الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حلب أو غيرهما من هذه البلاد التي هي قريبة إلى هذه البلاد فيتهمه أنه يريد العود، فطلب منه إسكندرية، وهي خلف مصر من ذلك جانب فالذي يروح من عندكم إلى مصر ما يعبر إلى إسكندرية ولا يصل إليها، فلهذا ما يراه، فهزّت رأسها، وقالت: يكون..
اللقب والنسب
ابن البَقَقي فتح الدين أحمد بن محمد. البِقْراطُ محمد بن عبد الرحمن. بُكَا الأمير سيف الدين الناصري المعروف ببُكا الخضري كان من جملة الأمراء بالديار المصرية، وكان ممّن حضر مع بشتاك إلى دمشق بعد إمساك تنكز وعاد معه، ولم يزل بالديار المصرية على حاله إلى أن خاض السيف في أحشائه وجعله دَلْوين، إلاّ أن كلاً منهما غَنِّي عن رشائه، لأنه نُسب إلى الميل مع الناصر أحمد والخروج مع رمضان على الملك الصالح إسماعيل، فوُسّط في سوق الخيل هو وثلاثة من مماليك السلطان، وعُلّقوا على باب زُوَيله ثلاثة أيام، ولك في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة.
بكّار ابن الشيخ عبد الرحمن بن أبي بكر بن الواني، سيف الدين البَريدي أخو الأمير علاء الدين بن الفَرّا، وسيأتي ذكر أخيه في حرف العين إن شاء الله تعالى.
توفي في رابع عشر جمادى الأولى سنة ثمانٍ وعشرين وسبع مئة وعمره نحو الستين.
بكتاش الأمير بدر الدين نقيب النقباء بالديار المصريّة، أظنه تولاّها بعد الأمير صارم الدين صاروجا.
ولم يزل بدر الدين رجلاً جيداً محسناً إلى الناس.
توفي رحمه الله تعالى في آخر جمادى سنة خمس وأربعين وسبع مئة.
بكتاش الأمير يدر الدين المنكورسي أحد المنصورية.
كان من قدماء الأمراء، ولي نيابة بعلبك مرات، وفي آخر مرّة طلب الإقالة منها في سنة أربع وخمسين، ورسم لابنه بالتوجه في مقدمة الركب، فاحتاج أن يكون هو معه، فتوجه أمير الركب وعمل الأمرة على ما يجب من الرحمة وعلوّ الهمة.
ومتعه الله بحواسّه وعقله إلى أن توفي رحمه الله تعالى، في أوائل شعبان سنة سبع وخمسين وسبع مئة، عن مئة وسبع سنين، أخبرني بذلك ولده الأمير زين الدين عبد الرحمن.
وكان قد باشر شدّ الأوقاف بدمشق في سنة اثنتي عشرة وسبع مئة، وعملها على القالب الجائز بجاه الأمير سيف الدين أرغون الدوادار، وفي آخر أمَرْه اتّحد بالأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى، ولما أمسك كان المنكورسي أيضاً في جُملة من أُمسك بسببه، وصودر، وأخذ منه مئتا ألف درهم، في غالب ظني، وكان يبالغ في اقتناء المصاحف العالية الغالية الأثمان وغيرها من الكتب، ونَزَل وهو في نيابة بعلبك أخيراً عن إقطاع الإمرة لولده.
بكتاش الأمير بدر الدين أمير سلاح الفَخْري.
كان من مماليك الأمير فخر الدين ابن الشيخ، وعاد من أكابر الأمراء الصالحية، يتردّد في الغزوات، ويجوب إليها الفلوات. وكان بالخير مشهوراً، وبالصدقات وهو أمير مأموراً، وافر الحُرمة في كل دولة، فارسَ الجوّ في كل جَوْلَه. لا يعارض مَنْ يُقدّمُهُ سعده، ولا يقارب من أخّره حظّه وبُعده. أقام أميراً دهراً طويلاً، ورأى من الإقبال حظاً جزيلاً.
ولما كان في سنة ست وسبع مئة طلب النزول عن الإمرة، ولزم داره إلى أن نزل به الأمر المحتوم، وأصبح وطينُ الأرض عليه مختوم، وذلك في شهر ربيع الآخر من
هذه السنة المذكورة. وكان رحمه الله تعالى لمّا قُتل السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين في سنة ثمان وتسعين وست مئة قد جُرّد إلى سيس هو وجماعة من أمراء مصر، ولمّا عادوا منها وقَربُوا من مصر أُخبر بما جرى من طُغْجي وكُرْجي في حقّ لاجين، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة لاجين في مكانه من حرف اللام. ولما عزم على الدخول إلى القاهرة طلب الأمراء الذين معه، ومَشَوا في خدمته، وركب طُغْجي لتلقيه، فلمّا رآه قال: كان لنا عادة من السلطان أنّا إذا قدمنا يتلقّانا، وما أعلمُ ما أوجب تأخيره، فقال طُغْجي: ما علم الأمير بما جرى، وأنّ السلطان قُتل؟ فقال: ومن قتله، فقال كرد الحاجب: قتله طغجي وكرجي، فأنكر عليهما، وقال: كلما قام للمسلمين سلطان تقتلونه؟ تقدّم عني لا تلتصق إليّ، وساق أمير سلاح، وتركه، فتيقّن طُغْجي أنه مقتول، فأراد الهروب، فانقضّ عليه بعض الأمراء وأمسكه بدبّوقته وضربه بالسيف، وتكاثروا عليه فقتلوه ومعه ثلاثة أخر، وركب كرجي في جماعة لنصرته فركب الجيش معه في خدمة أمير سلاح، وقتلوا كرجي والكَرموني، ودخل أمير سلاح وقعد والأمراء معه، ورتّبوا حضور السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك، وإعادته إلى السلطنة، وهذه المرة الثانية من حضُوره من الكرك.
بكتَمُر الأمير سيف الدين الأبو بَكري المنصوري.
كان من كبار الأمراء مقدَّمي الألوف، وممّن هو للشجاعة حليف، وللفروسية
ألوف، له الوجاهة الكاملة، والنباهة التي لم تكن في ذكرها خامله، يُعظّمه وجوه الدولة والسلطان، وَصَيتُه قد ملأ الأوطان.
لم يزل في معارج سُعوده، ومراقي عُلُوّه وصعوده، إلى أن أصابته عين الكمال فهبط، وجَرّد الخطب له سيفُه واخترط، وذاك أن السلطان الملك الناصر محمد رسم بأن يتوجّه إلى صفد هو وأولاده وجماعته وحاشته، فقال: أريد أن أعرف ذنبي ما هو. فتأذّى السلطان منه، وأمسكه وحَبَسه في القلعة، وذلك في ثالث شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وسبع مئة.
ولم يزل في الاعتقال إلى أن توفي بقلعة الجبل في الاعتقال في نصف شعبان سنة ثمان وعشرين وسبع مئة، وأُخرج ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى.
بكتَمُر الأمير سيف الدين السلاح دار الظاهري المنصوري.
كان من أمراء المشاهير، وممّن تتشرف بألقابه التقاليد وتتجمّل المناشير، أحد مقَدّمي الألوف، ومن هو بالإقدام موصوف، وبالشجاعة معروف، خاف من السلطان حسام الدين لاجين، فنجا برأس طِمِرَّة ولجام، وسكر غَمّاً ولم يطفْ عليه للموت جام، وفرّ هو والأمير سيف الدين قَبْجق والأمير فارس الدين ألبكي ودخلوا إلى عند القان غازان، وجرى ما يأتي ذكره في ترجمة قبجق، وكان قد وصل من الديار المصرية إلى دمشق مجرداً في ثلاثة آلاف فارس هو مقدّمها في ذي القعدة سنة سبع وتسعين وست مئة، وتوجه بالعسكر وأقام على حمص، وحضر إليه الأمير سيف الدين
لاجين قبجق وبلغهم ما اعتمده الأمير سيف الدين منكوتمر نائب السلطان حسام الدين لاجين، فتحققوا أنه ما يبقي عليهم، فتوجّهوا إلى بلاد التتار في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وست مئة، وتألم الناس لذلك، ووصل الخبر إلى الشام بعد رحيلهم بقتل السلطان ومنكوتمر، وفي جمادى الأولى وصل الأمير سيف الدين بَلْغَاق وذكر أن قبجق وبكتمر وألبكي وصلوا إلى رأس العين، واحتاط عليهم جمع من التتار، وأنه قد يُئس من رجوعهم إلى بلاد الإسلام.
بكتَمُر الأمير سيف الدين الحاجب.
كان أولاً أمير آخور، ثم قَدِم دمشق وتولّى بها شد الدواوين في أيّام الأفرم، ولم يكن لأحد معه كلام في صَرف ولا في عزل. ثم وُلّي الحجوبيّة، وتوجّه إلى صفد كاشفاً على الأمير ناهض الدين عمر بن أبي الخير والي الولاة. ومُشد الدواوين بصفد، ونزل بالميدان، وكان معه القاضي معين الدين بن حشيش وحَرّر الكشف ودقّقه، حتى قال فيه القاضي زين الدين عُمَر بن حلاوات موقّع صفد:
يا قاصداً صَفَداً فًعُد عن بلدةٍ
…
مِنْ جَوْر بكْتُمر الأمير خرابُ
لا شافعٌ تُغني شفاعته ولا
…
جانٍ له ممّا جناه متابُ
حَشْرٌ ومِيْزان ونَشْرُ صحائفٍ
…
وجرائدٌ معروضةٌ وحسابُ
وبها زبانية تحثّ على الوَرى
…
وسلاسلٌ ومقامعٌ وعقاب
ما فاتهم من كل ما وعدوا به
…
في الحشر إلا راحمٌ وهّابُ
قلتُ: وهذه أبيات لسبط التعاويذي معرفة في ديوانه وأولها:
يا قاصداً بغداد جز عن بلدةٍ
…
للجور فيها زخرةٌ وعباب
وهي سبعة عشر بيتاً قالها في الوزير ابن البلدي، فأتى ابن حلاوات بالبيت الأول وليس للفاء في فعد محل.
وكان الأمير سيف الدين خبيراً بالأمور، بصيراً بحوادث الدهور، طويل الروح في الأحكام لا يمل من تطويلها، ولا يهابُ ما يأتي به الخصوم في تهويلها، لو قعد في الحكم الواحد بين اليهودي والأمير ثلاثة أيام، لم يلحقه سأمّ ولا يصدّه احتشام، مع معرفة تامة، وخبرة بالسياسة عامة، لم ير مثله في حقّ أصحابه، ولا أذكر منه لهم في حالتي بعده واقترابه، يفكر في مصالحهم وهم غُيب، ويتفقدهم أبداً، ومن جفاه عتب عليه وعيب، نفع بجاهه جماعةً كثيره، ووفّر عليهم أموالاً أثيره، إلا أنه كان مبخلاً، ساقط الهمة في ذلك وإن كان مبجلاً، له متاجر وأملاك، وسعادة لا تدور على مثلها الأفلاك، وله أموال كالبحر العجاج، أو التراب الذي تثير الريح منه العجاج، ومع ذلك فله قدور تكرى للحمص والفول، وغير ذلك من العدد والآلات التي يعتري الشمس منها أفول.
ولم يزل على حالهِ إلى أن ملأ التراب عينه، واقتضى الأجل منه دينه، وذلك في سنة سبع وعشرين وسبع مئة.
ولما قدم السلطان من الكرك إلى دمشق ولاه الحجوبية ودخل مصر وهو حاجبٌ، ثم أخرجه نائباً إلى غزة، فأقام بها قليلاً في سنة عشر وسبع مئة، ثم إنه طلبه إلى القاهرة وولاّه الوزارة بالديار المصرية عوضاً عن الصّاحب فخر الدين بن الخليلي في شهر رمضان سنة عشر وسبع مئة، ثم إنه قبض عليه في سنة خمس عشرة وسبع مئة مستهل شهر ربيع الأول لما قبض على أيدغدي شقير، وبقي في الاعتقال مدة سنة ونصف، وأخذ لهُ من ماله شيئاً كثيراً، ثم إنه أفرج عنه وجهزه نائباً إلى صفد في سنة ست عشرة وسبع مئة وأنعم عليه بمئة ألف درهم، فأقام بها عشرة أشهر، ثم طلبه إلى مصر وكان من جملة أمراء المشور، وإذا تكلم السلطان في المشور لا يرثد عليه غيره لما عنده من المعرفة والخبرة.
أخبرني الأمير شرف الدين حُسين قال: إذا جلسنا للمشور ما فينا أحد يعترض على السلطان ويرد عليه ويقول: جيد، أو ما هو جيدّ إلا بكتمر الحاجب. قلتُ له: فأنتم ما تقولون؟ قال: مهما قاله قلنا: هذا هو الرأي المبارك.
وكان قد تزوج ابنة الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك، وعمرَ له بمصر داراً ظاهر باب النصر على القاهرة، وعمّر هناك مدرسة إلى جانبها، وفي آخر أمره سُرق له مال كثير من خزانته ادّعى في الظاهر أنه مبلغ مئتي ألف درهم، وكان في الباطن على ما قيل سبعُ مئة ألف أو أكثر، فما جسر يتفوّه خوفاً من السلطان، وكان الأمير سيف الدين قدودار والي القاهرة، فرسم السلطان له بتتبع هذه العملة، فيقال إن بكتمر الساقي والوزير مغلطاي الجمالي والقاضي فخر الدين ناظر الجيش عاملوا في الباطن عليه، فشرعوا يُحجفون عن المتهمين، فإذا قال السلطان للوالي: أيش
عملت في عملة الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب؟ يقول القاضي فخر الدين: يا خوند لعن الله ساعة هذه العملة، كل يوم يموت الناس تحت المقارع، وإلى متى يُقتل المتهم الذي لا ذنب لهُ، ثم إنه في آخر الحال وقف الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب في دار العدل وشكا وتضور، فأحضر السلطان الوالي وسبهُ، وأظهر غضباً عظيماً، فقال: يا خوند، اللصوص الذين أمسكتهم وعاقبتهم أقرّوا أن سيف الدين بخشي خزنداره اتفق معهم على أخذ المال وجماعة من ألزمه الذين في بابه، فقال السلطان للجمالي الوزير: أحضر هؤلاء المذكورين، عاقبهم. فأحضرهم وعاقبهم وعصر هذا بخشي: وكان عزيزاًعنده قد زوجه ابنته وهو واثق بعقله ودينه وأمانته فقال بخشي: يا خوند أنا والله الذي تحت يدي لأستاذي ما يدري ما هو فما أخلي غيري يأخذ معي ما أردت أن أسرقه.
ولما بلغ الأمير سيف الدين بكتمر عصر بخشي وجماعته علم أن ماله قد راح، فحصل له غيظٌ وغم وغبن، فمات فجأة من الظهر إلى العصر.
وكان حريصاً على اقتناء الأملاك وإنشاء العمائر في كل مدينةٍ بالقاهرة والشام بحيث إنه له في كل مدينة ديوان له مباشرون. وقلتُ أنا أشير إلى كثرة أمواله:
وصاحب أشأم من قاشر
…
من شؤمه يفتقر الصاحبُ
يذهب ما قد حازَ من عينه
…
لو أنه بكتمُر الحاجبُ
بكتمر الأمير سيف الدين المنصوري أمير جاندار.
وكان أولاً جوكنداراً، ويدعوه السلطان الملك الناصر يا عمي، وكان من أولاده أكبرهم يُدعى ناصر الدين محمد، لم يكن في مصر من يلعب الكرة مثله، ويدعوه السلطان: أخي، وكان لا يفارقه.
وكان بكتمر في أيّام سلاّر والجاشنكير أحد أرباب الحلّ والعقد، ثم إنهما عملا عليه وأخرجاه إلى الصُبيبة نائباً، فوصل إليها في شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبع مئة، فأقامَ بها مُدةً.
ولما توفي سُنقر شاه نائب صفد رسم له بنيابة صفد في شعبان سنة سبع وسبع مئة، فحضر إليها ومعه ثماني مئة مملوك، فإذا ركبَ فيهم كانوا قريباً من عسكر صفد، فأقام بها قريباً من سنتين، ولما خرج السلطان من الكرك لاقاه الأمير سيف الدين بكتمر إلى دمشق، وتوجه معه إلى مصر، وأقرّه في النيابة بمصر. ولم يزل في النيابة إلى أن أمسكه واعتقله، فأخذه إلى الأموات ونقله.
وكان بكتمر الجوكندار خيراً ساكناً، مائلاً إلى المسالمة راكنا، لا يرى سفك الدم، ولا يعتني بالقصاص ولا النقم، وإذا جاؤوه بقاتل ضربه ضرباً مبرحاً. وقال مصرحاً لا ملوحا: الحي خيرٌ من الميت، فليقم هذا من السجن في بيت، إلا أنه يضر به ما يقارب السبع مئة عصا، إلى أن يلوك من الألم الحصى، فكثر بذلك العبث والفساد في بلاد صفد، وزاد المتحرَّم وحشد.
وحجّ حجة وأنفق فيها أموالاً عظيمة، وأعطى الفقراء والمجاورين بالحرمين ما جلّى به لياليهم البهيمة، وحمل إلى مكتة القمح، وفرقه فيها بكفه السمح، وأنشأ
بصفد مكاناً يعرف بالمغارة والصهريج، وعمره بنفسه وبمماليكه من غير ترويج، ودفن به إحدى زوجاته أم بنيه، ورتب له على الديوان ما يكفيه.
ولما كان بمصر وهو نائب نزلَ السلطان إلى المطعم، خرج من السرج ومال إليه وقال: يا عم ما بقي في قلبي من أحد من هؤلاء الأمراء أن أمسكه إلا فلان وفلان، وذكر له أميرين، فقال له: ما تطلع من المطعم إلا وتجدني قد أمسكتهما، وكان لك يوم الثلاثاء، فقال السلطان: لا يا عم ألَا دَعْهُما إلى يوم الخميس أو يوم الجمعة نمسكهما بعد الصلاة، فقال: السمعُ والطاعة.
ثم إنه جهز له تشريفاً كاملاً ومركوباً هائلاً وإنعاماً من الذهب. فلما كان يوم الخميس قال له: غداً نمسكهما، فلما كان يوم الجمعة، قال له في الصلاة: أين هما؟ قال: حاضران، فقال بعد الصلاة تقدم بما قلتُ لك. فلّما انقضت الصلاة، قال: والله يا عم ما لي وجه أراهما وأستحيي منهما، ولكن إذا دخلتُ أنا في الدور أمسكهما أنت وتوجه بهما إلى المكان الفلاني، تجد منكلي، وقَجْليس سلمهما إليها وروح. فلما أمسكهما أنت وتوجه بهما إلى المكان الفلاني، تجد منكلي، وقجليس سلمهُما إليهما وروح. فلما أمسكهُما وتوجه بهما إلى ذلك المكان وجد الأميرين منكلي بغا وقجليس هناك. فقاما إليه وقالا له: عليك سمع وطاعة لمولانا السلطان، وأخذ سيفه، فقال يا خوش داش، ما هو هكذا الساعة كما فارقته، وقال: أمسك هذين وتوجه بهما إلى فلان وفلان فأطلقاهما وأمسكاه. وكان ذلك آخر العهد به، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وسبع مئة فيما أظن.
ولما كان في صفد كانت كتبُ السلطان ترد من الكرك إلى ابنه الأمير ناصر الدين مّحمد يقول له: يا أخي تقول لعمي كذا وكذا وطل روحك إلى أن يقدّر الله الخير.
بكتمُر الأمير سيف الدين الساقي الناصري.
كان أولاً من مماليك المظفر بيبرس الجاشنكير، ولّما استقر السلطان بعد مجيئه من الكرك أخذه ودخل في مماليكه، ولهذا كان غريباً في بيت مالهُ خوش داش، جميعُ الخاصكيّة مع أرغون الدوادار، ولما أمسك السلطان الأمير سيف الدين طغاي الكبير، وكان تنكز في دمشق يترامى إليه ويتعلق عليه، جهز السلطان يقول له: هذا بكتمر الساقي يكون لك بدلاً من طغاي، واكتب إليه بما تريد من حوائجك، وعظُم بكتمر وعلا محله وطار ذكرهُ، وكان السلطان لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً إلا أن كان في الدور، وهو إمّا أن يكون في بيت بكتمر أو بكتمر عنده، وزوجهُ أم أحمد ابنه وهي جارية السلطان وحظيّته، ولا يأكل السلطان إلاّ في بيت بكتمر مما تطبخه له أم أحمد في قدر فضّة وينام عندهم ويقوم، وكان الناس ما يعتقدون إلا أن أحمد ولد السلطان مما يطيل حمله وتقبيله، وقد تقدم ذكر أحمد المذكور في الأحمدين.
ولما شاع ذكر بكتمر وقُربه من السلطان، وتسامعَ الناس به قدّموا له غرائب كل شيء، وأهدوا إليه كل شيء نفيس، ومهما حُمل إلى السلطان من نوّاب الشام وغيرهم كان له مثله أو قريباً منه، والذي يجيءُ للسلطان غالبُه يصل إليه، إلى أن عظمت أمواله وظهرت أعماله.
وكان من أحسن الأشكال وأظرف الأشخاص التي تزول برؤيتها الأنكاد والأنكال،
طلق المحيا بساما، حلو الكلام كأن ألفاظه الدر نظاماً، كأنما جسمه بُلاّر، وخداهُ ذوبُ عقيق أو جلّنار، أشقر بحواجب سود وعيون مثلها، وجفون قلما يرى في الناس مثلها، مستعذباً لطيفاً بمن يقصده، رؤوفاً بمن يلتجئ إليه ويرصده، لا تُرد له إشارة، ولا يعطّل السعدُ عشاره، فهو عبارة عن الدولة وسلطانها، وهو المتمتع بنيل أوطارها في أوطانها، وإذا ركب كان بين يديه ظمئتا عصا نقيبٍ، وإذا نزل إلى إصطبله فهي زورة حبيب غفل عنها الرقيب، عمر لهُ السلطانُ إصطبلاً على بِرْكةِ الفيل على الجسر الأعظم، وفيه دار قل أن رأت مثلها العيون، أو اقتضتها من الأماني ديون.
أخبرني نور الدين الفيومي، وكان شاهداً على هذه العمارة وهو صاحبي، أن نفقة هذه العمارة في كل يوم مبلغ ألف وخمس مئة درهم مع جاه العمل. لا، العجل من عند السلطان، والحجارين والفعول من المحابيس، فقلت له: فكم مقدار ذلك لو لم يكن جاه، فقال لي: على القليل في كل يوم ثلاثة آلاف درهم، وأقاموا يعمّرون فيها مدة أشهر. وخرجت أنا من القاهرة وهم يعملون في الجل ولم يصلوا إلى الرخام والمنجور وعرق اللؤلؤ والسقوف المدهونة بالازورد والذهب.
ولما توفي في طريق الحجاز عائداً في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة، خلّف من الأموال والقماش والأمتعة والأصناف والزرد خاناه ما يزيد على الحد ويستحي العاقل من ذكره.
أخبرني المهذب كاتُبه قال: أخذ السلطان من خيله أربعين فرساً، قال هذه لي
ما وهبته إياها، وأبعنا الباقي من الخيل، على ما نهبه الخاصكّية وأخذوه بثمن بخس بما مبلغه ألف ألف درهم ومئتا ألف وثمانون ألف درهم، خارجاً عما في الجشارات، وأنعم السلطانُ بالزرد خاناه والسلاح خاناه التي له على قوصون بعد ما أخذ منها سرجاً وسيفاً.
قال لي المهذب كاتبه: القيمةُ عن ذلك ست مئة ألف دينار، وأخذ له السلطان ثلاثة صناديق جوهراً مثمناً لا يُعلم قيمة ذلك، وأبيع له من الصيني والكتب والختم والربعات والحمايليه ونُسخ البخاري المختلفة ومن الأدوية الفولاذ والمطعمة البصم بسفط الذهب وغير ذلك، ومن الوبر والأطلس وأنواع القماش السكندري والبغدادي وغير ذلك شيء كثير إلى الغاية المفرطة، ودامَ البيعُ لذلك مُدة شهور، امتنع القاضي شرف الدين النشو ناظر الخاص من حضور بيع موجود بكتمر واستعفى، قلت له: لأي شيء فعلتَ ذلك؟ قالَ: ما أقدر أصبر على غبن ذلك لأنه المئة درهم تباع بدرهم.
ولما خرج السلطان خرج بتجمل زائد وحشمة عظيمة، كتب في سريا قوس فرأيت ما هالني وخرج ساقه للناس كلهم، وكان ثقله. وحاله نظير ما للسلطان، ولكن يزيد على ذلك بالزركش وآلات الذهب.
ووجدوا في خزانته في طريق الحجاز بعد موته خمسَ مئة تشريف منها ما هو أطلس بطرز زركش وحوايص ذهب وكلوتات زركش، وما دون ذلك من خلع أرباب السيوف وأرباب الأقلام، ووجدوا على ما قيل قُيوداً وزناجير، والله أعلم بحقيقة الباطن في ذلك.
وتنكر السلطانُ له في طريق الحجاز واستوحش كل منهما من صاحبه، فاتفق أنهم في العود مرض ولده أحمد، ومرض بكتمر والده بعده، ومات ابنه قبله بثلاثة أيام. وعمل السلطان لأحمد تابوتاً وغشاهُ بجلدِ جمل وحمله معه. ولما مات بكتمر أمرَ السلطان للأمير سيف الدين بهادُر المعزي أن يدفنهما في الطريق عند نخل، وحث السير بعد ذلك.
وكان السلطان بعد ذلك في تلك السفرة كلها لا ينام إلا في برج خشب وبكتمر عنده، وقوصون على الباب، والأمراء والمشايخ كلهم حولّ البرج ينامون بسيوفهم، فلما مات بكتمر ترك السلطان ذلك، فعلم الناسُ أن ذلك الاحتراز كان خوفاً من بكتمر، وقيل: إنه دخل إليه السلطان وهو مريض في الحجاز فقال: بيني وبينك الله، فقال: كل من عمل شيئاً يلتقيه.
ولما مات صرخت أم أحمد وبكت وأعولت إلى أن سمعها الناس تتكلم بكلام قبيح في حق السلطان من جملته: أنت تقتل مملوكك أنا ابني إيش كان؟ فقال لها: بس تفشرين، هاتي مفاتيح صناديقه أنا كل شيء أعطيته من الجوهر أعرفه واحداً واحداً، فرمت بالمفاتيح إليه فأخذها. ولما حضر السلطان أظهر الندمَ عليه والخزن والكآبة، وأعطى أخاه قُماري إمرة مئة وتقدمة ألف، وكان يقول: ما بقي يجينا مثل بكتمر، ثم إنه أمر بحمل رمّته ورمةِ ولده من طريق الحجاز ودفنهما في تربته بالقرافة.
وكان للزمان به جمال وعلى الملك به رونق.
جاء أحمد بن مهنّا بعد قدوم السلطان من الحجاز ودخل يوماً إلى قاعدة الإنشاد وقال لنا سراً: بيت السلطان الآن يعوز شيئاً، وذلك الشيء كان بكتمر الساقي.
وقيل: إن السلطان كان يسير في طريق الحجاز وراء محفّة بكتمر وهو فيها مريض قدر رمية نشّاب، فإذا وقفوا به وقف وإذا مشوا به مشى، ويُجهز إليه بُغا الدوادار لكشف خبره، فلما جاء إليه وقال: يا خوند، مات ساق في مماليكه الخواص، وقال للحاج بهادر المعزي: يا أمير قف وغسله وادفنه، خلاه وسار يحثث السير، فعند ذلك نزل الأمير سيف الدين قوصون عن هجينه بعد ما عرّج عن الطريق، يُظهر أنه بُريق الماء واستند إلى الهجين وجعل يبكي والمنديل على عينيه، فقال له المملوك الذي معه: يا خوند ليش تبكي، ما كان بكتمر عدوّك؟ فقال: والك أنا أنا ما أبكي إلى على نفسي هكذا يُفعل ببكتمر؟! ومن فينا مثل بكتمر؟! ومن بقي بعد بكتمر؟! ما بقي إلا أنا.
وكان قصر بكتمر في سريا قوس بخلاف قصور بقية الأمراء لأنه قبالة قصر السلطان بحيث إنهما يتحادثان من داخل القصر، وعمر له بالقرافة خانقاه وتربةً مليحتين، وكان في إصطبله على البركة مائة سطل نحاس لمئة سائس، كل سائس على ستة أرؤس غير ماله في الجشارات والقرايا، ومع هذه العظمة والتقدم التمكن لم يكن له حماية ولا رعاية ولا لغلمانه ذكر، ومن المغرب يغلق باب إصطبله وما لأحدٍ به حس، وكان يتلطف بالناس ويقضي حوائجهم ويسوسهم أحسن سياسة، وما يخالفه السلطان في شيء، وكان يحجر على السلطان ويمنعه من مظالم كثيرة ظهرت من السلطان بعد موت بكتمر رحمه الله تعالى.
ولما تزوج آنوك ابنُ السلطان - على ما تقدّم في ترجمته - كنت أنا بالقاهرة سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة، ورأيت الشوار الذي حُمل من داره التي على بكرة الفيل إلى القلعة. وكان عدة الحًمالين ثمان مئة حّمال، المساند الزركش عشرة على أربعين حّمالاً،
المدورات ستة عشر حمالاً، الكراسي اثني عشر حمالاً. كراسي لطاف أربعة حّمالين، فضّيات تسعة وعشرين حّمالاً سُلم الدكك أربعة حمالين، الدكك والتخوت الأبنوس المفضضة والموشقة مئة واثنين وستين حمالاً، النحاس الكُفت ثلاثة وأربعين حّمالاً، الصيني ثلاث وثلاثين حمالاً، الزجاج المذهب اثني عشر حّمالاً، النحاس الشامي اثنين وعشرين حّمالاً، البعلبكي المدهون اثني عشر حّمالاً، الخونجات والمخافي والزبادي النحاسي تسعة وعشرين حمالاً، صناديق الحوائج خاناه ستة حّمالين، وغير ذلك تتمة العدّ، والبغال المحمّلة الفرش واللحف والبسط والصناديق التي فيها المُصاغ تسعة وتسعين بغلاً.
وقال لي المهذب الكاتب: الزركش والمُصاغ ثمانون قنطار ذهب بالمصري.
وكان مما لبكتمر على السلطان من المرتّب في كل يوم مخفيتان يأخذ عنهما من بيت المال في كل يوم سبع مئة درهم، كل مخفية ثلاثة مئة وخمسون درهماً. وكان السلطان إذا أنعم على أحد بشيء أو ولاه وظيفة حتى يبوس الأرض ويبوس يده، يقول له: روح إلى الأمير وبوس يده.
وعلى الجملة فكان أمره غريباً، ولقد كان رحمه الله تعالى أهلاً لتلك النعم الجمةِ لأنه كان جيّد الطباع حسنّ الأخلاق ليّن الجانب سهلّ الانقياد، رحمه الله تعالى.
وكنت قد قلتُ:
بذلتُ موجودي إذ زارني
…
حبي وأدنت على الباقي
فقال لي دُم هكذا قلتُ هل
…
تحسبني بكتمُر الساقي
بكتمر الأمير سيف الدين الحسامي.
كان بدمشق حاجباً، ثم إنه ولي الشد، ثم ولي مكانه في الشد الأمير جمال الدين آقوش الرستمي، وأعيد سيف الدين بكتمر إلى الحجوبيّة بدمشق، وفرح بإقالته من الشد، وكان عزله من الشد في ذي الحجة سنة ست وسبع مئة.
ثم إنّه توجّه لولاي الولاية بالقبليّة ورُسمَ بطلبه إلى مصر، فتوجّه في شعبان سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة، ولما وصل إلى القاهرة ولاّه السلطان ثغر الإسكندرية، فأقام بها إلى ورد البريد إلى دمشق وأخبرَ بوفاته في ثالث عشر شهر رمضان سنة أربع وعشرين وسبع مئة، وقال: وفاته في خامس شهر رمضان، وتولّى عوضه صلاح الدين دوادار قبجق.
بكتوت بدر الدين بن عبد الله المحمّدي.
أخبرني من لفظه العلاّمة أثير الدين قال: اشتغل علي بيسير من النحو، وأنشدني لنفسه:
بجلقٍ لي حبيبٌ
…
بوصله لا يجُودُ
فقلبُه قاسيونٌ
…
ودمع عيني يزيدُ
وأنشدني لنفسه أيضاً:
من لي بظبي غريرٍ
…
باللحظِ يسبي الممالك
إذا تبدى بليل
…
جلا سناهُ الحوالك
من حُور رضوانَ أنهى
…
لكنه نجل مالك
قلتُ: شعر متوسط فارغ.
بكتوت الأمير سيف الدين شكار، نائب السلطنة بثغر الإسكندرية.
كان قد عُزل من النيابة، وبقي مدةً إلى أن توفي رحمه الله تعالى بالقاهرة في أواخر شهر رجب سنة إحدى عشرة وسبع مئة.
بكتوت الأمير بدر الدين الأزرق مملوك السلطان الملك العادل كتبغا.
أمسكه حسام الدين لاجين وقتله، وقتل خواشداشه بُتخاص.
وكان الخلفُ قد وقع على اللجون في مرج بني عامر، ولّما بلغ ذلك الملكَ العادل خرج من الدهليز ولم يفطن به، وتوجه إلى جهة دمشق وساق حسام الدين لاجين للخزانة، والعساكر بين يديه، وذلك يوم الاثنين، ثامن عشري المحرم، سنة ست وتسعين وست مئة.
بكتوت الأمير بدر الدين القرماني.
كان عنده معرفة، والتفاتة إلى حُب الدنيا مسرفه، وتهور يقدم به على الخطر قبل أن يعرف مصرفه.
عالج صناعة الكيمياء حتى في الاعتقال، وكان الأولى به الفكر في الخلاص من تلك الضائقة والانتقال، وتنفس على تنكز فما نفسّ له خناقا، وضرب عليه في القلعةِ من البرجِ رواقا.
وكان قد باشر شد الدواوين بدمشق سنة إحدى عشرة وسبع مئة في شهر رمضان عوضاً عن الأمير سيف الدين طوغان، ثم إنه عُزل بفخر الدين أيّاس الشمسي، وجُهّز إلى الرحبة ثانياً في أول سنة ثلاث عشرة وسبع مئة، وتوجّه إلى نيابة حمص عوضاً عن الحاج أرقطاي في جمادى الأولى سنة ثماني عشرة وسبع مئة، وأقام بها إلى أن حضر الأمير سيف الدين البدري عوضاً عنه في صفر سنة تسع عشرة وسبع مئة.
وحضر إلى دمشق ثم جرد إلى سيس صحبة العسكر في سنة عشرين وسبع مئة، وعاد، ولم يزل بدمشق إلى أن وقع له ما وقع مع الأمير سيف الدين تنكز، فأمرَ باعتقاله في قلعة دمشق في آخر يوم من جمادى الأولى سنة ست وعشرين وسبع مئة، ولم يزل في الاعتقال إلى أن ورد المرسوم بتجهيزه إلى مصر مقيداً في حادي عشر شوال سنة سبع وعشين وسبع مئة، وفي مستهل المحرّم سنة أربع وثلاثين أفرجَ عنه وعن الأمير بهاء الدين أصلم وأخيه قرمشي.
بكتوت الأمير سيف الدين الغرزي العزيزي الناصري.
كان حاجباً بالشام مشكور السيرة، له همة مع كبر سنّه، مواظباً على المشي إلى الجامع في أوقات الصلوات وحده ويحمل نعله بيده، وسمع من النجيب عبد اللطيف الحراني هو وأولاده، وما روى شيئاً، وكان من أعيان الأمراء.