الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نحو إقواء النابغة وبشر والحرث، الذي جمعوا فيه بين روي مكسور وآخر مضموم.
وهل الضمة والكسرة إلا فرع من الواو والياء؟
لزوم ما لا يلزم
يطلق هذا الاصطلاح على القيود التي يلتزمها بعض الشعراء، من دون أن تكون الصناعة ملزمة لهم بذلك، وأهم هذه القيود التطوعية أن يلتزم الشاعر قافيتين، كما فعل المعري في اللزوميات وبعض الدرعيات. وهذا النوع من الالتزام لما لا يلزم قديم، جاء بعضه في الشعر الجاهلي، وأكثر منه يزيد بن ضبة (1) من شعراء الإسلام، وكثير عزة. وقد أكثر منه الشعراء جدًا فيما بعد المعري، لا سيما في المغرب، ويظهر أن عمر الخيام كان يلتزمه في شعره العربي، فقد رووا له:
إذا رضيت تفي بميسور بلغةٍ
…
يحصلها بالكد كفي وساعدي
أمنت تصاريف الحوادث كلها
…
فكن يا زماني موعدي أو مواعدي
أليس قضا الأفلاك في دورها بأن
…
تعيد إلى نحسٍ جميع المساعد
فيا نفس صبرًا في مقيلك إنما
…
تخر ذراه بانقضاض القواعد (2)
ولزوم ما لا يلزم قيد ثقيل للغاية، وقل أن تتيسر معه الإجادة، إلا ما كان من أمر كثير والمعري في بعض لزومياته.
القوافي المقيدة:
وهي ما يكون حرف الروي فيه ساكنًا. مثل:
(1) شاعر الوليد بن يزيد، انظر ترجمته في أغاني الدار: 7 - 95.
(2)
تاريخ الحكماء لابن القفطي (أوربا)، 244.
تميم بن مر وأسياعها
…
وكندة حولي جميعًا صبر
واستعمال القافية المقيدة بعد المد كثير جدًا نحو: «غادر» و «ناصح» و «عليم» و «مغربان» . ولكن استعمالها من غير أن يسبقها مد غير كثير، وفيه عسر شديد في البحور الطوال، إلا بحري الرمل والمتقارب لخفتهما، فمثال الأول قول سويد ابن أبي كاهل:
بسطت رابعة الحبل لنا
…
فوصلنا الحبل منها ما اتسع (1)
ومثال الثاني بيت أمرئ القيس الذي تقدم.
وعامة البحور القصار يصلح فيها التقييد من غير اعتماد على مد قبله، كما في ميمية البحتري المعروفة:
قل للخليفة جعفر الـ
…
متوكل بن المعتصم
المجتدي للمجتدي
…
والمنعم ابن المنتقم (2)
وبحر البسيط بخاصة من أشق مسالك القافية المقيدة المسبوقة بحرف متحرك، اللهم إلا أن يكون الروي المقيد هاء كما في قول الآخر:
يا جفنة كإزاء الحوض قد هدموا
…
ومنطقًا مثل وشي اليمنة الحبره (3)
وبحر الخفيف يشبه البسيط في هذه الناحية، ويجوز أن يأتي فيه نحو:
(1) المفضليات، 381.
(2)
ديوان البحتري (هندية 1911) 2 - 224.
(3)
هذا البيت من أبيات قيلت في رثاء بعض من قتلهم النعمان أحمر العينين والشعر. فالشاعر يقول: قد قتل النعمان بقتله جوادًا كريمًا، وفصيحًا منطيقًا، وقد ندم بقتله جفنة كالحوض، وضيع منطقًا كالوشى.
أنت مولاي شاخص مستصحب
…
وضياعي إليكم سوف ينسب (1)
وبحر الوافر يجيء فيه التقييد مع عسر شديد. والكامل والرجز يقبلان التقييد، والجياد المقيدات فيهما قليل، من ذلك قافية رؤبة الرجزية:
وإليها يشير المعري في قوله:
مالي غدوت كقاف رؤبة قيدت
…
في الدهر لم يطلق لها إجراؤها
مل المقام فكم أعاشر أمة
…
أمرت بغير صلاحها أمراؤها
والطويل أصلح الأوزان الطوال للروي المقيد، كما في كلمة لبيد:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما
…
وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
إذا حان يومًا أن يموت أبوكما
…
فلا تخمشا وجهًا ولا تخلقا شعر
وقولًا هو المرء الذي لا حريمه
…
أضاع، ولا خان الصديق ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
…
ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر (2)
وهذا البيت مما تعب النحويون وأتعبوا الناس بالاستشهاد به.
ومن ذلك كلمة أبي عرارٍ، وهي حماسية مشهورة:
أرادت عرارًا بالهوان ومن يرد
…
عرارًا لعمري بالهوان فقد ظلم (3)
وإن عرارًا إن يكن غير واضحٍ فإني أحب الجون ذا المنكب العمم
(1) هذا البيت صنعته وسلخته من قول ابن الزومي:
أنت ملاي شاخص مصحوب
…
وضياعي اليكم منسوب
(2)
انظر رسالة الغفران (لابن الشاطئ) 429، وخزانة الأدب للبغدادي، السلفية (3 - 254).
(3)
وانظر الشعر والشعراء 1: 389 - 390.
وقد تجيء قافية الطويل منتهية بالماء الساكنة، بعد حرف روي ملتزم، على حد ما ذكرناه في بحر البسيط، فتحسن جدًا كما عند النابغة (1):
وإني لألقى من ذوي الضغن منهم
…
وما أصبحت تشكو من الوجد ساهره
كما لقيت ذات الصفا من حليفها
…
وما انفكت الأمثال في الناس سائره
إلخ
…
والأبيات مشهورة.
ومن أعسر القوافي المقيدة، قافية المترادف، وهي التي يتوالى في آخرها ساكنان. وأعسر ما تكون عندما يكون الساكنان صحيحين، نحو قول عدي بن أبي الزغباء الأنصاري:
أنا عدي والسحل
…
أمشي بها مشي الفحل (2)
وهذا نمط صعب، والشعراء يتحامونه إلا في المشطورات القصار، وقد ركبه المعري في قوله:
يا شائم البارق لا تشجك الـ
…
ـأظعان فوضن إلى أرض بين
أبين للأوطان في عازب الر
…
وض، فما وجدك لما أبين (3)
وهي كلمة طويلة يعجبني منها هذان البيتان.
وشبيه بالصحيحين الساكنين في العسر، أن يكون الحرف السابق للروي الساكن، واوًا أو ياء ساكنة مفتوحًا ما قبلها، كما في قول الراجز:
(1) مختارات الشعر الجاهلي: 261 - 263 ورسالة الغفران: 287 - 288 وقوله: وما أصبحت
…
لا يناقض قوله ساهره، وإنما أراد أن أعاديه أصبحوا يشكون من حر الموجدة عليه، بعد أن أرقهم الليل بتمامه.
(2)
قاله في يوم، ورأيته في تحقيق الأستاذ: مارزون جونز "جامعة لندن" لمغازي الواقدي، وهو يعده للطبع.
(3)
لزوم ما لا يلزم (مصر) 2: 213، وأبين: حنن.
مالك لا تنبح يا كلب الدوم
…
قد كنت نباحًا فمالك اليوم (1)
وهذا النوع نادرٌ لا يكاد يجيء إلا في مشطورات السريع، وقل أن تجده في القصائد الطوال، ولا أعرف من ذلك إلا كلمة جيدة للمعري في الدرعيات مطلعها (2):
ما نخلت جارتنا ودها
…
يوم تراءت بكثيب النخيل
وفيها في صفة الدرع:
يحسبها الضب إذا ألقيت
…
في أرضها الغبراء ثنون سيل
يشتد خوفًا بعد إخباره
…
حسيله عنها وأم الحسيل (3)
ما ذية هم بها عاسل
…
من القنا لا عاسل من هذيل (4)
فمن لبسطام بن قيس بها
…
ذخيرة أو عامر بن الطفيل
أعدها الشيخ معد لما
…
يطرقه من لف خيل بخيل (5)
كانت لهودٍ عدة قبل أد
…
يان يهودٍ حدثت من قبيل
بدلت من لونٍ الصبا شاملًا
…
جونا بلونٍ كبياض الأجيل (6)
فارتحل النضر لرع سوى
…
ربعي فرارًا من أبيه شميل (7)
(1) مقدمة اللزوميات، ص 7.
(2)
شرح التنوير على سقط الزند 20: 216.
(3)
ازعموا أن الضب يكره الماء. والحسل ولد الضب.
(4)
الماذية: الدرع اللينة. والماذي من العسل: الأبيض. والعاسل: الرمح الخطار، وجاني العسل، وكان شعراء هذيل يحسنون صفة اشتيار العسل، وانظر شعر ساعدة بن جوبة.
(5)
أظنه عني بيطرقه: ينوبه. والعرب في الجاهلية لم تكن تعرف البيات في الحرب.
(6)
الأجيل: تصغير إجل بكسر الهمزة، وهو قطيع الظباء، والبض من الظباء يكون بياضهن خالصًا. والجون هنا: الأسود.
(7)
في هذا البيت تورية باسم النضر بن شميل العالم القديم. والنضر: الشباب، وشميل: الشيب.