المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمرء يحتال ويغتال ما … عاش ويأتال بقصدٍ وميل (1) والود - المرشد إلى فهم أشعار العرب - جـ ١

[عبد الله الطيب المجذوب]

فهرس الكتاب

- ‌ الجزء الأول: في النظم)

- ‌[تقدمة]

- ‌الإهداء

- ‌تقديم الكتابللأستاذ الكبير الدكتور طه حسين

- ‌شكر واعتراف

- ‌خطبَة الكتاب

- ‌الباب الأولفي النظم

- ‌النظم العربي يقوم على عمادين:

- ‌المبحث الأولعيوب القافية ومحاسنها وأنواعها

- ‌ الإقواء

- ‌الإيطاء

- ‌السناد

- ‌التضمين:

- ‌الردف المشبع:

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌القوافي المقيدة:

- ‌القوافي الذلل:

- ‌القوافي النفر:

- ‌القوافي الحوش:

- ‌هاءات القوافي:

- ‌حركات الروي:

- ‌تعقيب واستدراك:

- ‌خاتمة عن جودة القوافي:

- ‌المبحث الثانيأوزان الشعر وموسيقاها

- ‌الفصل الأول

- ‌تمهيد:

- ‌النمط الصعب (1)

- ‌الأوزان المضطربة (2):

- ‌الأوزان القصار (3):

- ‌ الخفيف القصير

- ‌الخبب والرجز القصيران والمتقارب المنهوك:

- ‌المتقارب المنهوك:

- ‌خلاصة:

- ‌البحور الشهوانية: (4)

- ‌كلمة عامة:

- ‌مستفعلن مفعو أو مفعول (5)

- ‌بحر المجتث (6)

- ‌الكامل القصير (7)

- ‌مخلع البسيط (8)

- ‌الهزج (9)

- ‌الرمل القصير (10)

- ‌الفصل الثانيالبحور التي بين بين

- ‌المديد المجزوء المعتل (1)

- ‌السريع (2)

- ‌الكامل الأحذ وأخوه المضمر (3)

- ‌الفصل الثالثالبحور الطوال

- ‌(1) المنسرح والخفيف:

- ‌المنسرح

- ‌الخفيف

- ‌همزيات الخفيف

- ‌داليات الخفيف

- ‌ضاديات الخفيف:

- ‌لاميات الخفيف ونونياته:

- ‌الرجز والكامل:

- ‌كلمة عن الرجز

- ‌التعليمي

- ‌كلمة عن الكامل

- ‌كامليات شوقي

- ‌الكامل عند المعاصرين

- ‌3 - المتقارب

- ‌4 - الوافر:

- ‌كلمة عن الوافر:

- ‌وافريات المعاصرين:

- ‌الطويل والبسيط:

- ‌وزن البسيط

- ‌كلمة عامة عن الطويل والبسيط

- ‌كلمة عن البسيط

- ‌خاتمة

الفصل: والمرء يحتال ويغتال ما … عاش ويأتال بقصدٍ وميل (1) والود

والمرء يحتال ويغتال ما

عاش ويأتال بقصدٍ وميل (1)

والود غرار ونجوى عليـ

ـىٍ ولديه غير نجوى كميل (2)

من حب عبد الدار ما أبعدت

بين أخاها عن وصايا حليل (3)

والدهر إعدام ويسر وإبـ

ـرام ونقض ونهار وليل

يفني ولا يفنى ويبلي ولا

يبلى ويأتي برخاء وويل

وهذا الكلام له من نفسه شفيع إلى القلب.

‌القوافي الذلل:

هي الباء والتاء والدال والراء والعين والميم والياء المتبوعة بألف الإطلاق. والنون في غير التشديد أسهلها جميعًا، لما يعتريها من حالات الإسناد والجمع والتثنية، ولما يقع فيها من الصفات على وزن فعلان، والجموع على فعلان وفعلان. والإجادة فيها عسيرة ليسرها، وما يتبع ذلك من الإسهاب والثرثرة. والنونيات الجياد تكاد تعد على الأصابع. والتاء قريبة من النون في السهولة إذا جاءت مكسورة في قافية المتدارك (4)، نحو:

(1) يأتال: يمارس الأمور ويراجعها.

(2)

على: هو ابن ابي طالب، والعين واللام والياء الأولى في الشطر الأول، والياء الثانية في الشطر الثاني، وكميل هو كميل بن زياد النخعي، وكان من خواص علي، وولاه هيت، وكان مستضعفًا لا يقاوم جند معاوية إن أغاروا، ويحاول من بعد ذلك أن يخفي ضعفه وعجزه عن الدفاع، بغارات يشنها على الشام بين حين وآخر.

(3)

حبي: امرأة قصي بن كلاب. وحليل: أبوها، وكانت عنده مفاتيح الكعبة، وعهد بها إلى ابنه، فخدعه قصي عنها، وشراها منه بزق خمر. ومالت حبي إلى جانب زوجها لمكان ولدها عبد الدار منه.

(4)

المتدارك: هي القافية التي يتوالى فيها حرفان متحركان قبل آخر سكون فيها، نحو "مل لتي"، "مخربتي". والمتواتر ما يكون فيها متحرك بين ساكنين نحو: قالا "بيري".

ص: 58

وإذا العذارى بالدخان تقنعت

واستعجلت هزم القدور فملت (1)

دارت بأرزاق العفاة مغالق

بيديَّ من قمع العشار الجلَّةِ

وكثيرا جدًا مجيئها علي هذا الروي في الطويل، كما في مفضلية الشنفرى:

ألا أم عمرو أجمعت فاستقلّتِ

وهي سهلة أيضًا إذا جاءت في قافية المتواتر مسبوقة بألف المد، بل هي أسهل في هذه القافية منها في قافية المتدارك، لكثرة جموع التأنيث السالمة، والإجادة في التاء كصاحبتها النون القليلة. وجيادها أقل عددًا من جياد النون ولا سيما في قافية المتدارك، لأنها فيها رتيبة جدَّا، إذا تعتمد التقفية فيها على تأئي التأنيث، خاصة الساكنة منهما، وهذا أمر يشتم منه الإيطاء. وقد أدرك كثيرِّ عزَّة هذا الضعف، فالتزم اللام المشددة مع التاء ليقويها، ولم يتابعه علي ذلك الشعراء المحدثون من بعده، وليتهم فعلوا، فإن شعر المحدثين المستعمل لهذه القافية، لا توجد فيه قصيدة جيدة واحدة -بحسب علمي- تصلح للاختيار. ومن باب الإنصاف للمحدثين الأوائل أن نذكر أنهم تحاموها إلا ما ندر. وقد أكثر منها المتأخرون، حتى ألف ابن الفارض تائيته الكبرى، وهي كرقَى العقارب (لا أعني بذلك مدحها)، وقافية المتواتر أكثر حظا من الجياد، وبحسبها تائية دِعْبل "مدارس آيات" وهي من السهولة بحيث التزم فيها شعراء غير المعري قيودًا لا تلزم، ولم يُسفُّوا (2)

وقد أطال المعري فيها جداً مع التزاماته الشديدة، ولا سيما في تائيته:

(1) البيتان من الحماسة وأنظر أمالي الدار 1: 18 - هزم القدور: صوت غليها. المغالق: قداح الميسر والقمع: شحم السنام، واحدته قمعة. يقول إذا كان الشتاء وجاع الناس، وحتى العذارى الحييات غلبهن حب الطعام، فاستبطأن القدور، وتخطفن اللحم منها، وجعلن يمللنه، فاني أحضر الميسر لأكسب وانحر الإبل للعفاة.

(2)

معجم الأدباء. راجع 7 - 146 - 149.

ص: 59

تَرَنّمْ في نهارِك مُستعينًا

بذكرِ الله في المُتَرَنماتِ (1)

وتائيته:

سحائبُ مبْرقاتٌ مرعداتُ

لمهجَةِ كلٌ حي مُوعداتُ (2)

وكلاهما يغلب عليه النظم، والثانية أجزل.

والعين فيها شيء من عسر بالنسبة إلي غيرها من الذلل، وجيادها كثيرة. والميم واللام أحلى القوافي، لسهولة مخارجهما، وكثرة أصولهما في الكلام من غير إسراف. وروائعهما كثيرة. والباء والراء والدال تليانهما. والياء المتبوعة بألف الإطلاق كثيرة جدًا. وخاصةً في الطويل، وأكثر اعتماد الشعراء في قوافيها علي ياء المتكلم، وجموع المنقوص بالكسرة. والإسفاف فيها كثير للغاية، وجيادها قليلة، نحو يائيات عبد يغوث، ومالك بن الريب، وسُحَيم عبد بني الَحسحاس.

والحروف المشددة كلها عسرة، لا سيما إن حافظ الشاعر على تشديد الرويّ من المطالع إلى النهاية، وهذا قليل. وبعض الأحرف الذلل يصير صعبًا، إذا شدّد كاللام والنون، وبحسبك كلمة الحماسي:

إنَّ بالشِّعبِ دون سَلْعٍ

لقتيلا دَمُه ما يُطَلُّ

والكاف أعسر ما تكون إذا جاءت مضمومة كما عند زهير (3).

بان الخليطُ ولم يأوُوا لَمنْ تَركُوا

وَزَوَّدُوكَ اشْتِياقاً أيةً سَلَكُوا

والشاعر في مثل هذه القافية لا يستطيع أن يستعين بالضمائر، لأنها لا تجيء

(1) اللزوميات 1 - 50.

(2)

1 - 131.

(3)

مختارات الشعر الجاهلي 289.

ص: 60

مضمومة والإجادة في مثلها تدل على فحولة متأصلة، وذلك ما فعله زهير، والنقاد الأوائل يقدمون كافيته هذه علي جميع الكافيات. وإذا جاءت الكاف مفتوحة أو مكسورة فأمرها أيسر، لإمكان استعمال الضمائر. ومع هذا فأكثر الشعراء الفحول قد أقلوا منها علي هذا النحو. وقد ركبها أبو تمام في بعض طويلياته، فلم يأت بطائل. ومن أحسن ما جاء منها، مقطوعة تأبط شرًا الحماسية:

وإني لُمْهد من ثنائي فقاصدٌ

به لابن عم الصدق شُمْسٍ بن مالك

وقد استعمل المتنبي الكاف المفتوحة في الوافر، فأجاد جدًا، وذلك قوله:

فَدىَّ لك من يقصر عن مداكا

فلا مِلكٌ إذن إلا فَدَاكا (1)

وقد جاء بالكاف أصلية في أكثر من نصفها، ولم يستعملها ضميرية في أكثر من ثلاث أبيات متتابعات، كما في قوله:

إذا التوديعُ أعْرض قالَ قلبي

عليك الصَّمتَ لا صاحبتَ فاكا

ولولا أنَّ أكثر ما تمنى

معاودةٌ لقلتُ ولا مُناكا

قد استشفيتَ مِنْ داءٍ بداءٍ

وأقتل ما أعلك ما شفاكا

والقاف حرف متحامىَّ عنه، وجياده ليست كثيرة، ومن أرواعها قافية زهير (2):

إنَّ الخليطَ اجد البينَ فانفرقا

وعلق القلب من أسماء ما علقا

وقافية البحتري (3):

(1) ديوانه ص 383 - 387.

(2)

مختارات الشعر الجاهلي: 285.

(3)

ديوانه 2 - 145.

ص: 61

أأفاق صبُّ مَن هوى فأفيقا

وهي دون قافية زهير في القوة. وقافية قُتيلة بنت الحرث الحماسية، وقافية عمرو بن الأهتم المفضلية. ومقطوعات القاف الجيدة أكثر من طوالها الجيدة.

والفاء صعبة جدًا، ويخيل لي أنها أصعب من القاف، ومع أصولها في المعاجم أكثر من أصول القاف، ومع عسرها ففيها جيد كثير، ومن ذلك جمهرية الفرزدق (1) وفائية جران العود التي يقول فيها:

وقلنَ تمتع ليلةَ النأيِ هذه

فإنك مرجوك غدًا أو مُسيفُ

وأمسكن دوني كل حُجزةِ مِئزر

لَهُنَّ وطاح النوفلي المزخرفُ

(وديوانه مطبوع). هذا في شعر الأوائل. ومن جيادها في شعر المحدثين فائية الخليع، ولم أظفر منها إلا بأبيات هي:

تَركوا نساءَ أبيهمُ هَمَلا

والمحصناتُ صواريخٌ هُتُفُ

تالله بعداك لا يدُومُ لَهُم

عز ولا يبقى لُهم شَرَفُ

ولأبي تمام فائية في أبي دُلف، يقول فيها:"هذا أبو دُلفٍ حسبي به وكفى (2) "، استجادها البديعي في هبة الأيام. وعندي أنها ليست بشيء بالقياس إلي

(1) ومطلعها:

عزفت بأعشاشٍ وما كدت تعزف

وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف

ولج بك الهجران حتى كأنما

ترى الموت في البيت الذي كنت تيلف

بكسر التاء وإشباعها، أي تألف على لغة تميم، وضبطًا خطأ في ديوانه (20 - 551) هكذا: تيلف بفتح، فسكون.

(2)

أغاني الدار 7، 148 و 211.

ص: 62

إحسان أبي تمام المعروف، ولأبي دُلامة فائية حلوة، كتبها يستجدي بها أحد الأمراء، جارية، ولولا بعض الخُبْث في أخرياتها لأنشدتها كاملة هنا، لجمال ما فيها من القصص (1). ومن خير فائيات المحدثين، مرثية المعريَّ في الشريف الموسويَّ (2).

أوْدى فَلَيْتَ الحاثانِ كَفاف

مالُ المسيف وعنبر المستافِ

ولابن الفارض كلمة مشهورة يقول فيه:

وعلمت أنَّ المُستحيلَ ثلاثةٌ

الغولُ والعَنقاء والخلُّ الوَفيِ

حسنة لولا لين في لغتها.

ومقطوعات الفاء أجود من طوالها على وجه الإجمال. ومن أحسن ما قرأته منها، قول أحد الشراة وقد لامه قطري بن الفجاءة علي قعوده، وكتب إليه (3):

أبا خالدٍ يا أنفر فلست بخالد

وما جعل الرَّحمن عُذرًا لقاعد

فأجاب:

لَقَدْ زادَ الحياة حُباً إلي حُبا

بناتي إنهن من الضعافِ

أُحاذر أن يرين الفقر بعدىِ

وأن يشربن رنقا بعد صافِ

وأن يعرين إن كُسىَ الجوارى

فتنبو العين عن كَرَمٍ عجافِ

ولولا ذاك قد سومت مهري

وفي الرحمن للضعفاء كافِ

أبانا من لنا إن غبت عنا

وصار الحيَّ بعدك في اختلافِ

وكهذه في الحسن كاملة امرأة عُبيد الله بن العباس حين قتل بُسر بن أرطاة

(1) العقد الفريد (لجنة التأليف والترجمة والنشر) 1: 264 - 266، وأنظر ترجمته في الأغاني.

(2)

الكامل للمبرد (مصطفى محمد 1355 هـ) 2 - 107 - 108.

(3)

()؟ ؟ ؟

ص: 63

العامري "عامر قريش" ولديها (1):

ها من أحسَّ بُنيي اللذين هما

كالدرتين تشظى عنهما الصدفُ

ها من أحسَّ بُنيي اللذين هما

سمعي وقلبي فقلبي اليوم مُختطف

ها من أحسَّ بُنيي اللذين هما

مخ العظام فمخي اليوم مزدهف

نُبئت بُسراً وما صدقت ما زعموا

من قتلهم ومن الإفك الذي اقترفوا

أنحى على ودَجي طِفلي مُرهفة

مشحوذةَ وكذاكَ الإثمُ يُقترف

من ذُلَّ والهةِ حسرى مسلبةِ

علي صبيين ضلا إذا مضى السلف

ومن المقطوعات الجياد قول عنترة (2):

أمن سمية دمع العين تذريف

لو أن ذا منك قبل اليوم معروفُ

تجللتني إذا أهوى العصا قبلي

كأنها رشا في البيت مطروف

العبدُ كعبدكم والمال مالكم

فهل عذابكِ عني اليوم مصروف

والجيم حرف خداع، ظاهرهُ فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، والمتخيرات فيه ليلة جدا. وأكثر ما استعملت الجيم عند القدماء في الوافر والطويل والرزجر، وجاء شيء منها في البسيط. وأكثر جيميات الوافر تتبع نهج ابن حسان، إذا يقول لابن أم الحكم (3):

وأما قولك الخلفاء منا

فهم منعوا وتينك من وداجِ

ولولاُهم لكنتِ كحُوتِ بحرٍ

هوى في مُظلم الغمرات داجِ

(1) نفسه 2 - 266، وروى "يا" مكان "ها". وهي في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الجزء الثاني، وذكر خبرها كاملًا. ومزدهف: مذهوب به ومختلس، والازدهاف فيه شيء من معاني الكسر والإذلال.

(2)

الأبيات أكثر مما روينا، وهذا ما أورده أبو العلاء منها في رسالة الغفران:238.

(3)

الكامل للمبرد 1 - 154.

ص: 64

وكنت أذل من وتدٍ بقاعٍ

يشجج رأسهُ بالفهرِ واج

وقد سلك هذا المسلك أبو دُلامة في جيميته الحلوة (1):

أفي صفراءً صافيةٍ المزاجِ

كأن لهيبا لهب السراجِ

واتبع هذا المنهج أبو العلاء في إحدى درعياته (2)، ولا بأس بها.

وطويليات الجيم رأسها جيمية الشماخ، وهي صلبة الأسر، تغلب عليها محاكاة لبيد. وعارضها علي بن العباس الرومي بجيمية مضمومة الروي في رثاء أحد الأشرف، مطلعها:

أمامك فانظر أي تهجيك تنهجُ

طريقان شتى: مستقيم، وأعوجُ

وهي مشهورة، ولم يخلها أبو الفرج من ذم في كتابه "مقاتل الطالبيين". وقد كثرت معارضات هذه القصيدة بين المتأخرين، ولا سيما مداح النبيَّ، ومن ذلك كلمة البُرعي (3):

متى يستقيم الظَّلَّ والعود أعوجُ

وهل ذهب صِرف يساويه بهرج

وهي في ديوانه الذي بأيدي الناس، وهي متوسطة.

والرجزيات الجيميات لم أجد فيها شيئًا أستحسنه إلا ما رواه المعري في بعض مؤلفات لراجز لم يسمه، يقول:

تالله للنوم علي الديباج

علي الحشايا وسرير العاجِ

(1) العقد الفريد (دار الترجمة) 1 - 261.

(2)

التنوير 2 - 200.

(3)

البرعي من شعراء المنصوفة المتأخرين، لم أجد أحدا ترجم له إلا صاحب التاج 5 - 269 في مادة "برع". وزعم أن الذي بأيدي الناس من شعره هو ديوانه الصغير.

ص: 65

مع الفتاه الطفلة المغناج

أفضل يا عمرو من الإدلاج

وزفرات البازل العجعاج

(وهذا يعده العروضيون من السريع، وفيه نظر)

وللعجاج جيمية طويلة آية في الغرابة والجفاء مطلعها:

يا صاح هل هاجك شجا

من طلل كالأتحمي أنهجا (1)

ومن أجود ما قرأته في روي الجيم قصيدة جرير (2):

هاج الهوى لفؤادك المهتاج

فانظر بتوضيح باكر الأحداج

وفيها يقول مادحًا للحجاج:

من سد مطلع النفاق عليهم

أم من يصول كصولة الحجاج

أم من يغار علي النساء حفيظة

إذ لا يثقن بغيرة الأزواج

إن ابن يوسف فاعلموا وتيقنوا

ماضي البصيرة واضح المنهاج

ماضٍ علي الغمرات يمضى همه

والليل مختلف الطرائق داج

منع الرشا وأراكم سبل الهدى

واللص نكله عن الإدلاج

فاستوثقوا وتبينوا طرق الهدى

ودعوا النجي فلات حين تناج

يا رب ناكث بيعتين تركته

وخضاب لحيته دم الأوداج (3)

إن العدو إذا رموك رميتهم

بذرا عماية أو بهضب سُواج

والحاء المهملة دون الجيم في العسر، وجيادها أكثر، والمختار منها من شعر

(1) الأتحمي: ضرب من الثياب. وأنهج: بلي.

(2)

ديوانه تحقيق الصاوي 89 - 91.

(3)

يعني سعيد بن جبر.

ص: 66

الجاهلية كلمة أوس بن حجر في المطر (وتنسب إلى عبيد بن الأبرص، وربما كان ذلك أصح).

وفي الإسلام حائية جرير (1) في عبد الملك بن مروان، ومن أجمل ما جاء فيها (سوى الأبيات المعروفة):

وقومٍ قد سموت لهم فدانوا

بدهم في ململمة رداح

أبحت حمى تِهامة بعد نْجد

وما شيء حميت بمستباح

لكم شم الجبال من الرواسي

وأعظم سيل مُعتلج البطاح

دعوت الملحدين أبا خُبيب

جماحاً هل شفيت من الجماح (2)

فقد وجدوا الخليفة هبرزيًا

ألف العيص ليس من النواح

فما شجرات عيصك في قريش

بعشات الفروع ولا ضواحي

رأي الناس البصيرة فاستقاموا

وبينت المراض من الصحاح

ولذى الرمة حائية جميلة يروى له منها (3):

ذكرتك أن مرت بنا أم شادن

أمام المطايا تشرئب وتسنح

من المؤلفات الرمل أدماء حُرة

شعاع الضحا في متنها يتوضح

وقد عابها الفرزدق (4)، وله وجه في ذلك وسنعرض له إن شاء الله في جزء آخر من هذا الكتاب. ولجرير علي هذا الروى كلمة حسنة يهجو بها الأخطل، ونقضها عليه الأخطل (5). ولابن هرمة ساقة الشعراء مقطوعة حائية حسنة، رواها

(1) ديوانه 98 - 99.

(2)

عني عبد الله بن الزبير.

(3)

انظر الكامل 2 - 12 وأوردها السيد المرصفي كامل في شرحه.

(4)

ديوانه 1 - 147، راجع "ودوية لو ذو الرميم يرومها".

(5)

ديوان جرير ص 106 - 114، وديوان الأخطل (صالحاني بيروت 1891 ص 307).

ص: 67

الجاحظ، في وصف المطر، اتبع فيها طريقة أزوس بن حجر، ومنها:

ألم تأرق لضوء البرْ

ق في أسحم لماحِ (1)

كأعناق نسا الهنـ

ـد قد شيبت بأوضاح (2)

تؤام الودق كالزاحـ

ـف يزجى خلف أطلاح (3)

ثقال المشيِ كالسكرا

ن يمشي مشية الصاحي

كأن العازف الجني

أو أصوات أنواح (4)

علي أرجائه الغر

تُهديها بمصباح (5)

وحائيات المحدثين لا تحصى عددًا. والغث فيها كثير، والجيد عزيز. وفي الحماسة منها مقطوعة حسنة لمطيع بن إياس (في باب المراثي) مطلعها:

قلت لحنانة دلوح

تسح من وابل سحوح

ولأبي نواس حائية مشهورة مطلعها:

ذكر الصبوح بسحرةٍ فارتاحا

وأمله ديك الصباح صياحا

وعند أنها ليست من روائعه، وإن كانت حسنة في بابها، ويعجبني منها قوله:

قال ابغني المصباح قلت له اتئد

حسبي وحسبك ضوءُها مصباحا

(1) الحيوان (تحقيق عبد السلام هرون) 6 - 136.

(2)

الأسحم: هو الأسود، عني بع السحاب.

(3)

هذا تشبيه دقيق جدًا، فنساء الهند تغلب عليهم الخضرة، والوضح، البياض، وبعض الناس قد لا يعجبه هذا التشبيه، لمكان ذكر الأوضاح فيه، وهذا عندي تنطس. والأوضاح الحلي من الذهب.

(4)

أي ينزل قطره اثنين اثنين، أو حجم القطرة منه محجم القطرتين من غيره والزاحف: البعير الزاحف من التعب. والاطلاح: جمع طليح: وهو البعير المهزول.

(5)

الأنواح: جمع نوح، بفتح فسكون، وهن النساء النائحات.

ص: 68

وهذا من إحسانه المشهور. والبراعة في الصورة الحية التي أجملها، لا في تشبيه لون الخمر بالضوء، فهذه قديم مبتذل.

ولمهيار حائيات كثيرة باردة النفس، ولكنه أحسن في بعضها إذ يقول (1):

اذكرونا ذكرنا عهدكم

رب ذكرى قربت من نزحا

واذكروا صبا إذا غنى بكم

شِرب الدمع وعاف القدحا

والبيتان مشهوران.

ومقطوعات الحاء أحسن من مطولاتها، علي وجه الإجمال، وأجود وأحق بالاختيار من ذلك حائية (2) ابن الإطنابة التي تمثل بها معاوية، وحائية نضلة القبيح (3).

والسين قليلة الأصول في المعاجم- أصولها أقل عددًا من أصول الفاء أو القاف، ومع ذلك ففيها جيد كثير، وأكثره في الخفيف والمنسرح والسريع، مثال المنسرحيات سينية أبي زبيد (4):

تكف عنه كف بها رمق

طيرًا عكوفًا كزور العرس

عما قليل علون جُثته

فهن من والغ ومنتهس

ومثال الخفيفات سينيه شبل أو سديف فيما ذكروا (5)، وهي من أعنف الشعر،

(1) ديوان مهيار (دار الكتب: 1 - 203).

(2)

الكامل للمبرد 2 - 293.

(3)

نفسه 1 - 53.

(4)

هكذا رواية ابن الشجري في حماسته، فارجع إلى القصيدة كلها في معجم الأدباء 10 - 202 - 204.

(5)

راجع ابن أبي الحديد (طبعة الحجر) 7 - 389 والأبيات في الكامل 2 - 254. وتنصب زيدًا على المفعولية للذكر وتجرها عطفًا على الحسين.

ص: 69

وذلك حيث يقول يخاطب عبد الله بن علي، ويحرضه على بني أمية:

ولقد ساءني وساء سوائي

قربهم من نمارق وكراسي

أنزلوها بحيث أنزلها اللـ

ـه بدار الهوان والإتعاس

واذكروا مصرع الحسين وزيـ

ـدا وقتيلا بجانب المهراس

وسينية البحتري، ومن الخفيف، مشهورة، وهي من روائع الشعر في كل زمان ومكان. وقد جمعت فنونًا من براعة التصوير والتأمل والموسيقا والذوق المهذب، وبعض الناس يوازنون بينها وبين سينية شوقي، وذلك عندي من العناء والتكلف.

وسينيات السريع أقدمها قصيدة أبي داود الإيادي، والتي أنشر بعض رفاتها العلامة الميمنى في طرائفه الأدبية (دار الترجمة والنشر)(1)، وقد جاراها جماعة من الشعراء وأهمهم من المحدثين أبو تمام في كلمته:

جرت له أسماء حبل الشموس

والهجر والوصل نعيم وبوس (2)

وفيها أبيات حسنة في نعت الخيل، ومنها:

وإن غدا يرتجل المشي فالـ

ـموكب في إحسانه والخميس

كأنما خامرة أولق

أو غازلت هامته الخندريس (3)

وللمعري من هذا الوزن قصيدة في رسالة الغفران نسبها إلى جنية أبي هدرش مطلعها:

مكة أقوت من بني الدردبيس

فما لجني بها من حسيس (4)

(1) أول قصيدة فيه.

(2)

ديوانه، 133.

(3)

الأولق: الجنون.

(4)

رسالة الغفران 207 - 214. وبنو الدردبيس هم بنو الداهية، وعنى بهم الجن وأصحاب الكفر.

ص: 70

وهي قصيدة وحشية الألفاظ. وقسط عظيم من جمالها يرجع إلى وعورة ألفاظها، التي تمثل جو الجن خير تمثيل. وفيها من الخيال الغريب والسخرية الخفية اللطيفة، والفكاهة العابثة ضروب وأنواع. أذكر منها على سبيل المثال قوله يصف خيل الجن:

تحملنا في الجنح خيل لها

أجنحة ليست كخيل الأنيس

وأينقٌ تسبق أبصاركم

مخلوقة بين نعام وعيس (1)

وقوله يتحدث عن مكر الشياطين:

ونخرج الحسناء مطرودة

من بيتها عن سوء ظن حديس (2)

نقول: لا تقنع بتطليقة

وأقبل نصيحًا لم يكن بالدسيس

حتى إذا صارت إلى غيره

عاد من الوجد بجد تعيس

نذكره منها وقد زوجت

ثغرًا في مدامٍ غريس (3)

ونخدع القسيس عن فصحه

من بعد ما ملئ بالأنقليس (4)

أصبح مشتاقًا إلى لذة

معللا بالصرف أو بالخفيس (5)

أقسم لا يشرب إلا دويـ

ـن السكر والبازل دون السديس (6)

(1) أي خلقة الإبل التي تحمل الجن بين النعام وبين الإبل المعروفة. وفي هذا إشارة إلى كثرة تشبيه الناقة بالظليم في الشعر العربي، كما فيه إشارة إلى خرافاتهم التي تقول إن النعام من مراكب الجن.

(2)

حديس: أي محدوس، مظنون.

(3)

الدر المغموس في المدام هو حبابها، فشبه الثغر به في صفائه وبريق ثناياه.

(4)

الأنقليس: سمكة الفصح، هكذا فسرته السيدة الفاضلة ابنة الشاطئ (رسالة الغفران هامش 4 - 209) وفي القاموس: سمكة كالحية. ومراد الشاعر أن الجن تخدع القسيس عن المحافظة على صوم الفصح (وهو صوم النصارى يضربون فيه عن اللحم إلا الحوت) حينما يكون قد مل أكل السمك وتملأ منه حتى عافه (مليء مضعف مليء المجهول) فيصير بعد انخداعه وأكله اللحم مشتاقًا إلى لذة الخمر.

(5)

الخفيس: الخمر الممزوجة بالماء

(6)

البازل: الفتى من الإبل، والسديس دونه، وهذا مثل: أي الكبائر تنشأ من الصغائر.

ص: 71

قلنا له ازدد قدحًا واحدًا

ما أنت تزداده بالوكيس (1)

يحميك في هذا الشفيف الذي

يطفئ بالقر التهاب الحميس (2)

فعب فيها فوهى لبه

وعد من آل اللعين الرجيس

حتى يفيض الفم منه على

نمر قتيه بالشراب القليس (3)

انظر إلى الصورة الأولى: صورة الزوج الذي يطلق امرأته ثلاثًا، ثم يندم بعد ذلك ولات ساعة مندم. ثم إلى الصورة الثانية: صورة القسيس المتقشف يزل ليلة، فيشرب حتى يتحبب وتسوء حاله، فيعربد ويقيء على فراشه- تأمل إلى صياغة المعري لهاتين الصورتين البارعتين، وترصيعه لهما بحوار ماكر خبيث، وتعليقات غايةٍ في السخرية مثل قوله: نذكره منها البيت. وقوله: "حتى يفيض الفم منه" البيت.

هذا والبسيط يلي الخفيف والسريع والمنسرح في كثرة السينيات، ومن جيد ما جاء فيه سينية الحطيئة في هجو الزبرقان، وهي مشهورة. ومن أحسن ما قرأته في رويها (4) وبحرها قول أحد الهذليين يرثي:

يا مي إن تفقدي قومًا ولدتهم

أو تخلسيهم فإن الدهر خلاس (5)

عمرو وعبد منافٍ والذي عهدت

ببطن عرعر آبي الضيم عباس (6)

(1) الوكيس: هو الذي ذهب ماله في التجارة وخسر- أي لن تخسر شيئًا إذا ازددت قدحًا.

(2)

الحميس: النار، والشفيف: البرد، ويحميك ثلاثي أو رباعي بمعنى: يجعلك حمى.

(3)

حتى يفيض بالرفع: أي حتى إن شرابه ليفيض على نمر قته، وانظر باب حتى في الكتاب 1 - 413. والقليس: لمقوس: أي المتقيأ. ولك النصيب أيضًا.

(4)

مع اختلاف المجرى، إذ مجرى الحطيئة كسر، ومجرى الهذلي ضم. والقصيدة طويلة في ديوان هذيل شرح السكري طبع أوروبا.

(5)

خلاس: مسترق

(6)

ويروى: رزئت مكان عهدت.

ص: 72

يا مي إن سباع الجو هالكة

والعين والعفر والآرام والناس (1)

يا مي لن يعجز الأيام ذو حيدٍ

بمشمخر به الظيان والآس (2)

في رأس شاهقةٍ أنبوبها خصرٌ

دون السماء لها بالجو قرناس (3)

يا مي لن يعجز الأيام مبترك

في حومة الموت رزام وفراس (4)

أحمي الصريحة، أحدان الرجال له

صيدٌ، ومجترئٌ بالليل هماس (5)

والطويل فيه مقطوعات حسنة على السين منها الحماسية:

تقول وصكت نحرها بيمينها

أبعلي هذا بالرحى المتقاعس

ومنتها سينية أبي نواس المشهورة "ودار ندامى عطلوها وأدلجوا"(6).

والوافر بكيء بالسينيات، ومن خير ما جاء فيها مرثية الخنساء لأخيها:

يذكرني طلوع الشمس صخرا

وأذكره لكل غروب شمس

ولشوقي سينية من الوافر مطلعها: (الشوقيات 2 - 62):

تحية شاعر يا ماء جكسو

فليس سواك للأرواح أنس

(1) العين والعفر من الظباء جمع أعين وعيناء وأعفر وعفراء. والآرام: الظباء الخالصة البياض.

(2)

الحيد جمع حيدة وهي التواء في القرن. والظيان ياسمين البرية، والآس: آثار العسل والمشمخر: الجبل وروى الشيباني: والخنس، مكان: يامي.

(3)

الأنبوب: الطريق في الجبل، خصر: بارد. القرناس: مانتأ من الجبل.

(4)

المبترك هو الأسد، ووقع في الكتاب "ذو حيد" مكان مبترك وهو خطأ ونبه عليه الأعلم 1 - 251 واستشهد به صاحب الكتاب على جواز الرفع في مقام التعظيم.

(5)

رواية الكتاب: يحمي. والصريمة: رملة متقطعة عن الرمل، وهنا عنى بها موضع الأسد. قوله "أحدان الرجال" عنى أنه يصطاد الرجال واحد واحد. هماس: زعم أبو عمرو: أن همس الليل كله معناه مشاء كله، وهذا تفسير مناسب، إذ مشية الأسد فيها همس. ومن معنى أحدان الرجال شجعانهم.

(6)

الكامل: 4 - 96.

ص: 73

وفيها أبيات حسنة سنعرض لها فيما بعد.

وفي الكامل سينيات عدة، والجيد فيها قليل، نحو كلمة أبي تمام (1):

هل في وقوفك ساعة من باس

نقضي حقوق الأربع الأدراس

وكلمة الرضى (2):

شرف الخلافة يا بني العباس

اليوم جدده أبو العباس

ومن شر سينيات الكامل قصيدة أبي الطيب "هذي برزت لنا" وتأثر فيها إحدى سينيات أبي تمام (3).

وقد عثرت على أبيات على السين في المتقارب جيدة جدًا، رثى بها العبلي جماعة الأمويين الذين قتلهم عبد الله بن علي عند نهر أبي فطرس. قال (4):

تقول أمامة لما رأت

نشوزي عن المضجع الأملس

أبي ما عراك فقلت الهموم

عرون أباك فلا تبلسي

عرون أباك فحبسنه

من الذل في شر ما نحبس

أولئك قومي أناخت بهم

نوائب من زمن متعس

فصر عنهم بنواحي البلاد

فملقى بأرض ولم يرمس

أفاض المدامع قتلى كدىً

وقتلى بكثوة لم ترمس

وبالزابيين نفوس ثوت وقتلى بنهر أبي فطرس

(1) ديوانه: 128.

(2)

يتيمة الدهر للثعالبي (مطبعة حجازي) 3 - 137.

(3)

ديوانه: 130 - 133.

(4)

شرح ابن أبي الحديد 7 - 388، وترجمة الشاعر في الأغاني ج 11.

ص: 74