الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا في مدخول لام العلة، وهو "العداوة والحزن" في جانب المشبه و"المحبة والسرور" في جانب المشبه به، ثم جرى ثانيًا في معنى اللام وهو ترتب العلة على المعلول. والتشبيه في آية {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ} جرى أولًا في مدخول الحرف وهو "الجذوع" في جانب المشبه "والظروف الحقيقية" في جانب المشبه به، ثم جرى ثانيًا في معنى الحرف وهو "تلبس الظرف بالمظروف". والتشبيه في المثال الأخير جرى أولًا في مجرور الحرف وهو "النعمة" في جانب المشبه، "والظرف الحقيقي" في جانب المشبه به، ثم جرى ثانيًا في معنى الحرف وهو تلبس الظرف بالمظروف، وعلى هذا يكون القياس ا. هـ.
تقسيم آخر للاستعارة التصريحية:
تنقسم الاستعارة التصريحية إلى ثلاثة أقسام: مرشحة، ومجردة، ومطلقة. فالمرشحة: ما قرنت بما يلائم المستعار منه أي: المشبه به، كما في قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} شبه إيثار الباطل على الحق، واختياره دونه بالاشتراء الذي هو استبدال مال بآخر، بجامع استبدال شيء مرغوب عنه بشيء مرغوب فيه. ثم استعير اسم المشبه به وهو "الاشتراء" بعد التناسي والادعاء للمشبه، وهو "الإيثار والاختيار" ثم اشتق من الاشتراء بمعنى الإيثار والاختيار {اشْتَرَوُا} بمعنى آثروا واختاروا استعارة تبعية، والقرينة حالية إذ لم يقع اشتراء حقيقي بين الضلالة والهدى، وقد قرنت بذكر "الربح والتجارة" اللذين هما من ملائمات الاشتراء الحقيقي، وكقولك:"رأيت أسدًا يخطب القوم، له لبد" فقد استعير "أسد" للرجل الجريء بقرينة يخطب القوم استعارة أصلية، وقد قرنت بقولك:"له لبد" وهو وصف خاص بالأسد؛ لأنه الشعر المتلبد على منكبيه.
وسميت "مرشحة" لأن الترشيح معناه التقوية، وذكر ملائم المشبه به يبعدها عن الحقيقة ويقوي فيها دعوى الاتحاد التي هي مبنى الاستعارة.
والمجردة: ما قرنت بما يلائم المستعار له أي: "المشبه" كما تقول: "رأيت بحرًا
على فرس يعطي" فلفظ "بحر" مستعار للجواد بقرينة "على فرس" وقد قرنت بما يلائم المشبه، وهو قولك: "يعطي" وكقول البحتري:
يؤدون التحية من بعيد
…
إلى قمر من الإيوان1 باد
فالقمر مستعار للإنسان الجميل بقرينة قوله: "يؤدون التحية من بعيد" وقوله: "من الإيوان باد" تجريد؛ لأنه من ملائمات الإنسان الذي هو المشبه.
وسميت "مجردة" لتجردها عما يقوي فيها دعوى الاتحاد، ذلك أن ذكر ملائم المشبه يدنيها من المعنى الحقيقي ويضعف فيها دعوى اتحاد الطرفين. وقد اجتمع الترشيح والتجريد في قول زهير بن أبي سلمى:
لدى أسد شاكي السلاح مقذف
…
له لبد أظفاره لم تقلم
فقوله: "شاكي السلاح" أي: تامه تجريد؛ لأنه من ملائمات المشبه وهو الرجل الشجاع، و"له لبد" ترشيح؛ لأنه من ملائمات المشبه به وهو "الأسد". وإما قوله:"مقذف" فإن أريد به "المقذوف باللحم" كناية عن الضخامة لم يكن تجريدًا ولا ترشيحًا؛ لملاءمته لكل منهما، وإن أريد به الذي يقذف بنفسه في المعارك، سواء أكان بآلة حرب أو بغيرها، فكذلك فإن كان القذف في المعارك بآلة حرب كان تجريدًا؛ لأنه يناسب الشجاع من الرجال إذ هو الذي يحمل السلاح. وأما قوله:"أظفاره لم تقلم" فليس تجريدًا ولا ترشيحًا؛ لأنه كناية عن نفي الضعف فهو قدر مشترك بين الطرفين، وقرينة الاستعارة قوله:"لدى أسد" على تقدير: "أنا لدى أسد" فإن كانت القرينة حالية اعتبر هذا تجريدًا للملاءمته للمشبه. ومما اجتمع فيه الأمران: الترشيح والتجريد قول الشاعر:
رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر
…
ظواهر جلدي وهو للقلب جارح
1 اسم لبناء ضخم، ومنه إيوان كسرى.
شبه النظر بالسهم في شدة التأثير، واستعار السهم للنظر "وريشه" ترشيح؛ لأنه من ملائمات المشبه به من قولهم: راش السهم، إذا ألزق عليه الريش ليكون أحكم في الرماية، و"الكحل" تجريد؛ لأنه من ملائمات المشبه والقرينة حالية بهذا الاعتبار، فإن اعتبر "الكحل" قرينة كان قوله:"ريشه" ترشيحًا، واعتبرت الاستعارة مرشحة.
واعلم أن اعتبار الترشيح والتجريد إنما يكون بعد استيفاء الاستعارة قرينتها، فقولك:"رأيت بدرًا يضحك" استعارة لا ترشيح فيها ولا تجريد؛ لعدم اقترانها بما يلائم أحد الطرفين، وأما قوله:"يضحك" فهو قرينة الاستعارة فلا يعتبر تجريدًا، وإن كان من ملائمات المشبه؛ لأن التجريد أو الترشيح "كما قلنا" إنما يعتبر بعد تمام الاستعارة، وهي إنما تتم بالقرينة، ولو أن القرينة في هذا المثال حالية لكان قولك:"يضحك" تجريدًا؛ لأنه يلائم المشبه.
والمطلقة: ما لم تقترن بشيء من ملائمات أحد الطرفين، كقولك:"عطشي إلى لقائك شديد" شبه الشوق بالعطش بجامع ما يترتب على كل من التلهف، ثم استعير العطش للشوق، والقرينة قولك:"إلى لقائك" وكقولك: غرست الجميل فلم يثمر. شبه فعل الجميل بالغرس بجامع ما يترتب على كل من العائدة، ثم استعير الغرس لفعل الجميل، ثم اشتق منه غرس بمعنى فعل الجميل "على سبيل الاستعارة التبعية" والاستعارة في المثالين مطلقة لعدم اقترانها بشيء يلائم أحد الطرفين.
ومن قبيل الاستعارة المطلقة ما اجتمع فيه ترشيح وتجريد "كالبيتين السابقين"؛ لأنهما باجتماعهما يتعارضان فيتساقطان. فكأن لا ترشيح ولا تجريد، اللهم إلا إذا زاد أحدهما على الآخر فإنه حينئذ يرجح جانبه، وبناء عليه يكون قول "زهير" السابق:"لدى أسد شاكي السلاح""البيت" من قبيل الاستعارة المجردة إن جعلت القرينة حالية؛ لأن ملائمات المشبه حينئذ تكون أكثر من ملائمات المشبه به، كما أن قولك:"رأيت أسدًا على فرس منتفش اللبدة رهيب الزئير" من قبيل الاستعارة المرشحة على تقدير أن القرينة حالية؛ لأن ملائمات المشبه به أكثر، فهي بهذا الاسم أجدر، ورجح بعضهم جانب السابق لسبقه. وسميت مطلقة لإطلاقها عن التقييد بما يلائم أحد الطرفين.