الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتدلّى، ووصل إلى النقا ولم يبق إلا المصلى، ولم يزل على حاله إلى أن نزل من القلعة على ظهره، وانحطّ بعد الرفعة إلى قعر قبره.
وتوفي رحمه الله تعالى يوم السبت عاشر شعبان سنة خمس وخمسين وسبع مئة.
إبراهيم بن أحمد بن هلال
القاضي برهانُ الدين الزرعي الحنبلي، ناب في الحكم لقاضي القضاة علاء الدين بن المنجا الحنبلي بدمشق.
مولده سنة ثمانٍ وست مئة، ووفاته في نصف شهر رجب الفرد يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين وسبع مئة.
لم يحصد الموت من زرعٍ له نظيراً، ولا اجتلى الناس من حوران مثله قمراً منيراً، أتقن الفروع، وبهر فيها من الشروع، وجوّد أصول الفقه وشغل فيها الناس، وأوضح لهم فيه ما حصل من الإلباس، وبرع في النحو وظهر، ومارس غوامضه ومهر، وقرأ الفرائض، وأتى فيها وحده بما لم يأتِ به ألف رائض، اشتغل في الحساب، وغني بذهنه الوقاد عن الاكتساب، وكتب المنسوب الفائق، وسلك فيه أحسن الطرائق، وكان الناس يأتون إليه بالمجلدات ليكتب عليها أسماءها، ويُزينَ بكواكب حروفه سماءها، رغبةً في حسنِ خطه ليقوم مقامَ الفواتح المذهبة، والأعمال التي هي لأهل الصنائع متعبة. ولقد كان قادراً على حكاية الخطوط المنسوبة، والطرائق التي هي عند أرباب هذا الفن محسوبة، فكم قد كمّل من مجلد انخرم، وأخمد من نار
صاحبه الضرم، فإذا رآه العارف لم يُنكر شيئاً من أمره، ولا علم فاسده ولو بحث فيه مدة عمره، والمكاتيبُ الشرعية إلى الآن تشهد له بحسن العلائم، وتمد لعيونِ الكتاب منها موائد وتعمل لهم فيها ولائم.
وكان حسن الشكل والعمة، وافر العقل عالي الهمة، ندب في أيام الصاحب شمس الدين غبريال لنظر بيت المال، فأتبى وفكر في العقبى والمال، وكان بصيراً بالفتوى، جيد الأحكام لا يقع منها في بلوى، يتوقد ذهنه من الذكاء والفطنة، ويدرك الغوامض التي مضى الأوائل وفي قلوبهم منها إحنةً، وكان يميل إلى التسري بالأتراك، ويقع معهن في الحبائل والأشراك، فكنت أراه جمعةً في سوق الجواري، وجمعة في سوق الكتب ليجمع بذلك بني الدر والدراري. وتعلم اللغة التركية من جواريه، وتكلم بها فقل من يؤاخذه فيها لما يجاريه. هذا مع براعة في عبارته، وفصاحة في كلامه، وبلاغة في إشارته.
أخذ الأصول عن العلامة كمال الدين بن الزملكاني، قاضي القضاة، وجلال الدين القزويني لما كان خطيباً، وغصن برهان الدين المذكور من الشباب رطيباً. ورأيته يحضر دروس العلامة ابن تيمية كثيراً، ويأخذ من فوائده ما شادَ به مجداً أثيلاً أثيراً، يجلس منصتاً لا يتكلف لبحث ولا يتكلم، ويرى أنه يتعلقُ بأهدافه ويتعلم، إلى أن قضى نحبه وسكن تُربه، ولقي ربه، رحمه الله تعالى.