المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ البحور والقوافي - المرشد إلى فهم أشعار العرب - جـ ٤

[عبد الله الطيب المجذوب]

الفصل: ‌ البحور والقوافي

سكونًا -وهذا تمثيل، إذ النظم يسبق التقطيع ولكن هذا تقدير له. و «مفعولاتن» التي ذكرها التبريزي ما هي بجزء عروضي خليلي إذ آخر الجزء مفعولات تاء متحركة بلا إشباع ومفعولات جزء وهمي أصله من مس تفع لن بتصييرها لن مس تفع فهذه تساوي مفعولات.

مفعولاتن التي ذكرها التبريزي فاصلة موسيقية كبيرة. أصلها (فعلتن) ثم مطلت حركاتها هكذا: فاعي لا فجاءت فا عي لا تن وهي تساوي مفعولاتن وقد قدمنا أمر معرفة المعري بالإيقاع والموسيقا وكان أبو زكرياء التبريزي تلميذه.

ضربات القلب أكثر الدقات طبيعية بالنسبة إلى الإنسان ومعها حركات النفس. وللقلب ضربتان هما معًا أقرب إلى مسـ -تف- علن منهما إلى فعلن/ فعلن/ الخبيبة، وإذا أضفت إليهما حركة النفس وهي لهما مصاحبة تركب النغم وليست حركة النفس موازنة لقولك فعلن فعلن الخبيبة فهذه أشبه بلهث الكلب وحركة النفس تطول وتقصر.

هذا واعلم -أصلحك الله- أن الوزن كلٌّ واحد لا يتجزأ. وإن زعمنا أن له أجزاء فقصارى الأجزاء أن تبدي لنا منه معالم وأشباهًا ليس إلا. وهو هبة من الله يتفاوت فيها الشعراء، فمنهم العصفور ومنهم الغراب ومنهم الزرزور ومنهم الحمامة ومنهم العندليب ومنهم الحمار ومنهم كأهل النار، {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} .

وللوزن أمور أربعة تندرج تحته وفي معناه هن‌

‌ البحور والقوافي

والإيقاع الداخلي والإيقاع الخارجي.

البحور والقوافي:

سبق الحديث عنهما في الجزء الأول. وأخذ علينا بعض الناس أننا صدرنا في الذي نسبناه إلى البحور من صلة بالمعاني عن تفكير ذاتي غير موضوعي، وهذا

ص: 43

مأخذ مردود، إذ صدرنا عن تذوق الشعر المأخوذ من المشايخ ومن الكتب. وقد استشهدنا بأمثلة كثيرة على ما نقول به. وليست الموضوعية أن تنقل ولكن أن تبني ما تصل إليه من نتائج على مذهب وطريقة. وقد صدرت في الستين كتب من تصانيف القدماء فيها ما يصحح ما ذهبنا إليه ويثبتنا على الطريق الذي سلكناه من الاستقراء. ففي كتاب القوافي لسعيد بن مسعدة أبي الحسن (وهو الأخفش الأوسط): نجده أفرد ستة ابحر بالتقديم على غيرها ما افترقنا عنه في شيء منها إلا المديد فإنا جعلناه في ما سميناه -اقتداء بأبي عبيد البكري في سمط اللآلي- النمط الصعب، وابتدأنا به في تقسيم البحور واحتججنا في ما ذهبنا إليه بسبق أبي عبيد وبمثل سبقه في علمه ودقة تحصيله وسعته يقتدى. ولو وصلتنا من المديد قصائد كثيرة كالتي في الطويل والبسيط والكامل لكان مكانه معهن بلا ريب ولقد كانت لجيل الأخفش رواية واسعة ليس لدينا منها معشارها. وأطول ما نعلمه من المديد لامية تأبط شرًّا وقد قيل فيها ما قيل. على أنا قد نبهنا إلى مكان المديد الذي منه كلمة امرئ القيس:

رب رام من بني ثعلٍ

متلج كفيه في قتره

وهي على قصرها جيدة. ومن هذا الوزن كلمة طرفة:

أشجاك الربع أم قدمه

وكلمان حسان من بعد منهن قول ابن قيس الرقبات:

حبذا الإدلال والغنج

والتي في طرفها دعج

وكلمة أبي نواس:

يا كثير النوح في الدمن

لا عليها بل على السكن

وله في هذا الوزن كلمات حسان.

ص: 44

وقد ذكرنا عن اللام والميم أنهما أحلى القوافي، وكذلك هما مع النون عدهن أبو نصر الفارابي من الحروف الممتدة بامتداد النغم ولا تبشعه، وقد ذكرنا عن النون انها في غير التشديد أسهل القوافي جميعًا، ومع عدنا العين في القوافي الذلل ذكرنا أن فيها عسرًا وكذلك في الحاء، وقد عدهما الفارابي مع الظاء مما يبشع مسموع النغم إذا اقترنت به (راجع الموسيقي الكبير 1072 - 1073)، فهذه الموافقة أو المقاربة لها من جانبنا ما أرشد إليها إلا الاستقراء بما نستطيع من الجد وطلب الموضوعية لا مجرد الأحكام الذاتية.

وق سبق التنبيه منا إلى أن القافية من معدن الوزن وليست بالمر المنفصل عنه. وتعريف الخليل للقافية أنها من آخر البيت إلى السكون والحرف المتحرك الذي قبله إيقاعي مدخل لها في حيز وزن البحر الذي هي قافيته. وليس خلاف أبي الحسن سعيد بن مسعدة بناقض هذا الذي ذهب إليه الخليل، إذ خلاف أبي الحسن لغوي لا إيقاعي، حيث ذكر أن القافية هي آخر كلمة في البيت، وإنما قيل لها قافية لأنها تقفو الكلام، وقد ذكر أن مثل «قليل» و «ذميم» و «تدور» قد تجري عندهم مجرى القوافي، قال في كتاب القوافي: «وسمعت الباء مع اللام والميم مع الراء كل هذا في قصيدة، قال الشاعر:

ألا قد أرى أن لم تكن أم مالك

بملك يدي أن البقاء قليل

وقال فيها:

رأى من رفيقيه جفاء وبيعه

إذا قام يبتاع القلاص ذميم

خليل حلا واتركا الرحل إنني

بمهلكة والعاقبات تدور

فبيناه يشري رحلة قال قائل

لمن جميل رخو الملاط نجيب

ولا يخفي أن المشترك بين هذه الألفاظ الواقعة موقع القوافي هو الوزن. وليرجع إلى كتاب القوافي لأبي الحسن فإنه ذكر منها ثلاثين أو تسعة وعشرين وزنًا

ص: 45