الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يلنجوجي ما رفعت لضيف
…
به النيران ندي الدخان
تحل به على قلب شجاع
…
وترحل منه عن قلب جبان
منازل لم يزل مها خيال
…
يشيعني إلى النوبنذجان
يقول بشعب بوان حصاني
…
أعن هذا يسار إلى الطعان
أبوكم آدم سن المعاصي
…
وعلمكم مفارقة الجنان
ثم خلص إلى المدح -وفي صور المدح مناظر من التفاته إلى الطبيعة والقصيدة من الشعر السائر المروي المشهور. وكل بيت منها كنز من المعاني والعواطف.
سبق التنبيه في أوائل هذا الجزء إلى أخذ الشاعر الإنجليزي أندرو مارفيل فيما نرجحه من هذه القصيدة في منظومته المختارة التي يقال لها الحديقة وأحيانًا يقال لها أفكار في حديقة.
The Garden أو The Thoughts in a Garden.
وهذا الأخذ نقول به على سبيل الترجيح لشدة التشابه في مواضع مما يرجح في مثله ألا يكون وقع حافر على حافر وخاطر على خاطر ولكن نتاج روية وتوليد. ولا يلزم من يتنبه لمثل هذا التشابه أن يثبت واسطة الأخذ. فإن قوة شواهد الملابسات مما تصدر عنها الأحكام في قضايا القانون والمحاكم فكيف بقضايا السرقات والأخذ الأدبية التي ليس منها أديب مهما يكن حظه من الأصالة والإبداع بناجٍ وليس بعد فيها قطع يد أو سجن أو تعزير؟
أبو الطيب ونيكلسون:
هذا استطراد دعا إليه ما تقدم من دعوانا أخذ أندرو مار? ـيل وغيره (وقد ذكرنا من قبل وفي رسالتنا المهرجانية أن وليم بلايك William Blake أيضًا منه أخذ
بل لعله تجاوز الأخذ إلى السرقة) وذلك أن نيكلسون وآخرين من المستشرقين غضوا من قدر أبي الطيب. فما أدري أصنعوا هذا وهم يعلمون مكان الأخذ منه فعمدوا إلى أن يخفوه، أم لمحض الجهل بقدره، وهذا ما أرجحه؛ لأن الذي يكون قد قصد إلى الإخفاء هو الآخذ وهذا المعنى قد وضعه أستاذ النقد والأدب أبو عثمان رحمه الله.
قال نيكلسون في كتابه عن تاريخ الأدب العربي في الفصل الذي تحدث فيه عن المتنبي (انظر طبعة كمبردج- سنة 1966 م ص 307 - 308) ما ترجمه على وجه التقريب (1)(وكل ترجمة تقريب وإن شاء القارئ الكريم رجع إلى النص الإنجليزي حيث ذكرنا موضعه):
«يقول ابن خلكان أما شعره فهو في النهاية، ولكن الأساتذة الأوربيين باستثناء فون هامر لا يشاركون في هذا الإعجاب المتحمس للمتنبي بشيء، وتشهد بذلك أقوال رايسك ودي ساسي وبوهلين وبروكلمان وغيرهم في هذا الموضوع. ولا ريب أن منزلة المتنبي بحسب قوانين ذوقنا دون منزلة مشاهير الجاهليين بكثير. وينبغي بالنسبة للعصور المتأخرة أن يجعل دون أبي نواس وأبي العتاهية. إن محبي الشعر كما يفهم من مدلول هذا اللفظ في أوروبا لا يمكن أن يجدوا فيما كتبه المتنبي من لذة أو متعة فنية بل على العكس سيتقززون من المحاسن التي يزعمها له النقاد العرب بمثل أو بأكثر مما يتقززون من مساوئه» أ. هـ. أقول ليهن «فون هامر» الانفراد والشذوذ، فإن أكثر الذين ذكرهم نيكلسون ممن يصح أن يدرجوا فيما وصف به الجاحظ أبا عمرو الشيباني في كلمته المشهورة من أهل النقد حيث قال: «وأنا رأيت أبا عمرو الشيباني وقد بلغ من استجادته لهذين البيتين ونحن في
(1)() بلغني أن الدكتور صفاء خلوصي ترجم تاريخ نيكلسون الأدبي، فحرصت على أن أصيبه فلم أقدر على ذلك إلى الآن.
المسجد يوم الجمعة أن كلف رجلًا حتى أحضره دواةً وقرطاسًا حتى كتبها له وأنا أزعم أن صاحب هذين البيتين لا يقول شعرًا أبدًا، ولولا أن أدخل في الحكم بعض الفتك لزعمت أن ابنه لا يقول شعرًا أبدًا، وهما قوله:
لا تحسبن الموت موت البلى
…
فإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موتٌ ولكن ذا
…
أفظع من ذاك لذل السؤال
وذهب الشيخ إلى استحسان المعنى والمعاني مطروحة في الطريق إلى آخر ما قاله وأحسبه في الحيوان.
إن يك ما نقول به من أخذ «أندروا مارفيل» و «وليم بلايك» وغيرهما من أبي الطيب صحيحًا وهو إن شاء الله كذلك، فإن الذي اعتمده نيكلسون وقال به من آراء راسيك ودي ساسي وسواهما باطل، منشأ بعضه من الجهل بمعادن أشعار العربية وصحة التذوق لها، وهو أمرٌ اتهم به الجاحظ عددًا من علماء عصره هو أهل الرواية المتمكنين من لغة العرب، فكيف بعلماء المستشرقين وأكثرهم لم يكونوا من جهابذة أهل النقد والذوق في ميادين أشعار لغات أقوامهم وأدبها. هذا ومنشأ بعضه بل أكثره من التحامل والتعصب الديني ودعوى التفوق العنصري. وقول نيكلسون، إنهم -أي النقاد الأوروبيين- يتقززون من محاسن أبي الطيب بله مساوئه، ينضج كما ترى بالسماجة العنصرية أو التعصبية السنخ أو هما معًا. وقد قرن عندهم بين الجاهلين وأبي العتاهية في مجال الموازنة بين المتنبي وغيره من الشعراء. وأبو العتاهية من الجاهليين بعيد كل البعد. لكنه كان ينسب إلى انحراف عن الإسلام. فعل هذا بعض ما قربه من قلوب أهل التعصب. كما يكون قد باعد المتنبي جهارة صوته بمدح الجهاد، وإنحائه على النصارى في غير ما موضع نحو:
وخلي العذارى والبطاريق في الدجى
…
وشعث النصارى والقرابين والصلبا
ونحو:
فخروا لخالقهم سجدا
…
ولو لم تغث سجدوا للصلب
ونحو:
هنيئًا لضرب الهام والمجد والعلا
…
وراجيك والإسلام أنك سالم
ونحو:
أرى المسلمين مع المشركيـ
…
ـن إما خوف وإما رهب
وأنت مع الله في جانب
…
قليل الرقاد كثير التعب
كأنك وحدك وحدته
…
ودان البرية بابن وأب
وهذه عقيدة النصارى، فقد جعلهم من المشركين- ومثل هذا هم معذورون إن كرهوه ثم زعموا أنهم تقززوا منه، وهو من محاسنه كما لا يخفى. ونحو قوله:
ويستنصران الذي يعبدان
…
وعندهما أنه قد صلب
ليدفع ما ناله عنهما
…
فيا للرجال لهذا العجب
ونحو قوله في السبي:
تبكي عليهن البطاريق في الدجى
…
وهن لدينا ملقيات كواسد
وقوله:
فكلما حلمت عذراء عندهم
…
فإنما حلمت بالسبي والجمل
وأما أبو نواس فكالمسلم بزندقته وشعوبيته فهذا يحببه أيضًا إلى من يتعصب من المستشرقين وهم الكثرة. وقد مر بك أنا لا نسلم بهذا الذي كأنه مسلم به في قضية أبي نواس. وقد رزق رحمه الله بعد موته حظًّا عند العامة فجعلوه من أهل النوادر وقرنوه بجحا، وعند المجان لما يروى من خلاعته ومجونه، وعند النقاد لجودة شعره الذي يجوده ولكأن الجاحظ قد قارب تقديمه على بشار، وعند أهل