الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8-
فتى تم فيه ما يسر صديقه
…
على أن فيه ما يسوء الأعاديا
9-
فعل المدام ولونها ومذاقها
…
في مقلتيه ووجنتيه وريقه
10-
قال الله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} .
11-
أيها السائل قوما
…
ما لهم في الخير مذهب
اترك الناس جميعًا
…
"وإلى ربك فارغب"
12-
تكاد قسيه من غير رام
…
تمكن في قلوبهم النبالا
13-
لا تنكري عطل الكريم من الغنى
…
فالسيل حرب للمكان العالي
14-
وكنا إذا الجبار صعر خده
…
ضربناه حتى تستقيم الأخادع
15-
بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا
…
وطالع السعد في أفق العلا صعدا
16-
وإني محب لطه ومن
…
يحب النبي فحاشا يضام
نبي كريم رءوف رحيم
…
عليه الصلاة وأزكى السلام
المحسنات اللفظية:
منها: 1- الجناس ويقال له: المجانسة والتجانس، ولا يحسن في الكلام إلا إذا وافق مصنوعه مطبوعه، فينبغي أن ترسل المعاني على سجيتها لتكتسي من الألفاظ ما يزينها، فيكون ذلك أدعى لميل النفس، وأملك لزمام السمع.
تعريفه: أن يتفق اللفظان في وجه من الوجوه الآتية بعد مع اختلاف المعنى، وهو نوعان: تام وغير تام.
الجناس التام: هو ما اتفق فيه اللفظان في أربعة أشياء: في نوع الحروف، وعددها، وهيئتها، وترتيبها.
كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} فلفظتا "ساعة" في الآية قد اتفقتا في هذه الأشياء المذكورة، مع اختلافهما في المعنى؛ إذ قد أريد بالساعة في الأول "القيامة"، وفي الثاني:"الساعة الزمنية".
وهو أنواع ثلاثة: مماثل، ومستوفي، ومركب.
فالمماثل1: أن يتفق اللفظان في نوع الكلمة، بأن يكونا اسمين، أو فعلين، أو حرفين.
فالاسمان كالآية المتقدمة، فإن لفظي الساعة فيها من نوع الاسم، وكقول أبي تمام:
فأصبحت غرر الأيام مشرقة
…
بالنصر تضحك من أيامك الغرر
"فالغرر" الأولى بمعنى البياض والإشراق، والثانية بمعنى الكرم والشرف، وكلتاهما من نوع الاسم، وكقول الشاعر:
حدق الآجال آجال
…
والهوى للمرء قتال
"فالآجال" الأولى جمع: إجل بكسر فسكون، وهو القطيع من بقر الوحش، والثانية جمع: أجل بفتح الهمزة والجيم، وهو أمد العمر، وكلتاهما أيضًا من نوع الاسم.
والفعلان كقولك: فلان يجيد أمرين: يضرب في البيداء فلا يضل، ويضرب في الهيجاء فلا يكل. "فيضرب" الأول بمعنى قطع المسافة، والثاني بمعنى الحمل على الأعداء، وكلاهما من نوع الفعل.
والحرفان كقولك: تذرع بالصبر تظفر به، فالباء الأولى للتعدية والثانية للتسمية، وكلاهما من نوع الحرف.
والمستوفي2: أن يختلف اللفظان في نوع الكلمة، بأن يكون أحدهما اسمًا والآخر فعلًا، أو أحدهما حرفًا والآخر اسمًا أو فعلًا.
فمثال الاسم مع الفعل قول أبي تمام:
ما مات من كرم الزمان فإنه
…
يحيا لدى يحيى بن عبد الله
1 سمي هكذا؛ لاتحاد نوع الحرف فيه.
2 سمي بذلك؛ لاستيفاء كل من اللفظين أوصاف الآخر، وإن اختلفا في النوع.
"فيحيا" الأول فعل مضارع، والثاني اسم علم على الممدوح، وكقول بعضهم:
إذا رماك الدهر في معشر
…
قد أجمع الناس على بغضهم
فدارهم ما دمت في دارهم
…
وأرضهم ما دمت في أرضهم
والشاهد في البيت الثاني، فإن كلا من "دارهم وأرضهم" في الأول فعل أمر، وفي الثاني اسم.
ومثال الاسم مع الحرف قولهم: "رب رجل شرب رب رجل آخر""فرب" الأولى حرف جر والثانية اسم للعصير المستخرج من العنب.
ومثال الفعل مع الحرف قولك: علا محمد عليه الصلاة والسلام على جميع الأنام "فعلا" الأول فعل ماضٍ بمعنى ارتفع، والثاني حرف جر.
والمركب: أن يكون كلا اللفظين أو أحدهما مركبًا.
فالأول -وهو ما يكون اللفظان مركبين- كقول الشاعر:
فلم تضع الأعادي قدر شاني
…
ولا قالوا: فلان قد رشاني
فاللفظ الأول مركب من القدر والشأن، والثاني مركب من "قد" الحرفية ومن الفعل المشتق من الرشوة، ويسمى هذا النوع جناسًا ملفقًا.
والثاني -وهو ما يكون أحد اللفظين فيه مركبًا- أنواع ثلاثة: مرفو، ومتشابه، ومفروق.
فالمرفو1: ما كان اللفظ المركب فيه مركبًا من كلمة، وجزء كلمة كقولهم:"أهذا مصاب أم طعم صاب" فاللفظ الأول مفرد؛ إذ هو "اسم مفعول" من "أصاب" والثاني مركب من كلمة هي لفظ "صاب" بمعنى العلقم وجزء كلمة وهو "الميم" من طعم.
والمتشابه2: ما كان اللفظ المركب فيه مركبًا من كلمتين، مع اتفاق اللفظين في الخط كقول الشاعر:
إذا ملك لم يكن ذا هبة
…
فدعه فدولته ذاهبة
1 سمي "مرفوا" أخذا من قولهم: رفأ الثوب، إذا جمع ما تمزق منه بالخياطة، وكأننا أخذنا الميم من "طعم" ورفأنا بها "صاب" فصارت:"مصاب".
2 سمي بذلك؛ لتشابه اللفظين في الخط.
فاللفظ الأول مركب من كلمتين هما: "ذا" و"هبة" بمعنى صاحب عطية أي: كريم، والثاني مفرد، وهو اسم فاعل من الذهاب وقد اتفق اللفظان في الخط "كما ترى"، وكقولهم: يا مغرور أمسك، وقس يومك بأمسك، فاللفظ الأول مفرد، وهو فعل أمر مشتق من الإمساك، بمعنى الكف عن الشيء، والثاني مركب من كلمتين هما: أمس وكاف الخطاب وقد اتفقا في الخط أيضًا.
والمفروق1: ما كان اللفظ المركب فيه مركبًا من كلمتين، مع اختلاف اللفظين في الخط كقول الشاعر:
لا تعرضن على الرواة قصيدة
…
ما لم تكن بالغت في تهذيبها
فإذا عرضت الشعر غير مهذب
…
عدوه منك وساوسا تهذي بها
فاللفظ الأول مفرد وهو مصدر "هذب" بالتضعيف، والضمير المضاف إليه بمثابة الجزء منه، والثاني مركب من كلمتين هما:"تهذي" و"بها" من الهذيان وهو الاختلاط في القول، وقد اختلف اللفظان في الخط كما ترى.
الجناس غير التام: هو ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الأشياء الأربعة السابقة، وهو على أربعة أحوال؛ لأن الاختلاف إما في نوع الحروف، أو في عددها، أو في هيئتها، أو في ترتيبها.
الاختلاف في النوع: إذا اختلف اللفظان في نوع الحروف كان الجناس على نوعين: مضارع، ولاحق.
فالمضارع2: ما كان فيه الحرفان اللذان وقع بينهما الاختلاف متقاربين في المخرج، سواء أكانا في أول اللفظ، أو في وسطه، أو آخره.
فالأول نحو قولهم: بيني وبين كني ليل دامس وطريق طامس3، فالدال
1 سمي بذلك؛ لافتراق اللفظين في الخط.
2 سمي بذلك؛ لمضارعة المباين من اللفظين لصاحبه في المخرج.
3 الدامس: الشديد الظلمة، والطامس: المطموس، وهو الذي لا يتبين فيه أثر يهتدى به.
في "دامس" والطاء في "طامس" مختلفان في النوع، إلا أنهما متقاربان في المخرج؛ لأنهما خارجان من اللسان.
والثاني كقوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} فالهاء والهمزة مختلفان في النوع، إلا أنهما متقاربان في المخرج؛ إذ هما حلقيان.
والثالث كقوله صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقود في نواصيها الخير" فبين اللام والراء اختلاف في النوع، وتقارب في المخرج "لخروجهما من اللسان".
واللاحق1: ما كان فيه الحرفان المختلفان متباعدين في المخرج، سواء أكانا في أول اللفظ، أو في وسطه، أو في آخره كذلك.
فالأول نحو قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} فالهاء واللام متباعدتان في المخرج، فالأولى حلقية، والثانية لسانية.
والثاني نحو قوله تعالى: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} فبين الهاء في "شهيد" والدال في "شديد" تباعد في المخرج؛ إذ الأولى حلقية والثانية لسانية.
والثالث نحو قول أبي عبادة البحتري، أحد شعراء الدولة العباسية:
ألمن فات من تلاق تلاف
…
أم لشاك من الصبابة شاف؟
والشاهد في "تلاق وتلاف" فإن القاف والفاء فيهما متباعدتان في المخرج كما ترى.
تنبيه: يشترط في اللفظين المختلفين في نوع الحروف ألا يقع الاختلاف في أكثر من حرف واحد، وإلا لم يبق بينهما تجانس لفظي "كنصر ونكل".
الاختلاف في العدد: إذا اختلف اللفظان في عدد الحروف، بأن يكون عدد أحد اللفظين زائدًا سمي "الجناس الناقص" لنقصان أحد اللفظين عن الآخر، وهو على أنواع: مطرف، ومكتنف، ومذيل.
فالمطرف: ما كان فيه الزيادة في أول اللفظ، كما في قوله تعالى:{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} بزيادة الميم في أول اللفظ الثاني.
1 سمي بذلك؛ لأن أحد اللفظين ملحق بالآخر في الجناس، باعتبار معظم الحروف.
والمكتنف: ما كان فيه الزيادة في وسط اللفظ نحو قولهم: جدي جهدي، بفتح الجيم فيهما وزيادة الهاء وسطا في الثاني.
والمذيل: ما كان فيه الزيادة في آخر اللفظ كقول أبي تمام:
يمدون من أيد عواص عواصم
…
تصول بأسياف قواض قواضب1
فقد زيد ميم في "عواصم" وباء في "قواضب" وكلتا الزيادتين في الآخر، وكقول الخنساء في رثاء أخيها صخر:
إن البكاء هو الشفا
…
ء من الجوى بين الجوانح
فبين الجوى والجوانح جناس مذيل؛ لأن الثاني زاد عن الأول بحرفين في آخره.
الاختلاف في الهيئة: إذا اختلف اللفظان في هيئة الحروف، كان الجناس على نوعين: محرف، ومصحف.
فالمحرف2: ما اختلف فيه اللفظان في الحركات والسكنات، نحو قولهم: جبة البرد جنة البرد، فبين البرد والبرد جناس محرف؛ لاختلافهما في الهيئة، إذ إن الأول بضم الباء وهو ضرب من الثياب، والثاني بفتحها وهو ضد الحر، وكقولهم: الجاهل إما مفرط أو مفرط؛ فالأول اسم فاعل من الإفراط وهو تجاوز الحد، والثاني اسم فاعل من التفريط وهو التقصير.
والمصحف3: ما اختلف فيه اللفظان نقطًا بحيث لو زال إعجام أحدهما، أو كليهما لم يتميز أحدهما عن الآخر، كقول أبي نواس:
من بحر شعرك أغترف
…
ويفيض علمك أعترف
فبين "أغترف وأعترف" جناس مصحف، إذ ليس بينهما خلاف إلا بالنقط بحيث لو تجرد كلاهما عنه، لم يتميز أحدهما عن الآخر.
1 عواص جمع: عاصية من العصيان، وعواصم جمع: عاصمة من العصمة، أي: عاصيات على أعدائهم عاصمات لأوليائهم، وقواض جمع: قاضية من القضاء وهو الإهلاك، وقواضب جمع: قاضبة من القضب، وهو القطع أي: مهلكة قاطعة.
2 سمي بذلك؛ لانحراف إحدى الهيئتين عن الأخرى.
3 سمي بذلك؛ لتشابه اللفظين في الخط، من التصحيف وهو التشابه خطا.
الاختلاف في الترتيب: إذا اختلف اللفظان في ترتيب الحروف سمي "جناس القلب" وهو على أربعة أنواع: قلب كل، قلب بعض، مجنح، مستو.
فالقلب الكلي: ما انعكس فيه الترتيب كقولهم: حسامه فتح لأوليائه وحتف لأعدائه، فبين "فتح وحتف" جناس قلب كلي؛ لانعكاس الترتيب فيهما انعكاسًا كليًّا إذ إن "حتف" مقلوب "فتح".
والقلب الجزئي: ما انعكس فيه الترتيب بعضًا نحو: "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا" فانعكاس الترتيب فيه ليس في جميع الحروف كما ترى.
والمجنح1: ما كان فيه أحد اللفظين اللذين وقع بينهما القلب في أول البيت والآخر في آخره، كأنه ذو جناحين كقول الشاعر:
قد لاح أنوار الهدى
…
في كفه في كل حال
فاللفظ الأول وهو "لاح" وقع في أول المصراع الأول، والثاني وهو لفظ "حال" وقع في آخر المصراع الثاني.
والمستوي2: ما كان اللفظ فيه بحيث لو عكس، وبدئ بحرفه الأخير إلى الأول لم يتغير نحو:"كل في فلك" فإنك لو عكست هذا التركيب، فبدأت من الكاف في "فلك" كان هو بعينه، ولبعض الأدباء رسالة كبيرة في هذا النوع من البديع.
2-
رد العجر على الصدر، ويكون في النثر، وفي النظم.
فهو في النثر: أن يجعل أحد اللفظين المكررين، أو المجانسين في اللفظ دون المعنى، أو الملحقين بالمتجانسين، وهما اللذان يجمعهما الاشتقاق أو شبه الاشتقاق، في أول الفقرة، والآخر في آخرها.
1 سمي بذلك؛ لأن اللفظين اللذين وقع بينهما القلب بمنزلة جناحين للبيت، وهو كما قيل خاص بالشعر.
2 سمي بذلك؛ لاستواء التركيب قبل العكس وبعده.
فمثال المكررين قوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} فقد جعل أحد اللفظين المكررين، أي: المتفقين لفظا ومعنى في أول الفقرة، والثاني في آخرها كما تراه في الآية الكريمة.
ومثال المتجانسين قوله: سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل، فالأول مأخوذ من السؤال، والثاني من السيلان.
ومثال الملحقين بالمتجانسين اشتقاقًا قوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} فاللفظان المذكوران يجمعهما مصدر واحد هو الغفران.
ومثال الملحقين بالمتجانسين بشبه اشتقاق قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} فبين {قَالَ} و {الْقَالِينَ} شبه اشتقاق، من حيث الحروف الأصول، وهي "القاف واللام" وإلا فإن مصدر {قَالَ} القول، ومصدر {الْقَالِينَ} القلى أي: البغض، فالمصدران مختلفان مدلولًا.
وهو في النظم: أن يكون أحد اللفظين الموصوفين بأحد الأوصاف السابقة في آخر البيت، والآخر إما في صدر المصراع الأول، أو في حشوه، أو في آخره، أو في صدر المصراع الثاني.
فالمثال الأول للمكررين قول الشاعر:
سريع إلى ابن العم يلطم وجهه
…
وليس إلى داعي الندى بسريع
فالمكرر الآخر في صدر المصراع الأول. والمثال الثاني لهما قول الشاعر:
تمتع من "شميم" عرار نجد
…
فما بعد العشية من عرار1
فالمكرر الآخر في حشو المصراع الأول. والمثال الثالث لهما أيضًا قول الشاعر:
ومن كان بالبيض الكواعب مغرمًا
…
فما زلت بالبيض القواضب مغرما2
1 النجد هنا: ما ارتفع من بلاد العرب، والعرار: وردة ناعمة طيبة الرائحة.
2 الكواعب جمع: كاعب، وهي الجارية حين يبدو ثديها للنهود، والبيض القواضب: السيوف القواطع.
فالمكرر الآخر في آخر المصراع الأول. والمثال الرابع قول الشاعر:
وإن لم يكن إلا معرج ساعة
…
قليلًا فإني نافع لي قليلها1
فالمكرر الآخر في أول المصراع الثاني كما ترى.
والمثال الأول للمتجانسين قول الشاعر:
دعاني من ملامكما سفاها2
…
فداعي الشوق قبلكما دعاني
فالمتجانس الآخر في صدر المصراع الأول، وهو بمعنى "اتركاني" والذي في آخر البيت بمعنى الدعاء. وهكذا يمثل للملحقين بالمتجانسين اشتقاقًا، أو شبه اشتقاق، غير أنه لم يحضرنا أمثلة لهما في النظم.
3-
العكس: هو أن يقدم جزء من الكلام على آخر، ثم يعكس فيؤخر ما قدم، ويقدم ما أخر كما تقول: قول الإمام إمام القول، فقد قدم القول على الإمام ثم عكس، فقدم الإمام بعد تأخيره، وأخر القول بعد تقديمه، ويقع العكس على وجوه:
أحدها: أن يقع بين أحد طرفي جملة، وما أضيف إليه ذلك الطرف، كما تقدم في المثال السابق فإن لفظ "قول" أحد طرفي الجملة المذكورة لأنه المبتدأ، ولفظ "الإمام" مضاف إليه ذلك الطرف قد وقع العكس بينهما، فقدم أولًا القول على الإمام، ثم عكس فقدم الإمام على القول، ومثله قولهم: عادات السادات سادات العادات، ويقال فيه ما قيل في الأول. يريد أن يقول: إن الأمور المعتادة للأشراف والأكابر أفضل وأشرف من الأمور المعتادة لغيرهم من الناس.
1 اسم يكن عائد على الإلمام المفهوم من البيت قبله، وهو قوله: "ألما على الدار التي لو وجدتها
…
إلخ" و"معرج" خبرها وهو اسم مفعول بمعنى المصدر، أي: وإن لم يكن الإلمام إلا تعريج ساعة، والمراد بالتعريج الإقامة، و"قليلا" صفة مؤكدة لمعنى القلة، إلا تعريجا قليلًا في ساعة.
2 بفتح السين منصوب على التمييز من السفه، وهو خفة العقل.
ثانيها: أن يقع بين متعلقي فعلين في جملتين كقوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} فالحي والميت متعلقان "بيخرج" في الجملتين، وقد قدم أولًا الحي على الميت، ثم عكس فقدم الميت على الحي.
ثالثها: أن يقع بين لفظين في طرفي جملتين كقوله تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} فاللفظان هما: ضمير الذكور وضمير الإناث، وهما واقعان في طرفي كل جملة من هاتين الجملتين، وقد قدم في الجملة الأولى ضمير الإناث على ضمير الذكور، ثم عكس وقدم في الجملة الثانية ضمير الذكور على ضمير الإناث.
4-
السجع:
هو توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد في الآخر، والفاصلة: هي الكلمة الأخيرة من جملة مقارنة لأخرى، وتسمى كل واحدة من هاتين الجملتين "قرينة" لمقارنتها لأخرى كما تسمى "فقرة".
وهو على ثلاثة أنواع: مطرف، ومرصع، ومتواز.
فالمطرف1: ما اختلف فيه الفاصلتان وزنا، كقوله تعالى:{مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} فـ {وَقَارًا} فاصلة القرينة الأولى؛ لأنها الكلمة الأخيرة منها، و {أَطْوَارًا} فاصلة القرينة الثانية وقد اختلفتا في الوزن؛ لأن ثاني {وَقَارًا} متحرك وثاني {أَطْوَارًا} ساكن.
والمرصع2: ما كان فيه ألفاظ إحدى القرينتين كلها، أو جلها مثل ما يقابلها من الفقرة الأخرى في الوزن والتقفية3 كما في قول الحريري: فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه.
فجميع ما في القرينة الثانية موافق لما يقابله من الأولى وزنًا وتقفية، "فيطبع" موازن "ليقرع" والقافية فيهما العين، والأسجاع موازن للأسماع والقافية فيهما العين أيضًا و"جواهر" موازن "لزواجر"
1 سمي "مطرفًا"؛ لأن ما وقع به التوافق إنما هو الطرف، وهو الحرف الأخير.
2 سمي كذلك؛ تشبيها له بالعقد تجعل فيه إحدى اللؤلؤتين في مقابلة الأخرى.
3 هي الاتفاق على الحرف الأخير.
والقافية فيهما الراء، و"لفظه" موازن "لوعظه" والقافية فيهما الظاء ولو أبدل لفظ الأسماع "بالآذان" كان مثلًا لما يكون أكثر ما في القرينة الثانية موافقًا لما يقابله من الأولى.
والمتوازي1: ما لم يكن جميع ما في القرينة، ولا أكثره مثل ما يقابله من الأخرى. وهذا صادق بأمور ثلاثة:
1-
أن يكون الاختلاف في الوزن والتقفية معًا.
2-
أن يكون الاختلاف في التقفية دون الوزن.
3-
أن يكون الاختلاف بالعكس.
فمثال الأول: قوله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ، وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} فالقرينتان: هما {سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} و {وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} ولفظ {فِيهَا} لا اعتبار له لعدم وجود ما يقابله فـ {سُرُرٌ} وهو نصف القرينة الأولى يقابله {وَأَكْوَابٌ} من القرينة الأخرى، وقد اختلفتا وزنًا وتقفية.
ومثال الثاني قولهم: حصل الناطق والصامت، وهلك الحاسد والشامت2 "فحصل" في القرينة الأولى على زنة "هلك" في القرينة الثانية، ولكنهما اختلفتا تقفيه؛ إذ إن قافية الكلمة الأولى هي "اللام" وقافية الثانية "الكاف" وكذا يقال في: الناطق والحاسد.
ومثال الثالث قوله تعالى: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا، فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} فقد اختلف "المرسلات والعاصفات" في الوزن، فالأولى على زنة "مفعلات" والثانية على زنة "فاعلات" ولكنهما توافقتا في التقفية؛ إذ إن قافيتهما معًا "التاء".
1 سمي بذلك لتوازن الفاصلتين، أي: توافقهما وزنا وتقفية دون رعاية غيرهما، ويكفي في التسمية أدنى اعتبار.
2 الناطق: الرقيق، والصامت كالخيل ونحوها من سائر الحيوان.
وأحسن السجع: ما تساوت قرائنه في عدد الكلمات، كما في قوله تعالى:{فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} 1 فهذه قرائن ثلاث متساوية في أن كلًّا مركب من كلمتين. ويليه ما طالت قرينته الثانية أو الثالثة، فالأولى كما في قوله تعالى:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} فهاتان قرينتان ثانيتهما أكثر عددا من الأولى، والثانية كقوله تعالى:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} فقوله: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} قرينة ثالثة، وهي أطول من سابقتيها، كما هو ظاهر.
ولا يحسن أن يؤتى بالقرينة الثانية أو الثالثة أقصر مما سبقتها؛ لأن السجع قد استوفى أمده في الأول، فإذا جاء الثاني أقصر بقي الإنسان عند سماعه بمثابة من يريد الانتهاء إلى غاية، فيعثر دونها.
5-
الازدواج: هو تجانس اللفظين المتجاورين كقوله تعالى: {مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} ونحو: من جد وجد ومن لج ولج، وما أشبه ذلك.
6-
لزوم ما لا يلزم: وهو أن يلتزم الناظم أو الناثر قبل الروي نظمًا، أو قبل الحرف الأخير في الفاصلة نثرًا ما ليس بلازم، كالتزام حرف وحركة، أو كالتزام أحدهما بحيث يتم النظم، أو السجع بدونه.
فمما التزم فيه الحرف والحركة معًا قول الطغرائي2 في لاميته المشهورة:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل
…
وحلية الفضل زانتني لدى العطل
وكقوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} .
فحرف الروي3 في البيت هو اللام، وقد جيء قبله بطاء مفتوحة في المصراعين، وهو ليس بلازم والحرف المقابل للروي في الآية هو "الراء" وقد جيء قبله بهاء مفتوحة في الفقرتين، وهو ليس بلازم كذلك؛ إذ يتم النظم في الأول، والسجع في الثاني بدونهما.
1 السدر: شجر النبق، و {مَخْضُودٍ} : مقطوع الشوك، والطلح: نوع ضخم من الشجر.
2 هو شاعر جليل أصبهاني الأصل، برع في الكتابة والشعر حتى كان أوحد زمانه.
3 هو الحرف الذي بني عليه القصيدة في آخر البيت، وتنسب إليه، فيقال: قصيدة ميمية، أو لامية، وهكذا.
ومما التزم فيه الحركة فقط قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
…
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
…
لما نسجتها من جنوب وشمأل
فقد التزم الفتح فقط في الحرف الذي قبل الروي، وهو ليس بلازم.
ولأبي العلاء المعري الباع الطويل في هذا النوع، وها هي ذي لزومياته شاهد صدق على ذلك.
تمرين يطلب جوابه:
بين أنواع المحسنات اللفظية فيما يأتي:
1-
لو زارنا طيف ذات الحال أحيانًا
…
ونحن في حفرة الأحداث أحيانا
2-
عضنا الدهر بنابه
…
ليت ما حل بنا به
لا يوالي الدهر إلا
…
خاملًا ليس بنابه
3-
والمكر مهما اسطعت لا تأته
…
لنقتني السؤدد والمكرمة
4-
فهمت كتابك يا سيدي
…
فهمت ولا عجب أن أهيما
5-
رحبة رحبة.
6-
قال الحريري: فمحرابي أحرى بي وأسمالي1 أسمى2 لي.
7-
البرايا أهداف البلايا.
8-
بذلت الجهد لحافظ العهد.
9-
قال البحتري:
لئن صدفت عنا فربت أنفس
…
صواد إلى تلك الوجوه الصوادف3
وكم سبقت منه إلى عوارف
…
ثنائي على تلك العوارف وارف
10-
البدعة شرك الشرك.
11-
قال تعالى: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} .
12-
ممنعة منعمة رداح
…
يكلف لفظها الطير الوقوعا
13-
جئت من حلب ببلح
14-
حر الكلام كلام الحر
1 جمع سمل، على زنة حذر: الثوب الخلق.
2 من السمو.
3 الصوادي جمع صادية وهي العطشى، والصوادف جمع صادفة وهي المعرضة.
15-
فيا سعد حدثنا بأخبار من مضى
…
فأنت خبير بالأحاديث يا سعد
16-
مودته تدوم لكل هول
…
وهل كل مودته تدوم؟
17-
{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} .
18-
من علم سلم.
19-
سأشكر عمرًا ما تراخت منيتي
…
أيادي لم تمنن1 وإن هي جلت
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه
…
ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
رأى خلتي2 من حيث يخفى مكانها
…
فكانت قذى عينيه حتى تجلت
تمرين آخر يطلب جوابه:
لا خاب من استخار، ولا ندم من استشار. ما مات من أحيا علمًا، ولا افتقر من ملك حلمًا. سر بى فسر بى طلقوا وطني. الشرط أملك عليك أم لك؟ فلان طويل النجاد، وطلاع النجاد.
وقلت للائمي: أقصر فإني
…
سأختار المقام على المقام
في الحديث: "عليكم بالأبكار؛ فإنهن أشد حبًّا وأقل خبًّا".
وخز الأسنة والخضوع لناقص
…
أمران في رأي النهى مران
والرأي فيما دونه الأمران أن
…
تختار وقع أسنة المران
وكم غرر من بره ولطائف
…
لشكري على تلك اللطائف طائف
فإن حلوا فليس لهم مقر
…
وإن رحلوا فليس لهم مفر
كلكم قد أخذ الجام ولا جام لنا
…
ما الذي ضر مدير الجام لو جاملنا؟
فكم لجباه الراغبين لديه من
…
مجال سجود في مجالس جود
آس أرملا إذا عسرا
…
وارع إذا المرء أسا
قال بعضهم: غرك عزك، فصار قصار ذلك ذلك، فاخش فاحش فعلك فعلك بهذا تهدى.
فالهم ألهمنا الهداية، ووفقنا إلى الصواب، وجنبنا فاحش الفعل قولًا وعملًا، و {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} .
1 لم تقطع.
2 الخلة بفتح الخاء: الحاجة.