولا غيركم قلبي

لئن كان ذنبي أن قلبي بحبّكم

فيا ربّ زدني منه ذنباً على ذنبي

ولا تحسبوا أني تغيّرتُ مثلكم

فما قلبكم قلبي ولا خبّكم حبي

رحلتم وما كنتم سوى روح مغرم

قضى بكم وجداً وما غاب في الترب

نأيتم فلا والله ما هبّت الصبا

فنمتُ مع النّوام جنباً على جَنْبي

لئن عُدْتُم عاد السرور جميعُه

وإلاّ فما لي بالرسائل والكتب

دَعوا عنكم التعليل باليوم أو غد

فلست بمن يبقى إلى البعد والقرب

ص: 425

ولا تعجبوا إنّ متّ حين فراقكم

إذا بان حبّي كيف لا ينقضي نحبي

أأحبابنا كيف استقلت ركابكم

وما علقتها العين في شرك الهُدب

وطرتم سراعاً كالطيور مشقة

فهلاّ وقعتم في القلوب على الحَبّ

ووالله ما حدّثت نفسي بمجلس

سوى ما أفاض الدمع فيه من الجبّ

ولا كان شرق الدمع من طبع مقلتي

إلى أن تغربتم ففاض من الغَرْب

ونغّصتم طِيبَ الحياة ببعدكم

وهيهات أن ترجى حَيَاةُ فتىً صَبِّ

أأبغي سواكم في الهوى أو أريده

وهجركم سقمي ووصلكم طبّي

دعوني وأطلال الديار أُنحْ بها

وأندبها إن كان ينفعها ندبي

فكتبت أنا الجواب إليه:

دعوتم علة بعد فلبّاكم لبّي

وناجاكم قلبي على البعد والقرب

وما لي وذكر الدار يا ساكني الحشا

وداركم عيني وداركم قلبي

وأقسم أنّ الجفن فيكم جفا الكرى

وأحرق قلب الصب من دَمعه الصَّبِّ

إذا قلتُ هُبّي يا نُسيمةَ دارِهم

يقول الجوى يا نارَ أشواقه شبّي

أيا جيرة بالقلب لا الشام خيّموا

محاسنكم تصبي القلوب فلم تسبي

لأنتم وإن أضرمتم النار في الشحا

ألذّ إلى قلبي من البارد العذب

رفعتكم جَرّاً إلى نصب ناظري

فيا حبّذا رفعٌ يجر إلى نَصْب

أحاشيكم أن يألفَ القلبُ غيركم

فقلبي لا يرضى بهذا ولا ربّي

وحقكم ما راقني غيرُ حُسنكم

وإحسانكم حسبي بما راقني حسبي

ص: 426

رحلت ولي قلب مقيم على الوفا

لعهدكم حنى أوسّد في التُّرْب

أحاول عَودي نحوكم ويصدّني

خيانة دهر راح حربي لا حزبي

أليس من الأنكاد أن لا مخبّر

يبلغكم عني سلامي ولا كتبي

ولولا المنى أن يجمع الله شملنا

قريباً لما فارقت نَوحي ولا نَدْبي

سأجهد في عَوْدي لمطلع حبكم

ولو أن لي قي مصر مملكة الغرب

بُعثتم على بخل الزمان لأنكم

كرام بنظم فاق منسجم السُّحب

غدا خارجاً في النظم عن قدرة الورى

ولكنّه في حُسنه داخل الضرب

فقلت لدهري زِد عليّ قساوة

فقد ظفرت كفاي باللؤلؤ الرطب

وكتب هو إليّ وقد تواترت الثلوج والأمطار سنة 744: كيف أصبح مولاي في هذا الشتاء الذي أقبل يُرعب مَقْدَمُه، ويُرهب تقدّمه، ويريب اللبيب من برقه المومض تبسّمه، وكيف حاله مع رعوده الصارخة، ورياحه النافخة، ووجوه أيامه الكالحة، وشرر لياليه التي لا نبيت منها بليلة صالحة، وسحابه وأمواجه، وجليده والمشي فوق زجاجه، وتراكم مطره الأنيث، وتطاول ليل فرعه الأثيث، ومواقده الممقوته، وذوائب جمره، وأهون به لو أنّ كلّ حمراء ياقوته، وتحدّر نوئه المتصبب، وتحيّر نجمه المتصيّب، وكيف هو مع جيشه الذي

ص: 427

ما أطلّ حتى مدّ مضارب غمامه، وظلّل الجو بمثل أجنحة الفواخت من أعلامه، هذا على أنه حلّ عُرى الأبنية، وحلل ما تلف في ذمّة سالف الأشتية، فلقد جاء من البرد بما رضَّ العظام وأنخرها ودقّ فخّارات الأجسام وفخّرها، وجمّد في الفم الريق، وعقد اللسان إلا أنه لسان المنطيق، ويبَّس الأصابع حتى كادت أغصانها تُوقد حطباً، وقيّد الأرجل فلا تمشي إلاّ تتوقع عَطَباً، وأتى الزمهرير بجنودٍ ما للقويّ بها قَبَل، وحمّل الأجسام من ثقل الثياب ما لا يعصم منه مَنْ " قال سآوي إلى جبلٍ " ومدّ من السيل ما استبكى العيون إذا جرى، واجتحف ما أتى عليه وأوّل ما بدا الدمع بالكرى، فكيف أنت يا سيّدي في هذه الأحوال؟، وكيف أنت في مقاساة هذه الأحوال؟، وكيف رأيت منها ما شيّب بثلجه نواصي الجبال، وجاء بالبحر فتلقف ثعبانه ما ألقته هراوات البروق من عصيّ، وخيوط السحب من حبال؟. أمّا نجن فبين أمواجٍ من السحب تزدحم، وفي رأس جبلٍ لا يُعصم فيه من الماءُ إلاّ من رُحِم، وكيف سيدنا مع مجامر كانون وشرار برقها القادح، وهمِّ ودقها الفادح، وقوس قزحها المتلوّن ردّ الله عليه صوائب سهامه، وبدّل منه بوشائع حلل الربيع ونضارة أيامه، وجعل حظّ مولانا من لوافحه ما يذكيه ذهنه من ضرامه، ومن سوافحه ما يولده فكره من توأمه، وعوّضنا وإياه بالصيف، والله يتقّل، وأراحنا من هذا الشتاء ومَشْي غَمامه المتبختر بكمّه المسبل، بمنّه وكرمه إن شاء الله تعالى.

ص: 428

فكتب أنا الجواب: يقبّل الأرض، وينهي وُرُود هذه الرقعة التي هي طرازٌ في حلّة الدهر، وحديقة ذكّرت بزمن الربيع، وما تهديه أيامه من الزهر، فوقف منها على الروض الذي تهدّلت فروعُ غصونه بالأثمار، ونظر منها إلى الأفق الذي كلّ كواكبه شموسٌ وأقمار، فأنشأت له أطرابه، وأعلمته أن قلم مولانا يفعل بالألباب ما لا يفعله نغمة الشبآبة، وأرشفته سُلافاً كؤوسها الحروف وكل نقطة حبابَه، وشاهد أوصاف هذه الأيام المباركة القدوم المتصلة الظلام، فلا أوحش الله من طلعة الشمس وحاجب الهلال وعيون النجوم، فما لنا ولهذه السحائب السحابة، والغمائم السكّابة، والرعود الصخّابة، والبروق اللهابة، والثلوج التي أصبحت بحصبائها حصابة، والبرد الذي أمست إبَرُه لغصون الجلود قَطّابة، والزُّميتا التي لا تروي عن أبي ذرّ إلاّ وتروي الغيث عن أبي قلابة، كلّما أقبلت فحمة ظلام قدحت فيها البوارق شرار جمرتها، وكلّما جاءت سحابة كحلاء الجفون رجعت مرهاء لما أسبلته من عبرتها، فما هذا شهر طوبة إنْ هذا إلا جبل ثهلان، وما هذا كانون إنْ هذا إلا تنّور الطوفان، وإلى متى قُطْنُ هذه الثلوج يُطرَح على جباب الجبال، وإلى متى نُقاضُ دلاص الأمطار، ويرشقها قوس قزح بالنبال؟!، وإلى متى تشقق السحاب وما لها من الحلل والحبر،

ص: 429

وإلى متى ترسل خيوط المزن من الجوّ وفي أطرافها على الغدران إبر، وإلى متى تجمد عيون الغمام وتكحّلها البروق بالنار، وإلى متى نثار هذه الفضّة وما يُرى من النجوم دينار؟، وإلى متى نحن نَحْنو على النار " حُنُوَّ المرضعات على الفطيم "، وإلى متى تبكي الميازيب:

بكاء الأولياء بغير حزنٍ

إذا استولوا على مال اليتيم

وإلى متى هذا البرق تتلوّى بطون حياته وتقلب حماليق العيون المحمرّة من أسود غاباته؟، وإلى متى يزمجر غيث هذه الرياح العاصفة، وإلى متى يرسل الزمهرير أعواناً تصبح حلاوة الوجوه بها تالفة، أترى هذه الأمطار تقلب بالأذيار أم هذه المواليد التي تنتهي فيها الأعمار، كم جليد يذوب به قلب الجليد، ويرى زجاجهُ الشفّاف أصلب من الحديد، ووحل لا تمشي فيه هريرة الوحى، وبردٍ لا تنتطق به نؤوم الضحى، " اللهم حوالينا ولا علينا "، لقد أضجرنا تراكم الثياب، ومقاساة ما لهذه الرحمة من العذاب، وانجماع كلٍّ عن إلفه، وإغلاق باب القباب، وتحلّل الضباب زوايا البيوت، فالأطفال ضباب الضباب، كل ضَبّ منهم قد ألِف باطن نافقائه، وقدم بين يديه الموت بداية بدائه، قد حُسد على النار مَنْ أمسى

ص: 430

مذنباً وأمسى عاصياً وتمنّى أن يرى من فواكه الجنات عنّاباً من النار وقراصيا، فإن كانت هذه الأمطار تكاثر مكارم مولانا فيا طول ما تسْفح، وإن كانت العواصف تتشبّه ببأسه فيا طول ما تلفح، وإن كانت البروق تحاكي ذهنه المتسرّع فيا طول ما تتألق، وإن كانت قوس قزح تتلوّن خجلاً من طروسه فيا طول ما تتألق، وإن كانت الرعود تحاكي جوانح أعدائه فيا طول ما تشهق وتفهق، وإن كانت السيول تجري وراء جوده فإنها تجري على طول المدى وما تلحق، والأوْلى بهذا النوء الباكي أن لا يحاكي، والأليق بهذا الفضل أن لا يتعرّض، فرحم الله مَنْ عرف قدْره، وتحقّق أنّ مولانا في الجود نّدْرَه، أنهي ذلك.

فكتب هو الجواب إليّ عن ذلك، وكتبت جوابه نظماً، وكتب هو الجواب عن ذلك نظماً.

وكتب إليّ وأنا بالقاهرة وهو يومئذٍ في دمشق رسالة في الثلج، وكتبت جوابه، وكتب هو إليّ رسالة يصف كثرة المطر نظماً ونثراً، وكتبت جوابه أيضاً كذلك.

وبيني وبينه مكاتباتٌ كثيرة، وقد أوردت ذلك في كتابي " ألحان السواجع ".

ولمّا توفي رحمه الله تعالى كتبت إلى أخيه القاضي علاء الدين صاحب دواوين الإنشاء أعزيه، ونسخته: يقبّل الأرض وينهي ما عنده من الألم الذي برّح، والسقم الذي جرّ ذيول الدمع على الخدود وجرّح، لما قدّره الله تعالى من وفاة القاضي شهاب الدين:

سَقَتْه بألطف أندائها

وأغزرها ساريات الغمام

فإنا لله وإنا إليه راجعون، قَولَ من غاب شهابه، وآب التهابه، وذاب قلبه فصار للدمع قليباً، وشهاب فوده لمّا شبّ جمر فؤاده، ولا غروَ فيومه جعل الولدان شيباً،

ص: 431

فيا أسفي على ذلك الوجه الملّي بالملاحة، واللسان الذي طالما سحر العقول ببيانه، فصاحت: يا ملك الفصاحة، واليد كم روّضت الطروس أقلامها، وأنشأت أسجاعاً لم تذكر معها بانات الحمى ولا حمامها، وكأنّ أبا الطيّب ما عنى سواه بقوله:

تعثرت بك في الأفواه ألسنها

والبُرْد في الطُّرق والأقلام في الكتب

فرحم الله ذلك الوجه، وبلّغه ما يرجوه، وضوّاه بالمغفرة يوم تبيضّ وجوهُ وتسودّ وجوه. لقد فقد المجد المؤثل منه ركناً تتكثر به الجبال فما تقلّه ولا تستقلّه، وعدمت الآداب منه بارعاً لو عاصره الجاحظ ما كان له جاحداً، أو البديع علم أن ما فُضّ له فضله، وغاب من الإنشاء منه كاتب ليس بينه وبين الفاضل لولا أخوه مثله، أتُرى ابن المعتزّ عناه بقوله:

هذا أبو العباس في نعشه

قوموا انظروا كيف تزول الجبال

وما يقول المملوك في البيت الكريم، ألاّ إنْ كان قد غاب بدره وأفل شهابه، أو غاص قطره وتقشّع سحابه فإنّ نيّره الأعظم باقٍ في أَوْجه، وبحره الزاخر متلاطمٌ في موجه، وفي بقاء مولانا خَلَفٌ عمّن سلف، وعِوَضٌ عما انهدم ركنه وانقضّ، وجبرٌ لمن عدك الجلد والصبر، والله يمتع المسلمين بحياته، ويجمع لديه بين ثوابه وثباته، لأنه قد عاش الدرّ المفدّى بالذهب وأضاءت شمس المعالي إن كان قد خمد اللهب:

علَم الله كيف أنت فأعطا

ك المحلّ الجليل من سلطانه

جعل الدين في ضمانك والدن

يا فعش سالماً لنا في ضمانه

ص: 432

وقد نظم المملوك قصيدة في رثاء المشار إليه، وجعلَ قوافيها تبكيه، وألفاظها تنوح عليه، وهي:

الله أكبرُ يا بن فَضْل الله

شغلَتْ وفاتُك كلّ قلبٍ لاه

كلٌّ يقول وقد عرته كآبة

واهاً لفقدك إنّ صبري واه

فقدتْ بك الأملاكُ بحرَ ترسلٍ

متلاطمَ الأمواج بالأمواه

يا وحشة الإنشاء منكَ لكاتبٍ

ألفاظه زهرَ النجوم تباهي

وتوجّع الأشعار فيك لناظمٍ

من لطفه لشذى النسيم يضاهي

كم أمسكتْ يمناكَ طِرْساً أبيضاً

فأعدْنه في الحال طرزاً باهي

كم قد أدَرْتَ من القريض قوافياً

هي شهوة الناشي وزهو الزاهي

ورسالة أنشأتها هي حان

هـ النبّاذ حازتْ حضرة الفَكّاه

ووضعتَ في الآداب كلّ مصنّف

قالتْ له البُلَغاء زاهٍ زاهِ

كم قد خطرْت على المجرّة رافلاً

يوم الفخار بمعطفٍ تيّاهِ

شَخَصت لعَلْياكَ النجومُ تعجباً

ولك السَّهى يرنو بطرفٍ ساهِ

ما كنتَ إلا واحدَ الدهر الذي

يسمو على الأنظار والأشباهِ

من بعدك الكتّاب قد كتبوا فما

يجدون منجاةً لهم من جاهِ

أقلامهم قد أملقت ورمى الردى

أدواتهم ودواتهم بدواهِ

وطروسُهم لبست حداد مدادها

أسفاً عليك مؤكداً بسفاهِ

أمّا القلوب فإنها رهنُ الأسى

تردُ القامة وهي فيك كما هي

أبداً يخيّل لي بأنك حاضر

تُملي الفوائد لي وأنت تجاهي

فتعزَّ فيه واصطبر لمُصابه

يا خير مولى آمرٍ أو ناهِ

فدوام ظلك في البرية نعمةٌ

ولشكرها حتمٌ على الأفواهِ

ص: 433