الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العروض يستحسن الشعر من اجله وإن خلا من أكثر نعوت الشعر كقول حسان:
ما هاج حسان رسوم المقام
…
ومظعن الحي ومبنى الخيام
وقال قدامة نحوًا من هذا في نعت اللفظ والذي عليه «رونق الفصاحة مع الخلو من البشاعة، مثلا أشعار يؤخذ فيها ذلك وإن خلت من سائر نعوت الشعر» .
وقد اتبع قدامة بن قتيبة حيث ذكر ما جاد لفظه وحلًا وما يختار لوزنه وفي الذي ذكره المرزوقي من التحام أجزاء النظم على تخير من لذيذ الوزن مشابه مما قدمنا ذكره من حديث كلردج عن الإرادة والوجدان من طريق الوزن وتواتر أشكال التعبير والمجاز. هل اطلع كلردج على مقدمة المرزوقي أو خلاصة منها؟ لا نستبعد ذلك لما سبق زمانه من ترجمة حماسة أبي تمام ومعرفة أهل الاستشراق بها.
وفي حديث المرزوقي عن المعايير كلفة وغموض. وسائر كلامه راجع كما قدمنا إلى الجاحظ وابن قتيبة وقدامة وهلم جرا والأبواب السبعة أوضح من أن تذكر لها معايير تدل عليها وكلام النقاد عنها مستفيض. وأحسب أن المرزوقي أعجبه لفظ عيار السعر وقد استشهد بشيء من كلام ابن طباطبا في المقدمة وذكر مع اسمه كنيته وكأن قد كان به ذا إعجاب والله أعلم.
رجع الحديث:
هذا ونعود إل ما كنا فيه من حديث وجه الشبه بين أبي تمام وكلردج أن كليهما يزعم أن للفكر جانب مهم من اليد الطولى في عمل الشعر وثقافته وتهذيبه.
صفحة ممسوحة ص 199
قال أبو تمام يتغزل:
كيف اعتدلت مع اعتدال الغصن في
…
حركاته وفعلت فعل الجائر
وعلمت إثم السحر حين ذممته
…
وأراك متخذًا أداة الساحر
يا شاعرًا في طرفه وبهائه
…
وجماله عذبت قلب الشاعر
وشاهدنا هنا أنه شبه جمال الجميل بالشعر بجامع السحر فيهما وقال:
إليك أثرت من تحت التراقي
…
قوافي تستدر بلا عصاب
من القرطات في الآذان تبقى
…
بقاء الوحي في الصم الصلاب
عراض الجاه تجزع كل وادٍ
…
مكرمةً وتفتح كل باب
مضمنة كلال الركب تغني
…
مكان الزاد منهم والركاب
يعني أنها يتغنى بها الركبان فتغني مكان الزاد والراحلة. قوله مضمنة كلال الركب، فسره التبريزي قال «يريد أن هذه القوافي مضمنة إزالة كلال الركب فحذف لأن المعنى المفهوم» وأحسب أن الطائي أراد أنه قد ضمنها كلال الركب نفسه لملازمتها إياه في السفر الطويل المسافة ذات الكلال، فهي له ترياق لتضمنها معناه بملازمته وشاهدنا قوله «من تحت التراقي» أي من القلب قوله تستدر بلا عصاب أي يدر لبنها كثيرًا بلا حاجة إلى عصاب بكسر العين يعصب به فخذها لتدر. والقرطات بكسر القاف وفتح الراء أو بضمهما جمع قرط بضم فسكون الوحي الكتابة أو النقش.
وقال يمدح أحمد بن أبي دؤاد:
أخذت بأعضاد العريب وقد خوت
…
عيونٌ كليلاتٌ وذلت جماجم
فأضحوا لو استطاعوا لفرط محبةٍ
…
لقد علقت خوفًا عليك التمائم
فمال بال وجه الشعر أغبر قاتمًا
…
وأنف العلي من عطلة الشعر راغم
تداركه إن المكرمات أصابعٌ
…
وإن حلي الأشعار فيها خواتم
إذا أنت لم تحفظه لم يك بدعةً
…
ولا عجبًا إن ضيعته الأعاجم
فقد هز عطفيه القريض توقعًا
…
لعدلك مذ صارت إليك المظالم
ولولا خلال سنها الشعر ما درى
…
بغاة الندى من أين تؤتى المكارم
والشاهد أن الشعر فيه الحكم وبيان العرف والفضائل، وهذا ما زعم له أبو عمرو بن العلاء فيما ذكر أبو حاتم الرازي في أوائل كتابة الزينة (أبو حاتم هذا من رجالات القرنين الثالث والرابع توفي في ربعه الأول) إن الشاعر في العرب كان كالنبي في بني إسرائيل. وتأمل قوله:
إذا أنت لم تحفظه لم يك بدعةً
…
ولا عجبًا إن ضيعته الأعاجم
كأنه يشير بهذا إلى أن الشعر الحق أمرًا اختصت به العرب، فإن أضاعته سادتهم وأولوا الألباب منهم لم يكن العجم له بحافظين. وقد نبه أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني من كبار متكلمي القرن الرابع من أهل السنة في أوائل فصوله من كتابه إعجاز القرآن على أن الفلاسفة كانوا يطلقون على حكمائهم وأهل الفطنة منهم في وصفهم إياهم بالشعر، لدقة نظرهم في وجوه الكلام، وطرق لهم في المنطق، وإن كان ذلك خارجً عما هو عند العرب شعر على الحقيقة. أ. هـ.
هذا موضع استشهادنا. وكأن ابن الباقلاني قد نظر إلى قول الجاحظ من قبل، الحيوان 1: 75 «وفضيلة الشعر مقصورة على العرب وعلى من تكلم بلسان العرب» وقال المعري، وذهب عله المذهب على لسان ابن قارحة في رسالة الغفران يحكيه عن أحد خازني الجنة من أصحاب رضوان عليه السلام إذ قال عن الشعر أن إبليس اللعين نفثه في إقليم العرب فتعلمته نساء ورجال (طبعة ابنة الشاطئ ص 252).