الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه أربعة مباحث:
أ- مبحث الطرفين. ب- مبحث وجه الشبه. جـ- مبحث الأداة. د- مبحث الأغراض. وإليك بيانها على هذا الترتيب:
مبحث الطرفين:
الطرفان هما -كما قلنا- المشبه والمشبه به كما في قولك: "محمد كسحبان"، فالطرفان هما "محمد وسحبان" والأول مشبه، والثاني مشبه به.
وللتشبيه باعتبار الطرفين تقسيمات ثلاثة:
التقسيم الأول:
ينقسم التشبيه بهذا الاعتبار إلى أربعة أقسام:
1-
أن يكون طرفاه حسيين أي: مدركين بإحدى الحواس الخمس. مثال ذلك فيما يدرك بحاسة البصر قولك: "وجه هند كالبدر، وشعرها كالليل". ومثاله فيما يدرك بحاسة السمع قولك: "أسمع صوتًا كتغريد الحمام، ودويًّا كدوي الرعد". ومثاله فيما يدرك بحاسة الشم قولك: "عرف هند كأريج المسك". ومثاله فيما يدرك بحاسة اللمس قولك: "جسمه كالعجين"، ومنه قول ذي الرمة في تشبيه الجسم بالحرير:
لها بشر مثل الحرير ومنطق
…
رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر1
ومثاله فيما يدرك بحاسة الذوق قولك: لعابه كالعسل، وشرابه كالحنظل؛ فالطرفان في هذه المثل جميعا حسيان "كما رأيت".
2-
أن يكون طرفاه عقليين أي: مدركين بالعقل، كما تقول في تشبيه العلم والجهل:"العلم كالحياة" و"الجهل كالموت" فالطرفان في المثالين عقليان.
1 رخيم الحواشي: في أطرافه لين ونعومة، والهراء بالضم: الكلام الكثير الفاسد، والنزر: الكلام القليل أي: لا تكثر في الكلام إلى حد الهذيان، ولا تقل منه إلى درجة العي.
3-
أن يكون المشبه عقليًّا والمشبه به حسيًّا كما تقول في تشبيه الخلق الكريم: "خلق كالعطر" وكقولك في تشبيه الرأي الواضح، والحظ العاثر:"رأي كفلق الصبح"، و"حظ كالليل".
4-
أن يكون المشبه حسيًّا والمشبه به عقليًّا، كتشبيه العطر بالخلق الكريم "عكس المثال السابق" وأشباهه بتقدير المعقول محسوسًا مبالغة. إذ ينبغي أن يكون المشبه به أقوى حالًا من المشبه ولو تقديرًا؛ لأنه الأصل.
تنبيه:
من الحسي: ما لا تدركه الحواس بذاته، ولكن تدرك مادته كقول الشاعر:
كأن الحباب1 المستدير برأسه
…
كواكب در في سماء عقيق
يشبه الفقاقيع الطافية على وجه الماء بكواكب من در، منثورة في سماء من عقيق، وليس من شك أن صورة الكواكب المصوغة من الدر المنثور في سماء مصوغة من عقيق شيء لا يدرك بالحس لعدم وجوده خارج الأعيان، وإنما المدرك مادتها وهي:"الدر، والعقيق، والكواكب، والسماء" وهذا كافٍ في جعل مثل هذا التشبيه حسيًّا. فالحسي حينئذ هو ما يدرك بذاته، أو بمادته بإحدى الحواس الخمس؛ ليدخل فيه مثل هذا التشبيه الخيالي، وهو الشيء المتخيل المركب من أمور مدركة بإحدى الحواس.
ومن العقلي: ما يخترعه الوهم من عند نفسه، من غير أن يكون له، ولا لمادته وجود خارج الأعيان، كقول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي
…
ومسنونة زرق كأنياب أغوال؟ 2
وكقوله تعالى في شجرة الزقوم: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} . فإن أنياب الأغوال، ورءوس الشياطين لم توجد هي ولا مادتها، وإنما هي من اختراعات الوهم.
فالعقلى حينئذ ما لا يدرك هو، ولا مادته بإحدى الحواس الخمس ليدخل فيه مثل هذا التشبيه الوهمى أهـ.
1 هو الفقاقيع التي تُرَى طافية على وجه الماء.
2 الأغوال: جمع غول، يزعمون أنه وحش بشع المنظر، لا أصل له.