الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان فاضلاً رئيساً كبير الهِمّة نفيساً، مليح المحيّا من بيتٍ يتضوّع في السيادة ريّاً، حسن العبارة جميل الشارة لطيف الإشارة. لم يزل إلى أن حنّ الموتُ إلى ابن حنّا، وجعل جَسده في البلى شنّاً.
وتوفي رحمه الله تعالى في عاشر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وسبع مئة، ودفن عند أهله بالقرافة، وكان في عُشر الأربعين.
أحمد بن محمد بن إسماعيل الإربلي
الشيخ شهاب الدين المعروف بالتعجيزي، لأنه كان يحفظ التعجيز، وحفظ شيئاً من الحديث وعلومه، ومعه خطوط الأشياخ بذلك.
كان نوعاً غريباً وشخصاً عجيباً، وعقله أعجبُ من كل عجب، وشعره كما قيل في المثل:" ترى العجَبَ في رجَب "، ألفاظ لا يقدر الفاضل الذكيّ على أن يأتي لها بنظير، ولا يتكلّف البارع النحرير على أن يجيء بمثلها إلاّ إن كان في باشة وزنجير، شعرٌ في غير الوزن، وألفاظٌ ما تحدّث بها أهل سَهلٍ ولا حَزن، فإذا أنصف العاقل وفكّر فيه جدّ الفكرة علم أن هذا في الوجود فذّ، وهو مما ندر وجوده في العالم وشذّ، وهذا لو لم يكن طباعاً منه بلا تكلّف وسجيّة يوردها على رسله من غير تخلّف، لقدر الفضلاء على محاكاته وتكلّفوا المشابهة له في بعض حركاته، هذا مع صورة جَلّ مَنْ خلقَها، ولحيةٍ ما ظلم مَنْ أخذ الموسى وحلقها، رأيتُه مرات عديدة، ولقيته في مظاهر جديدة، فما كنت أقضي العجب من كلامه، وأتطفّل على سلامه.
ولم يزل على حاله إلى أن مرض مرضاً طويلاً وبقي مدة يُرى عليلاً، وهو مع ذلك يتحامل وينعكس ويتخامل، فأصبح وما أمسى، وبطل من كلامه ما كان جَهْراً وهَمْساً.
وتوفي رحمه الله تعالى في ثالث عُشريْ شعبان سنة ثمان وعشرين وسبع مئة.
أنشدني من لفظه الشيخ الإمام العالم العلاّمة صلاح الدين العلائي قال: أنشدنا التعجيزي لنفسه:
سُنّ يا شيعَ إني بينكم وسطٌ
…
مذبذبٌ لا إلى هَوُلا ولا ثَمَةِ
وفي القيامة في الأعراف منقعدٌ
…
وانتظرْ منكم مَنْ يدخل الجنةِ
فإنْ دخلتم فإني داخل معكم
…
وإن صُفعتم فإني قاعد سَكِتِ
ومعنى هذه الأبيات أنه قال: يا أهل السنّة ويا شيعة أنا في أمري بينكم متوسط لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وفي القيامة أكون على الأعراف قاعداً، فمن دخل الجنة دخلتُ معه، ومن صُفع منكم كنت في مكاني قاعداً ساكتاً. فأنت ترى هذه الألفاظ كيف أخذها وبتَر تراكيبها وغيّر أبنيتها وجعلها من المهملات التي لا معنى تحتها " ويخلق ما لا تعلمون " النحل:16 8.
وكان يحب شخصاً فعمل فيه أبياتاً وأوقف عليا الشيخ نجم الدين القحفازي، وأول الأبيات:
أيها المعرضُ لا عَنْ سببا
…
أصلحكَ الله وصالي الأربا
فكتب له الشيخ نجم الدين، ونقلت ذلك من خطّه:
يا شهاباً أهدى إليّ قريضاً
…
خالياً من تعسُّف الألغاز
جاءني مؤذِناً برقّة طبعٍ
…
حين رشحته بباب المجاز
إن تكن رُمتَ عنه منّي جزاءً
…
فأقلْني فلست ممن يجازي