الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخذه معه. ولما توجه إلى حلب أخذه معه. ولما دخل البلاد الرومية أخذه معه إلى الروم. ولما عاد منها عاد معه إلى مصر، ولما مات طشتمر رحمه الله طلبه الأمير سيف الدين قماري أخو بكتمر الساقي، وكان في الأيام الصالحية أستاذ الدار فأقبل عليه إقبالاً زائداً، وعظمه، ولما مات
جمال الكفاة
، ولاه الصالح إسماعيل نظر الجيش، فأقام فيه إلى آخر أيام الصالح. ثم إنه حضر إلى القدس وأقام به، وأوقف عليه قرية تعمل في السنة بمبلغ، وحضر في أثناء ذلك إلى دمشق، ثم توجه إلى القدس. وأقام به، ولما أفرج عن الأمير سيف الدين شيخو، وأعيد إلى مكانه، طلبه إلى مصر، وجعله ناظر ديوانه، وكان عنده في الذروة من الوجاهة، واستمر عنده إلى أن مات رحمه الله في التاريخ، والله أعلم بسريرته، فإنّ الناس كانوا يتهمونه في دينه.
وكتبت إليه وأنا بالقاهرة في سنة خمس وأربعين وسبع مئة أتقاضاه نجاز منشور بإقطاع لابن أختي:
عجب الناس إذ جعلتُك قصدي
…
دُون قومٍ ما فضلهم بمبين
قلت رأي الرشيد للخير هادٍ
…
إذ غدا واثقاً بخير أمين
إبراهيم القاضي جمال الدين
جمال الكفاة
ناظر الدولة والجيوش والخاص، وهو ابن خالة القاضي شرف الدين النشو، والنشو هو الذي استسلمه واستخدمه مستوفياً في الدولة، ثم إنه استخدمه عند الأمير
سيف الدين بشتاك الناصري، فلبث عنده مدة، ثم إن الناس رموا بينه وبني ابن خالته النشو، فوقعت بينهم المعاداة الصعبة على سوء ظن من النشو وزيادة توهم، ولم يزل الأمير بينهما إلى أن أمسك النشو، ومات هو وجماعته تحت العقوبة على ما سيأتي في ترجمته.
وتولى جمال الكفاة نظر الخاص ونظر الجيش، ولم يتفق ذلك قبله لغيره، ولم يزل في عز وجاهٍ وتمشيةِ حالِ مخدومه بشتاك إلى أن توفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وولي الملك ولده أبو بكر، وخلع وولي الأشرف كجك، وخلع وهو على حاله، وأحبه قوصون، وبالغ في إكرامه، ثم حضر الناصر أحمد من الكرك، واستمر به على حاله، وأخذه معه إلى الكرك، وأقام عنده، فلما تولى الملك الصالح إسماعيل وهو في الكرك بقي مدة ووظيفتاه ليس بهما أحد، فتولى مكين بن قروينه الجيش، وبقي أخو جمال الدين - الكفاة - في الخاص يسده إلى
حين حضور أخيه، فلما حضر جمال الكفاه من الكرك تسلم وظيفتيه في الجيش والخاص، وبقي كذلك مدة وأضيف إليه نظر الدولة أيضاً، وصار هو عبارةً عن الدولة، ثم إنه أمسك وحمل شيئاً من الذهب تحت الليل وأفرج عنه، وخُلع عليه، وأعيد إلى وظائفه، ثم إنه أمسك، وفعل كالمرة الأولى، ثم أخرج عنه، وأعيد، وتمكن من السلطان الملك الصالح إسماعيل، وعظم عنده، وكتب له الجناب العالي، ولم يكتب ذلك إلا للوزير، ثم رسم له بإمرة مئة، وتقدمة ألف، وأن يلبس الكلوته، ويلعب الكرة مع السلطان في الميدان، فما كان إلا وهو في هذا الشأن، هل يقبل ذلك أو لا حتى عمل عليه، وأمسك هو وجماعة من مباشري الدولة، فتوهمها كالواقعة التي قبلها، فقتل هو بالمقارع وولده إلى أن مات هو تحت العقوبة، ورموه بأمورٍ الله أعلم بصحتها من فسادها.
وكان في أول أمره عند الأمير علاء الدين طيبغا القاسمي كاتباً، ومدة مباشرته الخاص وما معه ست سنين.
وكان في أول أمره عند الأمير علاء الدين طيبغا القاسمي كاتباً، ومدة مباشرته الخاص وما معه ست سنين.
وكان رحمه الله تعال حسن الشكل، مليح القامة، حلو الوجه ظريف العمامة، يتحدث بالتركي جيداً، ونم في ذلك اللسان عن فصاحته متحيداً، وما كتب أحدٌ أقوى من علامته ولا أكبر ولا أحسن، ولا أقعد من حروفها ولا أمدّ ولا أمتن، بزته مليحة، وعبارته فصيحة، وفكرته متسرعة، وخبرته عن صحة ذهنه متفرعة،
وشجاعته بالإقدام متدرعة، وهمته عن الرذائل متورعة، مع لطف عشرة، وظرف تنديب يرقص إذا أبدى بشره، يحب الفضلاء ويدنيهم، ويعينهم بالجود ويغنيهم، يقضي أشغالهم، ويحمل أثقالهم، وكان يولعُ بفن التصحيف، ويأتي فيه بالرائق الظريف، قال يوماً ونحن جلوس في دار ابن خالته، وهو ما هو في عظمته وجلالته، وقد جرى تصحيف عجيب، بين مبتدي ومجيب، فقال لي: هو بحبل يشنق، فما مرت بأذن أحد إلا وأطرق، وغاص في بحرها واستغرق، وقمت أنا إلى الطهارة لقضاء ما لا بد منه، ولا غنى لكل أحد عنه، وخاطري بما قاله متعلق، وبرقُ فهمها غير متألق، وفي ذهابي ملتُ إلى قلبها وتصحيفها فظهرت لي فائدة تأليفها، فعدت إليه قبل ذهابي ملتُ إلى قلبها وتصحيفها فظهرت لي فائدة تأليفها، فعدت إليه قبل ذهابي، وأسرعت إيابي، وقلت له ما ظهر لي في حلها، وسقيته من وبلها وطلها. فقال: يا مولانا! كنت صبرت إلى أن قضيت شغلك، وأتيت بما وسع فضاك وفضلك. فقلت: حلاوة الفهم، أذهلتني عن رشق هذا السهم.
وكان جمال الكفاة رحمه الله تعالى في آخر أمره، ونفاسة قدره، قد سلك مسلك كريم الدين الكبير في اقتناء المماليك الأتراك، وأكثر من جباتها في العقود والأسلاك، قد تأنق في ملابسهم الفاخرة وتجديدها، وتحلية مناطقهم التي علائقها يطرب تغريدُها، ولما هلك تحت العقاب، وحمل فوق الجنوية على الرقاب، حزن لذلك أوداؤه وشمت بمصابه أعداؤه، وذلك في أوائل صفر سنة خمس وأربعين وسبع مئة.