الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتعاسة والبرام المكسرة. وليت شعري ماذا عسى أن ينفع التعساء مثل هذا الحب البارد من جانب الأدباء والشعراء؟
وكيف ينفع ما تأتي العلوق به
…
ئمان أنف إذا ما ضن باللبن (1)
هذا على أني لا أعيب تصوير الفقر في الشعر إن كان صادقًا. وإنما أعيب أن يتعمده الشاعر لا لشيء إلا لأنه "موده" مستحسنة بين طبقة من النقاد ومتأدبة العصر (2).
الكامل القصير (7)
هذا البحر أخ للرجز القصير، ويباينه في أن حركاته أكثر. وزن الرجز نحو "مستفسر" مكررة أربع مرات. ووزن الكامل القصير متفاعلن مكررة أربع مرات نحو: متنازع متكاثف متضارب متلاطم، وقد يجيء ممزوجًا بتفعيلات رجزية نحو:
مستخرج متقادم
…
مستحدث متنازع
مستخرج مستفهم
…
مسخبر متفاهم
وليميز الشعراء بين وزنه والرجز القصير تمييزًا واضحًا تناولوه بضروب من التحسين والتغيير أحيانًا بالزيادة وأحيانًا بالحذف.
مثال الزيادة:
متفاعلن متفاعلن
…
متفاعلن متفاعلون
متقدم متأخر
…
متقدم متأخرون
مستبطئ متياطئ مستعجل متعجلون
(1) العلوق هي التي ترأم ولد غيرها فتشمه ولا تدر عليه باللبن، والبيت لأفنون الثعلبي في المفضليات.
(2)
راجع كلامنا عن رومنسية التيجاني في أواخر هذا الكتاب موضحة بعضها بعضا، لا ريب أن هذه الرائية من جهد الشاعر فيها تعبير يدل على حس مرهف.
ونحوه من الشعر:
يا بدر والأمثال يضـ
…
ربها لذي اللب الحكيم
دم للخليل بوده
…
ما خير ود لا يدوم
واحفظ لجارك حقه
…
والحق يحفظه الكريم
وهذا يسميه العروضيون: الكامل المذيل
ومن أمثلة الزيادة:
متفاعلن متفاعلن
…
متفاعلن متفاعلونا
متقدم متأخر
…
متقدم متأخرونا
والفرق بينه وبين الأول تحريك الآخر ومده، أو الإتيان بما يقابل ذلك، ويمكن أن تنشد عليه الأبيات المتقدمة هكذا:
يا بدر والأمثال يضربها لذي اللب الحكيم
بضم الآخر وإشباعه. ويمكن أن تجيء به على نحو:
متفاعلن متفاعلن
…
متفاعلن متفا تفاعل
نحو: ويقلن شيب قد علا
…
ك وقد كبرت فقلت إنه
ونحو: غيري على السلوان قادر
…
وسواي في العشاق غادر
ونحو: وأحبها وتحبني
…
ويحب ناقتها بعيري
وهذا يسميه العروضيون: الكامل المرفل
ومثال الحذف:
متفاعلن متفاعلن
…
متفاعلن متفاعل
متأخر متقدم
…
متضارب متقادم
وإذا هم ذكروا الإسا
…
ءة أكثروا الحسنات
وهذا الوزن أقل من المرفل والمذيل في استعمال الشعراء قدماء ومحدثين.
والنوع الأول من الكامل القصير (بلا زيادة ولا حذف) نشيدي ترنمي كالرجز القصير، وقد أطال فيه بعض الشعراء المتأخرين، مثل مهيار وسبط ابن التعاويذي ولم أجد في كل ذلك شيئًا يستحق الاختيار. وعندي أن المقطوعات وما يجري مجراها من القصائد القصار أوقع هذا الوزن من المطولات.
والكامل المذيل والمرفل يزيدان على الكامل الأصلي (متفاعلن متفاعلن) بشيء من أناة، مع ما يشبهانه فيه من روح الترنم والنشيد. ولهذا فإنهما يصلحان لأن تجيء فيهما القصائد الطويلة الرقيقة التي تذهب مذهبًا بين الخطابة والترنم، نحو قول العدواني:
أأسيد إن مالًا ملكـ
…
ت فسر به سيرًا جميلا
آخ الكرام متى استطعـ
…
ت إلى إخائهم سبيلا
واشرب بكأسهم ولو
…
شربوا بها السم الثميلا
وكقول أبي فراس:
أبنيتي لا تجزعي
…
كل الأنام إلى ذهاب
نوحي علي بحسرة
…
من خلف سترك والحجاب
قولي إذا خاطبتني
…
فعجرت عن رد الجواب
زين الشباب أبو فرا
…
س لم يمتع بالشباب
وكقول الحماسي:
ولقد شربت من المدا
…
مة بالكبير وبالصغير
فإذا سكرت فإنني
…
رب الخورنق والدير
وإذا صحوت فإنني
…
رب الشويهة والبعير
المثالان الأولان من قبيل الوصايا، والمثال الثالث مجرد تغن، وكلها فيها مذهب خطابي، أعني أن الشاعر فيها يقف منك موقف المخاطب لا المطرب كما في قول مهيار مثلا:
أين ظبا المنحنى
…
سوالفا وأعينا
ورب رسم ماثل
…
أعجم ثم بينا
فقال من هنا طلعـ
…
ن وغربن من هنا
ولا القاص كما في قول كثير أو المعلوط السعدى ولعل ذلك أصح (1)
ولما قضينا من منى كل حاجة
…
ومسح بالأركان من هو ماسح
الأبيات .. !
ولا المتأمل كما في قول امرئ القيس:
أصاح ترى برقًا أريك وميضه
…
كلمع اليدين في حبي مكلل (2)
وقل أن تجد في الشعر العربي كاملًا مذيلًا أو مرفلا لا يصدق عليه ما ذكرنا وأزيدك أمثلة: حائية أمية بن أبي الصلت في السيرة، التي رثى بها قتلى بدر "ماذا
(1) لأن كثيرًا من أهل مكة والمعلوط من أهل نجد ووصف الرحلة بعد الحج أشبه بحاله لا بحال كثير إلا أن سلاسة الأسلوب مع جزالته تشبه مذهب كثير.
(2)
من المعلقة. قوله كلمع اليدين، يعني كإشارة من يشير بيديه من بعد ويرفع ثوبًا أو نحوه ويناديك إليه.
والحبي: السحاب الثقيل: وما نرى إلا أن في قوله كلمع اليدين إشارة إلى قوله "تصد وتيدي" وقد عرضنا لهذا بنوع من التفصيل في المرشد الثالث إن شاء الله. وفي سواه فلينظر والله أعلم.
ببدر والعقنقل إلخ" فهذه أريدت للنوح وسياق الكلام فيها خطابي اللهجة، ومثال آخر قول السيد الحميري (1).
امرر على جدث الحسين
…
فقل لأعظمه الزكيه
آأعظما لا زلت من
…
وطفاء ساكبة رويه
وإذا مررت بقبره
…
فأطل به وقف المطيه
وابك المطهر للمطهـ
…
ـر والمطهرة النقيه
كبكاء معولة أتت
…
يومًا لواحدها المنيه
وهذا كله دعاء واستيقاف، وفيه نفس من التلطف شبيه بما في لامية العدواني، وبائية الحمداني، وميمية يزيد بن الحكم الكلابي "يا بدر والأمثال"، ورائية الحماسي حيث يقول:"وإذا سكرت، وغذا صحوت" -مع اختلاف غرضه عن جمع هؤلاء.
ولا يصلح تطويل القصائد في الكاملين: المذيل، والمرفل، إن لم يكن فيها هذا اللون الخطابي اللطيف الذي ذكرناه (وانظر كامليات الأعشى المرفلات). ولهذا السبب تجد أكثر مطولات مهيار وسبط ابن التعاويذي فيهما باهتة فاترة. إلا أن للثاني منهما نونية في المرفل رثى بها فقد ناظريه لا بأس بها (2). ومنها قوله (والضمير يعود للدنيا):
فكأنني لم أسع فيـ
…
ـها في طريق مرتين
وكأنني متعت منـ
…
ـها نظرة أو نظرتين
وهذان البحران كثيران في الشعر المعاصر (3). وأسير قصيدة جاءت فيه منهما
(1) الأغاني 7 - 240 - 241.
(2)
ديوانه 435 - 438.
(3)
قد تجاوز الشعر المعاصر كل ذلك إلى النفعيلة.