الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجاز له الحافظ المنذري، ولاحق الأرتاحي، والبهاءُ زهير، وأبو علي البكري.
وخرج له التقي عبيد مشيخة، وحدث قديماً، وسلك طريقاً قويماً.
وأخذ عنه المصريون وسمعوه، وارتضوه وما دفعوه، وزان بالرواية زمانه، ورصع دره في تاجها وجمانه، إلى أن أدركته الوفاة، وختم الموتُ نطقه وفاه. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمانٍ وثلاثين وسبع مئة. وولد سنة تسعٍ وأربعين وست مئة.
إبراهيم بن علي بن خليل الحراني
المعروف بعين بصل.
كان على ما اشتهر من أمره عامياً حائكاً أمياً، وله الشعر المقبول، والطبعُ الذي هو على القريض مجبول.
أناف على الثمانين من عمره، ولم يخمد توقد جمره. نظر يوماً بعض أصحابه إلى امرأة برزت بصفحة بدر في حندس، وغرست فوق خدها زهرة نرجس، فسأله أن ينظم في ذلك شعراً، وينفسَ به كرب قلبه المغرى، فقال بديهاً، وأنشد الحاضرين فيها:
غرست في الخد نرجسة
…
فحكت في أحسن الصور
كوكباً في الجو متقداً
…
قد بدا في جانب القمر
وذكر لي غير واحدٍ أن القاضي شمس الدين بن خلكان رحمه الله تعالى قصده واستنشده شيئاً من شعره، فقال: أما القديم فلا يليق، وأما الوقتُ الحاضر فنعم، وأنشده:
وما كل وقتٍ يسمح خاطري
…
بنظم قريضٍ فائقٍ اللفظ والمعنى
وهل يقتضي الشرعُ الشريف تيمماً
…
بتربٍ وهذا البحر يا صاحبي معنا
وبعض الناس يحكي أن ذلك اتفق له مع الشيخ صدر الدين بن الوكيل رحمه الله تعالى.
قلت: وليس ذلك بصحيح، فقد ذكر المؤرخون أن شميماً الحلي لما قدم إسعرد، قصده شعراؤها وأنشدوه أشعارهم، وكان فيهم من أنشده شعراً استكثره عليه وقال: انظم الآن لي شيئاً فأنشده ذلك الرجل في الحال، وهذا هو الصحيح، لأن شميماً الحلي توفي بالموصل سنة إحدى وست مئة، ولم يكن عين بصل قد خلق.
وكان عين بصل فقيراً يهبه الناسُ قماشاً، وما يكلفونه معاشاً، وكان يلبس القطعة مدة، وإذا أفلس باعها، ومد إليها كف نفقته وباعها، فلامه بعضُ الناس على
هذا الاعتماد، وقال: هذا موجب لأن يسوء منهم فيك الاعتقاد، فأنشده ارتجالاً وقال له لا تمتلي مني ملالاً:
وقائل قال إبراهيمُ عينُ بصل
…
أضحى يبيعُ قباً للناس بعد قبا
فقلت مه يا عذولي كم تعنفني
…
لو جعت قدتُ ولو أفلست بعت قبا
ومما ينسب إليه قوله في الشبكة والسّمك: كم كبسنا بيتاً كي نمسك السكانَ منه في سائر الأوقاتِ فمسكنا السكانَ وانهزم البيتُ لدينا خوفاً من الطاقات قلت: وقد رأيتهما أيضاً لغيره.
ولم يزل في اكتسابه، وتعاطيه للشعر وانتسابه، وتوكله على بر الناس له واحتسابه، يخبط بين الحكياة والحكاية، وينقلب من الشكر إلى الشكاية، إلى أن رقد فما انتبه، وعتب صاحبه الموتَ فيه فما أعتبه.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وسبع مئة.
ومن شعره الذي نسب إليه قوله:
جسمي بسقمِ جُفونه قد أسقما
…
ريم بسهم لحاظه قلبي رمى
كالرمح معتدلُ القوام مهفهفٌ
…
مر الجفا الكنّه حلو اللمى
رشأ أحل دمي الحرامَ وقد رأى
…
في شرعهِ الوصل الحلالَ محرما
رب الجمال بوصله وبهجره
…
ألقى وأصلى جنةً وجهنما
عن ورد وجنته بآس عذاره
…
وبسيف نرجسِ طرفه الساجي حمى
عاتبته فقسا، وفيتُ فخانني
…
قربُته فنأى، بكيت تبسماً
حكمته في مهجتي وحشاشتي
…
فجنى وجار علي حين تحكما
يا ذا الذي فاق الغصون بقده
…
وسما بطلعته على قمر السما
رفقاً بمن لولا جمالك لم يكن
…
حلفُ الصبابة والغرامِ متيماً
أنسيت أياماً مضت وليالياً
…
سلفت وعيشاً بالصريم تصرما
إذ نحن لا نخشى الرقيب ولم نخف
…
صرف الزمان ولا نخاف اللوما
والعيش غض والحواسدُ نومٌ
…
عنا وعينُ البين قد كحلت عما
في روضةٍ أبدت ثغور زهورها
…
لما بكى وبها الغمامُ تبسّما
مدّ الربيعُ على الخمائل نوره
…
فيها فأصبح كالخيام مخيما
تبدو الأقاحي مثل ثغر مهفهف
…
أضحى المحبُّ به كئيباً مغرما
وعيونُ نرجسها كأعيان غادةٍ
…
ترنو فترمي باللواحظ أسهما
وكذلك المنثورُ منثورّ بها
…
لما رأى ورد الغصون منظما
والطيرُ تصدح في فروع غصونها
…
سحراً فتوقظ بالهديل النوما
والراح في راح الحبيب يديرها
…
في فتية نظروا المسرة مغنما
فسقاتُنا تحكي البدور، وراحنا
…
تحكي الشموسَ، ونحن نحكي الأنجُما
قلت: وشعره كله من هذه النسبة - كما تراه - غيرُ متلاحم النسج، ولا مستقيمُ النهج.