المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقاطع عند المحدثين: - المرشد إلى فهم أشعار العرب - جـ ٤

[عبد الله الطيب المجذوب]

الفصل: ‌المقاطع عند المحدثين:

فيهن من قصة يوسف في كتاب الله ما جاء، وقد جاء فيهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي ما قال، فانصرف عن البدء بالنسيب وخذ في امر الجد وارتحل بعزم إلى الممدوح فمن جد وجد. وكل ما صنعه أبو تمام أنه اختصر النسيب في صدر البيت وجعل العجز خروجًا إلى الرحلة. فليس عجز البيت بمنفصل عن صدره كما زعم الآمدي بل الذي زعمه الآمدي من أن أبا تمام قد أتم البيت بعجز لا يليق بصدره غير صواب، وهو به واقع في باب عدم الفهم لما يقال ذلك الذي نفر أبو سعيد الضرير وأبو العمثيل أن ينسبا إليه إن صح هذا الخبر عنهما. وفي كتاب من حديث الشعر والنثر للدكتور طه حسين رحمه الله في الفصل الذي عن أبي تمام وشعره قال: أظنكم توافقونني على أن هذا المطلع غريب يعني رحمه الله قوله: «هن عوادي يوسف وصواحبه» - «وإن فهمه ليس بالشيء اليسير» . قلت ولا يستفاد من قوله هذا أن البيت غامض أو أن فهمه مستعصٍ كل الاستعصاء، فالذي ذهبنا إليه هو الصواب إن شاء الله تعالى.

‌المقاطع عند المحدثين:

كما كان أبو تمام وأبو الطيب كلاهما يحرصان على حسن المطلع كذلك كانا يحرصان على جودة المقطع كقوله الذي تقدم ذكره:

إذا ما امرؤ القيس إليك برحله

فقد طالبته بالنجاح مطالبه

وقد نبهنا على أن فيه رجعةً إلى قوله:

فعزمًا فقدمًا أدرك النجح طالبه

وأنفاسًا من مذاهب الرجعة في الخاتمة التي ذكرنا منهن أمثلة. ولا بأس من

ص: 175

الإشارة ههنا إلى أن أبا الطيب قد نظر إليه في مطلع ميميته التي كانت أولى مدائحه لسيف الدولة (1):

وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه

بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه

وقد ترى أن البحر واحد وأنه قد جعل الهاء الساكنة آخر النغم وليست الميم التي هذا حرف الروى ببعيدة المعدن من باء أبي تمام وكلاهما مضموم. والأخذ من معنى أبي تمام خفي ولكنه يبدو مع التأمل، إذ قد لجأ من اختصار عادة الشعراء في النسيب والأغراب في ذلك إلى نحو محذو على نهج أبي تمام.

هذا ومن أجود نهايات أبي تمام قوله في البائية الرائعة المطلع الفذة في بابها:

أبقت بني الأصفر الممراض كاسمهم

صفر الوجوه وجلت أوجه العرب

ومن مقاطع أبي الطيب الحسنة قوله في آخر «على قدر أهل العزم» :

ولم لا يقي الرحمن حديك ما وقي

وتفليقه هام العدابك دائم

وقال في آخر كلمته التي أولها:

عقبي اليمين على عقبي الوغى ندم

ماذا يزيدك في إقدامك القسم

وهو مطلع بارع:

لا تطلبن كريمًا بعد رؤيته

إن الكرام بأسخا هم يداختموا

ولا تبال بشعر بعد شاعره

قد أفسد القول حتى أحمد الصمم

وقال في آخر «واحر قلباه» قصيدته المشهورة:

هذا عتابي إلا أنه مقةٌ

قد ضمن الدر إلا أنه كلم

(1)() ذكرنا من بعد أن العدول عن روي الياء إلى الميم مذهب لأبي الطيب في معارضته لحبيب.

ص: 176