الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشدني من لفظه في العايق الطبّاخ:
قد غلب العايق في قوله
…
لمّا أتى الطاعون بالحادثِ
قمحيَّتي تقتل من يومها
…
وأنت في يومين والثالث
وكتب إليّ ونحن بالقاهرة:
أيا فاضلاً ساد الورى بفضائل
…
تناهت فما أضحى لهنّ بديلُ
تقمّصتَ ثوبَ العلم والحلم والندى
…
فأنت صلاحٌ للورى وخليلُ
ولستَ خليلاً بل خليجاً لواردٍ
…
غلِظتُ فسامحني فنيْلُك نيلُ
فكتبتُ أنا الجواب إليه:
أيا ابن أبي الخوف الذي أمنتْ به
…
طرائق نَظْمٍ واستبان دليلُ
لقد فُتَّ غايات الأولى سبقوا إلى
…
نهايات فضلٍ ما إليه سبيلُ
فأنت على هذا الزمان كُثيِّرٌ
…
ورأيُك في النظم البديع جميلُ
أحمد بن محمد
شهاب الدين المعروف بالحاجبي - بحاء مهملة، وبعد الألف جيمٌ وباءٌ موحّدة -.
شابٌّ جنديّ، ذهنه أمضى من الهندي، يتخيّل المعنى الغامض، ويورد اللفظ
الحُلو لا الحامض، مقاطيعه رائقة، ومعانيه بالقلوب لائقة. اجتمعت به في شوق الكتب بالقاهرة في سنة ثمانٍ وثلاثين وسبع مئة.
وأنشدني من لفظه لنفسه:
أقول شبه لما جيْد الرشا ترفاً
…
يا معمِلَ الفكر في نظْمٍ وإنشاءِ
فظلّ يُجهد أياماً قريحته
…
وشبّه الماء بعد الجهد بالماءِ
فقلت له: أطلقت الرشا ههنا، ولو قلت الرشا الذي سباني، أو جيد معذّبي لكان أقعد في التوطئة، ثم أنشدته فيما بعد لنفسي:
أقول شبّه لنا كأساً إذا مزج ال
…
ساقي طلاها اهتدى في ليله الساري
فظل يُجهد أياماً قريحته
…
وشبّه النار بعد الجهد بالنارِ
فقال: إلا أنني أنا أتيت بالمثل السائر، فأنشدته فيما بعد لنفسي:
أتى الحبيب بوجهٍ جلَّ خالقه
…
لما براه بلطف فتنة الرائي
فلاح شخصً عذولي وَسْط وَجْنته
…
فقلت شبّهه لي في فرط لألاء
فراح يُجهد أياماً قريحته
…
وشبّه الماء بهد الجهد بالماء
قلت: وأصل هذا المثل أن الوجيه ابن الذروي دخل يوماً إلى الحمّام ومعه ابن وزير الشاعر، فقال ابن وزير:
لله يومي بحمّامٍ نعمتُ بها
…
والماء ما بيننا من حولها جارِ
كأنه فوق شفّاف الرخام ضحىً
…
ماءٌ يسيل على أثواب قصّارٍ
فقال ابن الذَّروي:
وشاعرٍ أوقدَ الطبع الذكيُّ له
…
فكاد يحرقه من فرط إذكاء
أقام يُعمل أياماً قريحته
…
وشبه الماء بعد الجهد بالماء
وكان هذا شهاب الدين الحاجبي كثيراً ما يتّبع كلامي، ويقصد إصابة مراميْ ولما سمع قولي قديماً:
قالتْ لأيْري وهو فيها ضائع
…
كالحبل وسط البير إذ تلقيته
قد عشت في كسّ كبير قلت ما
…
كذَبتْ لأنّ الكاف للتشبيه
قال هو واختصر وأجاد:
ربّ صغيرٍ حين ولّفتُه
…
أيقنتُ لا يدخل إلا اليسيرْ
ألفيته كالبير في وُسعه
…
حتى عجبنا من صغيرٍ كبير
وكذا لمّا سمع قولي:
يا طيب نشر هبّ لي من نحوكم
…
فأثار كامنَ لَوعتي وتهتُّكي
أدّى تحيتكم وأشبه لطفكم
…
وروى شذاكم إنّ ذا نشر ذكي
نظمه أيضاً فقال:
لا تبعثوا غير الصَّبا بتحيّة
…
ما طاب في سمعي حديثُ سواها
حفظتْ أحاديث الهوى وتضوّعتْ
…
نشْراَ فيالله ما أذكاها
ولما أنشدنيهما قلت له: إلا أنك نقصتها صفة عما وصفتها به، فاعترف.
ولم يزل الحاجبي على حاله إلى أن ذهبتْ عينُهُ وأثرُهُ، وأقام في لحده إلى أن يشقّه الله يوم القيامة ويبعثره.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة تسع وأربعين وسبع مئة في طاعون مصر.
وأنشدني الشيخ ناصر الدين محمد بن يعقوب المكتِّب المصري من لفظه، قال: أنشدني من لفظه لنفسه شهاب الدين الحاجبي، رحمه الله تعالى:
قيل لي إذ لثمت وَرْداً على الخ
…
د جنيّاً من دونه الجلّنارُ
هل لورد الخدود يا صاح شوكٌ
…
مثل وِرد الرياض قلت العذار
وبه قال: أنشدني:
عودوا لصبٍّ بكى عليكم
…
يا جيرةً ودّعوا وساروا
فدمْعُ عينيه عاد بَخْراً
…
وقلبه ما له قَرارُ
وبه قال: أنشدني:
ودّعتهم ودموعي
…
على الخدود غِرارُ
فاستكثروا دمعَ عيني
…
لما استقلّوا وساروا
وبه قال: أنشدني:
إلى الله أشكو من عليَّ فإنني
…
شرحتُ له شَوقي وفَرْطَ تألّمي
وأحوجني للغير بيني وبينه
…
ويحتاج مَنْ يَهوى عليّاً لسُلَّمِ
وبه قال: أنشدني:
قلتُ هل لي من دواءٍ
…
قد غدا جِسمي عليلاً
قال تسْلو عن عليَّ
…
قلتُ أمّا عنْ عليْ لا