المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قد أقر الطبيب منك بعجز … وتقضي تردد العواد وانتهى اليأس - المرشد إلى فهم أشعار العرب - جـ ١

[عبد الله الطيب المجذوب]

فهرس الكتاب

- ‌ الجزء الأول: في النظم)

- ‌[تقدمة]

- ‌الإهداء

- ‌تقديم الكتابللأستاذ الكبير الدكتور طه حسين

- ‌شكر واعتراف

- ‌خطبَة الكتاب

- ‌الباب الأولفي النظم

- ‌النظم العربي يقوم على عمادين:

- ‌المبحث الأولعيوب القافية ومحاسنها وأنواعها

- ‌ الإقواء

- ‌الإيطاء

- ‌السناد

- ‌التضمين:

- ‌الردف المشبع:

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌القوافي المقيدة:

- ‌القوافي الذلل:

- ‌القوافي النفر:

- ‌القوافي الحوش:

- ‌هاءات القوافي:

- ‌حركات الروي:

- ‌تعقيب واستدراك:

- ‌خاتمة عن جودة القوافي:

- ‌المبحث الثانيأوزان الشعر وموسيقاها

- ‌الفصل الأول

- ‌تمهيد:

- ‌النمط الصعب (1)

- ‌الأوزان المضطربة (2):

- ‌الأوزان القصار (3):

- ‌ الخفيف القصير

- ‌الخبب والرجز القصيران والمتقارب المنهوك:

- ‌المتقارب المنهوك:

- ‌خلاصة:

- ‌البحور الشهوانية: (4)

- ‌كلمة عامة:

- ‌مستفعلن مفعو أو مفعول (5)

- ‌بحر المجتث (6)

- ‌الكامل القصير (7)

- ‌مخلع البسيط (8)

- ‌الهزج (9)

- ‌الرمل القصير (10)

- ‌الفصل الثانيالبحور التي بين بين

- ‌المديد المجزوء المعتل (1)

- ‌السريع (2)

- ‌الكامل الأحذ وأخوه المضمر (3)

- ‌الفصل الثالثالبحور الطوال

- ‌(1) المنسرح والخفيف:

- ‌المنسرح

- ‌الخفيف

- ‌همزيات الخفيف

- ‌داليات الخفيف

- ‌ضاديات الخفيف:

- ‌لاميات الخفيف ونونياته:

- ‌الرجز والكامل:

- ‌كلمة عن الرجز

- ‌التعليمي

- ‌كلمة عن الكامل

- ‌كامليات شوقي

- ‌الكامل عند المعاصرين

- ‌3 - المتقارب

- ‌4 - الوافر:

- ‌كلمة عن الوافر:

- ‌وافريات المعاصرين:

- ‌الطويل والبسيط:

- ‌وزن البسيط

- ‌كلمة عامة عن الطويل والبسيط

- ‌كلمة عن البسيط

- ‌خاتمة

الفصل: قد أقر الطبيب منك بعجز … وتقضي تردد العواد وانتهى اليأس

قد أقر الطبيب منك بعجز

وتقضي تردد العواد

وانتهى اليأس منك واستشعر الوجـ

ـد بأن لا معاد حتى المعاد

هجد الساهرون حولك للتمريض ويح لا عين الهجاد

أنت من أسرة مضوا غير مغرو

رين من عيشة بذات ضماد

لا يغيركم الصعيد وكونوا

فيه مثل السيوف في الأغماد

فعزيز علي خلط الليالي

رم أقدامكم برم الهوادي

كنت خل الصبا فلما أراد الـ

ـبين وافقت رأيه في المراد (1)

ورأيت الوفاء للصاحب الأو

ل من شيمة الكريم الجواد

وخلعت الشباب غضا فياليـ

ـتك أبليته مع الأنداد

فاذهبا خير ذاهبين حقيقيـ

ـن بسقيا روائح وغواد

ومراث لو أنهن دموع

لمحون السطور في الإنشاد

هذا، وليس على الدال من هذا الوزن والروي شيء يذكر بعد كلمة أبي العلاء هذه، وكأنه استفند بها جميع ما يمكن قوله في هذا القرى فلا يستطيع أحد أن يسلكه من بعده.

‌ضاديات الخفيف:

الضاد من القوافي النفر كما قدمنا، ولا أعلم شيئًا جاء عليها في بحر الخفيف في متقدم الشعر الجاهلي إلا أن يكون أبياتا، وقد جاءت في بحر الطويل في كلمة امريء القيس:

(1) هنا ينظر أبو العلاء إلى قول ابن مناذر:

حين تمت أدابه وتردى

برداء من الشباب جديد

إلا أن أبا العلاء ولد المعنى وافتن فيه ودق جدا لا سيما في قوله: "فلما أراد البين وافقت رأيه في المراد".

ص: 267

أعني على برق أراه وميض

يضيء حبيا في شمارخ بيض (1)

وفي غيرها مما يستجاد كما في قول الحماسي:

وإني لأستغني فما أبطر الغنى

وأبذل ميسوري على مبتغى قرضي

وأحسب أن أول خفيفة طويلة ذات بال نظمت فيها هي كلمة الطرماح:

طال في شط نهروان اغتماضي

واعتراني هوى العيون المراض

ويبدو لي أنه كان ينظر فيها بعين المباراة إلى ضادية امريء القيس. ذلك بأن الطرماح كان معلمًا مولعًا بالغريب واتباع القدماء وتكلف الجزالة الجاهلية، فلا يستبعد أن يكون أراد بركوب الضاد إظهار مقدرته وبراعته وتبريزه، وأن يبهر الناس بكلام فصيح لا يجدون مثله عند الفردزق وجرير وشعراء الحجاز وغيرهم. وقد كان يشبه الطرماح في هذا المذهب ذو الرمة والكميت والعجاج وابنه.

على أن الطرماح كان في ذات نفسه شاعرًا فحلًا، واتفق له مع شغفه بالغريب والقديم النادر روح حضري فيه نعومة لا تجدها مثلا عند العجاج أو رؤبة، كلا ولا عند ذي الرمة مع رقته وتقدمه في الشعر وأصالته في الجزالة، واقتداره على اتباع مذاهب الجاهلية، من غير عنت أو تكلف. ومن أجل هذا فقد جاءت ضاديته فصيحة بارعة، وجمالها في نصوع ألفاظها وحسن تنسيقها وجلجلة جرسها - تأمل قوله مثلا (2):

لا تأيا ذكرى بلهنية العيـ

ـش وأني ذكرى السنين المواضي

(1) مختارات الشعر الجاهلي 47.

(2)

في آخر جمهرة الأشعار. ماء الكراض: ماء الفحل، والسبنتاة: هي الناقة القوية. ويروى مكان "لا تأيا": "لات هنا". وهذه رواية النحويين ونحوه:

لات هنا ذكرى جبيرة أو من

جاء منها بطائف الأحوال

ص: 268

سوف تدنيك من لميس سبنتاة

أمارت بالبول ماء الكراض

ولا تجزع أيها القاريء من ذكر "البول" فلم يكن زمان هذا الرجل كزماننا.

وأضمرته عشرين يومًا ونيلت

يوم نيلت يعارة في عراض

الضمير في أضمرته يعود على ماء الفحل، وقوله:"يعارة في عراض" يعني كرها وتزعم العرب أن ذلك من دواعي النجابة. وفي أخريات القصيدة:

إننا معشر شمائلنا الصبر

إذا الخوف مال بالأحفاض

نصر للذليل في ندوة الحـ

ـي مرائيب للثأي المنهاض

لم يفتنا بالوتر قوم وللضيـ

ـم رجال يرضون بالإغماض

فسلى الناس إن جهلت وإن شئـ

ـت قضى بيننا وبينك قاض

هل عدتنا ظعينة تبتغي العـ

ـز من الناس في القرون المواضي

كم عدو لنا قراسية العـ

ـز تركنا لحمًا على أوفاض

وجلبنا إليهم الخيل فاقتيـ

ـض حماهم والحرب ذات اقتياض

فهذا الكلام كما ترى جزل فصيح كريم الألفاظ.

ولم يخف على أبي تمام وهو من هو في تذوق الشعر ما لهذه الضادية الطرماحية من رنين وجلجلة وفخامة، فجاراها بكلمته (1):

بدلت عبرة من الإيماض

يوم شدوا الرحال بالأغراض

وقد تفصح فيها وتعمد الفخامة حتى تكلف في بعض قوله نحو:

ما شددت الأكراب في عقد الأو

ذام حتى أردت ملء الحياض

(1) ديوانه 140.

ص: 269

ومن جيد أبيات هذه القصيدة قوله:

غربة تقتدي بغربة قيس بـ

ـن زهير والحرث بن مضاض

من أبن البيوت أصبح من ثو

ب من العيش ليس بالفضفاض

والفتى من تعرفته الليالي

في الفيافي كالحية النضناض

صلتان أعداؤه حيث كانوا

في حديث من ذكره مستفاض

كل يوم له بصرف الليالي

فتكة مثل فتكة البراض

وقد عدل أبو تمام عن الروى الطرماحي إلى آخر مردف في كلمته (1):

وثناياك إنها إغريض

ولآل توم وبرق وميض

وأقاح منور في بطاح

هزه في الصباح روض أريض

وارتكاض الكرى بعينيك في النو

م فنونًا وما لعيني غموض

لتكأدنني غمار من الأحـ

ـداث لم أدر أيهن أخوض

وهي كلمة فصيحة وفيها أبيات تعمد فيها الشاعر أن يذهب مذهب العرب الأوائل في شدة الأسر نحو:

سعم حت ركنهن أمان

فيك تترى حت القداح المفيض

وأخر أغرب فيها -كعادته- في توليد المعنى مع الإشارة إلى المأثور من كلام القدماء نحو قوله:

فاشمعلوا يلجلجون دؤوبًا

مضغًا للكلال فيها أنيض (2)

(1) نفسه 135.

(2)

يشير في هذا البيت إلى قول زهير:

تلجلج مضغة فيها أنيض

أصلت فهي تحت الكشح داء

والأنيض: فساد اللحم، وكنى زهير باللحم الفاسد عن الإثم.

ص: 270