الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
الطباق:
هو أن يعدل الشاعر عن التكرار المحض، وعن الجناس، إلى نقيضهما أو ضدهما، إما بالنفي الظاهر، وإما بالنفي المضمر. فمثال النفي الظاهر قول البحتري:
يقيض لي من حيث لا أعلم الهوى
…
ويسري إلي الشوق من حيث أعلم
وكما ترى، فإن حقيقة هذا النوع من الطباق تكرار.
ومثل قول الفرزدق:
لعمري لئن قل الحصى في عديدكم
…
بني نهشل ما لؤمكم بقليل
وقد يعمد الشاعر إلى كلام، فيكرر معناهن منقوضًا بلفظ واحد، كالذي جاء في شعر هدبة:
إن يك أنفي زال عنه جماله
…
فما حسبي في الصالحين بأجدعا
فكأنه قال -كما ذكر ابن رشيق (1) - إن كان أنقي أجدع، فحسبي غير أجدع. وهذا تكرار كما ترى، وإن كان تكرارًا خفيًا.
وقد يعمد الشاعر إلى لفظ، فيأتي بنقيضه ظاهرًا، ويكون باطنه تكرارًا، مثل قول أبي تمام:
ولقد سلوت لو أن دارًا لم تلح
…
وحلمت لو أن الهوى لم يجهل
(1) العمدة 2: 9.
فقوله: لم يجهل، معناه قريب من حلم.
ومنأمثلة النفي المضمر، ما يأتي الشاعر فيه بكلمات متضادة، كقول امرئ القيس:
بماء سحاب زل عن ظهر ضخرة
…
إلى بطن أخرى طيب طعمه خصر
فبطن ضد ظهر، وأخرى ضد صخرة. وكأنه قال؛ إلى صخرة غيرها.
ويجري هذا المجرى قوله:
مكر مفر مقبل مدبر معا
…
كجلمود صخر حطه السيل من عل
فكل هذا من باب التكرار النفي، المستغنى عنه بلفظة واحدة.
ويجري هذا المجرى أيضًا، قول طفيل الغنوي يصف حصانًا، بأنه قوي ساهم الوجه، لم تقطع عروقه من مرضٍ:
بساهم الوجه لم تقطع أباجله
…
يصان وهو ليوم الروع مبذول
فقوله: "يصان، ومبذول" ضدان، باطنهما تكرار، أي يصان، ولكنه يوم الروع لا يصان.
وقد يعمد الشاعر إلى لفظة واحدة فيجعلها ضدا لكلام سبق منه، مثل قول الآخر:
فإن قتلونا في الحديد فإننا
…
قنلنا أخاكم مطلقًا لم يكبل
فقوله "مطلق" ضد لقوله "في الحديد". وقوله "لم يكبل" نفي في الظاهر لقوله "في الحديد"، وتكرار في الباطن لقوله "مطلق"، أو لقوله "في الحديد"، كأنه