الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد بن يوسف بن يعقوب
القاضي الكاتب الفاضل الناظم الناثر شمس الدين الطِيبيّ - بكسر الطاء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها باء موحدة -.
كان فاضلاً أديباً، عالماً لبيباً، سامعاً على البديهة مجيباً، ينظم الدُرَر، ويطلع في طِرسه الزُّهر، وإن تنازلنا قلنا الزَّهَر، قادر على النظم، نتزل سكين فيه إلى العظم، ويأتي منه بما يشرف الأسماع ويشنفها، ويحكم على المعاني فيتنزل على مُراده ويصرّفها، يترسّل فلا يعثر له جواد قلم في ميدان إنشائه، ويستقي المعاني الغويصة من قَليب الفكر على قِصَر رشائه، رأيت بخطّه الحاجبية، وقد علق في آذان حواشيها أقراطاً، وأتى فيها بفوائد تدلّ على أنه من أئمة هذا الفن فيما تعاطى.
أخبرني القاضي شهاب الدين فضل الله قال: أخبرني جمال الدين بن رزق الله قال: كان عندنا ليلة في مجلس أُنس، وقد أخذت السُّلاف منه مأخذها إلى أن صار في غيبةٍ عن وجوده، وذكرنا له واقعة المسلمين على شَقْحب، ونصرتهم على التتار، وقلنا له: لو نظمت في هذا شيئاً، فأخذ الدواة، ونظم قصيدة تتجاوز التسعين بيتاً فائية، ومدح فيها السلطان. قال: فأعجبتنا وقمنا آخر الليل ورحنا إلى الحمّام، فلما أفاق وصحا وأجرَيْنا له ذكر القصيدة، فأنكر وقوعها، وحلف أن هذا أمر لم يبدُ منه، فقلنا له: هذه قصيدة فائية أوّلها:
برق الصوارم للأبصار يختطف
فقال: أروني إيّاها. فأوقفناه عليها، فأعجبته، وزاد إعجابنا بها. قال ابن رزق الله: وقمت وأخذتها وأتيت بها إلى والدك القاضي محيي الدين، فلما وقف عليها أعجبته، وأوقف عليها أخاه عمّك القاضي شرف الدين بن فضل الله فأعجبته، وكانت سبباً لأن استخدمه كاتب إنشاء بطرابلس، انتهى.
قلتُ: وهذه قصيدة بديعة في بابها، وسوف أوردها إن شار الله تعالى في ترجمة السلطان الملك الأعظم الناصر محمد بن قلاوون.
ولم يزل الطيبي في طرابلس على حاله إلى أن صار الطيبي في قبره جيفة، ولم يجد الحمام من حدّ لسانه خيفة.
وتوفي رحمه الله تعالى بطرابلس في شهر رمضان سنة سبع عشرة وسبع مئة.
ومولده في عشري الحجة سنة تسع وأربعين وست مئة.
ومن شعره:
لست أنسى الأحباب ما دمتُ حيّاً
…
إذا نَوَرا للنوى مكاناً قصيّاً
وتلَوا آيةَ الدموع فخرّوا
…
خِيفة البينِ سُجّداً وبُكيّا
فبذكراهم تسحّ دموعي
…
كلما اشتقت بُكرةً وعشيّا
وأناجي الإله من فرط حزني
…
كمناجاة عَبْدِه زكريّا
واختفى نورُهم فناديت ربي
…
في ظلام الدجى نداءً خفيّا
وَهَنَ العظم بالبِعاد فهَبْ لي
…
ربَّ بالقرب من لِدنك وليّا
واستجب في الهوى دعائي فإني
…
لم أكن بالدعاء رَبِّ شقيّا
قد فرى قلبي الفراقُ وحقاً
…
كان يومُ الفراق شيئاً فرّيا
ليتني متّ قبل هذا وأني
…
كنتُ نِسياً يوم النوى منسيّا
لم يك الهجر باختياري ولكن
…
كان أمراً مقدّراً مقضيّا
يا خليليَّ خلّياني وعشقي
…
أنا أولى بنار وَجْدي صلّيا
إن لي في الفراق دمعاً مُطيعاً
…
وفؤاداً صبّاً وصبراً عَصيّا
أنا في هجرهم وَصَلْتُ سُهادي
…
فصِلاني أو اهجُراني مليّا
أنا في عاذلي وقلبي وحبّي
…
حائرٌ أيّهم أشد عِتيّا
أنا شيخ الغرام مَنْ يتّبعني
…
أهدِهِ في الهوى صراطاً سويّا
أنا مَيْتُ الهوى ويومَ أراهم
…
ذلك اليومُ يومَ أُبعث حيّا
أنا لو لم أعش بمقْدَمِ مولى
…
هو مولى الوجود لم أك شيّا
الفتى الباسطُ الجميلَ جمال ال
…
دين من زار من نداه النديّا
سيّد مرتضى الخلائق أضحى
…
راضياً عندّ ربّه مرضيّا
صادق الوعد بالوفاء ضمين
…
كالذي كان وَعْدُه مأتيّا
أوحدٌ في الصفات لم يجعل الله ل
…
هـ قطّ في السموّ سَميّا
لا يُرى في الصدور أرحبَ صدراً
…
منه إذ تحضر الصدور جثيّا
ما جد أولياؤه في رشادٍ
…
وعِداه فسوِف يَلقَون غَيّا
وفتى بالسّماح صبّ رشيد
…
أوتي العلَم حين صبيّا
بلَبَان الكمال غُذّيَ طفلاً
…
ونشا يافعاً غلاماً زكيّا
لم يزل منذ كان برأ تقياً
…
وافياً كافياً وكان تقيّا
جعل الله في ادّخار المعالي
…
لعلاه لسانَ صدْق عليّا
كم عديم الثراء أثنى عليه
…
وانثنى واجداً أثاثاً وريّا
وأولو الفضل حينَ أمّوا قِراهُ
…
أكلوا روقَه هنيّاً مريّا
قلت: قد اقتبس شمس الدين الطِّيبي هذه من سورة مريم، كما اقتبسَ ابن النبيه قوله:
قمت ليل الصدود إلاّ قليلاً
…
ثم رتّلتُ ذكركم ترتيلا
من سورة المزمّل.
وكما اقتبس سيف الدين بن قزل المشد قوله:
شِمتُ في الكأس لؤلؤاً منثوراً
…
حين أضحى مزاجها كافورا
من سورة الإنسان.
والاقتباس إذا كان من آية من آيتين لا بأس به. وأما سورة بكمالها ففي هذا من إساءة الأدب ما فيه.
ومن شعر الطيبي رحمه الله تعالى:
النهر وافى شاهراً سيفَه
…
ولَمْعُه يحتبس الأعينا
فماجت البركة من خوفه
…
وارتعدت وادّرعت جَوشنا